اطبع هذه الصفحة


عشرون انقضتْ!

أبو نعيم وليد الوصابي


بسم الله الرحمن الرحيم


لم يكدْ مداد قلمي يجفّ من كَتبي، مقالي: (عشرٌ انقضتْ) إلا وتتابع الأيام سراعاً، فكتبت (وانتصف الشهر)!
وها أنا اليوم، أكتب: (عشرون انقضتْ)!

نعم، ها نحن نودّع عشرين يوماً من أيام ضيفنا المبارك.
أيامه تعدو عدْواً، وتحدو حدواً، بل وتجري جرياً، ليس لها توقّف ولا هجوع، بل حركة وزموع!

وهذا كله، من أعمارنا القصيرة القليلة- التي لا ندري متى يفجؤنا فيها الأجل، ونحن مقصرون في العمل (نسأل الله طول العمر، مع حسن العمل):


إنما الدنيا كظل زائلٍ *** أو كضيف بات ليلاً، فارتحلْ
أو كطيف قد يراه نائم *** أو كبرق لاح في أفق الأملْ
يا من بدنياه اشتغلْ *** وغرّه طول الأملْ
الموت يأتي بغتةً *** والقبر صندوق العملْ
 

ومن يعلم من نفسه.. القصور والتواني؛ فليجتهد فيما بقي، ولا يكن بالواني!

قال ابن القيم:

يا خاطب الحور الحسان وطالباً *** لوصالهن بجنة الحيوانِ

لو كنت تدري من خطبت، ومن طلبـ *** ـت، بذلت ما تحوي من الأثمانِ

أو كنت تدري أين مسكنها، جعـ *** ـلت السعي منك لها على الأجفانِ

ولقد وصفت طريق مسكنها، فإن *** رمت الوصال فلا تكن بالواني

أسرع وحث السير جهدك إنما *** مسراك هذا ساعة لزمانِ

فاعشق وحدّث بالوصال النفس *** وابذل مهرها ما دمت ذا إمكانِ

واجعل صيامك قبل لقياها، ويـ *** ـوم الوصل يوم الفطر من رمضانِ

واجعل نعوت جمالها الحادي وسرْ *** تلقى المخاوف وهي ذات أمانِ


فبين أيدينا.. العشر الأخيرة، وهي خير مما بقي..
وقد جاء عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (الأعمال بالخواتيم).
رواه البخاري.
وجاء عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (إنما الأعمال بخواتيمها، كالوعاء: إذا طاب أعلاه؛ طاب أسفله، وإذا خبث أعلاه؛ خبث أسفله).
رواه ابن حبان، وحسنه الشيخ شعيب الأرنؤوط في (صحيح ابن حبان، برقم: ٣٣٩)

وإن العشر الأواخر.. أفضل أيام الشهر، بل أفضل أيام الدنيا، فلنشمّر عن ساق الجد والاجتهاد، فقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم، يشدّ مئزره، ويحيي ليله، ويوقظ أهله في هذه العشر الجلّى الفضلى.

قال ابن الجوزي: "وينبغي أن يكون الاجتهاد، في أواخر الشهر.. أكثر من أوله؛ لشيئين: أحدهما: لشرف هذا العشر، وطلب ليلة القدر، فقد روينا فيما تقدم: (اطلبوها في خمس بقين، أو ثلاث، أو آخر ليلة)، والثاني: لوداع شهر، لا يدري هل يلقى مثله أم لا؟".
(التبصرة: ٢/ ١٠٣)

وليلة وصل بات منجز وعده *** سميري فيها بعد طول مطالِ
شفيت بها قلباً أطيل غليله *** زماناً فكانت ليلة بليالي

ولنواصل العمل، ولنطرد الوسن، ونهجر الرقاد.. علّ نفحة من نفحات ربنا تدركنا، ونحن في صلاة، أو ذكر، أو تصدق، أو على أي عمل صالح آخر..
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: (افعلوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته- يصيب بها من يشاء من عباده).
رواه الطبراني في "الكبير"، وقال الهيثمي: إسناد رجاله، رجال الصحيح، وحسنه الألباني في (الصحيحة، رقم: ١٨٩٠).

