اطبع هذه الصفحة


لماذا الاستقامة ؟

شائع بن محمد الغبيشي


جمعتني به الصدفة نظرت إليه و قد ارتسم على محياه آثار التعب و الإعياء قرأت في وجهه الألم و الحسرة والضيق بادرته بالسلام رد علي مرحباً0
أتبعته السؤال بتطفل دفعني إليه ما بداخلي من رغبة في تخفيف بعض ما يعانيه فقلت : أخي مالي أراك متعباً مهموماً ؟ رد علي بسرعة يخالطها بعض الارتباك : لا شيء لا شيء
عاودته السؤال مرة أخري : أخي أرجوك أفصح لي عما بداخلك لعلي أسهم في مساعدتك 0
فأجاب دعني دعني لا أحد يستطيع مساعدتي 0
قلت له : أرجوك اسمح لي إن أشاركك و لو في الهم الذي تحمله و اعلم أن إفصاحك عن بعض ما تعانيه يهون عليك الكثير و الكثير فلا تحرمني مساعدتك فإني مشفق عليك 0
سكت قليلاً ثم قال : مشكلتي أن الهمَّ يحاصرني أشعر بضيق شديد تكاد تختلف له أضلعي كأن جبال الدنيا قد وضعت على صدري هموم متتابعة أرق بالليل و شقاء بالنهار حاولت تبديد تلك الهموم فعلت كل شيء غنيت و رقصت سافرت و عبثت و سكرت و أدمنت صاحبت أشقى الأصدقاء و عاقرت أجمل النساء فلم ازدد إلا شقاء و بلاء فقلي بربك هل أجد عندك الدواء ؟
لا أخفيك سراً أني تمنيت الموت لأتخلص من حياة الضنك و الشقاء فهل تملك حلاً لمشكلتي ؟ لا أظن ذلك 0
بادرته بابتسامة ممزوجة بالشفقة و قلت له : نعم أملك الحل لمشكلتك وهو هين يسير و أنت تملك زمامه 0
قال: أتهزأ بي و قد كشفت لك مكنون صدري الذي لم اكشفه لا حد قط ؟
قلت له :لا أهزأ بك بل أقسم لك بالله أنك تملك العلاج و بيدك أنت زمامه 0
أجابني بلهفة : قل لي ما هو هذا الحل الذي يخرجني من ألمي و حيرتي و شقائي ؟
قلت له : أيها الحبيب إن دواءك في الاستقامة على أمر الله 0
ضحك ضحكة ساخرة و قال : الاستقامة ! لماذا الاستقامة ؟ هل تريد أن تزيدني تعقيداً و هماً و ضيقاً ؟ ألا يكفي ما أعانيه ؟ فقد سألت عن حياة المستقيمين فقيل لي أنهم معقدون يحرّمون كل شيء لا يعرف الضحك إلى ثغورهم سبيلاً كل أوقاتهم حزن و بكاء فكيف أجد في حياتهم الدواء ؟
قلت له : هل جربت بنفسك الاستقامة ؟ هل عاشرت أحد المستقيمين ؟
قال : لا و لكن لماذا الاستقامة ؟ أتظن أنها ستحل مشكلتي ؟ ولماذا الاستقامة بالذات ؟
قلت له أما و قد أكثرت عليَّ السؤال لماذا الاستقامة ؟ فأمهلني بعض الوقت أجيبك على هذا السؤال فهل في وقتك متسع كي أبين لك كيف تكون الاستقامة سبباً للسعادة و لماذا الاستقامة بالذات ؟
أجابني : تفضل فوقتي كله ملك لك فالفراغ يكاد يغتالني .
قلت :إذاً فتحملني حتى أتم حديثي و لي رجاء ألا تقاطعني , فقط أرعني سمعك .
قال : لا بأس لا بأس تفضل . قلت له :
أولاً : لماذا الاستقامة ؟
لأن الاستقامة استجابة لأمر الله و أمر رسوله صلى الله عليه و سلم
فقد قال الله تعالى لنبيه  صلى الله عليه وسلم : (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (هود:112)
و أمر عز و جل بالاستقامة فقال : ( فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ) (فصلت: من الآية6)
و في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال  صلى الله عليه وسلم  : ( سددوا و قاربوا ) و السداد هو حقيقة الاستقامة و هو الإصابة في جميع الأقوال و الأعمال و المقاصد *
و قال صلى الله عليه و سلم ( استقيموا و لن تحصوا ...) رواه الإمام أحمد
و عن علي رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( قل اللهم اهدني و سددني ) و في رواية ( اللهم إني أسألك الهدى و السداد ) رواه مسلم . و عن سفيان بن عبد الله الثقفي رضي الله عنه قال:قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا اسأل عنه أحداً بعدك قال : ( قل آمنت بالله ثم استقم ) رواه مسلم .
فاستقامتك أخي الحبيب استجابة لأمر الله وأمر رسوله  صلى الله عليه وسلم  و الاستجابة لله
و لرسوله من أعظم أسباب الفلاح و الفوز قال تعالى :( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)(الأحزاب: 71)
قال القرطبي رحمه الله : من يطع الله و رسوله ، فقد ظفر بالكرامة العظمى من الله 0 و قال الشوكاني رحمه الله : أي ظفر بالخير ظفراً عظيماً ، و نال خير الدنيا و الآخرة .
و قال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ) (لأنفال: من الآية24) فلا حياة على الحقيقة و لا سعادة في الدنيا و الآخرة إلا في الاستجابة لأمر الله و أمر رسوله صلى الله عليه و سلم .
قال ابن القيم رحمه الله : فتضمنت هذه الآية أموراً : أحدها : أن الحياة النافعة إنما تحصل بالاستجابة لله ورسوله فمن لم تحصل له هذه الاستجابة فلا حياة له وإن كانت له حياة بهيمية مشتركة بينه وبين أرذل الحيوانات فالحياة الحقيقية الطيبة هي حياة من استجاب لله وللرسول ظاهراً وباطناً فهؤلاء هم الأحياء وإن ماتوا ، وغيرهم أموات وإن كانوا أحياء الأبدان . اهـ رحمه الله تعالى .
و قال رحمه الله : ( لا سبيل إلى السعادة و الفلاح في الدنيا و الآخرة إلا على أيدي الرسل و لا سبيل إلى معرفة الطيب من الخبيث على التفصيل إلا من جهتهم و لا ينال رضى الله البتة إلا على أيديهم فالطيب من الأعمال و الأقوال
و الأخلاق ليس إلا هديهم و ما جاؤوا به فالضرورة إليهم أعظم من ضرورة البدن إلى روحه و العين إلى نورها و الروح إلى حياتها 0
فهل تستجيب أخي الحبيب لنداء الرب عز وجل حين دعاك إلى الاستقامة ؟

