اطبع هذه الصفحة


رسالة إلى مريض الوسواس القهري

أحمد نصيب علي حسين


بسم الله الرحمن الرحيم
 


عندما تعيد نظرك للأشياء وتنظر لها بمنظورها الحقيقي، تصبح رؤيتك للأشياء رؤية صحيحة، فتعرف كم كنت خاطئً، وكم ضيعت من عمرك شهورا وأيامَا عندما كنت تحاول إعادة مصب النهر لمنبعه، كم كنت تريد تفتيت الصخرة برأسك فلا تدمي سوى رأسك.
لا تلتفت لما مضى، ولا ترجع لما سبق، ونحن أولاد اليوم، ودعك من الأمس بأرباحه وخسائره، ودعونا نتعلم منه ونستفيد من تجاربه وخبراته ونأخذ منه الدروس الماتعة والعبر النافعة.

أخي المبتلى بالوسواس:
أنت على خير عظيم، وأجر جزيل بصبرك على هذا المرض، فالجزاء على الصبر واسع، يغرف لك من الأجر غرفًا كما قال الأوزاعي، ومصداق ذلك قول الله تعالى :( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) {الزمر:١٠}

أخي المبتلى بالوسواس :
أعلم أنك تعاني منذ سنوات بسبب هذا المرض، ودخلت في مجاهدات وعزمات ومعاهدات، وقرأت العديد من المقالات عن هذا المرض وطرائق التخلص منه، ولكنك عجزت، واليوم أوصيك بما يخلصك منه أو يخففه عنك.
لا تتعامل مع نفسك كالصحيح، فتسعى لطرد الشكوك كالشخص الصحيح، وتترك ما يريبك لما يريبك، فشكوك ليست شكوك وإنما هي وساوس لا يُلتفت لها، ولا أثر لها من قريب ولا بعيد، تجاوز الله عنها، أنت مريض وما في ذهنك من محاولة للوصول لدرجة اليقين في القيام بالعبادات حالة ليست حقيقية، بل هي من الأوهام.

إن سعيك للوصول لليقين، وتحقيق الاحوط لن يزيدك إلا وسواس وشكوكا وحيرة، فلا تلتفت لما يدور في رأسك من حوارات ولا تحذيرات ولا فتاوى وسواسية تدعي بطلان عبادتك وضرورة إعادتها.
لو قطع الوسواس وضوئك فلا تقطعه، أو قطع الوسواس صلاتك فلا تقطعها، لا تطمئن نفسك، لا تبحث عن الاحتياط في عبادتك، احتياطك هو المضي في عبادتك، وعدم الالتفات لوسواسك، والعودة للخلف.

لا تظن أن التخفيف من الوسواس والتخلص منه سيأتي طفرة او في قفزة، تنطلق بها من المرض للصحة والعافية، العلاج يأتي درجة درجة، تصعد درجتين للأعلى وتسقط واحدة للأسفل، وهكذا مرة تمشي ومرة تكبو، فالتقدم ولو خطوة صغيرة هو إنجاز في حد ذاته.

كل ما يعيدك للخلف ويدعوك لإعادة العبادة من وضوء وصلاة وغسل من فتاوى وأفكار وكلام الفقهاء إنما هي حجج وسواسية لا أثر لها، وأنت غير مخاطب بها، يُخاطب بها الأصحاء الأسوياء.
أما أنت فأنت من أهل الأعذار، ليس عليك مولاة في الوضوء، ولا أثم في تكرار غسل العضو أكثر من ثلاث، وتلفظك بالنية ليس بدعة في حقك، وقطع الوسواس لنيتك لا أثر عليك فيه، ونيتك يكفي فيها علمك بما تريد فعله كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله- .

أنت من أهل الأعذار، حاول مرارا وتكرارا عدم الالتفات لهذا الوسواس، لو سقطت فقم وواصل لا تيأس، لا تنس الدعاء مرارا وتكرارا في سجودك، وفي ساعات الإجابة، الله كريم لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، ادع فأنت قريب من الإجابة .

إن عدم الالتفات للوسواس صعب وشاق ومرهق ولكن ثماره جيدة، ونتائجه مبهرة، وهو وصية القدماء والمحدثين من المفتين والأطباء، تخيل عندما تؤدي عبادتك بيسر، تخيل تغير نظرة الناس لك، تخيل أن تعيش حياتك كالأسوياء الأصحاء، كل هذا من أعظم المحفزات على المضي في علاجك، العلاج مر المذاق لكن العاقبة حلوة لذيذة.

خلاصة رسالتي لك في أربع خصال:
أن تعامل نفسك معاملة المريض وليس الصحيح.
ولا تنس تكرار الدعاء والالحاح على رب العالمين.
وعدم الالتفات لما يدور في ذهنك من تحذيرات بالمضي قدما في عبادتك.
وأن تجاهد نفسك ولو سقطت وأن تستمر ولو كبوت، شفاك الله وعافاك يا أخي.

 

 
  • رسائل دعوية
  • معا على طريق الجنة
  • الصفحة الرئيسية