اطبع هذه الصفحة


الوهابية

محمد الإبراهيم

 
منذ أن قام الشيخ محمد بن عبد الوهاب بدعوته الإصلاحية التجديدية في منتصف القرن الثاني عشر الهجري، والنجاح الكبير الذي حققه في الجزيرة العربية، وانتشار هذا الإصلاح في مناطق أخرى من العالم الإسلامي، منذ ذلك الحين والضجة التي قامت في وجه هذه الدعوة لم يهدأ أوارها ولم تبرد حرارتها.

استخدم مصطلح (الوهابية) كمطعن ومغمز في أهداف هذه الدعوة ومراميها، وبسبب قوة الدعاية المضادة المغرضة أصبحت كلمة (وهابي) في أذهان بعض عوام المسلمين تعني عكس ما قام به الشيخ محمد بن عبد الوهاب وما أراده، فالدعاية تقول إن هؤلاء (الوهابية) لا يحبون الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يقدرونه، مع أن أساس دعوة الشيخ الرجوع إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه في كل ما أمر أو نهى، والحقيقة أن هذا المصطلح (الوهابية) ليس له أصل، فأصحابه لم يقولوا به، ولم يستعملوه، بل ولا يرضونه فالشيخ لم يأت ببدعة جديدة ينتسب الناس إليها كما تفعل بعض الطرق الصوفية كالرفاعية والشاذلية.. ولم يأت بمذهب فقهي جديد، فهو حنبلي المذهب في الفروع، وإنما دعوة الشيخ دعوة تجديدية للرجوع إلى نقاء الدين وصفائه وترك ما علق به من بدع وخرافات وما وقع الناس فيه من الشرك في الأقوال والأفعال، فلماذا ينتسب الناس إليه، وهم ينتسبون إلى الإسلام وإلى منهج أهل السنة والجماعة.

نبذة عن حياة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي :

ولد الشيخ في عام 1115 ه في بلدة العيينة من بلدان نجد، تلقى العلم في طفولته فحفظ القرآن وقرأ الفقه على والده الذي كان قاضي العيينة، وطالع كتب الحديث والتفسير وأصول الإسلام، أقام في المدينة فترة أخذ فيها العلم عن الشيخ عبد الله بن إبراهيم النجدي والشيخ محمد حياة السندي، ولكن مدرسته الكبرى وتأثره الواسع هو بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وذلك لصلة المذهب الحنبلي بهؤلاء الأعلام.

خرج من المدينة إلى نجد وقصد البصرة وسمع فيها الحديث والفقه والنحو عن جماعة كثيرين، وأثناء مقامه في البصرة كان ينكر ما يراه ويسمعه من الشرك والبدع، ويحث على طريق الهدى والاستقامة، ثم اتجه إلى الشام ولكن نفقته التي كانت معه ضاعت فانثنى راجعاً إلى نجد، واتجه إلى بلدة حريملاء حيث كان والده قد انتقل إليها، وفي حريملاء أعلن دعوته الإصلاحية وأنكر مظاهر الشرك والبدع وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وسمع به طلاب العلم فتوافدوا إليه وانتظموا معه في مجالس العلم.

رجع الشيخ إلى العيينة ووافقه أميرها على دعوته، فهدموا القباب التي كانت على القبور، وقطعوا الأشجار التي يتبرك بها، وأقاموا الحدود، ثم إن أمير العيينة خشي على دنياه وإمارته من هذه الدعوة فأمر الشيخ بالخروج من العيينة وذلك عام 1158 ه، فاتجه الشيخ إلى بلدة الدرعية وأميرها محمد بن سعود حيث أقنعه أخواه ثنيان ومشاري باحتضان دعوة الشيخ، وكان ذلك، وبايع الأمير الشيخ وتحالفا على نشر الدعوة، وإقامة شرائع الإسلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن الدرعية التي توسعت كثيراً بسبب هجرة الناس إليها، كاتب الشيخ أهل البلدان المجاورة ودعاهم إلى ترك البدع، وعارضه أقوام وأيده آخرون، ولكن النصر كان حليفه، وحقق الله له ما أراد وأقام كياناً سياسياً على أساس من تعاليم الإسلام، وما زال بيده الحل والعقد والأخذ والعطاء، ولا يصدر رأي من محمد بن سعود إلا عن قوله ورأيه، إلى أن توفاه الله في شوال سنة 1206 ه رحمه الله وجزاه الله خيراً عن الإسلام والمسلمين.