ثانياً : لماذا الاستقامة ؟
لأن الاستقامة موافقة للفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها قال تعالى :
( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (الروم:30)
قال السعدي رحمه : الفطرة هي الخلقة التي خلق الله عباده عليها و جعلهم مفطورين على محبة الخير و إيثاره و كراهة الشر و دفعه و فطرهم حنفاء مستعدين لقبول الخير و الإخلاص لله و التقرب إليه 0
قال صلى الله عليه و سلم : ( كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه )
و في الحديث القدسي : ( و إني خلقت عبادي حنفاء كلهم و إنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم ) رواه مسلم 0
أخي الحبيب إني أدعوك إلى الاستقامة لأنها عودة إلى الفطرة التي فطرك الله عليها إني أدعوك للتمرد على الشيطان الذي حرفك عن فطرتك السوية فأنت يا أخي تملك رصيداً عظيماً يدفعك إلى الاستقامة بقوة إنه رصيد الفطرة إن علاها ركام الذنوب و الآثام حتى و إن اشتطت عن الطريق السوي حتى و إن بعدت بينه و بين الحق الشُقة فبمجرد أن تعلن العودة إليها تسعفك و تؤازرك فهلا بادرة بالاستقامة ؟
أخي الحبيب اعلم أن ما تعانيه من شقاء و تعاسة إنما هو بسبب مخلفتك لهذه الفطرة فأنت في صراع دائم معها حتى تسلم لها العنان , فهل تسلم لها و توفقها لتسلم من الهم و الغم و الشقاء ؟ هل تسعفها بالحياة المستقيمة السوية ؟ فتجني ذلك سعادة و راحة و سروراً .

ثالثاً : لماذا الاستقامة ؟
لأن الاستقامة موافقة للعقل السليم الذي وهبك الله إياه فالعاقل لو خير بين طريقين أحدهما مستقيم معبّد واضح بيّن سهل و الآخر متشعب وعر معوج فلاشك أنه بعقله السليم يختار الطريق المستقيم فما بالك بطريقين أحدهما يوصل إلى رضوان الله و الجنة و الآخر يوصل إلى سخط الله و النار فماذا يختار العاقل اللبيب قال تعالى : ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (الأنعام:153)
و قال سبحانه: (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الملك:22)
قال السعدي رحمه الله : [ أي الرجلين أهدى ؟ من كان تائهاً في الضلال غارقاً في الكفر قد انتكس قلبه فصار الحق عنده باطلاً و الباطل حقاً ؟ ومن كان عالماً بالحق مؤثراً له عاملاً به يمشي على الصراط المستقيم في أقواله و أعماله و جميع أحواله ؟ ] .
قال سيد قطب رحمه الله : [ إن الحالة الأولى هي حال الشقي المنكود الضال عن طريق الله المحروم من هداه الذي يصادم نواميسه و مخلوقاته لأنه يعترضها في سيره و يتخذ له مساراً غير مسارها و طريقاً غير طريقها فهو أبداً في تعثر
و أبداً في عناء , و أبداً في ضلال .
و الحال الثانية : هي حال السعيد المجدود المهتدي إلى الله , الممتع بهداه , الذي يسير وفق نواميسه في الطريق اللاحب المعمور الذي يسلكه موكب الإيمان و الحمد و التمجيد . و هو موكب هذا الوجود كله بما فيه من أحياء و أشياء .
إن حياة الإيمان هي اليسر و الاستقامة و القصد . و حياة الكفر هي حياة العسر و التعثر و الضلال ...
فأيهما أهدى ؟ و هل الأمر في حاجة إلى إجابة ؟ إنما هو سؤال التقرير و الإيجاب !
و يتوارى السؤال و الجواب ليتراءى للقلب هذا المشهد الحي الشاخص المتحرك .. مشهد جماعة يمشون على وجوههم , أو يتعثرون و ينكبون على وجوههم لا هدف لهم و لا طريق . و مشهد جماعة أخرى تسير مرتفعة الهامات , مستقيمة الخطوات , في طريق مستقيم لهدف مرسوم ] .
فحكم عقلك أخي الحبيب و اختر الطريق الذي يلحقك بموكب الإيمان موكب السعداء .

