بسم الله الرحمن الرحيم

رجل لا قلب لهأرسل الموضوع إلى صديق
 


هذه رسالة من شاب إلى أستاذه الداعية والمربى يقول فيها:
سيدى وأستاذي...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
وبعد:
هل أتاك نبأ الرجل الذي لا قلب له ؟ عفوا، إذا كان القلب هذه الكتلة العضلية من اللحم الأحمر ، التي تقبض الدم وتبسطه، فهو يملكه – بلا ريب – بدليل حياته، وأما إذا كانت هذه العاطفة الجياشة والإحساس الصقيل ، والشعور الحي فأسفا!!
هو يفطن إلى معالم الحسن الدقيقة، بالنظرة الخاطفة، كما يدرك مواطن القبح الخفية باللمحة العابرة.
وهو يقرأ أخلاق الرجل في وجهه، مصيبا إلى حد بعيد ، كما يشير إليه الرمز ويرمى الإيماء. وبالرغم من ذلك
فهو لا قلب له ! هو يلقى الصديق بعد غياب طويل ، فيهز يده بقوة ، بل ويعانقه ، ولكن قلبه جامد لا يختلج ،هو يهتف في الناس أن كونوا وكونوا ويدلل ويحتج ، ولكنه قلب متصلب لا يهتز.
هو يتلقى الخبر السار فيبتسم ، والنبأ المحزن فيقطب، ولكن سروره وحزنه آليان، وقلبه ساكن لا يضطرب.
هل يعلن للشخص حبه أو بغضه، ثم يلتفت إلى قلبه فيجده صامتا لا يبين.
هو يقف للصلاة ويلم فيها شتاته ، ويتلو القرآن ويحصر فيه انتباهه، ثم يصلى ويتلو بنبرات قالوا :إنها شجية خاشعة ، ولكنه يتحسس قلبه ، فيجده أصم ، لايخشع ، وإن كان يفقه.
هذا وصف حق ياسيدى لم أتزيد عليه ، أو أتنقص فيه شيئا ، فهل تجد لديك القدرة على الاعتراف بأن هذا قلب كسائر القلوب ؟؟
لقد أوتيت العقل ، وسلبت القلب ، فطالما أحسست بفكرى يتأجج، ويعمل ويحيا ، ويثبت وجوده ، ولكن عبثا حاولت أن أثبت هذا لقلبي.

وأخيرا
ولقد أتاك نبأ الرجل الذي لا قلب له!
هو شاب بايعك ، وأخذت منه ميثاقا غليظا فهل يرضيك أن يحيا أحد جنودك بلا قلب ؟...هل لك في أن تحيى قلبى حتى يؤمن على مايقوله اللسان بالخفقان والإحساس والشعور ، هذه علة أحد جنودك سيوجعك أن تعرفه ، ولذلك أمسك عنك اسمه حتى أهنئك بشفائه، فأصرح لك باسمه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وكان الرد....

يا أخي!
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
قرأت خطابك متأثرا أعمق التأثير، بصدق لهجتك وروعة شجاعتك،ودقة يقظتك وحياة قلبك.
لست يا عزيزى ميت القلب كما تزعم لنفسك ، ولكن شاب مرهف الحس ، صافى النفس ، دقيق الشعور ولو لم تكن
كذلك ما اتهمت نفسك ، ولا أنكرت حسك ، ولكن بعد همتك وتأنى غايتك يجعلك تستصغر الكبير من شأنك وتتطلب المزيد لوجدانك ، ولا بأس عليك في ذلك ، فهكذا يجب أن تكون.
وسأجاريك فيما زعمت وأسايرك كما سرت ، وسأحاول أن أتقدم إليك ببعض النصائح ، فإن أفادتك ورأيت في العمل بها إرواء لغلتك وشفاء لعلتك ، فالحمد لله على توفيقه ، وإن لم يكن ذلك كذلك فيسعدنى لقاؤك ، لنتعاون في تشخيص الداء ووصف الدواء.

صحبة أهل الخشوع والتأمل ، وملازمة أهل التفكير والتبتل وملازمة هذا الصنف من الأتقياء الصالحين الذين تتفجر جوانبهم بالحكمة ، وتشرق وجوههم بالنور، وتزدان صدورهم بالمعرفة – وقليل ماهم – دواء ناجح ، فاجتهد أن يكون لك من هؤلاء أصدقاء تلازمهم، وتؤوى إليهم، وتصل روحك بأرواحهم ، ونفسك بنفوسهم ، وتقضى معهم معظم وقت الفراغ ، واحذر من الأدعياء ، وتحر من ينهضك حاله ، ويدلك على الخير فعاله، ومن أذا رأيته ذكرت الله.
هذه الصحبة من أ نفع الأدوية، فالطبع سراق ، والقلب يتأثر بالقلب ، وتستمد الروح من الروح، فاجتهد أن تجد لك من الأرواح الصالحة صاحبا.
والفكر والذكر في أوقات الصفاء والخلوة والمناجاة والتأمل في هذا الكون البد يع العجيب ، واستجلاء سر الجمال والجلال منه ، وإجالة النظر في هذا القلب واللسان بآثار هذه العظمة الساحرة والحكمة البالغة .كل ذلك- يا عزيزي - مما يمد القلب بالحياة ، وينير جوانب النفس بالإيمان ، واليقين: { إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب ..}
ثم التفكير في هذا المجتمع الإنسانى ، واستطلاع مظاهر بؤسه وسعادته ، وشقائه وهنائه ، وعيادة المرضى في أسرتهم ، ومواساة البائسين في نكبتهم ، وتعرف الأسباب النفسانية لهذا الشقاء بين الناس من جحود وكفران ، وظلم وعدوان ، وأثرة وأنانية ، وانخداع بالأعراض الفانية ، هذه كلها ضربات على أوتار القلوب تجمع شتاتها وتحيى مواتها ، فاجتهد أن يكون وجودك عزاء للبائسين ، ومواساة للمنكوبين ،وليس أعمق أثرا في المشاعر من إحسان إلى مضطر أو اغاثة لملهوف أو مشاركة لبائس حزين!
وبعد يا عزيزي...
فالقلوب بيد الله وحده يصرفها كما يشاء ، فألح عليه في الدعاء أن يمد قلبك بالحياة ، ويشرح صدرك للإيمان ، ويفيض عليك من برد ا ليقين ، فضلا منه ونعمة ،وتخير لذلك أوقات الإجابة ، وساعات السحر ، فدعوة السحر سهم نافذ لا يقف دون العرش ، وما أشك في أنك مخلص في غايتك ، صادق في دعوتك ،( إنما يتقبل الله من المتقين ) ...........

أخوك / حسن البنا

الطريق إلى الربانية...د. مجدى الهلالى

الصفحة الرئيسة      |     الرسائل الدعوية