اطبع هذه الصفحة


مكانةُ شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وتعدي مفتي مصر عليهما

أ.د. حسام الدين عفانة / جامعة القدس


يقول السائل: استمعت لتسجيل للشيخ علي جمعة مفتي مصر يتكلم فيه على الشيخين ابن تيمية وابن القيم ويستهزئ بهما ويذكرهما بسوء، ويعيرهما بالسجن، فما قولكم في ذلك،أفيدونا.
الجواب:
اطلعت على الشريط المذكور وسمعت كلام الشيخ علي جمعة مفتي مصر، وقد أسفت أن يصدر هذا الكلام ممن يتبوأ منصباً دينياً رفيعاً، وليست هذه أول سقطات الشيخ المذكور، فقد سبق أن صدرت عنه مواقف مشينة وفتاوى عجيبة غريبة، فمن مواقفه السخيفة احتفاله بعيد ميلاده في أحد نوادي الليونز الماسونية، بحضور عدد من الممثلات والممثلين وغيرهم من الفاسدين، الذين غنوا له\"هابي بيرث دي مفتي\"!! ولا شك أن هذا الموقف انحرافٌ عن منهج الحق والصواب،وسابقةٌ خطيرة أن يشارك المفتي صاحب المنصب الشرعي الرفيع، في لقاءات أحد الأندية المشبوهة، وكأنه يساند دورها الخطير وتحركاتها المشبوهة، ونسي المفتي أو تناسى الفتوى الصادرة عن لجنة الفتوى بالأزهر الشريف سنة1405هـ وفق 1985م وجاء فيها:[ بيان للمسلمين من لجنة الفتوى بالأزهر الشريف بشأن الماسونية والأندية التابعة لها مثل الروتاري والليونز. إن الإسلام والمسلمين يُحاربهم الأعداءُ العديدون بكل الأسلحة المادية والأدبية، يريدون بذلك الكيد للإسلام والمسلمين، ولكن اللهَ ناصرُهم ومعزُهم، قال تعالى:{إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ}سورة غافر الآية 51، ومن بين هذه الوسائل التي يحاربون بها الإسلام،وسيلة الأندية التي ينشؤونها باسم الإخاء والإنسانية، ولهم غاياتهم وأهدافهم الخفية وراء ذلك، وإن من بين هذه الأندية الماسونية والمؤسسات التابعة لها مثل الليونز والروتاري، وهما من أخطر المنظمات الهدَّامة التي يسيطر عليها اليهود والصهيونية، يبتغون بذلك السيطرة على العالم عن طريق القضاء على الأديان، وإشاعة الفوضى الأخلاقية، وتسخير أبناء البلاد للتجسس على أوطانهم باسم الإنسانية، ولذلك يحرم على المسلمين أن ينتسبوا لأندية هذا شأنُها، وواجبُ المسلم ألا يكون إمعةً وراء كل داعٍ ونادٍ، بل واجبه أن يمتثل لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم حيث يقول فيما يرويه حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:(لا تَكُونُوا إِمّعةً، تَقُولُونَ: إِن أَحْسَنَ النّاسُ أَحْسَنَّا، وإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وإِنْ أساءوا فَلاَ تَظْلمُوا) رواه الترمذي وقال: حسن غريب، وواجبُ المسلم أن يكون يقظاً حتى لا يُغرر به، فللمسلمين أنديتهم الخاصة بهم، والتي لها مقاصدُها وغاياتُها العلنية، فليس في الإسلام ما نخشاه ولا ما نخف]. ويضاف إلى ذلك أن الاحتفال بعيد الميلاد بدعةٌ لا يجوز القيام به، لقوله صلى الله عليه وسلم:(من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ)رواه البخاري ومسلم. وفي رواية لمسلم:(من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ) والاحتفال بأعياد الميلاد تشبهٌ بغيرِ المسلمين، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(من تشبه بقومٍ فهو منهم) رواه أحمد وأبو داود وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح الجامع حديث رقم 6025. ومن مواقف وفتاوى المفتي علي جمعة المخزية، قوله إن النقاب ثقافة عفنة، وقد نسي المفتي أو تناسى ما قاله علي جمعة نفسه قبل توليه منصب المفتي حيث قال: إن النقاب فرضٌ عند ثلاثة من علماء المذاهب، ومستحبٌ لدى المذهب الرابع!! ومن فتاواه العجيبة قوله بإباحة أن يبيع المسلمُ في دولةٍ غير إسلامية الخمورَ لغير المسلمين!!ومن فتاويه العرجاء زعمه رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظةً، وقد حصل له ذلك، وهذا من الدجل بلا خجل. ومن سخافات بعض الصوفية فهؤلاء يؤمنون برؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظةً، وينفون موته صلى الله عليه وسلم،مع أن الله عز وجل قد نصَّ في القرآن الكريم على ذلك، قال تعالى:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}سورة آل عمران الآية 144، وقال سبحانه وتعالى:{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}سورة الزمر الآية 30. وزعم المفتي علي جمعة أن النبي صلى الله عليه وسلم مخلوقٌ من نورٍ، وهذا الزعم من ترهات الصوفية وضلالاتهم، فمن المعروف عند أهل العلم أن المتصوفة قد انحرفوا انحرافاً خطيراً تجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتجاوزوا