اطبع هذه الصفحة


فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ

 فيصل بن عبدالله العمري

 
(فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ ) (137) سورة البقرة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الرسول الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فإن حماية عرض المسلم بتحصيل مصالحه ودفع المفاسد عنه, وحفظه من العدوان عليه من مشمول كليتي الشريعة: حفظ الدين وحفظ العرض.
وقد تواردت نصوص الوحيين الشريفين داعية إلى حمايته, ناهيةً محذرة من النيل منه أو الوقوع في حماه وحرمه, لأن النيل من الآدمي هتك لعرضه, وباعتباره مسلما هتك لدينه وعرضه معا.

وهذه الحماية الكريمة والحضانة العظيمةٍ لأعراض المسلمين من أصول الاعتقاد في ملة الإسلام وهي في حق من جرى عليهم قلم التكليف على مراتب: حفظ عرض عامة المسلمين ثم ولاة أمرهم من علماء وأمراء ثم الصحابة رضي الله عنهم ثم أعلا البشرية قدراً وأسماهم منزلة وفضلاً : أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام وفي مقدمتهم خاتمهم نبينا ورسولنا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فمن سب عامة المسلمين جره ذلك إلى سب علمائهم ومن سب علمائهم جره ذلك إلى سب خيارهم: صحابة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن سبهم طرقه ذلك إلى من تشرفوا بصحبته نعوذ بالله من الخذلان.
وكلما عظم مقام المسلم في الإسلام وسمت مكانته فيه بالعلم والإيمان اشتد إثم الواقع فيه, وتضاعف وعظم جرمه وتفاقم.
ورأس الأمر في ذلك مقام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإخوانه من الأنبياء والمرسلين قبله, إذ الأصل تعظيمهم وتوقيرهم وقيام المِدحة والثناء عليه وعليهم, من غير إفراط ولا غلو, ومن غير تفريط ولا جفاء( ).

وإن مبداء الإسلام العظيم في حق النبي الكريم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو ما نص الله عليه في كتابة بقوله: (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) (9) سورة الفتح. وقوله: (فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (157) سورة الأعراف
وإن من أعظم المنن على البشرية جمعا هي بعثة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ أخرجهم الله به من الضلال إلى الهدى ومن ومن العمى إلى البصيرة, ومن الذل إلى العز, ومن الشقاوة إلى السعادة فى الدنيا والأخرة قال تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ) (164) سورة آل عمران
ومن أعظم ما يفتخر به المسلم إيمانه ومحبته لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, إذ هي أصل عظيم من أصول الإيمان, إذ لا يعتبر المسلم في عداد المؤمنين الناجين حتى يكون الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحب إليه من والده وولده ونفسه والناس أجمعين كما أخبر بذلك صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما رواه عنه الشيخان, بل قال تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ) (6) سورة الأحزاب

ومما زادني شرفاً وتيهـــاً *** وكدت بأخمصي أطأ الثريـا
دخولي تحت قولك يا عبادي *** وأن صيّرت أحمد لي نبيــا

وقد ثلم مقام النبي العظيم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذه الإيام من شرذمة ساقطة من الغرب الحاقد, وظهر ما في صدورهم من غيظ دفين على هذه الأمة الكريمة ونبيها العظيم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فنشرت صحيفة ( جلاندز بوستن ) الدانماركية يوم الثلاثاء 26/8/1426هـ (12) رسماً كاريكاتيرياً ساخراً، بأعظم رجل وطأت قدماه الثرى، بإمام النبيين، وسيد المرسلين وقائد الغر المحجلين صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
صور آثمةٌ وقحةٌ وقاحة الكفر وأهله، أظهروا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في إحدى هذه الرسومات عليه عمامة تشبه قنبلة ملفوفة حول رأسه!! وكأنهم يريدون أن يقولوا إنه - مجرم حرب - ) أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ( (25)سورة النحل
ثم بعد ذلك وفي يوم عيد الأضحى بالتحديد – إمعاناً في العداء - تأتي جريدة ( ما جزينت ) النرويجية لتنكأ الجراح وتشن الغارة من جديد ، فتعيد نشر الرسوم ألوقحة التي نُشرت في الصحيفة الدنمركية قبل!(أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ) (53) سورة الذاريات.
وليس هذا بجديد من الحاقدين على الدين, ولا بمستغرب من أعداء المرسلين بل قد أخبر الله سبحانه في كتابه الكريم عن هذه السنة الماضية مع الرسل من قبلُ فقال سبحانه: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ) (10) سورة الأنعام.