رابعاً : لماذا الاستقامة ؟
لأنها موافقة للكون من حولك فالكون كله مستقيم على أمر الله أرضه و سماءه جباله و بحاره وديانه و أنهاره دوابه و أشجاره كواكبه و نجومه الكون بأسره عابد لله عز وجل مطيع لسيده و مولاه قال تعالى : ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) (الحج:18)
فتأمل يا أخي الحبيب حال الكون من حولك كلٌ يسجد لله يعبد خالقه و مولاه الشمس تسجد القمر يسجد السماوات تسجد الجبال و الدواب و الأشجار
و الأنهار كلها مستقيمة عابدة لله تلهج بالتسبيح له سبحانه ( تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً) (الاسراء:44)
يقول سيد رحمه الله : [ و هو تعبير تنبض به كل ذرة في هذا الكون الكبير , و تنتفض روحاً حية تسبح الله . فإذا الكون كله حركة و حياة , و إذا الوجود كله تسبيحة واحدة شجية رخية , ترتفع في جلال إلى الخالق الواحد الكبير المتعال .
و إنه لمشهد كوني فريد , حين يتصور القلب كل حصاة وكل حجر كل حبة و كل ورقة كل زهرة و كل ثمرة كل نبتة و كل شجرة كل حشرة و كل زاحفة كل حيوان و كل إنسان كل دابة على الأرض و كل سابحة في الماء و الهواء..و معها سكان السماء ..كلها تسبح الله و تتوجه إليه في علاه .
و إن الوجدان ليرتعش و هو يستشعر الحياة تدب في كل ما حوله مما لا يراه , و كلما يده أن تلمس شيئاً , و كلما همت رجله أن تطأ شيئاً .. سمعه يسبح الله و ينبض بالحياة ... و حين تشف الروح

الشمس و البدر من أنوار حكمته *** و البر و البحر فيض من عطاياه
الحوت سبحه و الوحش مجده *** و الطير عظمه و الكل ناداه
والنمل تحت الصخور الصم قدسه *** والنحل يهتف حمدا في خلاياه
و الناس يعصونه جهراً و يسترهم **** و العبد ينسى و ربي ليس ينساه

أخي الحبيب إني أدعوك إلى موافقة الكون من حولك بالاستقامة على أمر الله لا تكن شاذاً ، الكون في اتجاه و أنت في الاتجاه المعاكس لا تكن عدواً للكون الذي تعيش فيه و تُمتع به فيبغضك كل شيء الأرض التي تمشي عليها و السماء التي تظلك و الماء الذي تشربه و الهواء الذي تتنفسه و الغذاء الذي تطعمه والثوب الذي تلبسه.... وغيرها من مخلوقات الله في هذا الكون .
 
أخي الحبيب إني أدعوك إلى موافقة الكون و عندما توافق الكون فتستقيم على أمر الله فإن الكون بأسره يمنحك الحب و الوداد يفرح لفرحك و يحزن لحزنك كيف لا و أنت تتفق معه في العبودية لله رب العالمين بل إنه من فرط حبه لك عندما يفجع بموتك يجهش بالبكاء و يخيم عليه الحزن و الأسى .
قال رجل لابن عباس رضي الله عنهما : أرأيت قول الله : ( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ) فهل تبكي السماء و الأرض على أحد ؟ قال ابن عباس نعم : إنه ما من أحد إلا له باب في السماء ينزل منه رزقه و يصعد فيه عمله , فإذا مات المؤمن أغلق بابه في السماء فتبكي السماء و فقده مصلاه من الأرض الذي كان يصلي فيه فتبكي عليه الأرض 0
قال سعيد بن جبير : إن بقاع الأرض التي يصعد منها عمل المؤمن الصالح إلى السماء تبكي على المؤمن بعد موته
ما أجملها من حياة يحفها الحب و الوداد فإذا فارقها الإنسان فارقها و كل شيء يشتاق إليه و يحزن لفراقه فهل تتخذ القرار لتكون ذلك الرجل ؟

خامساً : لماذا الاستقامة ؟
لأن الاستقامة تحقيق للحكمة و الهدف من خلق الإنسان فلو وجهت السؤال لأي فرد من الناس ذكراً كان أو أنثى لماذا خلقت ؟ فسيجيبك دون تردد : خلقت لعبادة الله تعالى قال الله تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذريات:56)
أخي الحبيب إني أدعوك لتحقيق الهدف من وجودك لتحقيق الغاية من خلقك أسأل نفسك السؤال السابق لماذا خلقت ؟ و كرر هذا السؤال لعل ذلك ينقذك من غفلتك و يعيدك من صبوتك .
إن المشكلة أخي الحبيب أن كثيراً من الناس يغفل عن هذا الهدف أو يتناساه فينهمك في دوامة الحياة و يغرق في بحر الهوى و الشهوات و تنسجُ الآمال حول عينيه نسيجاً سميكاً من الأحلام الدنيوية البحتة فلا يبصر ما وراءها فيظل يتخبط في بحار الأماني يبحث عن مخرج مما هو فيه و لا مخرج إلا بتحقيق ذلك الهدف فكرر أخي لنفسك السؤال و أعده مرة بعد أخرى لماذا خلقني الله ؟ عندها ستضع رجلك على بداية الطريق بإذن الله .