خلاصة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب :

كانت حالة المسلمين في القرن الثاني عشر والذي قبله حالة تدعو إلى الأسى والأسف، لما وصلت إليه من الجهل والبعد عن أساس الإسلام وأصله العميق وهو التوحيد، ولا مانع أن ننقل هنا وصف عالم غربي لهذه الحالة.

يقول المؤرخ (لوثروب ستودارد) في كتابه حاضر العالم الإسلامي: "في القرن الثامن عشر كان العالم الإسلامي قد بلغ من التضعضع أعظم مبلغ، ومن التدني والانحطاط أعمق دَرَكَة، فالدين قد غشيته غاشية سوداء، فألبست الوحدانية التي علمها صاحب الرسالة سجناً من الخرافات وقشور الصوفية، وكثر عديد الأدعياء والجهلاء.."[1].

في وسط هذا الجو المكفهر شاء الله أن تنطلق دعوة التوحيد من أرض الجزيرة العربية، كما انطلقت شرارتها الأولى منها، وبلاد نجد أنسب البقاع لظهور الحركة التجديدية حيث بقيت هذه البقعة بعيدة عن سيطرة الدول الكبرى. انطلق صوت الشيخ منادياً بالعودة إلى نقاء التوحيد.

يقول في رسالته إلى عبد الرحمن بن عبد الله السويدي أحد علماء العراق: "أخبرك أني ولله الحمد متبع ولست بمبتدع، عقيدتي وديني الذي أدين الله به مذهب أهل السنة والجماعة الذي عليه أئمة المسلمين مثل الأئمة الأربعة وأتباعهم إلى يوم القيامة، لكني بينت للناس إخلاص الدين لله، ونهيتهم عن دعوة الأحياء والأموات من الصالحين وعن إشراكهم فيما يعبد الله به، مما هو من حق الله الذي لا يشركه فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل.."[2] .

ويقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن: "ثم إن شيخنا رحمه الله كان يدعو إلى إقامة الفرائض ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وأقواله في أصول الدين مما أجمع عليه أهل السنة والجماعة، وأما في الفروع والأحكام فهو حنبلي المذهب"[3].

إن رسائل الشيخ الكثيرة ومصنفاته تؤكد يقيناً بأنه لا يدعو إلا لعقيدة السلف في جميع أبواب الاعتقاد، وسيرته الشخصية تؤكد على ذلك، وما كتب تلامذته وأنصار دعوته تؤكد ذلك أيضاً، وهو على كل حال ليس معصوماً، وإذا أخطأ في شيء فالعلماء الثقات الأتقياء هم الذين يصححون ويبينون مواطن الخطأ، وهذا عند أهل السنة واضح لا لبس فيه كما قال الإمام مالك (كل يؤخذ منه ويرد عليه إلا صاحب هذا القبر) يشير إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم .

ليست بدعاً من الدعوات الإصلاحية :