وفي سب الرسول الكريم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تعدٍ على حق الله وحق المؤمنين من عباده وحقه هو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال شيخ الإسلام: سب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تعلق به عدة حقوق: حق الله سبحانه من حيث كَفَرَ برسوله وعادى أفضل أوليائه وبارزه بالمحاربة, ومن حيث طعن في كتابه ودينه, فإن صحتهما موقوفة على صحة الرساله, ومن حيث طعن في ألوهيته فإن الطعن في الرسول طعن في المرسِل, وتكذيبه تكذيب لله تبارك وتعالى وإنكار لكلامه وخبره وكثير من صفاته.
وتعلق به حق جميع المؤمنين من هذه الأمة ومن غيرها من الأمم, فإن جميع المؤمنين مؤمنون به خصوصاً أمته, فإن قيام أمردنياهم ودينهم وآخرتهم به, بل عامةالخير الذي يصيبهم في الدنيا والآخرة بوساطته وسفارته, فالسبُّ له أعظم عندهم من سب أنفسهم وأبائهم وأبنائهم وسب جميعهم, كما أنه أحب إليهم من أنفسهم وأولادهم وآبائهم والناس أجمعين.

وتعلق به حق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حيث خصوص نفسه, فإن الإنسان تؤذيه الوقيعة في عرضه أكثر مما يؤذيه أخذ ماله, وأكثر مما يؤذيه الضرب, بل ربما كانت عنده أعظم من الجرح ونحوه, خصوصاً من يجب عليه أن يظهر للناس كمال عرضه وعلو قدره لينتفعوا بذلك في الدنيا والأخرة, فإن هتك عرضه قد يكون أعظم عنده من قتله, فإن قتله لا يقدح عند الناس في نبوته ورسالته, كما أن موته لا يقدح في ذلك, بخلاف الوقيعة في عرضه فإنها قد تؤثر في نفوس بعض الناس من النفرة عنه وسوء الظن به ما يفسد عليهم إيمانهم ويوجب لهم خسارة الدنيا والآخرة.....إلى أن قال رحمه الله فعلم بذلك أن السب فيه من الأذى لله ورسوله ولعباده المؤمنين ماليس في الكفر والمحاربة, وهذا ظاهر إن شاء الله".(الصارم2/532)
ولا شك أن هذا العمل المشين مما يغيظ قلوب المؤمنين ويثير الحقد في قلوبهم على عُباد الصليب, قال شيخ الإسلام:"ولا ريب أن من أظهر سب الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أهل الذمة وشتمه فإنه يغيظ المؤمنين ويؤلمهم أكثر مما لو سفك دم بعضهم وأخذ أموالهم, فإنِّ هذا يثير الغضب لله, والحمية له ولرسوله, وهذ القدر لا يُهَيِّجُ في قلب المؤمن غيظاً أعظم منه, بل المؤمن المسدَّد لا يغضبُ هذا الغضب إلا لله.( الصارم :ج2/46).
وإن كان هذا مما يغيظ القلوب إلا انه الله قد تكفل بنصرة نبية وأخذ الحق له ممن سبه وتتطاول على عرضه, وإن عجر عن ذلك المسلمون, فالله عز وجل يغار على دينه، ويغار على نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ومن غيرته تعالى أنه ينتقم ممن آذى رسوله، لأن من آذى رسوله فقد آذى الله، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً) (الأحزاب:57).
والله تعالى قد تولى الدفاع عن نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) (38) سورة الحـج)، وأعلن عصمته له من الناس (وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) (67) سورة المائدة) وأخبر أنه سيكفيه المستهزئين(إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) (95) سورة الحجر) سواء كانوا من قريش أو من غيرهم.
قال الشنقيطي رحمه الله: وذكر - الله - في مواضع أخرى أنه كفاه غيرهم كقوله في أهل الكتاب (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ ) (137) سورة البقرة وقال: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) (36) سورة الزمر)
وقال ابن سعدي رحمه الله: " وقد فعل تعالى ، فما تظاهر أحد بالاستهزاء برسول الله  صلى الله عليه وسلم  وبما جاء به إلا أهلكه الله وقتله شر قتلة ".
قال شيخ الإسلام:" ومن سنة الله أن من لم يتمكن المؤمنون أن يعذبوه من الذين يؤذون الله ورسوله, فإن الله سبحانه ينتقم منه لرسوله ويكفيه إياهم".
وروى البخاري في صحيحه ومسلم عن أنس قال: كان رجل نصرانياً, فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران وكان يكتب للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فعاد نصرانياً فكان يقول: لا يدري محمد ما كتبت له, فأماته الله, فدفنوه فأصبح وقد لفظته الأرض, فقالوا هذا فعل محمد وأصحابه, نبشوا عن صاحبنا فألقوه, فحفروا له وأعمقوا في الأرض ما استطاعوا, فأصبح وقد لفظته الأرض, فعلموا أنه ليس من الناس, فألقوه", ورواية مسلم:" فتركوه منبوذاً"
قال شيخ الإسلام عن هذا الحديث:"فهذا الملعون الذي إفترى الكذب على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه ماكان يدري إلا ما كتب له, قصمه الله وفضحه بأن أخرجه من القبر بعد أن دُفن مراراً, وهذا أمر خارج عن العادة, يدل كل أحد على أن هذا عقوبة لما قاله, وأنه كان كاذباً, إذ كان عامة الموتى لا يصيبهم مثل هذا, وأن هذا الجرم أعظم من مجرد الإرتداد, إذ كان عامة المرتدين يموتون ولا يصيبهم مثل هذا, وأن الله منتقم لرسوله ممن طعن عليه وسبه, ومظهر لدينه ولكذب الكاذب, إذا لم يمكن الناس أن يقيموا عليه الحد.

