اطبع هذه الصفحة


القول المصدَّق في حكم طلب الدعاء من المتصدَّق!

أبو نعيم وليد الوصابي


بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه.
وبعد:
فإن من المسائل، التي يكثر طرقها، والكلام عنها: مسألة، طلب المتصدِّق الدعاء من المتصدق عليه.
وأردت، أن أدلي بدلوي في أبيار القامات الأطهار، وأجهد في إعمال فهمي مع أفهامهم الرصينة، وعقولهم المتينة.

فأقول -مستعيناً بالمعين-:
أولاً: يستحب للمتصدق عليه، ويندب له.. الدعاء للمتصدِّق؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من صنع إليكم معروفاً؛ فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئوه؛ فادعوا له- حتى تروا أنكم قد كافأتموه).
رواه أبو داود والنسائي، بإسناد صحيح.
قال الموفق ابن قدامة: "وإن أعطاه صدقته؛ استحب أن يدعو له، لقول الله تعالى: "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم"، وروى عبد الله بن أبي أوفى قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أتاه قوم بصدقتهم؛ قال: اللهم صل على آل فلان، فأتاه أبي بصدقة، فقال: اللهم صل على آل أبي أوفى).
متفق عليه.
ولا يجب الدعاء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يأمر سعاته بذلك. ويستحب أن يقول: آجرك الله فيما أعطيت، وبارك لك فيما أبقيت، وجعله لك طهوراً.
ويستحب للمعطي، أن يقول: اللهم اجعلها مغنماً، ولا تجعلها مغرماً".
(الكافي في فقه الإمام أحمد: ١/ ٤٢١)
وبوّب البخاري، بقوله: (باب صلاة الإمام ودعائه لصاحب الصدقة)
(صحيح البخاري: ٢/ ١٢٩)
وبوّب عليه النووي، في شرحه لصحيح مسلم، بقوله: (باب الدعاء لمن أتى بصدقة).
وقال -رحمه الله-: "ومذهبنا المشهور: ومذهب العلماء كافة: أن الدعاء لدافع الزكاة؛ سنة مستحبة، ليس بواجب.
وقال أهل الظاهر: هو واجب، وبه قال بعض أصحابنا، حكاه أبو عبد الله الحناطي -بالحاء المهملة-، واعتمدوا الأمر في الآية.
قال الجمهور: الأمر في حقنا للندب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم، بعث معاذاً وغيره؛ لأخذ الزكاة، ولم يأمرهم بالدعاء.
وقد يجيب الآخرون: بأن وجوب الدعاء، كان معلوماً لهم من الآية الكريمة، وأجاب الجمهور أيضاً: بأن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، وصلاته سكن لهم، بخلاف غيره".
(شرح مسلم: ٧/ ١٨٤ - ١٨٥)
قلت: هذا، ما يستحب على المُعطَى؛ من الدعاء للمعطِي، والقول الحسن، والذكر الجميل.

