اطبع هذه الصفحة


الغيرة التنويرية لساب الرسول صلى الله عليه وسلم

عبد الوهاب بن عبد الله آل غظيف


بسم الله الرحمن الرحيم


دفاعاً في وجه تجديف الزنادقة وعدوانهم على دين الله كان المسلمون يمارسون عملية احتسابية متواضعة بالفتاوى والبيانات والكتابات، ونفحات من الغيرة لله ولدينه، يعذرون بها إلى ربهم وهم يعيشون هذا الزمن الذي عزّ فيه حاكم مسلم ينتصر لله ولكتابه ممن يجدف بحقهما ويأخذ على أيدي الزنادقة ويكف شرهم عن المسلمين.

هذه العمليات الاحتسابية التي هي (الإيمان الضعيف) و (الحيلة التي باليد) لم تكن لتشفي صدور قوم مؤمنين، فرغم ما تبشر به من خير إلا أن آثار العدوان على دين الله -الذي يمر غالبا دون عقوبة- مؤذية لنفوس المؤمنين بالله ورسوله لا تغادرها إلا وقد أفعمتها بالكمد والحزن.

وإن من علامات أهل النفاق والإيمان الضعيف عدم مبالاتهم بالعدوان على دين الله، فهذا العدوان إذا لم يعني لهم حرية تعبير وعلامة تطور وسعة أفق فلن يعني لهم بأي حال أنه عدوان على مكون رئيس وقيمة حقيقية يستشعرونها، وفاقد الشيء لا يعطيه، ولن تجد غيرة على الدين عند من ليس من أهله من المذبذبين.

ومن أبرز مظاهر التذبذب التي يشاهدها المسلمون في الوقت المعاصر ما يسمى بالتنوير الإسلامي الذي اتخذ سبيلا وسطا بين الإسلام وأهله وبين أعدائه من اللادينيين، مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، والواقع أن هذا الصنف من الناس كان لا يدخر جهداً في معاكسة كل نفحة احتسابية إسلامية يتحرك فيها عباد الله ضد العدوان على دين الله، في شذوذ وربقة عن جماعة المسلمين وانعكاس لأزمتهم الحقيقية مع الصف الإسلامي وأهله.

نافح أحدهم عن الجابري في قوله بتحريف القرآن، ثم نافح أحدهم ضد أستاذ العقيدة العلامة البراك لما أفتى في زندقات لخالص جلبي، ثم نافحوا مرة أخرى ضد أسد الحسبة الشيخ يوسف الأحمد لما تكلم في النصراني عزمي بشارة وموقفه من الثورة السورية، ثم نافح مخذول عن زنديق يحرف مفهوم التوحيد ويناقض القرآن بلغ الحد بزندقته أن صدر أمر بإيقافه عن الكتابة - على خلاف العادة - ولا زالت المنافحات تزداد كلما زادت الزندقات وكلما زاد احتساب المسلمين، فهذه الأيام التي ضام فيها أهل الإسلام عدوان زنديق على رسول الله صلى الله عليه وسلم : ينبري تنويري مخذول ليدافع عن هذا الزنديق، وهذا موقف لا يتحمل إلا أقدام آبق عن جماعة المسلمين نسأل الله السلامة والعافية.

ماذا يقول هذا المخذول في دفاعه عن ساب الرسول صلوات الله وسلامه عليه؟


لقد ذهب يسفسط مفرقاً بين السب وبين عدم الإيمان، وهذا التفريق الغبي مفاده: أن وصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه (كذاب أشر) سب قبيح وجريمة، أما تدبيج الكلام المطول في أنه لم يكن نبياً ولا رسولاً فهذا يندرج تحت (عدم الإيمان) مما لا يصح أن يوصف بأنه سب، مع أن كلا الأمرين في درجة واحدة من حيث المعنى المعقول منهما ومخالفته للشريعة والحقيقة، فلا يجد المرء تفسيراً لهذا التفريق غير المعقول إلا خذلان هذا الغيور لساب الرسول صلى الله عليه وسلم وضعف عقله عوضاً عن ضعف دينه.