ونظير هذا ما حدثناه أعداد من المسلمين العدول أهل الفقه والخبرة عما جربوه مرات متعددة في حصر الحصون والمدائن التي بالسواحل الشامية, لما حصر المسلمون فيها بني الأصفر في زماننا, قالوا: كنا نحصر الحصن أو المدينة شهر و أكثر من الشهر وهو ممتنع علينا حتى نكاد نيأس منه حتى إذا تعرض أهله لسب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والوقيعة في عرضه, تعجلنا فتحه وتيسر ولم يكد يتأخر يوماً أو يومين أو نحو ذلك, ثم يفتح المكان عنوة, ويكون فيهم ملحمة عظيمة, قالوا: حتى إن كنا لنتباشر بتعجيل الفتح إذا سمعناهم يقعون فيه مع إمتلاء القلوب غيظاً عليهم بما قالوه فيه.
وهكذا حدثني بعض أصحابنا الثقات أن المسلمين من أهل المغرب حالهم مع النصارى كذلك, ومن سنة الله أن يعذب أعدائه تارة بعذاب من عنده وتارة بأيدي المؤمنين. (الصارم 2/233)".
وقال أيضاً:"وفي الصحيح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:" يقول الله تعالى: من عادى لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة".
فكيف بمن عادى الأنبياء؟ ومن حرب الله حُرِبَ, وإذا إستقريت قصص الأنبياء المذكورة في القرآن تجد أممهم إنما هلكوا حين آذوا الأنبياء وقابلوهم بقبيح القول أو العمل, وهكذا بنوا إسرائيل إنما ضربنت عليهم الذلة, وباؤوا بغضب من الله ولم يكن لهم نصير لقتلهم الأنبياء بغير حق, مضموما إلى كفرهم, كما ذكر الله ذلك في كتابه.

ولعلك لا تجد أحدا أذى نبينا من الأنبياء ثم لم يتب إلا ولا بد أن يصيبه الله بقارعة, وقد ذكرنا ما ذكره المسلمون من تعجيل الله الإنتقام من الكفار الذين تعرضوا لسب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (الصارم2/318)"
وحسبنا ما كفا الله به رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ممن إستهزاء به من المشركين ـ وللكافرين أمثالها ـ في قوله سبحانه: )إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ( (95) سورة الحجر قال شيخ الإسلام:"القصة في إهلاك الله وأحداً وأحداً من هؤلاء المستهزئين معروفة قد ذكرها أهل السير والتفسير, وهم على ما قيل نفر من رؤوس قريش: منهم الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسودان بن المطلب وابن عبديغوث, والحارث بن قيس.

