صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







التَّراويحُ في زمنِ الوباءِ

أ.د عبد الله بن عمر السحيباني


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمدُ لِلَّه، والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى رَسُولِهِ اللهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أمَّا بَعْدُ:
فَبَعْد مُرُور أَكْثَرَ مِنْ عَامٍ عَلَى اجْتِيَاح وَبَاء كرونا لِلْعَالِم يَأْتِي رَمَضَانُ فِي هَذَا الْعَامِ (1442ه)، وَقَد فُتِحَتِ الْمَسَاجِدُ -بِحَمْدِ اللَّهِ- فِي بَعْضِ دُوَل العَالَمِ الإِسْلاَمِيِّ، وَصَلَّى النَّاسُ فِيهَا مُتَّبِعِين إِجْرَاءاتٍ خَاصَّةً، وتدابيرَ مُهِمَّةً تُصدرها الوزاراتُ الْمَعْنِيَّةُ؛ تَهْدفُ إِلىَ مُحَاوَلَة مُحَاصَرَة هَذَا الْوَبَاءِ، وَتَقْلِيل آثَارِه عَلَى النَّاسِ، وَمِنْ تِلْكَ الإجْرَاءاتِ: تَقْلِيلُ زَمَن صَلَاة التَّرَاوِيحِ وَالْقِيَام مَا أَمْكَنَ، مَعَ إدْرَاكِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ لِصَلَاةِ التَّرَاوِيحِ.

وَفِي ظِلِّ هَذَا الْوَضْعِ الْحَرجِ تَبرزُ عِدَّة تساؤلاتٍ ترِدُ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَغَيْرهمْ فِي طَرِيقِهِ الصَّلَاة، وَالْأَفْضَلِ فِيهَا، وَلعَلِّي أُوفَّق فِي هَذِهِ الْأَسْطُر إلَى ذِكْرِ بَيانٍ مُوجَزٍ وَاضِحٍ وَمُفِيدٍ فِي عِدَّةِ مَسَائِلَ.
أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَنْفَعَ بِهَا؛ إنَّهُ جَوَادٌ كَرِيمٌ.

المسألةُ الأولى:

صلاةُ التَّراويحِ سُنَّةٌ مؤكَّدةٌ في قولِ عامَّةِ العُلمَاءِ( )، والجمهورُ على أنَّ الأفضلَ أنْ تكونَ جماعةً( )، بَلْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا مِنْ أَفْضَلِ الصَّلَوَاتِ الجَمَاعِيَّة التطوعيَّة.
قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: «وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِهَا، وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْأَفْضَلَ صَلَاتُهَا منفردًا فِي بَيْتِهِ أَمْ فِي جَمَاعَةٍ فِي الْمَسْجِدِ؟، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَحْمَدُ، وَبَعْض الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرُهُمْ: ‌الأفضلُ ‌صلاتُها ‌جماعةً؛ كَمَا فَعَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَالصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَاسْتَمَرَّ عَمَلُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ»( ).
وَقَد حثَّنا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى هَذِهِ الصَّلَاةِ الْمُبَارَكَة، وَأَخْبَرَنَا أَنَّهَا سَبَبٌ لِرَحْمَةِ اللَّهِ وَمَغْفِرَة الذُّنُوبِ، أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ –رَحِمَهُمَا الله- فِي «صَحِيحَيْهِمَا»( ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».

المسألةُ الثَّانيةُ:

