صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







للمشهد منظور آخر ..

أحمد المنسي

 
والله إنه لأمر يشرح الصدور أن نرى الأمة الإسلامية كلها تجتمع على أمر واحد ، وتقف موقفا رافضا لأي تطاول على ديننا أو نبينا صلى الله عليه وسلم ، وذلك المشهد الذي أثلج صدري وصدور الكثيرين في هذه الأمة لحري بنا أن نقف عنده وقفة . فقد تعودنا نحن المسلمون أن نستقبل الأحداث استقبالا فوق مايتفق مع ما جاءت به أو دون ماينبغى أن يكون . بل إننا قلما نملك القدرة على إدراك الأسباب ، كما نفتقدها عند تقدير النتائج .

تعالت الصيحات إلا صيحة ، اشتقت أن أسمعها ، وجاءت القرارات إلا قرارا طالما كنت أنتظره ، وتعددت الردود لكنها خلت من رد أراه مس الحق والحقيقة ، ولكأني أرى الأمة بين حالين لا ثالث لهما ، فإما تقصير وإما تهويل ، وراحت الوسطية تشكو الوحشة واليتم لا أب لها ولا أم ، كل الصور عندنا والمشاهد مائلة ، إما إلى اليمين وإما إلي اليسار ، وكأننا إذا أردنا أن نرى مشهدا ملنا برأسنا قليلاًً .. أو كثيراً ، فاهتزت الصورة . حاولت أن أعدل رأسي وأقف متزنا ، حاولت جاهدا وفتحت عيني ، أردت أن أرى الصورة بحقيقتها وألوانها كما هي ، واجتهدت أكثر ، فراق لي مشهد ، وأبكتني مشاهد . بكيت وأنا أرى الحبيب محمد صلى  الله عليه وسلم وهو يقول فلا نسمع ويفعل فلا نفهم ، رحت أسبح في عطر سيرته ، أتنسم عبير سنته ، وأرشف من عبق حنانه ، كأنما أراه أمامي بحكمته وعظمته ونوره ، أحسست أني لست هنا .. وإنما هناك . رأيته وقد اشتد به  أذى المشركون ، وكيف أنهم رموه بالسحر والكهانة والجنون ، وكيف أنهم سخروا منه واستهزءوا به ، وسلطوا عليه سفهاءهم ، وصبيانهم الذين رموه بالحجارة في الطائف فأدموا قدمه الشريفة . ومازاد على أن قال : « اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون ، عسى الله أن يخرج من أصلابهم من يؤمن بالله ورسوله » . واشتد الأذى برسول الله ، فهذا عقبة ابن أبي معيط أخذ برحم دابة ورماها بين كتفيه وبزق في وجهه، وأراد أن يخنقه حتى خرج أبو بكر الصديق رضي الله عنه يدفع عنه الأذى ويقول ( أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ؟ ) ، وهذا عتيبة ابن أبي لهب يأتيه فيقول ( إنني أكفر بالنجم إذا هوى وأكفر بالذي دنا فتدلى ثم سطا عليه فشق قميصه ) ، وهجاه كعب بن الأشرف أحد سادات اليهود في يثرب وعرض بنساء المسلمين وأخذ يألب القبائل عليه ، وكان من أشد الناس عداوة للإسلام ، وماكان النبي صلى الله عليه وسلم يعرف الخوف أبدا فقد كان أشجع الناس وأقوى الناس وأحكم الناس وأجلهم ، فأما كفار قريش فقال لهم « والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح » فأخذ القوم كلمته حتى ما فيهم رجل إلا وكأنما على رأسه طير واقع وحتى أن أشدهم عليه ليلقاه بأحسن ما يجد من القول حتى إنه ليقول ( انطلق أبا القاسم راشدا فوالله ما كنت جهولا ) . وأما عقبة بن أبي معيط فقال له « لا ألقاك خارج مكة إلا علوت رأسك بالسيف » فقتل عقبة في بدر وصلب . وأما عتيبة ابن أبي لهب فقال له « سلط الله عليك كلبا من كلابه » فخرج في تجر من قريش حتى نزلوا بمكان يقال له الزرقاء ليلا فطاف بهم الأسد تلك الليلة فجعل عتيبة يقول ( ويل أمي هذا والله آكلي كما قال محمد ) فناموا وجعلوا عتيبة وسطهم فأقبل السبع يتخطاهم حتى أخذ برأس عتيبة فضغمه ضغمة فقتله. وأما كعب ابن الأشرف فقال الرسول صلى الله عليه وسلم « من لي بكعب بن الأشرف فقد آذى الله ورسوله » فأمر النبي رجلا اسمه محمد بن مسلمة ورهطا من الأنصار بقتله فذهبوا إليه في حصنه واستنزلوه منه بالحيلة فقتلوه .
وكم لاقى النبي صلى الله عليه وسلم من أذى الناس له ، وكم كان صبورا عليه الصلاة والسلام لعل الناس يرجعون إلى الله ، حتى أنهم تطاولوا على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، وغير ذلك الكثير والكثير من الأذى ، لكنه عليه الصلاة والسلام كان كما قال الله فيه { وإنك لعلى خلق عظيم } .