سادساً : لماذا الاستقامة ؟
لأن الاستقامة سبب للفوز بولاية الله عز و جل قال تعالى :( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (يونس: 62ـ64)
سئل شيخ الإسلام رحمه الله هذا السؤال : من هم أولياء الله تعالى فأجاب رحمه الله بقوله : من كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله تعالى قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذني لأعيذنّه ) رواه البخاري .
إنها ولاية الله عز وجل للمستقيمين على أمره الذين يؤدون فرائضه و يتبعونها بالمحافظة على النوافل فتثمر تلك الولاية محبة الله لهم و إذا أحبهم الله فلا تسأل عما ينتج عن تلك المحبة كما قال عز وجل : (فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذني لأعيذنهّ ) تصبح الجوارح كلها محروسة بحراسة ربانية
و مضمونة بضمان إلهي فلا يسمع و لا يبصر إلا ما يرضي الله عز وجل ولا يبطش و لا يمشي إلا في طاعة بل يزيد على ذلك أن الله سبحانه يتردد في قبض روح ذلك العبد لأن الله يكره مساءته كما في الحديث السابق : ( و ما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت و أكره مساءته) .
فأي فوز يحققه المستقيم على أمر الله حين يفوز بولاية الله عز وجل له , بل إن الأمر يتعدى إلى أن الله تقدست أسماؤه و جلت صفاته يخبر جبريل عليه السلام بحبة ذلك العبد يسميه باسمه بل يأمر ملائكته بمحبة المستقيم و يُنزل الله له القبول في الأرض قال صلى الله عليه و سلم : ( إذا أحب الله تعالى العبد نادى جبريل : إن الله تعالى يحب فلاناً فأحبه ، فيحبه جبريل فينادي في أهل السماء أن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض ) رواه البخاري و مسلم
أي كرامة تحققها يا عبد الله يوم يحبك من بيده ملكوت السماوات و الأرض
و أي فوز تظفر به حين يكون الكون كله خادم لك و ما أجمل قول القائل : من كان لله كان الله له و من كان الله له كان الكون كله له .
فهل تكون أخي الحبيب عبداً لله مستقيماً على أمره فتظفر بالكرامة الكبرى كما قال شيخ الإسلام رحمه الله : أعظم الكرامة لزوم الاستقامة .

سابعاً : لماذا الاستقامة ؟
لأنها سبب لولاية الملائكة للعبد و محبتها له كما قال سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ) (فصلت:30 /31)
و هي محبة و ولاية تبدأ من السماء و لكن المستقيم يجني ثمارها في الدنيا و الآخرة فلا تسل عما تفعله الملائكة للمستقيم فهي تحفظه و تكلأه و ترعاه قال تعالى ( لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ)(الرعد: من الآية11)
و هي تحضر مجالسه و تستغفر له و تدعوا له قال تعالى : ( الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (غافر:7ـ9) .
و هي عند الموت تطمئنه و ترحب به و تسلم عليه و تبشره قال تعالى :
( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (النحل:32)
أخي إنها حياة عظيمة بصحبة ملائكة الرحمن فأي أنس و أي سعادة ينعم بها من تصحبه الملائكة بالحب في الدنيا و الآخرة .

ثامناً : لماذا الاستقامة ؟
لأن الاستقامة لحاقٌ بركب الأنبياء و المرسلين و الصديقين و الشهداء
و الصالحين قال تعالى : ( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً) (النساء:69)
وقد بين المولى سبحانه أن اللحاق بركب المستقيمن و الظفر بصحبتهم هي أمنية الأنبياء و المرسلين فذكر من دعاء سليمان عليه السلام : ( وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ) (النمل:19)
و حكى عن يوسف عليه السلام ابتهاله إلى ربه بقوله : ( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) (يوسف:101)
حكى ذلك أيضاً من دعاء خليله إبراهيم عليه السلام : ( رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) (الشعراء:83)
أخي الحبيب إني أدعوك إلى الفوز بصحبة هذا الركب المبارك هيا بارك الله فيك انظم إلى قافلتهم إنها أخي قافلة ربانها محمد بن عبد الله بصحبة أنبياء الله عليهم أفضل الصلاة و أزكى التسليم فهل تبادر باللحاق .