الْأَفْضَلُ هَذَا الْعَامِ –لأجل الوباء-: تَخْفِيف التَّرَاوِيحِ وَالْقِيَام؛ تحصيلًا لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ، ودرْءًا لِلْمَفْسَدَة الْمُحْتَمَلَةِ، فَإِنَّ احْتِمَالَ انْتِشَار الْوَبَاءِ مَع تَطْوِيل الْمُكْثُ فِي الْمَسْجِدِ وَالِاجْتِمَاع لِلصَّلَاة أَكْثَرُ، وَلِذَا أَوْصَتِ الْجِهَات الْمَسْؤُولَةُ عَنِ الْمَسَاجِدِ فِي الْعَالَمِ الإِسْلاَمِيِّ بِتَخْفِيفِ الصَّلاَةِ؛ بِنَاءً عَلَى مَا أَوْصَت بِه اللِّجان الصِّحِّيَّةُ الْمَعْنِيَّة بِمُتَابَعَة تطوراتِ هَذَا الْوَبَاء.
فيَنْبَغِي لِلْأَئِمَّة مُرَاعَاةُ هَذَا الظَّرْفِ، وَاعْتِبَارُ الْمَصَالِح، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُرَاعِي ظُرُوفَ الْمَأْمُومِين وَحَالَهم، وَكَانَ يَقْصُرُ فَرِيضَة الْفَجْر أحيانًا؛ لِعَارِض سَفَرٍ، أَوْ مَرَضٍ، بَلْ إنَّهُ خَفَّفَ الصَّلَاةَ مرَّةً مِنْ أَجْلِ بُكَاءِ صَبِيٍّ سَمِعَه، وَقَالَ كَمَا فِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ»( ): «إِنِّي لَأَقُومُ فِي الصَّلاَةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ»، فَانْظُرْ كَيْفَ رَاعَى الشَّارِعُ الْحَكِيمُ حَال امْرَأَةٍ مِنْ أَجْلِ بُكَاء وَلَدِهَا، وَهِي فَرْدٌ مِنَ الْمَأْمُومِينَ، فَمُرَاعَاة حَالِ الْجَمَاعَةِ الْكَثِيرَةِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الأوبئة الضَّارَّةِ الْمُزْعِجَة لنفوس النَّاسِ أَوْلَى، وَأَوْجَبُ.
وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى الْأَئِمَّة، وَيُحَذِّرَهُمْ مِنَ الْمَشَقَّةِ عَلَى الْمَأْمُومِينَ، وَيُسَمِّي بَعْضُهُم «مُنَفِّرِين»، بَلْ قَالَ لِمُعَاذٍ رضي الله عنه لَمَّا أَطَالَ الصَّلَاةَ عَلَى بَعْض الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم: «يَا مُعَاذُ، أَفَتَّانٌ أَنْتَ ـ أَوْ أَفَاتِنٌ» ثَلاَثَ مِرَارٍ( )، فَلَعَلَّ إِخْوَانَنَا وَأَئِمَّتَنَا -وَفَّقَهُمُ اللَّهُ- أَنْ يَكُونوا قُدْوَةً لَا فِتْنَةً، وَإِن يُخَفِّفُوا صَلَاتَهُم؛ احتسابًا، وَلِيَعْلَمُوا أَنَّهُمْ يُدْرِكُونَ بِذَلِكَ كُلَّ خَيْرٍ، مِنْ لُزُومِ الطَّاعَةِ، وَالْجَمَاعَة، وَاجْتِمَاع الْكَلِمَةِ، وَدَرْءِ الْمَفْسَدَة الْمُحْتَمَلَةِ.
وَقَد تقرَّرَ فِي أُصُولِ الشَّرِيعَةِ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ إذَا لَمْ يتيسَّرْ فِعْلُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ الشَّارع فَعِلَ الْمُكَلَّفُ الْمُتَيَسَّر مِمَّا يُقْدَرُ عَلَيْهِ؛ فَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: ﭐﱡﭐ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﱠ( )

المسألةُ الثَّالثةُ:

الْأَفْضَلُ فِي عَدَدِ رَكَعَاتِ صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ وَالْقِيَام: أَنْ تَكُونَ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً مَعَ الْوِتْرِ.
وليحتسبْ إمَامُ الْمَسْجِدِ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَنْقُصْ عَنْ هَذَا الْعَدَدِ، فَرُبَّمَا أَنَّ بَعْضَ الْمُصَلِّينَ لَا يَنْشَطُ لِلصَّلَاة بِمُفْرَدِه، أَو التَّهَجُّدِ فِي بَيْتِهِ فَلْيَجْتَهِدِ الْإِمَامُ فِي أَنَّ يُدْرِكَ مَنْ صَلَّى مَعَهُ فَضِيلَةَ تَمَامِ صَلَاةِ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَفِي ذَلِكَ -بِإِذْنِ اللَّهِ- إدراكٌ لِلسُّنَّة، فَقَدْ سُئِلْت عَائِشَةُ رضي الله عنها «كَيْفَ كَانَتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَمَضَانَ؟»، فَقَالَتْ: «مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلا فِي غَيْرِهِ علَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاَثًا»( ).
وَلَئِن فَاتَ الْيَوْمَ طُولُ صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَفُوتَ عَدَدُهَا الَّذِي شَرَعَه رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ -رَحِمَهُ اللَّهُ- أَنَّ تَخْفِيفَ الصَّلاةِ مَعَ زِيَادَةِ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ قَدْ يَكُونُ هُوَ الْأَفْضَلَ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، كَمَا خَفَّفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الضُّحَى يَوْمَ الْفَتْحِ فَصَلَّاهَا ثَمَانِي رَكَعَاتٍ يخفِّفهُنَّ( )، وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ، وَكَمَا فَعَلَ الصَّحَابَةُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ لَمَّا شَقَّ عَلَى الْمَأْمُومِينَ إطَالَةُ الْقِيَام( ).

