اطبع هذه الصفحة


الوهابية حركة إصلاحية إسلامية وليست مذهبا دينيا جديدا

د. محمد علي الفرا

 
الحملة على الإسلام في الغرب لم تنته ولم تتوقف، فهي لا تزال مستمرة منذ أحداث التفجيرات في ايلول عام ،2001 وقد اعطت هذه التفجيرات زخما لهذه الحملة الظالمة، واستغلها كثير من الكتاب الحاقدين على الاسلام فقاموا بنفث سمومهم، ونشر أكاذيبهم وافتراءاتهم على الإسلام، ووصفوه بدين العنف والإرهاب، وانه انتشر بحد السيف، وزعموا ان الجهاد هو الارهاب في حد ذاته، وانه بمثابة اعلان الحرب على غير المسلمين وبخاصة اليهود والنصارى، وكما يعلم الجميع فان الحملة على الإسلام اتخذت كغطاء للقضاء على حكومة طالبان واحتلال افغانستان ومن بعدها العراق.

وتتعرض المملكة العربية السعودية حاليا لحملة شرسة وضارية بعد ان وجهت الاتهامات الى عدد من السعوديين الذين قيل بانهم اشتركوا او ساهموا في التفجيرات او انخرطوا في صفوف القاعدة التي يتزعمها السعودي اسامة بن لادن ويعتقد معظم الرسميين والكتاب الاميركان بان التعليم الديني في السعودية المستمد من الوهابية هو المسؤول عن العنف والارهاب، ولذلك تطالب الإدارة الاميركية بضرورة تعديل البرامج والمناهج الدراسية، وفي الوقت نفسه يواصل الاعلام الاميركي هجومه على الوهابية التي على اساسها قامت الدولة السعودية منذ نشأتها في القرن الثامن عشر.

في السابع من هذا الشهر نشرت مجلة »تايم« الاميركية مقالا لكاتب اسمه »ديفيد بيما« عنوانه »الوهابية.. دين سام« اي من السُّمْ. ونشر المقال في زاوية او صفحة تقول بان النقاش يدور حول »اذا كان دين الدولة السعودية هو المسؤول عن عدم التسامح، او ان المسألة هي مجرد سوء فهم«.

يحتوي المقال على كثير من المغالطات والافتراءات على الوهابية، وجاء فيه ما نصه: »ان الحركات الدينية قد تكون نتيجة رؤيا في المنام، فقد قيل انه كان في شبه جزيرة العرب في القرن الثامن عشر رجل عاش في ولاية نجد، وقد رأى هذا الرجل في المنام نورا او شعاعا يخرج من جسمه وينتشر الى مسافات بعيدة وعميقة بحيث يغطي الخيام في الصحراء والمدن على السواء، فذهب الى شيخ دين ليفسر له هذه الرؤيا، فقال له الشيخ بان ولده سيأتي بدين جديد تتبناه صحراء العرب وتؤمن به«.

ويقول هذا الكاتب بان الرؤيا لم تتحقق في ابن الرجل وانما في حفيده، وان اسم هذا الحفيد كان »محمد بن عبدالوهاب« (الذي تُنسب اليه الحركة الوهابية)، ويسترسل الكاتب قائلا بان »صورة الاسلام التي رآها محمد بن عبدالوهاب في الاربعينات من القرن الثامن عشر، اي حوالي عام 1740م، هي التي اصبحت عليه اليوم (الوهابية)، وصارت الدين الرسمي للدولة السعودية، ثم يتساءل: هل الوهابية مرادفة للعنف، وتفرض الحرب على الغرب كجزء من عقيدتها الاساسية؟ او ان العنف شوّه الوهابية لاعطاء شرعية مزيفة لمتشدديها؟ ثم يستشهد بما قاله »ستيفن شوارتز« مؤلف كتاب »الاسلام في العربية السعودية« بانه حينما تصبح الوهابية العقيدة الرسمية، فانه ينبغي ان يكون هناك ارهاب دولة، وهو يقول بان كثيرا من المؤرخين الدينيين وعلماء الاجتماع يعتقدون بان الدين المؤسس والقائم على مبادىء متشددة وغير متسامحة يقصر الدعوة على العنف.

