اطبع هذه الصفحة


تهنئة وعزاء

بقلم/ محمد بن عبد الله العبدلي


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله، المتفرد بالبقاء والدوام سبحانه، كتب على جميع خلقه الفناء، والصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير محمد بن عبد الله الصادق الأمين صلى الله عليه وعلى آله الأطهار وصحابته الكرام وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن الله تبارك وتعالى قضى وقدر أن كل شيء له بداية ونهاية، فبداية الإنسان نطفة قذرة من ماء مهين، ثم يكون رجلاً في أحسن خلقة، ثم يموت فيصير تراباً، ثم نهايته إما إلى جنة إن أحسن وعمل صالحاً، وإما إلى النار إن أساء عصى، ونحن قبل أيام كنا نهنئ بعضنا بعضاً بقدوم شهر رمضان المبارك شهر العتق من النيران، كنا نستقبله بلهفة وشغف وشوق، وها نحن اليوم كل واحد منا يقول لصاحبه عشر مباركة، يهنئ بعضنا بعضاً بالعشر الأخيرة من رمضان، وبعد أيام سينصرم، تقوضت خيامه، وتصرمت لياليه وأيامه، قرب رحيله، وأذن تحويله، ولم يبق منه إلا قليله، انتصف مودعاً، وسار مسارعاً، ولله الحمد على ما قضى وأبرم وأعان ويسر، وله الشكر على ما أعطى وأنعم، تنطوي صحيفة شهر رمضان وتقوض سوقه العامرة بالخيرات والحسنات، وقد ربح فيه من ربح وخسر من خسر.

تصرم الشهر وا لهفاه وانهدما    ---     واختص بالفوز بالجنات من خدما
طوبى لمن كانت التقوى بضاعته      ---     في شهره وبحبل الله معتصما

فهو ذاهب بأفعالكم، شاهدٌ لكم أو عليكم بما أودعتموه، فيا ترى أتراه يرحل حامداً الصنيع أو ذاماً التضييع؟!! فمن كان أحسن فعليه بالتمام، ومن كان فرط فليختم بالحسنى فالعمل بالختام.
فهنيئا لمن صام رمضان إيماناً واحتساباً، هنيئاً لمن صلى التراويح والقيام وخشع في صلاته، هنيئاً لمن حفظ لسانه عن اللغو والرفث وفاحش الكلام، هنيئاً لمن جعل أنيسه في هذا الشهر كتاب ربه تبارك وتعالى قارئاً باكياً.

هنيئاً لمن أحسن إلى الفقراء والمحتاجين، أزف إليك هذه البشارة وأقول لك لقد قال النبي الكريم  صلى الله عليه وسلم  قال كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه : ((من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه))([1]).

هنيئاً لمن وفق لقيام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، ففيه ليلة خيرٌ من ألف شهر قال الله تبارك وتعالى: ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ [سورة القدر:3]، من حُرم خيرها فقد حُرم لحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه  أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  قال: ((من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه))([2]).

هنيئاً لمن أحسن الصيام والقيام فقد جعل الله تبارك وتعالى في الجنة باباً سماه الريان يدخل منه الصائمون لحديث سهل رضي الله عنه : عن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال: ((إن في الجنة بابا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم يقال أين الصائمون فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أغلق فلن يدخل منه أحد))([3]).

وأقول لك أيها الموفق المبارك: أيها الصائم عليك أن تدعوا الله تبارك وتعالى أن يتقبل منك، يا من أحسنت الاستقامة في هذا الشهر المبارك دم على ذلك فيما بقي من عمرك، ولا تفسد هذا الخير بالمعاصي والآثام، فتكون كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً، يا من أعتقه مولاه تبارك وتعالى من النار، إياك أن تعود إلى المعاصي والأوزار، يا من اعتاد حضور المساجد وعمارة بيوت الله تبارك وتعالى بالطاعة وأداء صلاة الجماعة فيها، واصل هذه الخطوة المباركة، ولا تقلل صلتك بالله تبارك وتعالى، فتشارك المنافقين الذين لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى، ولا تهجر المساجد؛ فيختم الله تبارك وتعالى على قلبك، يا من تعودت قراءة القرآن في هذا الشهر الكريم داوم على تلاوته ولا تقطع صلتك به؛ فإنه حبل الله المتين ومنهاجه القويم، وهو هدى ونور وشفاء لما في الصدور.

يا من اعتدت قيام الليل استمر في هذه المسيرة الطيبة، فاجعل لك حظاً مستمراً من قيام الليل لو كان قليلا ترفع فيه حوائجك إلى ربك وتكون ممن قال الله فيهم ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ [سورة السجدة:16].

يا من اعتدت الصيام في شهر رمضان امض في هذه العادة الحميدة، فإن الصيام لا يزال مشروعاً في العام كله، وهناك أيام من السنة حث النبي الكريم  صلى الله عليه وسلم  على صيامها، منها صيام ستة أيام من شوال، عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه  قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : ((من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر))([4]).