المسألةُ الرابعة:

الْأَكْمَلُ وَالْأَفْضَلُ فِي زَمَنِ هَذَا الْوَبَاء: أَنْ يُصَلِّيَ الْمُسْلِم صَلَاةَ التَّرَاوِيحِ جَمَاعَةً مَعَ الْإِمَامِ وَلَوْ كَانَتْ خَفِيفَةً؛ فَإِنَّ الِاجْتِمَاع لِقِيَامِ رَمَضَانَ مَسْنُونٌ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ العلمِ( )، وَمَنْ أَرَادَ الِاسْتِزَادَةَ مِنَ الصَّلَاةِ وَالْقِيَامِ فِي وَسَطِ اللَّيْلِ أَوْ آخِرِهِ فَلَهُ ذَلِكَ، بَلْ هُوَ مَأْجُورٌ -بِإِذْنِ اللَّهِ-.
فليحتسبِ الْمُسْلِمُ صَلَاتَه التَّرَاوِيحَ مَعَ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ، فَإِنَّهَا صَلَاةٌ جَمَاعِيَّةٌ لَهَا فَضِيلَةٌ، بَلْ هِيَ شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ، وَفِي حُضُورُهَا تَشْجِيعٌ لِلْآخَرِين، وَإِحْيَاءٌ لِلسُّنَّة، قَالَ إِسْحَاقُ –رحمه الله-: قُلْتُ لِأَحْمَدَ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: «الصَّلَاةُ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَمْ يُصَلِّي ‌وَحْدَهُ ‌فِي ‌قِيَامِ ‌شَهْرِ ‌رَمَضَانَ؟»، قَالَ: «يُعْجِبُنِي أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْجَمَاعَةِ؛ يُحْيِي السُّنَّةَ»( ).
وَرُبَّمَا كَانَتْ صَلَاتُهُ مَعَ الْجَمَاعَةِ أَنْشَطَ لَهُ، وَأَحْضَرَ لِقَلْبِه، وَأَزْكَى عِنْدَ رَبِّهِ، وَفَوْقَ ذَلِكَ كُلِّهِ يُحْسَب لِلْإِنْسَانِ إذَا صَلَّى مَعَ إمَامِهِ بِفَضْلِ اللَّهِ قِيَامُ اللَّيْلَةِ، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي خُصُوصِ قِيَامِ رَمَضَانَ: «إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ»( ).
وليحتسبِ الْمُؤْمِنُ صَلَاتَه بَعْدَ ذَلِكَ فِي بَيْتِهِ بِمُفْرَدِه أَوْ مَعَ أَهْلِهِ، وَرُبَّمَا كَانَ أَجْرُ صَلَاةِ الْبَيْت فاضلًا؛ بِحَسَبِ مَا يُصَاحِبْهَا مِنَ الْخُشُوعِ، وَالْخَفَاء، وَالْإِخْبَاتِ، خَاصَّةً إذَا كَانَتْ فِي ثُلُثِ اللَّيْلِ الآخِرِ، فَإِنَّ صَلَاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ( )، وَلِذَا قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه لَمَّا رَأَى النَّاسَ يَقُومُونَ أَوَّلَ اللَّيْلِ: «وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنَ الَّتِي يَقُومُونَ»( )، يريد: الصَّلاةَ في آخرِ الليلِ.

المسألةُ الخامسةُ:

