الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد :
فموجب كتابة هذا المقال أن بعض الإخوة الفضلاء أطلعني على مقال لأحد الإباضية
بعنوان : [الوهابية وعقيدة الحمير؟!!] لكاتبه المتلقب بِـ"البرهان الساطع"
يتندر به على أهل السنة ، ويطعن عليهم فيه ، وينتصر فيه لعقيدة الجهمية
المشبهة المعطلة .
ونص مقال الكاتب الإباضي المذكور:
[إن مما يحزن ويبكي أن طاحونة التجسيم والتشبيه لم تتوقف عند ابن القيم عن
الجعجعة حتى هوت به في زريبة الحمير!!! أعزكم الله .
فقام هذا المريض عقليا بالإنتصار لعقيدة التجسيم اليهودية التي يؤمن بها
وينافح من اجلها الوهابية هذه الأيام بأفعال الحمير!!!
حيث قال في كتابه "اجتماع الجيوش الإسلامية" ص296-297 ما نصه: (وفي هذا الباب
قصة حمر الوحش المشهورة التي ذكرها غير واحد، إنها انتهت إلى الماء لترده
فوجدت الناس حوله فتأخرت عنه فلما جهدها العطش رفعت رأسها إلى السماء وجأرت
إلى الله سبحانه بصوت واحد، فأرسل الله سبحانه عليها السماء بالمطر حتى شربت
وانصرفت)اهـ .
والقصة مشهورة عند قومه المجسمة أصحاب عقيدة الحمير!! وابن القيم يدل المجسمة
على أفضل طريقة لنزول المطر وهي أن يحرموا الحمير–أساتذة ابن القيم في
العقيدة– من الماء حتى ترفع رؤوسها للسماء مصليةً صلاة الاستسقاء!!. ].
فكتبت هذا المقال رداً عليه وعلى
أمثاله ممن خالفوا أهل السنة ، وفارقوا جماعة المسلمين ، وتنكبوا الصراط
المستقيم .
وسأذكر في هذا المقال المواضع التي
ذكر فيها الحمار في الكتاب والسنة مبيناً سبب ذكره ووجه تفضيله أو مشابهته
لأهل البدع والشقاق .
ولا تستغرب أخي القارئ من العنوان فقد سبقت بذلك !
فقد ألف الإمام الأديب علي ابن المرزبان كتاب: "فضل الكلاب على كثير ممن لبس
الثياب"
وجاء في كشف الظنون(2/1783) : ["المقالة في أوصلي شجاع" لمولاه لطفي المقتول
سنة تسعمائة . وَ"أوصلي" كلمة رومية معناها "الحمار الضخم" وهي رسالة لطيفة
بالتركية جمع فيها جميع ما يتعلق بالحمار من ضروب الأمثال وغيرها بمناسبة
اقتضاه الكلام].
فأقول مستعيناً بالله تعالى:
اعلم أخي المسلم أن الحمار خلق من خلق
الله ، خلقه الله لحكم وفوائد ، وقد تميز عن غيره بمزايا سواء كانت الميزة في
الحسن أو القبح .
والحمار –كغيره من المخلوقات- يسبح بحمد الله ، ويعبده ؛ فطرة وخلقة .
قال تعالى: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم}.
وقد فطر الله جميع خلقه على توحيده تعالى وعبادته ولا يتنكب عن عبادة الله
وتوحيده إلا مردة الإنس والجن .
والحمار –كغيره من الأنعام والبهائم- فيه شبه من الإنسان في الخلقة ، وقد
تميز بأشياء عن الإنسان مع أن الإنسان في درجة لا يبلغها شيء من المخلوقات
الأرضية ، فقد ميزه الله بالعقل والفهم ، وميز الله الإنسان بحسن الصورة
والخلقة ، وغير ذلك من ميزات الإنسان .
## فالحمار له بصر كالإنسان بل قد تميز بأنه يرى الجن والشيطان بخلاف الإنسان
حيث إنه لا يرى الجن والشيطان.