ما نسي النبي صلى الله عليه وسلم أبدا الهدف من دعوته وما انتقم لنفسه إلا أن ينتهك حد من حدود الله ، وما ضرب بيده شيئا قط ولا امرأة ولا خادما كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، وما قابل الإساءة بالإساءة لأنه صاحب الرسالة التي أخرجت الناس من الظلمات إلى النور ، وهو معلم الناس الأدب ، وأبو  الأخلاق وسيدها ، وأستاذ العلم والحلم والحضارة والرقي ، وكم من أناس لم يدخلوا في هذا الدين إلا بما رأوه من عظمة محمد وأخلاق محمد ورحمة محمد صلى الله عليه وسلم ، حتى كان الرجل ليأتيه وهو أبغض الناس إليه ، فيخرج من عنده ما يجد على وجه الأرض من هو أحب إليه من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
كان النبي صلى الله عليه وسلم في الطواف إذ سمع أعرابيا يقول يا كريم ، فقال النبي خلفه يا كريم ، فمضى الأعرابي جهة الميزاب وقال يا كريم ، فقال النبي خلفه يا كريم ، فالتفت الأعرابي إلى النبي وقال : ( يا صبيح الوجه ، يا رشيق القد أتهزأ بي لكوني أعرابيا ؟ والله لولا صباحة وجهك ورشاقة قدك لشكوتك إلى حبيبي محمد  صلى الله عليه وسلم إن الذي سب الرسول الكريم لو يعرف من هو لتمنى أن يقبل التراب الذي تطأه قدمه الشريفة . هو رحمة الله للعالمين للإنس والجن والطير والحجر والشجر ( للعالمين ) .

