اطبع هذه الصفحة


فمن يأمن البلاء بعد ابراهيم

فواز بن لوفان الظفيري


بسم الله الرحمن الرحيم
 


الحمد لله رب العالمين مالك الملك لامعبود بحق سواه سبحانه وتعالى عمايشركون وأصلي وأسلم على نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله الذي أدى الأمانة ونصح الأمة وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .. أما بعد :


إن الانسان في هذه الحياة الدنيا لوعلم حقيقة ماخلق من أجله وأنها الغاية العظيمة الجليلة لنفطر قلبه حباً لله تعالى.


لقد خلق الانسان لتوحيد الله تعالى وتنزيهه من الشرك واخلاص العبادة له سبحانه وتعالى قال تعالى :( وماخلقت الجن والانس إلا ليعبدون ) الذاريات ٥٦.

وذكر ابن كثير في تفسيره : ثم قال جلَّ جلاله: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدونِ} أي إنما خلقتهم لآمرهم بعبادتي، لا لاحتياجي إليهم، وقال ابن عباس: {إلا ليعبدون} أي إلا ليقروا بعبادتي طوعاً أو كرهاً، وهذا اختيار ابن جرير.


وقال الكلبي رحمه الله: ( إلا ليوحدون، فأما المؤمن فيوحده في الشدة والرخاء، وأما الكافر فيوحده في الشدة والبلاء دون النعمة والرخاء). تفسير البغوي.

وهذا التوحيد العظيم هو سبب رضا رب الأرباب ودخول الجنات، قال صلى الله عليه وسل( أشهد أن لا إله إلا الله وأنِّي رسول الله، لا يلقي الله بهما عبد، غير شاك فيهما، إلا دخل الجنة ). رواه مسلم.


وفي موقف النبي صلى الله عليه وسلم رداً على ما قيل عن مالك بن الدُّخْشُن بأنه منافق: «لا تَقُلْ، ألا تراه قال: لا إلهَ إلا الله، يريد بذلك وجهَ الله»، ثم قال صلى الله عليه وسلم:»فإن الله حرَّم على النار مَنْ قال: لا إله إلا الله، يَبْتَغِي بذلك وجهَ الله». أخرجه البخاري.

وهذا التوحيد العظيم له مايناقضه وهو الشرك وهو تسوية الله تعالى بغيره من المعبودات قال تعالى :( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ۖ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) الأنعام١.

قال ابن سعدي رحمه الله تعالى : ( أي يعدلون به سواه، يسوونهم به في العبادة والتعظيم، مع أنهم لم يساووا الله في شيء من الكمال، وهم فقراء عاجزون ناقصون من كل وجه).


لذلك لاتكون العبادة إلا لله تعالى، لاتدعو ولاتصلي ولاتذبح ولاتنذر إلا لله ، ولاتستغيث إلا بالله.
ولاتخاف خوف العبادة إلا من الله تعالى.

قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام:١٦٢-١٦٣].

وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وهو يدعو من دون الله نداً دخل النار) رواه البخاري.

فلذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم وخاف على أمته من الوقوع في الشرك وجاءت أحاديث تحذر من ذلك وأن الشرك سيقع في الأمة ومنها :
روى مسلم في صحيحه عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يقول: (( لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى، فقلت: يا رسول الله، إن كنت لأظن حين أنزل الله:( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) أن ذلك تام، قال: إنه سيكون من ذلك ما شاء الله ثم يبعث الله ريحا طيبة فتوفى كل من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، فيبقى من لا خير فيه فيرجعون إلى دين آبائهم)).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة". رواه البخاري ومسلم.

وفي معنى هذا الحديث ما أخرجه الحاكم عن عبد الله بن عمر قال : ( لا تقوم الساعة حتى تدافع مناكب نساء بني عامر على ذي الخلصة ) ، وابن عدي من رواية أبي معشر عن سعيد عن أبي هريرة رفعه : ( لا تقوم الساعة حتى تعبد اللات والعزى ) " .
انتهى من " فتح الباري " (13 / 76) .

وقال الشيخ حمود بن عبد الله التويجري رحمه الله تعالى:

وقد عظم افتتان أهل تبالة ومن حولهم من القبائل، بذي الخلصة، حتى بعث الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود من يخربها، فهدموا بعض بنائها، وبقي بعضه قائمًا.


ولما زالت ولايته على الحجاز، عاد الجهال إلى الإفتتان بها، حتى ولي الملك عبد العزيز آل سعود، فبعث من هدموا ما بقي من بنائها، ورموا بأنقاضها في الوادي، وذلك سنة 1344هـ. اهـ. ملخصًا. إتحاف الجماعة 2/ 225.

وقال الشيخ يوسف بن عبد الله الوابل حفظه الله تعالى:
ولا يزال مكان هذا الصنم معروفًا، في بلاد زهران جنوب الطائف، في مكان يُقال له: ثروق من بلاد دوس، قريبًا من قرية يُقال لها رَمَس. اهـ.

أشراط الساعة ص161.

قال الإمام أبو عبد الله البخاري في صحيحه: بَاب تَغْيِيرِ الزَّمَانِ حَتَّى تُعْبَدَ الْأَوْثَانُ.

فالمسلم يخاف على نفسه الوقوع في الشرك ولايقول كما يقوله الجهلة وأهل الفتن والأهواء الذين يريدون ضد دعوة التوحيد والسنة ونشر دعوة الأحزاب السياسية الضالة والجماعات المنحرفة عقدياً والتي لاهم لها إلا المناصب والدنيا فنعوذ بالله منهم.