ثانياً:
طلب المتصدِق والمعطي- الدعاء من المعطى والمتصدق عليه..
وقفت على كلام جامع مانع، نافع ماتع، للإمام الهمام، شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية -رحمه الله- متفرق في بطون (مجموعه) المشبع بالعلم، والمتبع بالفهم، فهاكه، ولا تبغ فكاكه:
قال ابن تيمية: "والمحسن إليهم، وإلى غيرهم.. عليه أن يبتغي بذلك وجه الله، ولا يطلب من مخلوق- لا في الدنيا، ولا في الآخرة، كما قال تعالى: "وسيجنبها الأتقى * الذي يؤتي ماله يتزكى * وما لأحد عنده من نعمة تجزى * إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى * ولسوف يرضى" وقال: "ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً * إنما نطعمكم لوجه الله" الآية.
ومن طلب من الفقراء- الدعاء، أو الثناء.. خرج من هذه الآية؛ فإن في الحديث الذي في سنن أبي داود (من أسدى إليكم معروفاً؛ فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئوه؛ فادعوا له، حتى تعلموا أنكم قد كافأتموه)؛ ولهذا كانت عائشة: إذا أرسلت إلى قوم بهدية، تقول للرسول: (اسمع ما دعوا به لنا؛ حتى ندعو لهم بمثل ما دعوا، ويبقى أجرنا على الله)، وقال بعض السلف: (إذا أعطيت المسكين، فقال: بارك الله عليك، فقل: بارك الله عليك).
أراد؛ أنه إذا أثابك بالدعاء؛ فادع له بمثل ذلك الدعاء- حتى لا تكون اعتضت منه شيئاً، هذا، والعطاء لم يطلب منهم".
(مجموع الفتاوى: ١١/ ١١١)
وقال -رحمه الله-: "فالمؤمن يرى: أن عمله لله؛ لأنه إياه يعبد، وأنه بالله؛ لأنه إياه يستعين، فلا يطلب ممن أحسن إليه- جزاء، ولا شكوراً؛ لأنه إنما عمل له ما عمل لله، كما قال الأبرار "إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا"".
(مجموع الفتاوى: ١٤/ ٣٢٩)
وقال -رحمه الله-: "فكل ما يفعله المسلم من القُرَب الواجبة والمستحبة، كالإيمان بالله، ورسوله، والعبادات البدنية والمالية، ومحبة الله، ورسوله، والإحسان- إلى عباد الله بالنفع، والمال.. هو مأمور بأن يفعله، خالصاً لله رب العالمين، لا يطلب من مخلوق عليه- جزاء؛ لا دعاء، ولا غير دعاء.. فهذا مما لا يسوغ- أن يطلب عليه جزاء؛ لا دعاء ولا غيره".
(مجموع الفتاوى: ١/ ١٩٠) وينظر: (قاعدة جليلة: ١٧٠)
قلت: هذا كلام شيخ الإسلام، وهو كلام رصين، وفهم متين، عوّل فيه على الأدلة، مع فهمه الغوير، ونبهه الغزير.
قلت: ولعل من كره طلب المتصدق الدعاء من المتصدق عليه؛ لأمور:
-لما في طلب الدعاء، من السؤال.
-ولما فيه من المقاضاة والمقاصاة.
-ولما يبدو فيه، من التعالي والترفع.
-ولما يشعر الفقير، بالنقص، وربما الذلة والتخضع.
والذي يظهر -والله أعلم-؛ أن طلب الدعاء.. لا يصل لدرجة الحرمة، أو بطلان الصدقة؛ لحديث عبد الله بن بسر -من بني سليم-، قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى أبي، فنزل عليه، فقدم إليه طعاماً، فذكر حيساً أتاه به، ثم أتاه بشراب، فشرب، فناول من على يمينه، وأكل تمراً، فجعل يلقي النوى على ظهر أصبعيه- السبابة، والوسطى، فلما قام، قام أبي، فأخذ بلجام دابته، فقال: ادع الله لي؟ فقال: اللهم بارك لهم، فيما رزقتهم، واغفر لهم، وارحمهم).
رواه مسلم والترمذي والنسائي من طرق.
قلت: يفهم، من هذا الحديث -والله أعلم-؛ جواز طلب الضيف، الدعاء من المضيف.
ولكن، لا يقاس عليه، ولا يستدل به-؛ لأمور:
-لأن ما ذكر- من أسباب منع طلب الدعاء من المتصدق عليه.. منفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لكماله وعصمته- عليه الصلاة والسلام.
-ولأنها ليست صدقة عليه، عليه الصلاة والسلام.
-ولأن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، مستجاب على التحقيق.
-ولأننا لا نستطيع القول أو الجزم- أن طلبه الدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم، كان في مقابل الضيافة.
ولكن، يؤخذ منه -والله أعلم-؛ عدم تحريم طلب الدعاء من المتصدق عليه؛ لأنه لو كان حراماً؛ لبينه النبي صلى الله عليه وسلم.
ولا أعني، أن ضيافة الرسول صلى الله عليه وسلم، كانت عليه صدقة؛ لا، بل هي إكرام وضيافة؛ لأن الصدقة، لا تحل للنبي صلى الله عليه وسلم، وآله؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (أخذ الحسن بن علي رضي الله عنهما، تمرة من تمر الصدقة، فجعلها في فيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كخ، كخ؛ ليطرحها، ثم قال: أما شعرت، أنا لا نأكل الصدقة).
وفي رواية: (أما علمت، أن آل محمد صلى الله عليه وسلم؛ لا يأكلون الصدقة؟) رواه البخاري ومسلم.
والضيافة؛ واجبة، قال ابن قدامة: "والواجب: يوم ليلة، والكمال: ثلاثة أيام". (المغني: ١١/ ٩١)
قلت: والواجب؛ أولى، أن لا يطلب عليه أجراً، أو يطلب فيه دعاء؛ لأنه متعلق بالذمة، ولا تبرأ إلا به.
ولكن الأفضل والأكمل.. أن لا يُطلب الدعاء، ممن أنفق عليه وتصدق؛ لأنه أبقى للفضل، وأوفى للأجر.
والله سبحانه وتعالى، قد تكفل بمجازاة المنفق والمتصدق، بجزاء عظيم فخيم، ولعل أعظمه؛ أن المتصدق لا خوف عليه ولا حزن، قال تعالى: "الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون".
فـ بخٍ بخٍ، هذا الفضل العظيم..
وواهاً واهاً، هذا الخير العميم..
فإذا كان الأمر كذلك؛ فأنفق وتصدق، دون مَنٍّ أو أذى، واطلب جزاءك من العليم الحكيم، و"إن الله يجزي المتصدقين"، وأبشر بالعوض من الله تعالى: "وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين" وفي الحديث: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما مِن يوم يصبح العباد فيه، إلا ملكان ينزلان، فيقول: أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً) رواه البخاري ومسلم.
هذا، ما أردت بيانه، وقصدت تبيانه، وأرجو أن يكون لله خالصاً، وعلى الحق صواباً، ولا أعدم -إن شاء الله- أجراً من ربي، أو نصحاً، من صحبي.
وسبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم.


وكتب: أبو نعيم وليد الوصابي.
١٤٤١/٩/١٤

 

شهر رمضان

  • استقبال رمضان
  • يوم في رمضان
  • رمضان شهر التغيير
  • أفكار دعوية
  • أحكام فقهية
  • رسائل رمضانية
  • المرأة في رمضان
  • سلوكيات خاطئة
  • فتاوى رمضانية
  • دروس علمية
  • رمضان والصحة
  • الهتافات المنبرية
  • العشر الأواخر
  • بطاقات رمضانية
  • المكتبة الرمضانية
  • وداعاً رمضان
  • الصفحة الرئيسية