الْأَفْضَلُ لِمَنْ صَلَّى التَّرَاوِيحَ مَعَ الْإِمَامِ، وَكَانَتْ صَلاةُ الْإِمَامِ خَفِيفَةً، وَرَغِبَ فِي الِاسْتِزَادَة مِنَ الصَّلَاةِ أَنْ يُتِمَّ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ، وَيُسَلِّمَ مَعَهُ إذَا أَوْتَرَ، فَلَا يَنْصَرِفُ قَبْلَ إمَامِهِ، وَلَا يُخَالِفُهُ، أَوْ يَزِيدُ عَلَيْهِ.
وَلَهُ أَنْ يَزِيدَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ مَا شَاءَ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوتِرَ؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا وِتْرَانِ فِي ليلةٍ»( )، وَقَدْ اسْتَحَبَّ بَعْضُهُمْ أَنَّ يَكُونَ بَيْنَ الْوِتْرِ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ وَالتَّطَوُّع بَعْدَه فاصلٌ فَيَذْهَب لِبَيْتِه، أَوْ يَشْتَغِلُ بِأَكْلٍ، أَوْ عَمَلٍ، أَوْ حَدِيثٍ، أَوْ أي شَيْءٍ؛ حَتَّى لَا يصلَ بِوِتْرِه صَلَاةً.
وَالْوِتْرُ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ جَائِزٌ بِلاَ خلافٍ( )، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْأَفْضَلِ مِنْ تَقْدِيمِ الْوِتْرِ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ أَوْ تَأْخِيرِه؟ عَلَى قولين( )، ويدلُّ للجواز: قولُ عائشةَ رضي الله عنها: «مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ قَدْ أَوْتَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَأَوْسَطِهِ، وَآخِرِهِ، فَانْتَهـــَى وِتْــــرُهُ إِلَى السَّحَرِ»( )، قَــــالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِـــــيدِ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: «وَحَدِيثُ عَائِشَةَ يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ فِي الْأَوَّلِ، وَالْوَسَط، وَالْآخرِ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْحَالَاتِ وَطُرُوءِ الْحَاجَات، وَقِيل: بِالْفَرْقِ بَيْنَ مَنْ يَرْجُو أَنْ يَقُومَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ وَبَيْنَ مَنْ يَخَافُ أَلَّا يَقُومَ، وَالْأَوَّل: تَأْخِيرُه أَفْضَل، وَالثَّانِي: تَقْدِيمُه أَفْضَلُ.
وَلَا شَكَّ أَنَّا إذَا نَظَرْنَا إلَى آخِرِ اللَّيْلِ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ كَانَتْ الصَّلَاةُ فِيهِ أَفْضَلَ مِنْ أَوَّلِهِ، لَكِنْ إذَا عَارَضَ ذَلِكَ احْتِمَالُ تَفْوِيت الْأَصْل قَدَّمْنَاهُ عَلَى فَوَاتِ الْفَضِيلَةِ»( ).
فالْوِتْرُ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ لِمَن صَلىَ مَعَ الْإِمَامِ أَفْضَلُ، وَهُوَ أَقْرَبُ لِظَاهِرِ السُّنَّة؛ فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم عِنْدَمَا صَلَّى بِالنَّاسِ فِي رَمَضَانَ صَلَّى بِهِمْ ثَمَانِي رَكَعَاتٍ وَأَوْتَر كَمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ: «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ، وَأَوْتَرَ»( )، وَالظَّاهِر: أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي آخِرِ اللَّيْلِ؛ بِدَلِيلِ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ
رضي الله عنه السَّابِقِ: «إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ»( )، وَقَدْ قَالَ ذَلِكَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ لما سَأَلَهُ أَبُو ذرٍّ رضي الله عنه أَنَّ يَزِيدَهُم مِنْ هَذِهِ النَّافِلَةِ الْمُبَارَكَة، فَقَال: «يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ نَفَّلْتَنَا قِيَامَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ؟»، فَقَدْ كَانُوا فِي مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ.
أما قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلاَتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا»( ) فَهُوَ أَمْرٌ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَهُوَ أَمْرٌ لِمَنْ صَلَّى لِنَفْسِهِ، وَلَم يصلّ مَعَ الْإِمَامِ، فَالْوِتْر فِي آخِرِ اللَّيْلِ حينئذٍ أَفْضَل، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أيضًا: مَا فِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ»( ) من حديث جابرٍ بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ خَافَ أَلَّا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ، وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ؛ فَإِنَّ صَلَاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ، وَذَلِكَ أَفْضَلُ»، وقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ( ): «مَحْضُورَةٌ»، فَظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ: فِيمَن يُصَلِّي وَحْدَهُ، فَالْأَفْضَل: أَنْ يَكُونَ وِتْرُه آخِرِ اللَّيْلِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْوِتْرِ: مَا ثَبَتَ فِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ»( ) من حديثِ عائشةَ رضي الله عنها قالت: «كَانَ يُصَلِّي ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي ثَمَاني رَكَعَاتٍ، ثُمَّ يُوتِرُ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ»، قال النوويُّ -رحمه الله-: «الصَّوَاب: ‌أنَّ ‌هاتين ‌الركعتين ‌فعلَهُما صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الْوِتْرِ جالسًا لِبَيَانِ جَوَاز الصَّلَاةِ بَعْدَ الْوِتْرِ، وَبَيَان جَوَازِ النَّفْلِ جالسًا، وَلَمْ يُوَاظِبْ عَلَى ذَلِكَ، بَلْ فَعَلَهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ مَرَّاتٍ قَلِيلِةً»( )، بَلْ إنَّهُ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْأَمْرُ بِصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ، فَفِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ هَذَا السَّفَرَ جُهْدٌ وَثِقَلٌ، فَإِذَا أَوْتَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، فَإِنِ اسْتَيْقَظَ وَإِلا كَانَتَا لَهُ»( )، يقول الألبانيُّ -رحمه الله-: « وَقَدْ تَبَيَّنَ لَنَا الْآنَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ: أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ لَيْسَتَا مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَمْرِهِ صلى الله عليه وسلم بِهِمَا أُمَّتَه أمرًا عامًّا، فَكَانَ الْمَقْصُودُ بِالْأَمْر بِجَعْل آخِرِ صَلَاةِ اللَّيْلِ وترًا: أَلَّا يُهْمِلَ الْإِيتَارَ بِرَكْعَةٍ، فَلَا يُنَافِيهِ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَهُمَا كَمَا ثَبَتَ مِنْ فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمرِه، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ»( ).