النتيجة التي يصل إليها هذا التنويري: تجريم لأسلوب المخالفة، وليس تجريماً للمخالفة ذاتها، فمن ينكر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فليس لائقاً أن يتهمه بالكذب ويكتفي بذلك (لأن هذا سب يعاقب عليه القانون) بل عليه أن يطبع بحثاً مترعاً بالشبهات التي توصل إلى نتيجة أنه كاذب في نبوته، ولا ضير عليه بعد ذلك بل حريته مكفولة وعمله قانوني محترم!

إن هذا التنويري لا يجرم سب الرسول صلى الله عليه وسلم لأجل كونه رسولاً، وإلا لجرم عدم الإيمان بكونه رسول، وإنما يجرم (لفظة نابية) تصادم شعور مجتمع من الناس عبر توجهها إلى مقدس ذلك المجتمع سواء كان الله تعالى، أو بقرة الهندوس، أو شيطان عبدة الشيطان، وهذا ليس تقولاً عليه، بل قد شرح رؤيته تلك ونص في شرحه على مثال (بقرة الهندوس) في مناسبة سابقة.

هذا الموقف من تجريم الإساءة للمقدس والذي لا يمكن أن يكون موقفاً محموداً كونه ينطوي على معنى فاسد للمقدس (ما قدسه الناس أقلية كانوا أم أكثرية) لا المعنى الصحيح الإسلامي (ما هو مقدس في حقيقة الأمر وفي دين الإسلام).

وكيف يطمئن مسلم إلى هذه الرؤية التنويرية وهو يقرأ في كتاب الله قصة إبراهيم عليه السلام حينما حطم أصنام قومه [فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ] {الأنبياء:58} ؟

وكذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في فتح مكة، إذ طفق يكسر الأصنام التي كانت قريش تقدسها وتنصبها حول الكعبة، وهو يقرأ قول الله تعالى : [وَقُلْ جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا] {الإسراء:81} فلا عبرة بمقدسات باطلة تستمد قدسيتها من أهواء الناس و وضعياتهم الكاذبة، بل إن التقديس الوضعي باطل ومنكر، يمتهن ويبطل، لا أنه يعترف به أو يحترم، فضلاً عن أن يساوى بما هو مقدس شرعاً كالذات الإلهية أو جناب المصطفى صلى الله عليه وسلم.

إن دعوى احترام ما يسمى بالبحث المعرفي حتى ولو عارض العقيدة القرآنية، لا يمكن فهمها حينما تصدر من مسلم، وإنما تأتي متسقة حينما يصدرها من لا يدين بدين الحق، ولا يؤمن بالحقائق والقواطع القرآنية، فهذا الأخير يتناول التشكيك في المقدسات على أنه بحث معرفي لأنه لا يعترف بكونها مقدسات، بل هي قابلة للبطلان والتكذيب عنده، أما من حسم موقفه وآمن بالله وشريعته وقطع بكونها الحق، فكيف يسمي معارضة هذا الحق الواضح بالأهواء التي يقطع أنها باطلة ومنحرفة (بحثاً معرفياً) ؟!

لقد تجاهل التنويري في رؤيته الزائغة كل المعاني الشرعية المعتبرة، وذهب عابثاً يعتبر معنى واحداً هو شعور المجتمع، وذوق الرأي العام، فبناء عليه جرم السب والتعدي بعد أن قرر أن تدبيج الكلام في التشكيك في الله ورسوله وفي القرآن ليس سباً، وإنما هو بحث معرفي وشأن خاص!! ولا شك أنه ما شيد تصوره ذلك إلا على أنقاض التصور الإسلامي الذي تقرر فيه حتى وصل لمرتبة القطعيات والمعلوم من الدين بالضرورة عقوبة المخالف لشريعة الله الطاعن فيها، وأن هذا الطعن ليس في صورته الساذجة مقصوراً على الألفاظ النابية، وإنما هو يشمل التكذيب والتشكيك ومناوئة دين الإسلام وتصوير المسلمين أنهم ليسوا على شيء، إذ كل ذلك في معنى واحد، بل إن التمويه بالضلال والتكذيب أشد جرماً وأكبر خطراً من مجرد الألفاظ النابية.