قال الله تعالى عن الشيطان : {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم}.
وأما الحمار فقد قال –صلى الله عليه وسلم- : " إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا
الله من فضله فإنها رأت ملكا ، وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوذوا بالله من
الشيطان فإنه رأى شيطانا".
رواه البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه-
## والحمار له سمع كالإنسان بل قد تميز بأنه يسمع أصوات المعذبين من أهل
القبور .
قال –صلى الله عليه وسلم- عن الكافر لما يعذب في قبره : ((وأما الكافر أو
المنافق فيقول: لا أدري كنت أقول ما يقول الناس ، فيقال: لا دريت ولا تليت ،
ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا
الثقلين)).
@ ومن الطرائف التي تذكر هنا : أن بني عبيد الباطنيين الذي حكموا مصر وتسموا
–كذباً وزوراً- بِـ"الفاطميين" كانت لهم مقبرة خاصة لموتاهم ، فكانت دوابهم
إذا حصل لها إمساك! أتوا بها إلى قبورهم فتسهل حميرهم!!
فيعدون ذلك كرامة!! وإنما هي –والله أعلم- من خوفها وشدة رعبها لما تسمع من
صياح أولئك المعذبين من العبيديين الكفرة الملاعين .
## وكذلك الحمار له أنف ، وله يدان ، ورجلان ، ورأس ، وظهر ، وبطن ، ويأكل
ويشرب ، ويحس ، وينام ويصحوا ، ويفرق في طعامه بين ما يصلح له أو لا يصلح
بفطرته التي فطره الله عليها .
ومن الطرائف التي تذكر عن الحمير أنها تحش من الأعشاب والنباتات ما شاءت فإذا
قربت من شجرة التبغ <شجرة الدخان> أبت ولم تأكل !!
فتباً لمن يكون الحمار أعرف منه بما يصلح له وما لا يصلح !!
ومع ما شابه الحمار به الإنسان من الصفات الخلقية فإنه لا يعاب على الإنسان
بذلك ولا يقل من قدره أنه شابه الحمير أو البهائم في ذلك .
وإنما يذم الإنسان بما شابه به الحمير من الصفات المذمومة والتي سأعرض لها
فيما يأتي -إن شاء الله تعالى-.
فمن يظن أن مطلق الاشتراك في الصفة يوهم النقص أو يستلزمه فهذا أجهل من
الحمار !
وهذا يجعلني أنبه إلى أمر مهم قد ضلت فيه فهوم ، وضاعت فيه عقول ، وزاغ فيه
من زاغ .
وهذا الأمر هو أن الاشتراك في المسمى واللفظ لا يلزم منه الاشتراك في الحقائق
والذوات .
فالإنسان اشترك مع الحمار في صفة البصر ، لكن بصر الإنسان ليس كبصر الحمار !
والإنسان موجود والحمار موجود ، وليس وجود الحمار كوجود الإنسان !
والإنسان حي متحرك والحمار حي متحرك ، وليست حياة الحمار وحركته كحياة
الإنسان وحركته .
والحمار له صوت وصورة ، وليس صوته وصورته كالإنسان !
بل مجرد إضافة الصفة إلى الموصوف تعطيه خصائص الموصوف وحده دون غيره ممن
يشترك معه في تلك الصفة .
فكذلك ما وصف الله به نفسه في كتابه ووصفه به رسوله –صلى الله عليه وسلم-
تليق بجلاله وعظمته {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}.
فالله عز وجل له سمع وبصر ، وليس سمعه وبصره كسمع الإنسان وبصره .
والله موجود والإنسان موجود ، وليس وجود الله كوجود الإنسان .
والله له يد وللإنسان يد ، وليست يد الله كيد الإنسان .
والله له عينان وللإنسان عينان ، وليست العينان كالعينين .