تاسعاًً : لماذا الاستقامة ؟
لأنها سبب لحسن الخاتمة فقد تكفل الله للمستقيمين المهتدين بحسن الختام كيف لا و هو وليهم كيف لا والملائكة بالبشرى تتلقاههم و بعدم الخوف و الحزن تغشاههم فالمستقيم على أمر الله يُختم له خير الختام فيوفق للنطق بالشهادتين روى معاذ رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من كان آخر كلامه من الدنيا لا إلا الله دخل الجنة ) رواه أبو داود والحاكم .
و قد يختم الله له بعمل صالح فيموت و هو يجاهد في سبيل الله أو يموت وهو صائم أو يموت هو يصلي أو يموت و هو حاج و قد يموت و هو يدعو إلى الله عز وجل أو يموت و هو تائب مقبل على اله عز و جل و لعلي أذكر لك أخي الحبيب بعض قصص المستقيمين الذين وفقهم الله لحسن الختام فمن تلك القصص :
ما رواه أبو سعيد الخدري أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال ثم كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعه وتسعين نفسا فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب فأتاه فقال إنه قتل تسعة وتسعين نفسا فهل له من توبة فقال لا فقتله فكمل به مائة ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم فقال إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة فقال نعم ومن يحول بينه وبين التوبة انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء فأنطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فقالت ملائكة الرحمة جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله وقالت ملائكة العذاب إنه لم يعمل خيرا قط فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم فقال قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمة ) رواه مسلم وزاد في رواية البخاري قال قتادة قال الحسن : (فأدركه الموت فنأى بصدره نحوها فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فأوحى الله إلى هذه أن تقربي وأوحى الله إلى هذه أن تباعدي وقال قيسوا ما بينهما فوجد إلى هذه أقرب بشبر فغفر له )
فتأمل أخي حال هذا الرجل بعد ما ارتكب من الجرم ما ارتكب لمّا عزم على التوبة إلى الله و بادر إلى سلوك طريق المستقيمين بل هاجر إليهم يحدث نفسه بصحبتهم رزقه الله حسن الختام ، كأني انظر إليه و هو يسأل الناس أيها الناس دلوني على أعلم أهل الأرض يحدث نفسه بالتوبة و الإنابة كأني به يقول : أيها الراهب نفسي تتوق إلى التوبة قد أرقتني الذنوب و عذبتني المعاصي فحياتي ضيق و شقاء و تعاسة و بلاء فهل تجد لي توبة فلما قطع عليه الأمل و ضاقت عليه الأرض بما رحبت لم يملك إلا أن كمل به المائة كيف و قد قطع عليه حبل الأماني و حال بينه و بين الفرح والتهاني كيف و قد قنطه من رحمة الله ، و العجيب أنه عاود البحث مرة أخرى كأني به في وله المشتاق و لوعة المعذب يعود إلى الناس دلوني على أعلم أهل الأرض فلما لقي العالم و فتح له باب الرحمة و المغفرة فلا تسل عن عظيم فرحه و بالغ سروره كيف لا و قد أعطاه فسحة الأمل فها هو يتخذ القرار و ينطلق دون أن يتردد أو يشاور هاهو يحث الخطى إلى سيده و مولاه لطلما تاقت نفسه إلى ساعة الوصال كأني به يحدث نفسه و هو يحث السير غداً التحق بركب الصالحين فأعبد الله معهم غداً أكون مع المصلين الساجدين مع الذاكرين المستغفرين و يقدر الله أن يدركه الموت و هو على هذه الحال فيزحف بصدره شوقاً إلى بلاد المستقيمين فشرّفه الله بهذه الخاتمة بل أصبحت قصته عبرة تروى وموعظة تحيى بها القلوب .
فهل تتخذ أخي القرار أخي الحبيب و تعلن الاستقامة على أمر الله دون تردد لتظفر بحسن الخاتمة رزقني الله و إياك حسن الختام و أسمع المزيد من قصص المستقيمين ثم بعدها فكر بجدية في اتخاذ القرار .
قال مصعب بن عبد الله رحمه الله : سمع عامر بن عبد الله المؤذن يؤذن لصلاة المغرب و هو في مرض شديد و كان منزله قريب من المسجد فقال : خذوا بيدي فقيل له : إنك عليل و قد عذرك الله تعالى . فقال : أسمع داعي الله فلا أجيبه ؟ فأخذوا بيده فدخل في صلاة المغرب فركع مع الإمام ركعة ثم مات .
وقال الشيخ سعيد بن مسفر حفظه الله : حدثني من أثق في عمله و أمانته من المشائخ عن قصة حدثت في مدينة بريدة بالقصيم أن شاباً نشأ و ترعرع في طاعة الله تعالى همه و شغله القرآن و المسجد عمله الذكر و السباق في الخيرات كان يلازم والده في سن السادسة و يغدو و يروح معه إلى المسجد في طفولته حفظ القرآن و عمره تسع سنوات إذا سأل عنه أحد أرشدوه أنه في المسجد لتعلق قلبه به .
بعد فترة من الزمن توفي والده فأصبح يتيماً فكفله عمه حتى بلغ سن السادسة عشرة من عمره و هو لا يزال على استقامته و في يوم من الأيام مرض مرضاً شديداً و طلبوا له العلاج و لكن دون جدوى و لازمه المرض أسبوعاً كاملاً وهو يزداد يوماً بعد يوم و في اليوم السابع من مرضه شعر بدنو أجله فأخذ يكثر من ذكر الله تعالى ومن التشهد حتى فارق الحياة في حوالي الساعة الحادي عشرة قبل الظهر.
تذكر عمه أنه لا يوجد أحد من الناس لانشغالهم بوظائفهم و أعمالهم و مزارعهم فقال : أنتظر حتى صلاة الظهر فنام قليلاً و إذ به يرى في نومه امرأة جميلة ما رأى مثلها في حياته تشع أنوارها من أمامها و معها نساء خلفها يقول عم الشاب فأيقظتني المرأة و قالت لي : يا شيخ نسألك بالله أن تعجل علينا بهذا الشاب قال : و من أنت ؟ قالت أنا زوجته من الحور العين و نحن على أحر من الجمر ننتظره فلا تؤخره علينا قال عم الشاب فاستيقظت من نومي و دعوت الناس فاجتمعوا و حفروا قبره و سارعت إلى تجهيز فلما دخلوا إلى الغرفة التي فيها الشاب وجدوا رائحة طيبه ما وجدوا مثلها قبل ذلك فقال الناس لعمه : ما هذه الرائحة التي هي أزكي من رائحة العود الثمين ؟ قال رائحة الحورية و بقية هذه الرائحة أكثر من شهرين في الغرفة لقد أحب هذا الشاب لقاء الله فأحب الله لقاءه .
وفي قصة تذكرها أم أحمد الدعيجي في مقابلة أجرتها معها مجلة اليمامة تقول :
توفيت فتاة في العشرين من عمرها بحادث سيارة رحمها الله .
جاءوا بها إلى المغسلة و حين وضعناها عل خشبة المغسلة و بدأنا بتغسيلها فإذا بنا ننظر إلى وجه مشرق مبتسم و كأنها نائمة على سريرها و ليس فيها جروح أو كسور ولا نزيف .
و العجيب أنهم عندما أرادوا رفعها لإكمال التغسيل خرجت من أنفها مادة بيضاء ملأت غرفة المغسلة بريح المسك فكبرنا و ذكرنا الله حتى إن ابنتي و هي صديقة للمتوفاة أخذت تبكي .
ثم سألت خالة الفتاة عن ابنة أختها كيف كانت حياتها ؟
فقالت : لم تكن تترك فرضاً منذ سن التمييز و لم تكن تشاهد الأفلام
و المسلسلات و التلفاز و لا تسمع الأغاني و منذ بلغت الثالثة عشر من عمرها
و هي تصوم الاثنين و الخميس و المعلمات و الزميلات يذكرن تقواها و حسن خلقها و تعاملها ، و قد أثرت في معلماتها و زميلاتها بعد موتها رحمها الله .
و في قصة أخرى يقول الدكتور خالد الجبير : اتصل بي المستشفى و أخبروني عن حالة خطيرة تحت الإسعاف فلما وصلت إذا بشاب قد توفي رحمه الله و لكن ما تفاصيل وفاته ؟
أصيب الشاب بطلقة نارية عن طريق الخطأ فأسرع والداه جزاهما الله خيراً به إلى المستشفى العسكري بالرياض و لما كانا في الطريق التفت إليهما الشاب و تكلم معهما !! و لكن !! ماذا قال ؟
يقول والده كان يقول لهما لا تخافا !! فإني ميت و اطمئنا فإني أشم رائحة الجنة ليس هذا فحسب بل كرر هذه الكلمات الإيمانية عند الأطباء في الإسعاف حيث حاولوا و كرروا المحاولات لإسعافه ...فكان يقول لهم : يا إخواني إني ميت لا تتعبوا أنفسكم فإني أشم رائحة الجنة ثم طلب من والديه الدنو منه و قبلهما و طلب منهما السماح و سلم على إخوانه ثم نطق بالشهادتين ثم أسلم روحه إلى بارئها سبحانه و تعالى .
ما أجملها من خاتمه و ما أروعها من نهاية للحياة و هي على الحقيقة بداية للحياة الأخرى إنها زفاف عرس لشاب طاب حياً و ميتاً .
كيف كانت حياة هذا الشاب حتى فاز بهذه الخاتمة ؟
يقول والده : كان غالباً ما يقوم الليل فيصلي ما كتب الله له و كان يوقظ أهل البيت كلهم لصلاة الفجر مع الجماعة و كان محافظاً على تلاوة القرآن و كان من المتفوقين في دارسته الثانوية ...
أخي الحبيب هذه هي ثمرة الاستقامة و تلك بعض بشائرها فبادر أخي و انظم إلى ركب المستقيمين أسأل الله لي و لك حسن الختام .