وإذا كانت مشكلة هذا التنويري المتذبذب هي مع الألفاظ النابية فحسب، فإنه سيكون المعقول من العقوبة على ضوء تصوره ( الغرامة المالية ) على ساب الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن تكذيبه أصلاً ومخالفة دينه لا عقوبة عليه، وإنما العقوبة على مجرد اللفظ النابي، فأين هذا من إجماع المسلمين؟ فلقد نص الأئمة على قتل من سب الرسول صلى الله عليه وسلم و لو تاب، بل لم يتوقفوا عند حدود صدور ذلك من مسلم فحسب، فمما عدوه من نواقض العهد مع الكفار وأهل الذمة طعنهم في الدين وهو الطعن الذي يستوجب حربهم وقتالهم، استناداً إلى قول الله تعالى: [وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الكُفْرِ] {التوبة:12} فلقد عد الله عز وجل الطعن في الدين تصرف يستوجب القتال ويساوي إعلان الحرب العسكرية، وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : (وإظهار الطعن في الدين لا يجوز للإمام أن يعاهدهم مع وجوده منهم؛ أعني مع كونهم ممكَّنين من فِعلِه إذا أرادوا. وهذا مما أجمع المسلمون عليه؛ ولهذا بعضهم يعاقِبون على فعله بالتعزير. وأكثرهم يعاقِبون عليه بالقتل. وهو مما لا يشك فيه مسلم؛ ومن شك فيه فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه) وأجلى ما يكون الطعن في الدين سب الرسول صلى الله عليه وسلم، وهل كان لشيخ الإسلام أن يتحدث عن انخلاع الشاك في العقوبة من دين الإسلام، لولا أن هذه العقوبة من قطعيات الدين ومما تجذر وتأكد في تصورات المسلمين؟

لقد محا هذا التنويري بزيغته كل ما يميز الجناب النبوي عن سائر الناس، إذ اللفظة النابية مجرمة لو توجهت إلى أي إنسان، وإنما كانت جريمة عظمى تستوجب القتل حين مساسها بالجناب النبوي اعتماداً على جرمها المضاعف في تكذيب الرسالة وامتهانها، ذلك التكذيب الذي جعله التنويري شأناً خاصاً وحرية مكفولة تحت دعوى (عدم الإيمان) .

لقد كان من مغبة هذا التصور التنويري الرديء أن جعل من الكتاب التنويريين لا قعدة عن الاحتساب في وجه الملحدين والمجدفين فحسب، بل سيوفاً مصلتة على من يحتسب بدعوى حرية الرأي وحقوق التعبير، ودعاوى أخرى ما فتئ الشيطان يوسوس لهم بها وتلوكها نفوسهم الأمارة بالسوء .

وأختم هذا التعليق بنقل عن مختصر الصارم المسلول لشيخ الإسلام يوضح معنى سب الرسول صلى الله عليه وسلم :


( السب نوعان: دعاء وخبر، أما الدعاء فمثل أن يقول القائل لغيره من الناس: لعنه الله قبحه الله أخزاه الله لا رحمه الله لا رضي الله عنه قطع الله دابره، فهذا سب للأنبياء وغيرهم، وكذلك لو قال عن نبي: لا صلى الله عليه ولا سلم ... فهذا كله إذا صدر من مسلم أومن معاهد فهو سب فيقتل المسلم بكل حال والذمي يقتل بذلك إذا أظهره ...

النوع الثاني: الخبر، فكل ما عده الناس شتماً وسباً وتنقصاً فإنه يجب به القتل كما تقدم ... وإذا قال : (لم يكن رسولاً ولا هو نبي) فهو تكذيب صريح وكل تكذيب فقد تضمن نسبته إلى الكذب ووصفه بأنه كذاب).


المصدر : رؤى فكرية

 

أعظم إنسان

  • اعرف نبيك
  • إلا رسول الله
  • الدفاع عن السنة
  • اقتدي تهتدي
  • حقوق النبي
  • أقوال المنصفين
  • الكتب السماوية
  • نجاوى محمدية
  • دروس من السيرة
  • مقالات منوعة
  • شبهات وردود
  • أصحابه رضي الله عنهم
  • أعظم إنسان