فالاشتراك في الاسم واللفظ لا يعني بحال الاشتراك في الحقيقة والذات إلا فيمن
استوى في الحقيقة والذات .
فعقول الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والماتريدية والإباضية والشيعة ضلت في هذا
الباب وحارت وزاغت .
فظنوا أن مطلق الاشتراك في اللفظ يلزم منه الاشتراك في الحقيقة والذات .
فإذا سمعوا قول الله تعالى : {بل يداه مبسوطتان} مباشرة تشبه عقولهم يدي الله
تعالى بأيديهم المخلوقة فيضطرون لنفي الصفة وتأويل الآية !!
ولا مسوغ ولا مبرر لهذا التشبه بله التأويل والتعطيل!
لأن الله قال: {بل يداه} أي يداه هو سبحانه ، فأضاف اليدين له فلا يجوز لك أن
تتخيل أنهما تشبهان يديك أيها المخلوق الضعيف!
وهم بفعلهم هذا كمن يقال له : هل رأيت يد الناقة ؟ فيتخيل في عقله يده هو ذات
الخمس أصابع !!
وهذا في غاية الجهل والضلال .
فيد الجمل تختلف إختلافاً بيناً عن يد الإنسان فذاك له خف بلا أصابع مميزة
منفردة بخلاف الإنسان .
وإن كان الجمل والإنسان مشتركان في الخلق فالله أجل وأعلى لأنه –سبحانه -
الخالق والإنسان مخلوق ضعيف مفتقر.
فهؤلاء المشبهة المعطلة يظنون في صفات الله كما يظنون في صفات المخلوقين .
تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً .
فلما وقف أهل السنة والجماعة على نصوص الوحيين ، ولم يتعرضوا لصفات الله
بتعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل ولا تأويل ولا تكييف ، بل أثبتوها وأمروها كما
جاءت ؛ قامت قيامة المعطلة المشبهة ، ورموا أهل السنة بالعظائم ، واتهموهم
بالتهم الباطلة ، ونبزوهم بألقاب سيئة كالحشوية والمجسمة والمشبهة والممثلة
ونحو ذلك من الصفات .
قال الإمام أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي: [علامة أهل البدع الوقيعة في أهل
الأثر ، وعلامة الجهمية أن يسموا أهل السنة مشبهة ونابتة ، وعلامة القدرية أن
يسموا أهل السنة مجبرة ، وعلامة الزنادقة أن يسموا أهل الأثر حشوية].
وقال شيخ الإسلام أبو عثمان إسماعيل بن عبدالرحمن الصابوني في كتابه "عقيدة
السلف أصحاب الحديث(ص/116) : [علامات أهل البدع .
وعلامات البدع على أهلها بادية ظاهرة ، وأظهر آياتهم وعلامتهم :
شدة معاداتهم لحملة أخبار النبي -صلى الله عليه وسلم- ،
واحتقارهم لهم ، واستخفافهم بهم ،
وتسميتهم إياهم : حشوية ، وجهلة ، وظاهرية ، ومشبهة ؛
اعتقادا منهم في أخبار رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أنها بمعزل عن العلم!
، وأن العلم ما يلقيه الشيطان إليهم من نتائج عقولهم الفاسدة!! ، ووساوس
صدورهم المظلمة!! ، وهواجس قلوبهم الخالية عن الخير ، وكلماتهم وحججهم
العاطلة ، بل شبههم الداحضة الباطلة ، {أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى
أبصارهم} ، ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء}]
ثم قال الإمام الصابوني –رحمه الله- (ص/119-120) : [ قلت أنا : رأيت أهل
البدع في هذه الأسماء التي لقبوا بها أهل السنة –ولا يلحقهم شيء منها فضلا من
الله ومنة- سلكوا معهم مسلك المشركين لعنهم الله مع رسول الله –صلى الله عليه
وسلم- فإنهم اقتسموا القول فيه ، فسماه بعضهم ساحراً ، وبعضهم كاهناً ،
وبعضهم شاعراً ، وبعضهم مجنوناً ، وبعضهم مفتوناً ، وبعضهم مفترياً مختلقاً
ذاباً ، وكان النبي –صلى الله عليه وسلم- من تلك المعائب بعيداً بريئاً ، ولم
يكن إلا رسولاً مصطفى نبياً .