من سنن الله الكونية أن الدجاجلة والكذابين ينكشف أمرهم بعد مدة قصيرة كصاحب القاديانية أو البهائية.. بينما نرى أن دعوة الشيخ التجديدية – ودعوات التجديد مستمرة في التاريخ الإسلامي – نراها قد ترسخت في نجد ووصلت إلى أماكن أخرى في العالم الإسلامي، وما تزال تقوى وتزداد رسوخاً على مر الأيام، وقد تأثر بدعوة الشيخ بعض العلماء المصلحين من شتى الأقطار مثل الشيخ نذير حسين الدهلوي في الهند والشيخ علي السويدي في العراق. والشيخ محمد بن ناصر الشريف التهامي في اليمن، وكان للدعوة تأثير في غرب أفريقيا والمغرب العربي وقام علماء كبار بعد الشيخ يدعون للرجوع إلى الكتاب والسنة وترك البدع والخرافات، سواء تأثروا بالشيخ أم لم يتأثروا، مثل العالم الكبير الشوكاني في اليمن، والعالم جمال الدين القاسمي في الشام والعالم محمود شكري الآلوسي في العراق، فهل يقال أن هؤلاء وهابيون؟.

إن الرجوع إلى العقيدة الصافية النقية كان ديدن حركات إصلاحية وعلماء في المشرق والمغرب، ففي الهند قامت دعوة تدعو إلى تطهير الاعتقاد من الخرافات والشرك قادها أحمد بن عرفان الشهيد (1201 – 1246) والشيخ إسماعيل بن عبد الغني الدهلوي (1193 – 1246) وقد ألف الشيخان كتباً حول هذا الموضوع مثل (الصراط المستقيم) و (رد الإشراك) وهو يشبه ما ألفه الشيخ محمد بن عبد الوهاب (كتاب التوحيد) .

يقول الشيخ إسماعيل بن عبد الغني مؤلف رسالة (رد الإشراك) التي ترجمها الشيخ أبو الحسن الندوي بعنوان (رسالة التوحيد) يقول: "ذكرنا في هذه الرسالة جملة من الآيات والأحاديث ذات صلة قوية بالتوحيد واتباع السنة وذم الشرك والبدعة". ويقول العلامة صديق حسن خان عن الشيخ إسماعيل: "ولم يكن ليخترع طريقاً جديداً في الإسلام كما يزعم الجهال وقد قال الله تعالى: ((ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون)) [آل عمران:79]"[4].

وفي المغرب العربي قام الشيخ مبارك الميلي (1896 – 1945 م) وهو أحد مؤسسي جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، قام بتأليف (رسالة الشرك ومظاهره) يقول في مقدمته: "وقد مرت أعصر أهمل جل العلماء فيها شأن الدعوة أو حادوا فيها عن أسلوب القرآن والحديث، فجهل جمهور المسلمين عقائد الإسلام، وطرأ عليهم عقائد زائفة وبدع سائدة"[5].

فالدعوة واحدة، عندما تريد الإصلاح تبدأ بالعقيدة، وقد كتب الشيخ مبارك هذا الكتاب قبل أن يهدى له مجموعة من الكتب منها: تطهير الاعتقاد لمحمد بن إسماعيل الصنعاني، وفتح المجيد شرح كتاب التوحيد.

لماذا تحارب هذه الدعوة ؟ :

إن الدعوة إلى التوحيد والعبودية الخالصة لله، تحرر الإنسان من العبودية للإنسان، تحرره نفسياً واجتماعياً من الخضوع للخرافات وتسلط الطغاة، تحرره من الصنمية سواء أكانت للأشخاص أم للأشياء فمن هو الذين يكره هذه الدعوة؟ إنهم أهل الاستكبار والفساد في الأرض، وأول من يحارب هذه الدعوة هو الغرب الاستعماري والصهيونية العالمية.

فهذه الدعوة وأمثالها لا تقبل بالهيمنة الاستعمارية، وكل الحركات التي قامت للجهاد ضد الاستعمار في القرن التاسع عشر وما قبله كان توجهها سلفياً أو فيه آثار من السلفية.

فجمعية العلماء المسلمين في الجزائر كانت خميرة التحرر من فرنسا.

وحركة الشيخ أحمد بن عرفان في الهند كانت سلفية محضة، وقد حاولت إقامة دولة في شمال غربي الهند ولكن زعماء القبائل وطائفة (السيخ) تحالفوا ضدها وقضوا عليها في معركة (بلاكوت) عام 1831 م.

