اطبع هذه الصفحة


في الجُدَدِ عطشى

كتبه/ حامد العلياني


بسم الله الرحمن الرحيم
 

قبل أيام قليلة تداعت أصواتٌ من الخير تطالب بإيقاف ( التيك توك ) الذي هَوَى في شباكِهِ الأبناء، ورتَعَ فيه كذلك نساءٌ وكبار.

وهذا ( التيك توك ) من جملة الطوفان، الذي طاف بأهل الأرض وهم يلعبون، ولا عاصم من أمر الله إلا مَن رَحِم.

وكما أن الطوفان مُهلِكٌ المَحالّ والضِّيَع، فإنّ منه ما يزيل العلائق، ويطهّر الأرض، ويَحُلُّ عُقَدَ السِّحْر.

أعني أن الله لا يخلق شرًّا محضًا، بل يجعل في طيّاته الخيرَ والخصبَ وإبَر النحل.

والمستبصر الحَذِق، المؤمن بسجال الخير والشر ودُوْلة الحق والباطل، ومن يحمل حِسَّ نشر الفضيلة والدعوة، سيَرى في هذه المُحدَثَة ( السوشل ميديا ) سَوقًا عظيمًا -وإن شئتَ سُوْقًا عظيمًا- زُفَّ لأهل الصلاح، ليَنْفُذُوا من خلاله إلى العالَم ويضيئوا منه الدياجي وكذلك نحسبهم يريدون.

فأهل الضلال لا يألون جهدًا في المسارعة إلى هذه الجُدَد، والعَوْمِ في تفاصيلها، ثم إذا هم يمسكون بزمامها ويرفعون ألويتها..

حتى إذا كانوا كذلك جاء أهل الفضل والصلاح ينادون بإغلاق أبوابها، وسَدِّ نوافذها، وإذا هي ساحات وأخلية لا يُعرف لها باب!

وإذ نقول هذا الكلام فإننا لا ننكر على من حَذَّر وأنذَرَ شؤم التيك توك والسناب واليوتيوب..

لكن الهتاف -مجرد الهتاف- بالخيل المُغيرة دون التقدم إليها هوان، وعاقبته اكتساح الماء واليابسة، ولاتَ حين مَندَم.

قال من قال: (أميتوا الباطل بالسكوت عنه ولا تزيدوا اللهب)! فهذه الجملة إنما تقال عند ولادة الشرّ وحين لا يعرفه أحد، أما التيك توك فقد طفح كيلُه وظهَرَ زبَدُه.

كلنا يخاف على قلبه وسمعه وبصره، لكننا نستطيع بإذن الله أن نزاحم دونما التفات.. فأمّا ما يُعرَض من الصور أو الموسيقى العابرة لا يخلو منها موقع أو تطبيق، ولنسأل أنفسنا بصدق: لو اعتزلنا كل ذينك التطبيقات بما فيهنّ الواتس وتويتر وغيرهما بسبب العوارض المؤذية، كيف تَصِل الموعظة وتبلغ الدلالة؟! ولنتقِ ما استطعنا، ومن الاستطاعة غض الطرف والمضيّ..

وكذلك فإن بداخل الجُدَد عطشى، يحتاجون شَربةً منك، ويبحثون عن يدِ طُهْرٍ تصافحهم، فلا يوكَلون لأيادٍ عابثة، أكثرهم من الشباب؛ والشباب لهم صَبوة يَتْبَعُون ما يُمْتِعُهُم أيًا كان، ولا سبيل لعزلهم عنها بالكليّة، فنحن في زمنٍ عاتٍ بالفتن، والرفق مطلوب والتوجيه الدائم كذلك مطلوب.

أعي تمامًا بأنّ مَن يقرأ هذه السطور، لهم من المشاريع العظيمة، والأعمال المنقطعة في عمل الخير ما يربو على تصوّرنا، ولكننا نطلب منهم أن يمرروها إلى حيث يجتمع الناس تحت سقف (السوشل ميديا) فهي حياة الناس اليوم ومطعمهم ومشربهم.

وهناك من الفضلاء من يُقدِّم محتويات نافعة في التيك توك أو غيره مَن بلغ متابعوه مئات الألوف بل الملايين، ينتفعون ويَتَّقِدُون منه، فإن هو صدَقَ وأخلَصَ فهذا فتحٌ عظيم ومبلغٌ كبير، فهل يقال له: ابتعد عن موطن الشرّ ذلك واتركه لأهل الغواية يجوبونه ويبثون ما أرادوا، أم يقال: عرفتَ فالزَم، وليهنِك ما أنت فيه، ورُم الإخلاص فيه؟ أخيرًا هذه الأسطر خَلْجَة بداخلي أيقظها وسم تويتر: #إغلاق_التيك_ توك_مطلب شرعي وإنساني أحثُّ فيها نفسي وإخواني لمزاحمة العاَلم بما مكّننا الله فيه،كلُ بحسبه والله يُرْبي ويبارك..

هذه الأدوات العصرية جاءتنا على قدَرٍ، فتنةً وابتلاء، يَحْسُنُ استغلالها للوصول إلى أُمَّةٍ كبيرة من الناس، وإشاعة الخير فيهم وأسباب الهدى، وكل ذلك على وجه الاختيار والندب لا إلزام أو إلحاف، أن يقول أحدٌ لا مُكرِه لأحَد.
اللهم اهدِنا وسَدِّدْنا.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

10/ 4 / 1443هـ

 

 
  • رسائل دعوية
  • معا على طريق الجنة
  • الصفحة الرئيسية