ويتناول الكاتب سيرة »محمد بن عبدالوهاب«، ويقول بانه ولد في بلدة صغيرة في الجزيرة العربية سنة 1703م ابان الحكم التركي العثماني، وله كتاب اساسي اسمه »كتاب الوحدة« حاول فيه استعادة ما اعتقد انه اصل الاسلام وجوهره، وذلك بالتخلص من البدع التي لوثت او لطخت ديانة التوحيد الاساسية، وقد وضع في لائحة الفساد الذي ينبغي التخلص من الشيعة والصوفيين، وانه نبذ معظم اجتهادات المجتهدين الاربعة في الاسلام، والتزم بالتفسير الحرفي للنصوص الدينية وتطبيق العقاب البدني.

ويقول الكاتب بان هذا المذهب الجديد (يقصد الوهابية) لا مكان فيه للحرية ولا لحقوق الانسان، علاوة على الفصل بين المسجد والدولة، وقد اتخذ محمد عبدالوهاب - كما قال الكاتب - موقفا عدائيا تاريخيا من اليهود والنصارى، ونادى بتأخير الجهاد حتى يمكن اولا تكوين دار الإسلام مقابل دار الحرب، ويؤكد الكاتب بان محمد بن عبدالوهاب نشر دعوته بالسيف في الجزيرة العربية، وذلك حينما تبناها زعيم او شيخ قبيلة نجدية اسمه »محمد بن سعود« في عام 1744م، واعجب بها، وعدها ايديولوجية مقبولة ترى في العثمانيين اجانب احتلوا البلاد بالقوة، وقد امدته الوهابية بالمصداقية لتشكيل حملة مسلحة للاستيلاء على مكة والمدينة. وكانت نتيجة الشراكة بين الرجلين ان محمد بن سعود استقل بالحكم بينما اعطيت السلطة المدنية والقضائية للشيخ محمد بن عبدالوهاب، وقويت العلاقة بينهما بالمصاهرة حيث تزوج ابن سعود ابنة محمد بن عبدالوهاب.

ويربط الكاتب بين المجاهدين ضد السوفيات في افغانستان في الثمانينات من القرن الماضي الذين قدموا من السعودية والمجاهدين المصريين الذين اعتنقوا تعاليم »سيد قطب« التي تعتمد القوة والعنف من اجل التحرير. ويقول بأن الوهابيين تبنوا هذه التعاليم، وصاروا ينادون بالجهاد ضد الكفار والاستعماريين الجدد، اي الغرب.

ان من ابرز مغالطات الكاتب وتحامله على الوهابية، وصفه لها بأنها دين جديد جاء به »محمد بن عبدالوهاب« الذي كان جده ـ كما زعم ـ قد رأى دلالات دعوته في المنام، وان الحركات الدينية قد تكون - كما قال - ناتجة عن احلام، مما يجعل القارىء يشكك في الحركات الدينية الاصلاحية، وكما يعرف الجميع فان الوهابية ليست دينا جديدا، ولا حتى مذهبا اسلاميا، كما يعتقد البعض، وانما هي حركة سلفية اصلاحية دينية قادها وحمل لواءها قبل محمد بن عبدالوهاب الامام ابو العباس تقي الدين احمد بن عبدالحليم المعروف بابن تيمية الحراني مولدا »نسبة الى مدينة حران في تركيا حاليا« والدمشقي اقامة، والمتوفى عام 1328م. اما الشيخ محمد بن عبدالوهاب المولود في بلدة »العيينية« بنجد، فقد جاء بعد ذلك، وتلقى تعليمه الديني في نجد ثم سافر الى الحجاز والعراق وسوريا حيث تأثر بأفكار »ابن تيمية« وتلميذه »ابن الجوزية«، واخذ عنه تفسيره للمذهب الحنبلي، ولذلك فقد اخطأ الكاتب حينما زعم بان محمد عبدالوهاب نبذ معظم اجتهادات المجتهدين في الاسلام، وهم كما نعلم: ابو حنيفة والشافعي ومالك وابن حنبل.