المسألةُ السادسةُ:

يَجُوزُ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَقُومَ الْمَأْمُومُ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ فِي الْوِتْرِ؛ لِيَأْتِيَ بِرَكْعَةٍ تُشَفِّعُ وترَه( )، وَقَدْ اسْتَحَبَّ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ إذَا كَانَ وُتِر الْإِمَامِ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَالرَّاجِحُ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ: عَدَمُ اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ( )، أمَّا إنْ أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ مُتصِلَة، فَقَدْ كَرِهَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ قِيَامَه بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ لَن تَكُون حينئذٍ مَثْنَى مَثْنَى، كَمَا كَرِهُوا مُفَارَقَةَ الْإِمَامِ قَبْلَ السَّلَامِ؛ لِعَدَمِ كَمَالِ الْمُتَابَعَةِ حَتَّى ينصرفَ، وَقَدْ نَصَّ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ تَرْكَ الْمُسْتَحَبِّ أَوْلَى مِنَ ارْتِكَابِ المكروه( )، وَغَايَةُ فِعْلِ مَنْ أَوْتَرَ مَعَ الْإِمَامِ أَوَّلَ اللَّيْلِ أَنَّهُ تَرَكَ الْمُسْتَحَبَّ فِي وَقْتِ الْوِتْرِ عِنْد بَعْضِهِمْ، كَمَا ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ صَحِيحٍ نَقْضُ الْوِتْرِ بِزِيَادَةِ رَكْعَةٍ عَلَيْه، أَوْ بِصَلَاة رَكْعَةٍ بَعْدَ ذلك( ).
بَلْ إنْ الظَّاهِرَ مِنَ السُّنَّةِ: عَدَمُ مُخَالَفَةِ الْإِمَامِ بِمُفَارَقَتِه أَو شَفْع الْوِتْر بَعْدَه، فَإِنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ لَمَّا رَغِبُوا فِي الِاسْتِزَادَة مِنْ صَلَاةِ الْقِيَامِ فِي رَمَضَانَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ أَبُو ذرٍّ رضي الله عنه: «يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ نَفَّلْتَنَا قِيَامَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ؟»، قَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ»( )، فَلَم يُرْشِدْهُم رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى أَنْ يفارقوه، أَوْ أَنْ يَشْفَعُوا وترهم بَعْدَه، بَلْ أَثْبَتَ الْأَجْرَ لِمَنْ صَلَّى مَعَ إمَامِهِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، أَي: حَتَّى تَنْتَهِيَ صَلَاتُهُ، وَفَضْلُ اللَّهِ وَاسِعٌ، وُجُودُه وَكَرَمُه وبرُّه بِعِبَادِه لَا يُحَدُّ، وَلَا يُعَدُّ.
فَالْأَفْضَل -كَمَا سَبَقَ- لِلْمَأْمُوم: أَنْ يُوتِرَ مَعَ إمَامِهِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا تَيَسَّرَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ فِي الِاتِّبَاعِ لِلسُّنَّة، وَهُو أيضًا الْأَبْعَدُ عَنْ الرِّيَاءِ، وَالسُّمْعَةِ.
كَمَا أَنَّ الْأَفْضَلَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُوتِرَ بجماعته، وَيَقْنُتَ فِيهِم قنوتًا موجزًا، يَحْرِص فِيهِ عَلَى جَوَامِعِ الدُّعَاءِ الثَّابِتَةِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَيَحْتَسِب ذَلِكَ خَاصَّةً فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ الْفَاضِلَة؛ فَلَعَلَّ فِي جَمَاعَتِهِ مَنْ هُوَ مُجَابُ الدَّعْوَةِ، وَلَعَلّ مِنْهُمْ مَنْ يشقُّ عَلَيْهِ الْوتْرَ، أَوْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا تَرَكَهُ، وَلَعَلَّ مِنْهُمْ مَنْ لَا يُحْسِنُ الْقُنوتَ فِي الْوِتْرِ، فَلْيُحْسِن الْإِمَامُ، وليحتسبْ، ثُمَّ إذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ لِنَفْسِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ.