وقد كتب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى كسرى وقيصر, وكلاهما لم يسلم, لكن قيصر أكرم كتاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأكرم رسوله فثبت ملكه, فيقال أن الملك باق في ذريته إلى اليوم, وكسرى مزق كتاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وإستهزاء برسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقتله الله بعد قليل, ومزق ملكه كل ممزق, ولم يبق للأكاسرة ملك, وهذا والله أعلم تحقيق قوله تعالى: )إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ( (3) سورة الكوثر فكل من شناه وأبغضه فإن الله تعالى يقطع دابره, ويمحق عينه وأثره, وقد قيل إنه نزلت في العاص بن وائل و في عقبة بن أبي معيط و في كعب بن الأشرف, وقد رائيت ما صنع الله بهم.(الصارم2/316)".
وقد ذُكرت قصتهم فيما أخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي وأبو نعيم كلاهما في الدلائل وابن مردويه بسند حسن والضياء في المختارة، عن ابن عباس في قوله )إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ( (95) سورة الحجر) قال: المستهزئون الوليد بن المغيرة والأسود بن عبد يغوث والأسود بن المطلب والحارث بن عبطل السهمي والعاص بن وائل، فأتاه جبريل فشكاهم إليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقال: أرني إياهم، فأراه كل واحد منهم، وجبريل يشير إلى كل واحد منهم في موضع من جسده ويقول : كَفَيْـتُكَهُ، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ما صنعت شيئا !. فأما الوليد، فمر برجل من خزاعة وهو يريش نبلاً فأصاب أكحله فقطعها. وأما الأسود بن المطلب، فنزل تحت سمرة فجعل يقول: يابنيّ، ألا تدفعون عني؟ قد هلكت وطُعنت بالشوك في عينيّ فجعلوا يقولون: ما نرى شيئاً فلم يزل كذلك حتى عميت عيناه . وأما الأسود بن عبد يغوث، فخرج في رأسه قروح فمات منها . وأما الحارث فأخذه الماء الأصفر في بطنه حتى خرج خرؤه من فيه فمات منه . وأما العاص فركب إلى الطائف فربض على شبرقة فدخل من أخمص قدمه شوكة فقتلته. ( الدر المنثور 5/101) .

وبالمقابل كما أشار شيخ الإسلام فقد علم بعض ملوك النصارى أن إكرام كتاب رسول الله  صلى الله عليه وسلم  يبقي فيهم الملك ما شاء الله . فقد ذكر السهيليُ أنه بلغه أن هرقل وضع الكتاب في قصبة من ذهب تعظيماً له ، وأنهم لم يزالوا يتوارثونه حتى كان عند ملك الفرنج الذي تغلب على طليطلة ، ثم كان عند سِبطه ، فحدثني بعضُ أصحابنا أن عبد الملك بن سعد أحد قواد المسلمين اجتمع بذلك الملك فأخرج له الكتاب,فلما رآه إستعبر وسأل أن يمكِّنه من تقبيله فامتنع.
ثم ذكر ابن حجر عن سيف الدين فليح المنصوري: أن ملك الفرنج أطلعه على صندوق مُصفَّح بذهب ، فأخرج منه مقلمة ذهب ، فأخرج منها كتاباً قد زالت أكثر حروفه ، وقد التصقت عليه خِرقَة حرير ، فقال : هذا كتاب نبيكم إلى جدي قيصر ، ما زلنا نتوارثه إلى الآن ، وأوصانا آباؤُنا أنه ما دام هذا الكتاب عندنا لا يزال الملك فينا ، فنحن نحفظه غاية الحفظ ، ونعظمه ونكتمه عن النصارى ليدوم الملك فينا ". أهـ