ولأن سلطان المغرب السلطان سليمان بن محمد بن عبد الله الذي بويع عام (1206 ه) كان سلفياً في عقيدته محباً للعلم والعلماء فقد تسلطت عليه الدعايات الغربية وأنه منغلق ومتخلف..

وأمريكا اليوم تمارس الدعايات المغرضة ضد معارضيها الذين لا يقبلون بأن تتسلط على المسلمين وتسلب خيراتهم، وتحارب هؤلاء وتتهمهم ب (الوهابية) والذين يعادون هذه الدعوة التجديدية المحاربة للدجل والخرافات هم الصوفية المنحرفون عن منهج أهل السنة. الذين يعيشون على جهل العوام، والصوفية السياسية هي الأشد حرباً على منهج أهل السنة لأن هناك من يؤزهم ويطمعهم بأوهام كبيرة فيقعون في فخ الدول باسم محاربة (الوهابية).

ليس غريباً أن يقول مستشرق مثل (دونكان ماكدونالد) عن حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب: "هذه الحركة هي النقطة المضيئة في تاريخ العالم الإسلامي خلال فترة الركود والجمود".

وقد نقلنا سابقاً قول المؤرخ (لوثروب ستودارد) في حاضر العالم الإسلامي ليس غريباً لأن هؤلاء يستعملون عقولهم، ويقررون الحقائق كما هي، ولكن المسلمين الخرافيين الجهلة يسمعون للدعايات دون أن يقرأوا حرفاً مما كتب الشيخ وأمثاله، هؤلاء تنفر قلوبهم من التوحيد ((كأنهم حمر مستنفرة ، فرت من قسورة)) [المدثر:50-51].

وأما فرقة الرافضة فهم ألد أعداء الدعوة التجديدية التي قام بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب أو أمثاله من الدعاة المصلحين، لأن دين هؤلاء الرافضة مبني على (اللاعقل) والإمام المعصوم ودعوة المقبورين وحج المشاهد وتقديس المشايخ، فكيف يقبلون بدعوة تريد الرجوع إلى صفاء الإسلام الأول.

والذين يكرهون هذه الدعوة أيضاً: العلمانيون وخاصة في الجزيرة العربية لأنهم يريدون تنازلات في العقيدة والشريعة بحيث لا يبقى في النهاية إسلام، أو يريدون إسلاماً مفصلاً حسب ما يشتهون ولا يعارضهم في اتباع أهوائهم وشهواتهم. وهؤلاء أقوياء في دعوتهم، تغريهم الصحف المفتوحة لهم ويركنون إلى دولة عظمى (أمريكا) تشجعهم وتحميهم إذا تعرضوا لأي ضغط، والغريب في الأمر أن هؤلاء وأتباعهم تطاولوا على الشيخ ومؤلفاته ووصل الأمر في نقد هذه الدعوة إلى ابن تيمية، ولم يرد عليهم الرد المناسب - حسب ما نعلم - ولم يبين لهم أن هذه الدعوة هي التي وحدت الجزيرة العربية، وأن الرخاء ورغد من العيش الذي يتمتعون به هو بسبب هذا التوحد والتوحيد ...

------------------------------
[1] حاضر العالم الإسلامي، تعليقات شكيب أرسلان 1/ 259.
[2] عبد العزيز عبد اللطيف: دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ص: 22.
[3] المصدر السابق، ص: 23.
[4] رسالة التوحيد، ص: 17.
[5] رسالة الشرك ومظاهره، ص: 36 ط. دار الغرب الإسلامي 1420 هـ.


المصدر :  مجلة السنة | العدد 129 | شعبان 1424 هـ
 

دعاوى المناوئين

  • ترجمة الشيخ
  • حقيقة دعوته
  • ما قيل في الشيخ
  • أثر دعوته
  • كتب ورسائل
  • مؤلفات في دعوته
  • مقالات ورسائل
  • شبهات حول دعوته
  • صوتيات
  • english
  • الرئيسية