قال الله -عز وجل- : {انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلاً}.
وكذلك المبتدعة –خذلهم الله- اقتسموا القول في حملة أخباره ، ونقلة آثاره ،
ورواة أحاديثه المقتدين به المهتدين بسنته المعروفين بأصحاب الحديث ، فسماهم
بعضهم حشوية ، وبعضهم مشبهة ، وبعضهم نابتة ، وبعضهم ناصبة ، وبعضهم جبرية .
وأصحاب الحديث عصامة من هذه المعايب ، بريئةٌ ، زكيةٌ ، نقيةٌ ، وليسوا إلا
أهل السنة المُضيَّة ، والسيرة المرضية ، والسبل السوية ، والحجج البالغة
القوية .
قد وفقهم الله جلاله لاتباع كتابه ووحيه وخطابه ، واتباع أقرب أوليائه ،
والاقتداء برسوله –صلى الله عليه وسلم- في أخباره التي أمر فيها أمته
بالمعروف من القول والعمل ، وزجرهم فيها عن المنكر منهما ، وأعانهم على
التمسك بسيرته والاهتداء بملازمة سنته .
وجعلهم من أتباع أقرب أوليائه وأكرمهم وأعزهم عليه وشرح صدورهم لمحبته ومحبة
أئمة شريعته وعلماء أمته ، ومن أحب قوماً فهو معهم يوم القيامة بحكم قول رسول
الله –صلى الله عليه وسلم-: ((المرء مع من أحب)).] انتهى كلام شيخ الإسلام
الصابوني –رحمه الله-.
وهذا الذي اعتراهم-أعني : أهل البدع- إنما هو بسبب ما اعتراهم من التشبيه
فأداهم إلى التعطيل .
فإن الموحد السني المسلم لما يسمع القرآن والحديث لا يضرب لله الأمثال ، ولا
يتخيل الخيالات ، ولا يتوهم التوهمات ، بل يؤمن ، ويُسَلِّم ، ويرد المتشابه
إلى المحكم ، ويرد العلم إلى عالمه –عز وجل- ، وينتهي عن التشبيه والتعطيل .
أيها الإباضي الباحث عن الحق:
اقدر الله حق قدره ، وعظمه حق تعظيمه ، وبجله حق تبجيلة ، لا تشبه صفات الله
بصفات خلقه ، ولا تعطلها وتنفي عن الله ما أثبته لنفسه .
أيها الإباضي الطالب للحق:
لما تسمع قول الله تعالى: {بل يداه مبسوطتان} لا تجعل خيالك وذهنك يذهب إلى
المخلوقات وأيديهم !
بل اجعل ذهنك وعقلك يذهب إلى قول الله تعالى : {ليس كمثله شيء وهو السميع
البصير}
وإلى قوله تعالى: {ولم يكن له كفواً أحد}.
وإلى قوله تعالى: {هل تعلم له سمياً} .
وإلى قوله تعالى: {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة
والسموات مطويات بيمينه}.
إنها يد الله ، إنها يد الله الكبير المتعال ، إنها يد الله المتكبر الخالق
البارئ المصور ، إنها يد من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ، إنها صفة
الله العلي العظيم.
إنه الله العظيم الكبير المتعال ، إنه الله الملك القوي المتين ، إنه الله
الذي لا يشبه شيئاً من خلقه ، ولا يشبهه شيء من خلقه .
فكذلك صفاته –سبحانه وتعالى- .
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد
يُــــتْــــبَـــع الحلقة الثانية
وتتضمن الكلام على المواطن الخمسة التي ذكر فيها الحمار في كتاب الله
تعالى .