ولعل من اهم كتب »ابن تيمية« التي تأثر بها، ابن عبدالوهاب، كتاب »درء تعارض العقل والنقل«، والذي حققه مؤخرا الدكتور محمد رشاد سالم، وطبع على نفقة جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية عام ،1979 وجاء في عشرة اجزاء.

قلنا بان الشيخ محمد بن عبدالوهاب تأثر بأفكار »ابن تيمية« التي مفادها بان الاسلام، كما يمارسه معاصروه وقد انحرف كثيرا عمليا ونظريا عن طريق السنة التي استنها القرآن الكريم والنبي »صلى الله عليه وسلم«، وقرر ان ينقيه ويعيده الى حالته الاصلية زمن السلف الصالح، وذلك بالتخلص من البدع التي ابتدعها البعض ولصقت بالاسلام مثل تكريم الاولياء والصالحين، واقامة القبور وبنائها وبروزها وارتفاعها عن سطح الارض ولذلك قاموا بهدمها وتسويتها بالارض حتى لا تتحول الى مزارات يلجأ اليها الناس للتبرك والشفاعة من دون الله، مما قد يعني العودة الى الوثنية، وعلى العموم فان الشيخ محمد بن عبدالوهاب كان يريد العودة الى جوهر الاسلام ونقائه وبساطته كما كان في عهد النبي »صلى الله عليه وسلم« والصحابة رضوان الله عليهم.

ويمكننا القول بأن الحركة الوهابية كانت ضمن حركات اسلامية ظهرت في البلاد العربية انذاك مثل المهدية في السودان والسنوسية في ليبيا وشمال افريقية وكان لكل حركة توجهاتها ومنطلقاتها وابعادها السياسية الرامية الى التحرر من النفوذ الاجنبي وبعث امجاد الاسلام.

ونحن لا نستطيع في مقال كهذا ان نفي الوهابية حقها وانما نكتفي بما اشرنا اليه وهدفنا دحض افتراءات الكاتب المتحامل على الاسلام بعامة والوهابية بخاصة. ومقال هذا الكاتب يجيء ضمن حملة منظمة هدفها نسف الاسس التي قامت عليها الدولة السعودية التي انشأها محمد بن سعود المتوفى في عام 1765م، والذي كما سبق القول تبنى افكار الشيخ محمد بن عبدالوهاب. وقد بلغت هذه الدولة اوج قوتها واتساعها في عهد حفيده سعود الكبير حيث شملت معظم شبه الجزيرة العربية، وشمالا حتى تدمر في سوريا ووصلت قواتها العراق. فخاف العثمانيون على سلطاتهم، وطلبوا من محمد علي باشا واليهم على مصر القضاء على الوهابيين، فارسل محمد علي ولده ابراهيم الذي قضى على الدولة السعودية وهدم عاصمتهم الدرعية بنجد عام 1818م، ولكن عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل الذي لجأ مع والده الى الكويت تمكن في عشرينات القرن الماضي من تجريد حملته الى الرياض وانتزاعها من آل الرشيد التابعين للاتراك، واعاد بناء الدولة السعودية من جديد، والتزم بالتعاليم الوهابية والتي هي في جوهرها تتبع المذهب الحنبلي، كما سبق القول. وكما هو معلوم فان المذهب الحنبلي ينتشر في كثير من البلاد الاسلامية، وبخاصة في الديار الشامية.

 

دعاوى المناوئين

  • ترجمة الشيخ
  • حقيقة دعوته
  • ما قيل في الشيخ
  • أثر دعوته
  • كتب ورسائل
  • مؤلفات في دعوته
  • مقالات ورسائل
  • شبهات حول دعوته
  • صوتيات
  • english
  • الرئيسية