ومنها أيضا صيام ثلاثة أيام من كل شهر، ومنها صوم يوم عرفة ومنها صيام يوم عاشوراء ويوم قبله أو يوم بعده، عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه  أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  سئل عن صومه؟ قال فغضب رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، فقال عمر رضي الله عنه : رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا وببيعتنا بيعة، قال فسئل عن صيام الدهر؟ فقال: ((لا صام ولا أفطر  أو -ما صام وما أفطر-)) قال: فسئل عن صوم يومين وإفطار يوم؟ قال: ((ومن يطيق ذلك؟))، قال: وسئل عن صوم يوم وإفطار يومين؟ قال: ((ليت أن الله قوانا لذلك))، قال: وسئل عن صوم يوم وإفطار يوم؟، قال: ((ذاك صوم أخي داود u)) قال: وسئل عن صوم الاثنين؟، قال: ((ذاك يوم ولدت فيه ويوم بعثت -أو أنزل علي فيه-))، قال فقال: ((صوم ثلاثة من كل شهر، ورمضان إلى رمضان صوم الدهر))، قال: وسئل عن صوم يوم عرفة؟ فقال: ((يكفر السنة الماضية والباقية))، قال: وسئل عن صوم يوم عاشوراء؟، فقال: ((يكفر السنة الماضية))([5]).

 يا من تعودت في هذا الشهر البذل والعطاء واصل مسيرتك الخيرة إن الله يجزي المتصدقين، وتحر في صدقتك الفقراء المعوزين والمساكين المتعففين.

وعزاءً لمن فرط في أيام هذا الشهر ولياليه، فنام عن الصلوات المكتوبة، وتخلف عن المساجد وفرط في قراءته لكتاب ربه تبارك وتعالى.

عزاءً لمن لم يراقب الله تبارك وتعالى المطلع على كل صغيرة وكبيرة فأطلق لسانه في الغيبة والنميمة والبهتان، وأطلق بصره للحرام تذكر أن الله تبارك وتعالى سائلك فما عسى سيكون الجواب قال الله: ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾ [سورة الإسراء:36].

عزاءً لمن فرط في جنب الله تبارك وتعالى فخرج رمضان ولم يغفر له، وأقول لك: لقد دعاء جبريل عليه السلام على من أدرك رمضان ولم يغفر له وأمن على دعائه النبي الكريم محمد بن عبد الله الصادق الأمين  صلى الله عليه وسلم  كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه  أن النبي  صلى الله عليه وسلم  صعد المنبر فقال: ((آمين آمين آمين)) قيل: يا رسول الله إنك حين صعدت المنبر قلت: آمين آمين آمين قال: ((إن جبريل أتاني فقال: من أدرك شهر رمضان ولم يغفر له فدخل النار فأبعده الله قل: آمين، فقلت: آمين، ومن أدرك أبوية أو أحدهما فلم يبرهما فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين فقلت: آمين، ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين))([6])، ويا خيبة من هذا حاله.

أخي الكريم: بقي لك فرصة في العمر، وهي أن الله تبارك وتعالى يقبل التوبة والإنابة والله تبارك وتعالى يغفر الذنوب جميعاً فهل من توبة صادقة؟ والله تبارك وتعالى يعبد في كل الشهور وهو رب جميع الشهور فعبد الله تبارك وتعالى وفتح صفحة بيضاء نقية مع الله تبارك وتعالى ليرضى عنك ويغفر لك وأبشر فقد قال الله: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [سورة الزمر:53].

نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا والمسلمين لاغتنام الأوقات وصرفها في الطاعات والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
 
---------------------------------
([1]) أخرجه البخاري برقم (37)، ورقم (1905)؛ ومسلم برقم (759).
([2]) أخرجه مسلم برقم (760).
([3]) أخرجه البخاري، برقم (1797)، ومسلم، برقم (1152).
([4]) أخرجه مسلم برقم (1164).
([5]) أخرجه مسلم، برقم (1162).
([6]) أخرجه ابن حبان في صحيحه برقم (907)، والطبراني في الكبير برقم (2022)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (75)، وقال حسن صحيح في صحيح الترغيب والترهيب برقم (997).

 

شهر رمضان

  • استقبال رمضان
  • يوم في رمضان
  • رمضان شهر التغيير
  • أفكار دعوية
  • أحكام فقهية
  • رسائل رمضانية
  • المرأة في رمضان
  • سلوكيات خاطئة
  • فتاوى رمضانية
  • دروس علمية
  • رمضان والصحة
  • الهتافات المنبرية
  • العشر الأواخر
  • بطاقات رمضانية
  • المكتبة الرمضانية
  • وداعاً رمضان
  • الصفحة الرئيسية