وما اعظم حمية أبناء الصحابة رضي الله عنهم لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ممن سبه وهو أبو جهل أخزاه الله, فلم يهداء لهم بال حتى أردوه قتيلاً فقد روى البخاري رحمه الله عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ (بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي فَإِذَا أَنَا بِغُلَامَيْنِ مِنْ الْأَنْصَارِ حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا فَقَالَ يَا عَمِّ هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ قُلْتُ نَعَمْ مَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا ابْنَ أَخِي قَالَ أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ رَأَيْتُهُ لَا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الْأَعْجَلُ مِنَّا فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ فَغَمَزَنِي الْآخَرُ فَقَالَ لِي مِثْلَهَا فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَجُولُ فِي النَّاسِ قُلْتُ أَلَا إِنَّ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي سَأَلْتُمَانِي فَابْتَدَرَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا فَضَرَبَاهُ حَتَّى قَتَلَاهُ ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَاهُ فَقَالَ أَيُّكُمَا قَتَلَهُ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَا قَتَلْتُهُ فَقَالَ هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا قَالَا لَا فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ فَقَالَ كِلَاكُمَا قَتَلَهُ سَلَبُهُ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَكَانَا مُعَاذَ بْنَ عَفْرَاءَ وَمُعَاذَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الجَمُوحِ).

ولهذا كله فالواجب علينا معاشر المسلمين تجاه هذه السخرية العظيمة برسولنا وحبينا الكريم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من إعداء الدين, أن نغار له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونعمل على رد هذا الفعل الحقير بكل ما نستطيع , فمقام رسولنا الكريم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندنا عظيم, وإذا لم نغار على عرضه ونغضب لسبه فلسنا له بمحبون على وجه الحقيقة والصدق:

فإن أبي ووالده وعرضي *** لعرض محمد منكم فداء

إن كان مثل هذا الفعل من أعداء الدين مؤذن بدمار حضارتهم وأنتشار دين الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإذن الله, فإنهم ما تجرؤوا ولا عدلوا إلى الانتقاص وأنواع الشتم إلاّ بعد أن فقدوا المنطق، وأعوزتهم الحجة، بل ظهرت عليهم حجة أهل الإسلام البالغة، وبراهين دينه الساطعة، فلم يجدوا ما يجاروها به غير الخروج إلى حد السب والشتم، تعبيراً عن حنقهم وما قام في نفوسهم تجاه المسلمين من المقت، وغفلوا أن هذا يعبر أيضاً عما قام في نفوسهم من عجز عن إظهار الحجة والبرهان، والرد بمنطق وعلم وإنصاف. فلما انهارت حضارتهم المعنوية أمام حضارة الإسلام عدلوا إلى السخرية والشتم.
ومن المفارقات الظاهرة التي وقع فيها بعض المسلمين، تقصيرهم في الذب عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مع أنك ترى الموالد الحاشدة المكتظة بدعوى المحبة، فهل يا ترى عبرت تلك الحشود التي ربما رمت غيرها بعدم محبته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن حبها بذبها عن رسولها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟.
وإن مما يثلج له الصدر في المقابل ما نراه من تكاتف إسلامي غير مسبوق في الذب عن سيد الخلق صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلٌ بما يستطيعه من مقاطعة لهم ولمنتاجاتهم, أو كتابة رد عليهم, أو إرسال رسائل إلى سفارتهم, أو المطالبة بمحاكمة الصحيفة المعتدية, أو غيرها من وسائل النصرة للنبي الكريم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

واختم بما قاله شيخ الإسلام رحمه الله:" ان تطهير الأرض من إظهار سب الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واجب حسب الإمكان, لأنه من تمام ظهور دين الله وعلو كلمة الله وكون الدين كله لله, فحيث ما ظهر سبه ولم ينتقم ممن فعل ذلك لم يكن الدين ظاهراً ولا كلمة الله عالية".(الصارم2/539)
فهذا أخي الكريم بعض ما جاد به الوقت من الكلام في هذا الموضوع الكبير حماية لمقام النبي العظيم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومشاركة في الذب عن عرضه الكريم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فإن أحسنت فمن الله صاحب الفضل وحده, وإن كانت الآخرى فإلى الله المشتكي وهو الذي يغفر الزلل.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


كتبه فيصل بن عبدالله العمري
غفر الله له ولولديه وللمؤمنين
29/12/1426
 

أعظم إنسان

  • اعرف نبيك
  • إلا رسول الله
  • الدفاع عن السنة
  • اقتدي تهتدي
  • حقوق النبي
  • أقوال المنصفين
  • الكتب السماوية
  • نجاوى محمدية
  • دروس من السيرة
  • مقالات منوعة
  • شبهات وردود
  • أصحابه رضي الله عنهم
  • أعظم إنسان