المسألةُ السابعةُ:

وَهِي بُشْرَى لِكُلٍّ مَنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ صَلَاةِ التَّهَجُّد وَالْقِيَامِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ هَذَا الْعَامِ كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي الْأَعْوَامِ الْمَاضِيَةِ إمامًا أَو مأمومًا: بِأَن أجْرَه تَامٌّ وَمَكْتُوبٌ -بِإِذْنِ اللَّهِ- كَمَا كَانَ يُصَلِّي كُلَّ سَنَةٍ،؛ وَدَلِيلُ ذَلِكَ: مَا ثَبَتَ فِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ»( ) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا مَرِضَ العَبْدُ، أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا »، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: «وَهُوَ فِي حَقِّ مَنْ كَانَ يَعْمَلُ طَاعَةً فَمُنِع مِنْهَا، ‌وكانت ‌نيَّتُه ‌لولا ‌المانعُ ‌أن ‌يدومَ ‌عليها»( )، فَهَذَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ يَكْتُب الثَّوَاب لَنَأْوِي الْخَيْر الْمُرِيد لَه الْمُعْتَادِ لِفِعْلِهِ كَمَا لَوْ فَعَلَهُ، فاللهم لَكَ الْحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلَالِ وَجْهِك، وَعَظِيمِ سُلْطَانِك.
وأخيرًا، فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لِلْأَئِمَّة فِي الْمَسَاجِدِ أَنَّ يتعاونوا مَعَ جَمَاعَة مَسَاجِدِهِم مِنْ أَجْلِ الِالْتِزَام بِتَوْجِيه الوزارات الْمَعْنِيَّة فِي هَذِهِ الظُّرُوفِ، وَأنْ يحْمَدُوا اللَّهُ –سُبْحَانَهُ- عَلَى مَا منَّ بِهِ وَتَفَضَّلَ مِنَ الِاجْتِمَاعِ لِلصَّلَاةِ فِي الْمَسَاجِدِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مُغْلَقَةً فِي الْعَامِ الْمَاضِي، كَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ؛ لِرَفْعِ هَذَا الْوَبَاء عَنْ بِلَادٍ الْمُسْلِمِينَ وَالْعَالِم.
نَسْأَلُ اللَّهَ بِمَنِّهِ وَلُطْفِه أَنْ يَرْزُقَنَا جميعًا الْبَصِيرَةَ فِي دِينِهِ، وَأنْ يمنَّ عَلَيْنَا بِالْقَبُول، وَأَنْ يهْدِيَ المسؤولين عَنْ إدَارَةِ هَذِهِ الْأَزْمَةِ فِي كُلِّ مَكَانٍ سَوَاءَ السَّبِيلِ، وَأن يجْزِيهُم خَيْرَ الْجَزَاءِ.
وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَآلِه، وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.


وكتبه
أ.د عبد الله بن عمر السحيباني
أستاذ الدِّراسات العُليا بقسم الفقه بـ «جامعة القصيم»
20/9/1442هـ


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
 
  • استقبال رمضان
  • يوم في رمضان
  • رمضان شهر التغيير
  • أفكار دعوية
  • أحكام فقهية
  • رسائل رمضانية
  • المرأة في رمضان
  • سلوكيات خاطئة
  • فتاوى رمضانية
  • دروس علمية
  • رمضان والصحة
  • الهتافات المنبرية
  • العشر الأواخر
  • بطاقات رمضانية
  • المكتبة الرمضانية
  • وداعاً رمضان
  • الصفحة الرئيسية