به المنزلة التي أنزله الله سبحانه وتعالى، فادَّعوا أنه أول مخلوق، وأنه مخلوقٌ من نورٍ، وأن جميع ما في هذا الكون تفرع عنه بعد ذلك، وأن جميع علوم الرسل الذين أرسلوا من قبله فاضت عليهم من علمه، بل ادَّعوا بأن علم اللوح والقلم من علمه صلى الله عليه وسلم، وأن الدنيا وما فيها والآخرة، وما فيها من جوده صلى الله عليه وسلم إلى غير ذلك من الأباطيل. ومن غلو علي جمعة في رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله بالتبرك ببول النبي صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن هذا من الغلو المنهي عنه شرعاً، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:(إياكم والغلو في الدين، إنما هلكَ منْ كان قبلكم بالغلو في الدين)رواه أحمد والنسائي وابن ماجة، وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم 1283. إلى غير ذلك من الفتاوى العرجاء. إذا تقرر هذا فلا بد أن أذكر شيئاً من سيرة الإمامين، شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم، أما ابن تيمية فهو أحدُ أعلام أهل السنة والجماعة البارزين، ومن كبار علماء الأمة المجاهدين،[ فشيخ الإسلام هو تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني، ولد بحران عام 661هـ وقد كان يمتاز بأمور أهمها:1-قوة حافظته وسرعة إدراكه لما يسمع أو يقرأ. 2-محافظته على الوقت منذ صغره.3-قوة تأثيره وحجته.4-تبحره في علم المنقول والمعقول أصولاً وفروعاً في المسائل العلمية والعملية. 5-جهاده بالسيف والحجة، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، فجهاده للتتار وأهل البدع والضلال معروفٌ لا يخفى. 6-انفراده بمسائل علمية وعملية سببت له محناً وعداواتٍ ومناظراتٍ، وسُجن أكثر من مرة ومات في السجن بسببها. وقد توفي رحمه الله في قلعة دمشق سجيناً عام 728هـ، فهذه نبذة مختصرة مجملة عن شيخ الإسلام، ومن أراد الوقوف على سيرته الحافلة فليراجع كتب التراجم.] الشبكة الإسلامية. وقد أثنى عليه كبار العلماء قديماً وحديثاً، قال الإمام الذهبي:[نصرَ السنةَ بأوضح حججٍ وأبهرِ براهين، وأُوذي في ذات الله من المخالفين، وأُخيف في نصر السنة المحضة حتى أعلى الله مناره وجمع قلوب أهل التقوى على محبته].وقال ابن سيد الناس:[إن تكلم في التفسير فهو حاملُ رايته، أو أفتى في الفقه فهو مدركُ غايته، أو ذاكرَ بالحديث فهو ذو رايته. برز في كل فنٍٍ على أبناء جنسه ولم تر عيني مثله].وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني:[ولو لم يكن للشيخ تقي الدين من المناقب إلا تلميذه الشهير الشيخ شمس الدين بن قيم الجوزية،صاحب التصانيف النافعة السائرة التي انتفع بها الموافق والمخالف، لكان غاية في الدلالة على عظيم منزلته، فكيف وقد شهد له بالتقدم في العلوم، والتميز في المنطوق والمفهوم، أئمةُ عصره من الشافعية وغيرهم فضلاً عن الحنابلة].وقال الإمام القاضي بهاء الدين بن السبكي:[والله ما يبغض ابن تيمية إلا جاهلٌ أو صاحبُ هوىً يصده هواه عن الحق بعد معرفته به]. وقال العلامة ابن دقيق العيد:[لما اجتمعتُ بابن تيمية رأيتُ رجلاً العلومُ كلُها بين عينيه، يأخذ منها ما يريد، ويدع ما يريد] انظر هذه النقول وغيرها في \"الرسالة الزكية في ثناء الأئمة على ابن تيمية\" للشيخ مرعي الكرمي. وأما العلامة ابن القيم فهو الشيخ الإمام العلامة شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي إمام المدرسة الجوزية وابن قيمها، قال عنه ابن كثير رحمه الله: ولد في سنة إحدى وتسعين وستمائة وسمع الحديث واشتغل بالعلم وبرع في علوم متعددة لا سيما علم التفسير والحديث والأصلين، ولما عاد الشيخ تقي الدين ابن تيمية من الديار المصرية في سنة ثنتي عشرة وسبعمائة لازمه إلى أن مات الشيخ، فأخذ عنه علماً جماً مع ما سلف له من الاشتغال،فصار فريداً في بابه في فنون كثيرة مع كثرة الطلب ليلاً ونهاراً، وكثرة الابتهال وكان حسن القراءة والخُلق كثير التودد، لا يحسد أحداً ولا يؤذيه ولا يستغيبه ولا يحقد على أحدٍ وكنت من أصحب الناس له وأحب الناس إليه، ولا أعرف في هذا العالم في زماننا أكثر عبادةً منه...وله من التصانيف الكبار والصغار شيءٌ كثيرٌ، وكتب بخطه الحسن شيئاً كثيراً، واقتنى من الكتب ما لا يتهيأ لغيره تحصيل عشره من كتب السلف والخلف] عن الشبكة الإسلامية.وقال الشيخ ملا على القاري عن ابن تيمية وتلميذه ابن القيم:[ومن طالع كتاب \"مدارج السالكين\" تبين له أنهما من أكابر أهل السنة والجماعة ومن أولياء هذه الأمة] الرد الوافر ص95.