تاسعاً : لماذا الاستقامة ؟
لأنها سبب لنصر الإسلام و المسلمين و عزهم و علوهم فإن استقامة العباد و نصرهم لله عل أنفسهم سبب لنصرهم عل أعدائهم قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد:7)
و استقامة الأفراد صلاح للمجتمع و قيام بما أمر الله من المعروف و تغير للحال من المعصية إلى الطاعة و من الضلال إلى الهدى و عندما يحدث هذا التغير يغير الله حال الأمة من الذل إلى العز و من الهوان إلى الكرامة قال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم ْ ) (الرعد:11)
فساهم أخي الحبيب في نصرة أمتك باستقامتك على أمر الله و لهجك بالدعاء لها بالنصر و التمكين .
أخي الحبيب أمتك ترزح في الذل و تتجرع الهوان و أعلم علم اليقين أنه يحزنك ما يحصل للمسلمين من صور الذل و الهوان في فلسطين و أفغانستان و العراق و الشيشان و غيرها من بلاد المسلمين.
أعلم أنه يؤرقك حالهم بل ربما أبكاك صراخ الأطفال و بكاء النساء و أنين الشيوخ فهلا ساهمت في نصرتهم و تخفيف معاناتهم .
يا فتى الإسلام إني أدعوك لنصرة أمتك العظيمة التي تعيش في هذه الأيام حياة الاستضعاف و المسكنة فلا تبخل عليها باستقامتك فإنك تحقق لها باستقامتك نصراًُ عظيما و تسهم في إزالة الظلم عن كثير من المسلمين فهيا بارك الله فيك قم بدد ظلمت الليل و بشر بفجر جديد وضاء

 فتى الإسلام يا أملاً *** به الأيّام تبتســمُ
ويا حُلمـاً تمنَّتْـهُ *** بلاد ضِحكها ألم
ويا نعمـاً تُرَجّيها *** نفوسٌ كلّها عَـدمُ
ويا عملاً على التّقوى *** به تتزايد النِّعـمُ
فتى الإسلام يا نُوراً *** تغيب إذا بدا الظُّلَمُ
أرى الأكوان في شوْقٍ *** إليك وأنت شوْقُهُمُ
وحاجَتَهــا إبى قيَمٍ *** وتُرجَى عندك القِيَمُ
فتى الإسلام يا فوزاً *** به الآمال تُختَتَمُ
قلوب النّاس ظامئةٌ *** وفي يمناك ريُّهُمُ
عيونُ النّاس في أرقٍ *** وأنت النّوم والحُلُمُ
وأنت أحبُّ أمنيةٍ *** تمنَّتْ نيْلَها الأممُ
فكن للنّاس كلِّهِمِ *** فأنت المُرتَجَى لهمُ


