اطبع هذه الصفحة


التحذير من البدع

عبدالهادي بن صالح محسن الربيعي


بسم الله الرحمن الرحيم
 


الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد أوجب الله على كل مسلم اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، فمن سار على نهجه اهتدى، ومن خالف سنته ضل وغوى؛ كما قال سبحانه
: ﴿ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾ [النور: 54]، فطريقه صلى الله عليه وسلم هو الصراط المستقيم، وسبيله هو النهج القويم؛ قال سبحانه: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام: 153].

واتباعه صلى الله عليه وسلم هو الشرط الثاني من شرطي قَبول العمل الصالح؛ فيجب على كل مسلم طاعته فيما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألَّا يعبد الله إلا بما شرع، وهذا من معنى الإيمان بأنه رسول الله؛ قال سبحانه
: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الحشر: 7].

وكما أُمرنا باتباعه صلى الله عليه وسلم، أُمرنا بعدم التعبد بما ليس من هَدْيه ولا من سنته؛ فكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((... فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديِّين الراشدين، تمسكوا بها وعضُّوا عليها بالنَّواجذ، وإياكم ومحدَثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعةٌ، وكل بدعة ضلالةٌ))، وفي رواية: ((وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعةٌ، وكل بدعة ضلالةٌ، وكل ضلالة في النار))؛ رواه أبو داود والنسائي وغيرهما، وصححه الألباني
.

فلا يجوز الابتداع في دين الله تعالى، ومن ابتدع في الدين شيئًا من الأعمال لم يُقبل منه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ أحدث في أمرِنا هذا ما ليس فيه، فهو رَدٌّ))؛ رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما،وفي رواية لهما: ((من عمِل عملًا ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ))
.

روى ابن أبي الدنيا رحمه الله تعالى أن عطاء قال
: "سُئلت عائشة عن العقيقة، قيل لها: أرأيتِ إن نحر إنسان جزورًا؟ فقالت عائشة: السُّنَّة أفضل".

وقد ورد عن نافع أن رجلًا عطس إلى جنب ابن عمر، فقال: الحمد لله والسلام على رسول الله، قال ابن عمر: وأنا أقول الحمد لله والسلام على رسول الله، وليس هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، علمنا أن نقول: ((الحمد لله على كل حال))؛ رواه الترمذي والحاكم، وقال الحاكم: صحيح الإسناد غريب، ووافقه الذهبي، وحسنه الشيخ الألباني
.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كُفيتم
.

وعن سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى قال
: "سمعت أنس بن مالك، وأتاه رجل، فقال: يا أبا عبدالله، من أين أُحرم؟ قال: من ذي الحُلَيْفة، من حيث أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أريد أن أُحرم من المسجد من عند القبر، فقال: لا تفعل؛ فإني أخشى عليك الفتنة، فقال: وأي فتنة في هذه؟ إنما هي أميال أزيدها، قال: وأي فتنة أعظم من أنك ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ إني سمعت الله يقول: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ  [النور: 63]".

أيها الأحبة في الله، لقد أكمل الله الدين وأتم علينا النعمة، وبلغ نبينا صلى الله عليه وسلم الرسالة، وأدى الأمانة، ولم يترك خيرًا إلا دلَّنا عليه، ولا شرًّا إلا حذَّرنا منه؛ قال تعالى
: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]؛ ولذلك قال الإمام مالك رحمه الله: "من أحدث من هذه الأمة شيئًا لم يكن عليه سَلَفُها، فقد زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خان الرسالة".

ويجب أن نعلم أن من الغاية ما لا يبرر الوسيلة؛ فغالب من يفعل شيئًا من البدع من المسلمين، يفعلها بنية التقرب إلى الله والوصول إلى رضاه، ولكن كم من مريد للخير لا يصيبه! ولذا تجد من يقول لك ممن يحرص على البدع؛ كالاحتفال بالإسراء والمعراج، أو بمولده صلى الله عليه وسلم: نفعل هذا حبًّا في النبي صلى الله عليه وسلم، أيعذبنا الله على محبته؟ فقل لهم: لا، ولكن احذروا من أن يعذبكم على الابتداع في دينه ومخالفة سنته
.

رأى سعيد بن المسيب رحمه الله رجلًا يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين، فنهاه، فقال: يا أبا محمد، أيعذبني الله على الصلاة؟ قال: لا، ولكن يعذبك على خلاف السنة؛ رواه عبدالرزاق في المصنف، والبيهقي في السنن الكبرى، وصححه الألباني
.

وما أكثر من ينشطون للبدع، ويتهاونون في تطبيق السنن الثابتة! فمن أراد الخير، فخير الهدي هدي نبينا صلى الله عليه وسلم، نسأل الله أن يرزقنا اتباعه، والسير على خطاه حتى نلقاه، فنشرب من حوضه شربة لا نظمأ بعدها أبدًا
.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين
.

 

 

 
  • رسائل دعوية
  • معا على طريق الجنة
  • الصفحة الرئيسية