""يصيب به من يشاء من عباده"، فمن أصابته؛ سعد سعادة، لا يشقى بعدها أبداً، فإن أعظم نفحاته، مصادفة دعوة الإجابة، يسأل العبد فيها الجنة، والنجاة من النار، فيجاب سؤاله، فيفوز بسعادة الأبد قال الله تعالى: "فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز"، وقال: "فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق" إلى قوله: "وأما الذين سعدوا ففي الجنة"


ليس السعيد الذي دنياه تسعده *** إن السعيد الذي ينجى من النارِ
 

عباد الله: إن شهر رمضان، قد عزم على الرحيل، ولم يبق منه إلا القليل، فمن منكم أحسن فيه؛ فعليه التمام، ومن فرط؛ فليختمه بالحسنى، والعمل بالختام، فاستغنموا منه ما بقي من الليالي اليسيرة والأيام، واستودعوه عملاً صالحاً، يشهد لكم به عند الملك العلام، وودعوه عند فراقه بأزكى تحية وسلام.

سلام من الرحمن كل أوانِ *** على خير شهر قد مضى وزمانِ
سلام على شهر الصيام فإنه *** أمان من الرحمن كل أمانِ
لئن فنيت أيامك الغر بغتة *** فما الحزن من قلبي عليك بفانِ"
(لطائف المعارف: ٢١٦)


ويا عبد الله، إن أحسنت فزد، وإن أسأت فعُدْ.
واعلم، أنك إلى ربك راجع، "إن إلى ربك الرجعى" "يأيها الإنسان إنك كادحٌ إلى ربك كدحاً فملاقيه". ستلقى ما قدّمت، وتحصد ما زرعت:
 

فمن زرع الحبوب وما سقاها *** تأوّه نادماً يوم الحصادِ
 

ازرعْ جميلاً، تحصد جنة وخميلاً، وتُكسى إستبرقاً وحريراً.

أودّع بعضك يا رمضان، بل أكثرك، بل ثلثيك!
أودعك حبيبي الكريم، وضيفي العظيم، على أمل أن تتمهل قليلاً في بقيّتك.

وقد كان جعفر الصادق.. يدعو في آخر رمضان، فيقول: اللهم رب رمضان، منزل القرآن.. هذا شهر رمضان- الذي أنزل فيه القرآن، وقد تصرم، أي رب، فأعوذ بوجهك الكريم؛ أن يطلع الفجر من ليلتي هذه، أو يخرج رمضان.. ولك عندي ذنب تريد أن تعذبني يوم ألقاك.

وأنا أضرع إلى سيدي ومولاي.. أن يهبنا الصحة والعافية، والتوفيق والتحقيق، للاستيقاظ لعمل الصالحات، والابتعاد عن عمل السيئات.

أسألك ربي، لي ولإخواني وأخواتي.. توفيقاً وإعانة، وتحقيقاً وصيانة، وكفاية ووقاية وهداية.
اللهم وفقنا لكل خير، وجنبنا كل شر وضير.


وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي.
١٤٣٧/٩/٢٠
١٤٤١/٩/٢٠


 

شهر رمضان

  • استقبال رمضان
  • يوم في رمضان
  • رمضان شهر التغيير
  • أفكار دعوية
  • أحكام فقهية
  • رسائل رمضانية
  • المرأة في رمضان
  • سلوكيات خاطئة
  • فتاوى رمضانية
  • دروس علمية
  • رمضان والصحة
  • الهتافات المنبرية
  • العشر الأواخر
  • بطاقات رمضانية
  • المكتبة الرمضانية
  • وداعاً رمضان
  • الصفحة الرئيسية