عاشراً : لماذا الاستقامة ؟
لأنها من أعظم السهام التي توجه إلى نحور الأعداء الذين يخططون ليل نهار لإفساد ك و إضلالك عن طريق الاستقامة فكن باستقامتك سهاماً تتكسر في صدور الأعداء اسمع إليهم و هم يخططون لإفساد شباب المسلمين و يمكرون بهم
يقول أحدهم كأس و غانية يفعلان في الأمة المحمدية مالا يفعله ألف مدفع فأغرقوهم في حب الشهوات .
و يقول آخر : يجب أن نزيل القرآن من العربي من وجودهم و نقتلع اللسان العربي من ألسنتهم حتى ننتصر عليهم .
و يقول زويمر لبعض المنصرين : مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقاً لا صلة له بالله ، و بالتالي لا صلة له بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها ...ثم يتابع قائلاً : إنكم أعددتم نشأ لا يعرف الصلة بالله و لا يريد أن يعرفها و أخرجتم المسلم من الإسلام طبقاً لما أراد له الاستعمار لا يهتم بالعظائم و يحب الراحة و الكسل فإذا تعلم فللشهوات و إذا جمع المال فللشهوات و إذا تبوأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهوات ... و قد انتهيتم إلى خير النتائج [ الصراع بين الحق و الباطل ص 47 ] .
يقول مسؤول في وزارة الخارجية الفرنسية عام 1952:
إن العالم الإسلامي عملاق مقيد، عملاق لم يكتشف نفسه حتى الآن اكتشافاً تاماً، فهو حائر، وهو قلق، وهو كاره لانحطاطه وتخلفه، وراغب رغبةً يخالطها الكسل والفوضى في مستقبل أحسن، وحرية أوفر … فلنعط هذا العالم الإسلامي ما يشاء، ولنقوي في نفسه الرغبة في عدم الإنتاج الصناعي، والفني، حتى لا ينهض، فإذا عجزنا عن تحقيق هذا الهدف، بإبقاء المسلم متخلفاً، وتحرر العملاق من قيود جهله وعقدة الشعور بعجزه، فقد بؤنا بإخفاق خطير، وأصبح خطر العالم العربي، وما وراءه من الطاقات الإسلامية الضخمة خطراً داهماً ينتهي به الغرب، وتنتهي معه وظيفته الحضارية كقائد للعالم.
فيا أخي الحبيب إن المؤامرة تدور عليك و المكر يحاك بك :

مؤامرة تدور على الشباب ... ليعرض عن معانقة الحراب ..
مؤامرة تقول لهم تعالوا .. .. إلى الشهوات في ظل الشراب ..
مؤامرة مراميها عظام .... تدبرها شياطين الخراب ..

فهل تدرك عظم المكر الذي يحاك لك و كبر الكيد الذي يكيدونه لك فتعود إلى الله
و تقبل على كتابه و هدي نبيه و تسلم نفسك له سبحانه( وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) (لقمان:22)
عندها يدر كيد الأعداء في نحورهم و تصبح غصة في حلوقهم يشرقون بك .

الحادي عشر : لماذا الاستقامة ؟
لأن الاستقامة تحقق لك الظفر برؤية النبي صلى الله عليه و سلم يوم القيامة عندما يقف على الحوض ينتظر المستقيمين من أمته ليسقيهم من حوضه شربة لا يظمؤون بعدها أبداً قال صلى الله عليه و سلم في وصفة : (( حوضي مسيرة شهر ماؤه أبيض من اللبن و ريحه أطيب من المسك و كيزانه كنجوم السماء من شرب منه لا يظمأ بعدها أبداً )) رواه البخاري و مسلم و في رواية أحمد و ابن حبان ( و أحلى مذاقه من العسل )
أخي الحبيب اسمع إلى رسولك  صلى الله عليه وسلم  و يخبر عن هذا اللقاء العظيم فيقول : ( ترد علي أمتي الحوض و أنا أذود الناس عنه كما يذود الرجل إبل الرجل عن إبله ) قالوا : يا نبي الله ! تعرفنا ؟ قال : ( نعم لكم سيما ليست لأحد غيركم تردون علي غراً محجلين من آثار الوضوء و ليصدن عني طائفة منكم فلا يصلون فأقول يا رب هؤلاء من أصحابي فيجيبني ملك فيقول : و هل تدري ما أحدثوا بعدك ؟ )) رواه مسلم و زاد في رواية لمسلم ( ما زالوا يرجعون على أعقابهم )
إنه لقاء المشتاقين فهل تشتاق إلى رؤية نبيك  صلى الله عليه وسلم  و تطمع في لقياه فبادر أخي بارك الله فيك لتحقق هذا الفوز و لتكن بإذن الله ممن يحشر في زمرته و يأنس بمصاحبته.
أخي الحبيب أتعلم أن النبي يشتاق إلى رؤيتك إذا كنت من المستقيمين المحبين له فقد كان يوماً من الأيام جالس بين أصحابه كالقمر تحفه النجوم يمتعون الأنظار برؤيته و الاستمتاع بحديثه و القلوب بمواعظه فقال لهم : ( وددت أن قد رأينا إخواننا ) قالوا : ألسنا إخوانك ؟ قال : ( أنتم أصحابي ، و إخواني قوم يأتون من بعدي يؤمنون بي و لم يروني ) رواه مسلم
مبارك عليك يا من استقمت على أمر الله هذا الشوق النبوي
أخي الحبيب هيا استقم على أمر و اقتدي برسول الله و حدث نفسك بلقاء حبيبك  صلى الله عليه وسلم  و سائل نفسك هل تأنس بسنة النبي  صلى الله عليه وسلم  و هل تفتخر بالتأسي به

و مما زادني شرفاً و فخراً *** و كدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي *** و أن سيرت أحمد لي نبياً