والخليل ابراهيم عليه السلام خاف على نفسه وبنيه وهو الذي كسر الأصنام بيده وهو إمام الحنفاء قال تعالى مخبراً عن خليله ابراهيم عليه الصلاة والسلام :( رب اجنبني وبني أن نعبد الأصنام) ابراهيم :٣٥.

وكان إبراهيم التيميّ يقصُّ ويقول في قَصَصه: من يأمن من البلاء بعد خليل الله إبراهيم ، حين يقول: ربّ( اجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ ) . وقوله ( رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ ).
تفسير الطبري.

ولعل مايحدث في زماننا من الشيء المخيف من انتشار التقنيات الحديثة وان كانت لاشك فيها الخير واستفاد الناس منها كثيراً، إلا أن أهل الشر والفساد لازالوا يبثون سمومهم الغير أخلاقية والعقدية والشبه والبدع والمحدثات في الدين.

وماقنوات السحر والشعوذة عنا ببعيد ولازالت منتشرة ناهيك عن الأساليب الخبيثة في تصدير الشرك عبر ألعاب الأطفال ومافيها من السجود لغير الله تعالى والعبارات الشركية، وأيضاً ماينتشر عبر وسائل الاواصل الاجتماعي من قول بعضهم ( اذا نشرت هذا الكلام سيأتيك بعد عدة أيام رزق وسعادة وغيرها من الكذب والافتراءات على الدين)، وكما في الشعر لجهل بعض الشعراء أيضاً بالتوحيد كمن ينادي القدر ويقول : ) حقق لي الرضا والسعادة).

فنسأل الله تعالى السلامة والعافية.

لذلك وجوباً علينا جميعاً الخوف من الشرك وتعاهد دراسة التوحيد وتذكير الأهل والأقارب دائماً به والتحذير من الشرك.


كنت جالساً مرةً مع أحد الأشخاص وكنا نتداول الحديث عن الغرب عن النصارى فقال لي في كلمة زلزلت كياني ممايدل على الجهل عند بعض الناس بالتوحيد وأن ربما كلمة واحدة يسخط بها الله تعالى عليه ويحبط عمله ويدخله النار والعياذ بالله قال لي : (ومايدريك ربما هم على حق ).


وهذه الكلمة ردة عن دين الاسلام. وفيها طعن برسالة النبي صلى الله عليه وسلم، النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه لايسمع به يهودي ولانصراني ولايأمن برسالته الا كان من أهل النار والعياذ بالله
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( والذي نفسي بيده، لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة: يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يُؤمن بالذي أُرْسِلْتُ به إلَّا كان من أهل النار). رواه مسلم.

وهذا الذي صدر من صاحبنا هداه الله تعالى للحق ونور قلبه بسبب الجهل والهوى والولوغ في الدنيا ونسيان الآخرة والزهد في تعلم التوحيد وعدم معاهدته باستمرار فحدثت هذه الكارثة.


ففهمته بأن ذلك لايجوز وهو كفر وكأنك تصحح مذهب أهل الكتاب والله تعالى كفرهم بالقرآن وبين ضلالهم وشركهم، قال تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) البينة ٦.


وقال تعالى :( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۖ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۖ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) المائدة ٧٢.


فالتوحيد أمره عظيم وصاحبه من الفائزين والشرك مسلكه وخيم وصاحبه من الخاسرين.

وأخيراً المسلم حقيقةً يخاف على نفسه من الشرك ولقد أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخوف من الشرك ومن الشرك أيضاً كبيره وصغيره وهو خطير ومنه الشرك الخفي الذي لايرى أيضاً هو شرك النيات الرياء وهو أخفى من دبيب النمل.

فقد روى البخاري في ” الأدب المفرد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر رضي الله عنه : ” وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَلشِّرْكُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ ، أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى شَيْءٍ إِذَا قُلْتَهُ ذَهَبَ عَنْكَ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ ؟ قَالَ : “ قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لما لا أعلم ” صححه الألباني .

وقول بعض الناس لولا الله وفلان وماشاء الله وشئت وهذا من الشرك الأصغر وحذر منه النبي صلى الله عليه وسلم فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله وشئت، فقال: ((أجعلتني لله نداً؟ ما شاء الله وحده)) رواه النسائي.

فالواجب قول ماشاء الله وحده لولا الله تعالى وحده. وعلى الجواز لولا الله ثم فلان. لأن ثم تفيد الترتيب والتراخي. فالأفضل قول لولا الله وحده.


وهذا منتشر عند كثير من الناس تعودت ألسنتهم عليه وأيضاً الحلف بالآباء والأمهات والأمانة منتشر عند كثير من الناس، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت) متفق عليه، وقال: ( لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم، ولا بالأنداد، ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون) رواه أبوداود والنسائي.


وقال صلى الله عليه وسلم : ( من حلف بشيء دون الله فقد أشرك) أخرجه الإمام أحمد بإسناد صحيح عن عمر رضي الله عنه.
وقال عليه الصلاة والسلام: ( من حلف بالأمانة فليس منا ) رواه أبو داود.


فمن يأمن البلاء بعد ابراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام.


اللهم أحينا على التوحيد والسنة وأمتنا على التوحيد والسنة.


والحمد لله رب العالمين.


 

 
  • رسائل دعوية
  • معا على طريق الجنة
  • الصفحة الرئيسية