وخلاصة الأمر أن ما قاله مفتي مصر علي جمعة في حق شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم، فيه تطاولٌ على عالمين جليلين من علماء الإسلام، وكذلك فإن سخرية علي جمعة منهما بأنهما قد سجنا، وتعييرهما بالسجن، فكلامٌ باطل، لأن الأنبياء والعلماء والأئمة سجنوا، فقد سُجن يوسف عليه السلام وسُجن الإمامان أبو حنيفة وأحمد وغيرهم كثير، وكون شيخ الإسلام ابن تيمية مات في السجن فهذه مفخرةٌ له وليست منقصةً، لأن سجنه كان بسبب ثباته على الحق وصدعه به ووقوفه في وجه الظلم والطغيان. ولا بد أن أؤكد على أن شيخ الإسلام ابن تيمية لا يحبه إلا مؤمنٌ ولا يبغضه إلا منافقٌ.وختاماً لا بد من التحذير من ظاهرة مشايخ التمييع، الذين يميعون أحكام الإسلام اتباعاً للأهواء وإرضاءً للحكام الظلمة، حتى يظهروا بمظاهر المنفتحين غير المتطرفين كما زعموا، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من هؤلاء وأشباههم فقال:(إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين) رواه مسلم. والله الهادي إلى سواء السبيل


 

دعاوى المناوئين

  • ترجمة ابن تيمية
  • دعوى المناوئين
  • مواضيع متفرقة
  • كتب ابن تيمية
  • الصفحة الرئيسية