وبينما أنا هكذا أهيم بخاطري مع الحبيب الشفيع المشفع سيد ولد آدم ، إذ صرخ  بأذني رجل من المسلمين ( انتصروا للرسول الكريم ) ، وكأنما صفعني صفعة أخرجتني مما أنا فيه إخراجا  ورأيت نيرانا تشتعل وأشياءا تتطاير وقد اسودت السماء من كثرة الدخان ، وسألت نفسي .. أفينا كل هذا الغضب للدين وللرسول الكريم ؟؟
والله إنه لشيء جميل ، ولكن لماذا نصر على التخريب والتدمير والسلوك الهمجي ؟
هل هذا يرضي النبي  صلى الله عليه وسلم ؟
هل هدفنا من ذلك هو هدفه صلى الله عليه وسلم في نشر الدين وإخراج الناس من الضلال إلى الهدى ؟
هل ما نفعله يحقق ذلك ؟ هل هذه هي الترجمة الحقيقية لواقع ديننا الحنيف ؟ لماذا لم يكن بعد المقاطعة الاقتصادية مطالب وحوارات واستفسارات ودعوة للحوار والمناظرات بالحكمة والموعظة  الحسنة ؟
ثم نطالب بمحاكمة الذين تطاولوا على اسم الرسول صلى الله عليه وسلم ، ثم يتدرج الرد فيصل إلى أعلى درجات التصعيد ليقف على حدود العدل والأخلاق الإسلامية ؟ ثم إنه لو فعل ذلك كل الدول التي لا تدين  بالإسلام ، هل نستطيع أن نقاطعهم أيضاً ؟ هل جهزنا أنفسنا لإيجاد البدائل ؟ لماذا لم نأخذ الخطوات التي بها نطور أبحاثنا العلمية وزراعتنا وصناعتنا ؟ وهل لو استطاع العالم أن يوجد بدائل للحصول على الطاقة ويستغني عن نفطنا - وهم يحاولون ذلك بالفعل الآن - هل سيكون لدينا شيء يحافظ على اتزان المعادلات الاقتصادية في العالم ؟
ما أروع هذه الغضبة والغيرة على ديننا ونبينا صلى الله عليه وسلم لو كان يتزامن معها ثورة على أنفسنا وإعادة ترتيب لأوراقنا وإدراك موقعنا الحقيقي في هذا العالم . ألم يئن لنا أن ننصر نبينا في أنفسنا وأخلاقنا وأفعالنا ؟
إن النبي  صلى الله عليه وسلم  أكبر وأعظم من أن تطاله رؤية سفيه جاهل ، هو الكريم صاحب العزة والرفعة ، بنا أو من غيرنا ، فإن الله ناصره ، وليعلم الجميع .. أقولها وأرفع بها صوتي .. إن الذي تطاول على الرسول الكريم لم يقصده هو صلى الله عليه وسلم فهو لا يعرفه ، وإنما يقصدنا نحن ، والسبب فيما فعل هو نحن ، ولنسأل أنفسنا لماذا يتجرأ علينا الناس ؟
و لمجرد أن يتجرأ أحد ليشكك في محرقة اليهود في ألمانيا ( الهولوكوست ) تقوم الدنيا ولا تقعد ، ويتم تسخير الاستخبارات العالمية من أجله، ويتهم بالعداء للسامية ، ويمنع من الدخول إلى البلاد ، ويوصف بالإرهابي ، فلماذا وصلنا نحن إلي هذا الحال وتجرأ الناس علينا ؟ يجب أن نسأل عن السبب ، ليست المسألة غضبة وتنتهي وكأن شيئا لم يكن ، لابد أن نغير من أنفسنا ومن أفكارنا ومن رؤيتنا للأشياء .

إن الرد المقبول على هذه الإهانة يتركز في عدة محاور :
الأول : المقاطعة الجادة التي هي تضرب اقتصادهم في العمق وهذا أمر مهم جدا .
الثاني : الامتناع تماماً عن الإقدام على أي عمل لا يقره الدين الإسلامي فنحن دعاة هداية لا دعاة تخريب وسفك للدماء وأخذ الناس بذنوب غيرهم .
الثالث : السعي الحثيث للمطالبة بمعاقبة الفاعلين أو إعلان الأسف والاعتذار والندم ، وهذا أراه كافيا .
الرابع : الالتزام بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وقراءة سيرته ووضعها في المناهج الدراسية في المدارس والجامعات بشكل إلزامي ، لأن في سيرته تهذيب وتربية للنفوس وارتقاء بها ودعوة إلى مكارم الأخلاق في شتى مناحي الحياة ، كما أن فيها عز المسلمين ورفعتهم .
الخامس : محاولة إيجاد البدائل للصناعات والمواد التي يتم استيرادها من الدول الغير إسلامية ، وإن كان الأمر يحتاج إلى زمن طويل ولكن المهم أن نبدأ في ذلك .
السادس : طباعة الكتب والنشرات باللغات المختلفة ونشرها في هذه الدول ، والتي من شأنها أن تعرف الناس بالإسلام وبسيرته صلى الله عليه وسلم . وبذل الجهد في توصيل الرسالة إلى الناس من خلال البرامج والحوارات في الفضائيات التي كثرت وانتشرت ، ولو ساهم في ذلك الأغنياء في هذه الأمة .

وأخيرا .. من كان يريد أن ينتصر لله ورسوله .. لا يكذب ، لا ينافق ، لا يظلم ، يعف نفسه ولسانه ، لا يضيع وقته هدرا ، يقوم يعلم الدنيا بدينه الحق .

اللهم قد بلغت .. اللهم فاشهد

والحمد لله رب العالمين .
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

أعظم إنسان

  • اعرف نبيك
  • إلا رسول الله
  • الدفاع عن السنة
  • اقتدي تهتدي
  • حقوق النبي
  • أقوال المنصفين
  • الكتب السماوية
  • نجاوى محمدية
  • دروس من السيرة
  • مقالات منوعة
  • شبهات وردود
  • أصحابه رضي الله عنهم
  • أعظم إنسان