هل يحملك الشوق إلى لقاء النبي  صلى الله عليه وسلم  و هل تحدث نفسك برؤيته هل رددت ما ردده الشاعر الذي تعلق قلبه بحب رسوله و خالطت أحاسيسه مشاعر الحب فعبر عن ذلك بهذه الأبيات الرائعة :

نسينا في ودادك كل غال *** فأنت اليوم أغلى ما لدينا
نلام على محبتكم و يكفي *** لنا شرف نلام و ما علينا
ولما نلقكم لكن شوقاً *** يذكرنا فكيف إذا التقينا
تسلى الناس بالدنيا و إنّا *** لعمر الله بعدك ما سلونا


الثاني عشر : لماذا الاستقامة ؟
لأنها الاستقامة على أمر الله عز و جل و الصبر عليها في هذه الأزمان سبب للحصول على أجر خمسين من الصحابة رضي الله عنهم فعن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه أن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال لأصحابه : ( إن من ورائكم أيام الصبر ، الصبر فيهنّ كقبض على الجمر ، للعامل فيهنّ أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم ) قالوا يا رسول الله أجر خمسين منا أو منهم ؟ قال : ( بل أجر خمسين منكم ) رواه الترمذي و صححه الألباني
مبارك عليك أخي المستقيم هذا الفوز العظيم و هذا الظفر المبين و تلك الرتب العالية التي تحصلها بصبرك على استقامتك .
أخي الحبيب أعلم أن الفتن عظيمة و أن الصبر كالصِبر و المستقيم على دينه كالقابض على الجمر و أعلم أن الشهوات و الشبهات تحيط بك من كل جانب بل هي تتابعك و لا تراوحك يمنة و يسرة و لكنك بقوة إيمانك و صدق عزيمتك تحقق أعظم انتصار على النفس و الهوى و الشيطان فجبل إيمانك تُحطم عليه معاول الشهوات و بحر يقينك يُغرق كل الشبهات .

الثالث عشر : لماذا الاستقامة ؟
لأنك أخي الحبيب تحقق باستقامتك الفوز بدعوة النبي  صلى الله عليه وسلم  بالحياة الطيبة الهنيئة فاستمع إلى نبيك  صلى الله عليه وسلم  و هو يدعو لك فيقول : ( طوبى للغرباء ) فقيل من الغرباء يا رسول الله ؟ قال ( أناس صالحون في أناس سؤ كثير من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم ) رواه الإمام أحمد و ابن المبارك صححه الألباني .
لقد دعا لك النبي  صلى الله عليه وسلم  بطوبى قال ابن عباس : فرح و قرة عين و قيل خير لهم و كرامة و قال ابن عجلان : دوم الخير إنها دعوة لك من النبي  صلى الله عليه وسلم  بالهناء و السعادة و الفرحة و قرة العين و توافد الخيرات و حضور المسرات هل هو هذا فحسب ؟ كلا بل يضاف إلى ذلك شجرة في الجنة أسوق لك وصفها قال  صلى الله عليه وسلم  : ( طوبى شجرة في الجنة مسيرة مائة عام ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها )
فبادر أخي بسلوك طريق الاستقامة لتظفر بهذه الدعوة النبوية .

الرابع عشر لماذا الاستقامة ؟
لأنها سبب للأمن في الدنيا و الآخرة قال تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (الاحقاف:13)
فالاستقامة تحقق لصاحبها الأمن في الدنيا و الآخرة قال ابن القيم: فإن الطاعة حصن الله الأعظم الذي من دخله كان من الآمنين من عقوبات الدنيا و الآخرة و من خرج عنها أحاطت به المخاوف من كل جانب فمن أطاع الله انقلبت المخاوف في حقه أماناً.
فالاستقامة تحقق لصاحبها الأمن في الحياة و تحقق له الأمن عند الموت و في القبر عند سؤال الملكين قال تعالى :(يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) (ابراهيم:27)
و تحقق له الأمن في عرصات القيامة قال تعالى: ( الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ * يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) (الزخرف:67 , 68)
و تحقق له الأمن عند العبور على الصراط قال تعالى : ( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً) (مريم:72)
أخي الحبيب ألست تبحث عن حياة الآمنين فدونك الاستقامة على دين الله تظفر بحياة الآمنين في الدنيا و الآخرة و تذكر قول الله عز وجل : ( أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمَّنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)(فصلت: من الآية40) و سائل نفسك أي المصيرين تختار ؟
و تذكر دائماً حديث القرآن عن حياة الآمنين في الآخرة قال عز وجل :( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ * يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ * كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ * يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ * لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (الدخان:57)

الخامس عشر لماذا الاستقامة ؟
لأنها سبب للنجاة من النار قال تعالى :( فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)(آل عمران: من الآية185)
فالفوز الحقيقي أخي الحبيب هو أ ن يجوز الإنسان الصراط و يسلم من عذاب جهنم يصور ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم بذكر حال بعض من ينجو من النار : (حتى يمر الذي أعطي نوره على إبهام قدميه يحبو على وجهه ويديه ورجليه تخر رجل وتعلق رجل ويصيب جوانبه النار فلا يزال كذلك حتى يخلص فإذا خلص وقف عليها ثم قال الحمد لله لقد أعطاني الله ما لم يعط أحدا أن نجاني منها بعد إذ رأيتها ) رواه الطبراني و الحاكم و قال صحيح الإسناد و وافقه الذهبي و صححه الألباني .
و يصف سبحانه حال أهل النار و هم يتمنون الخروج النار للفكاك من عذابها
و لكن أنّا لهم ذلك حيث فيقول تعالى ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) (فاطر:36 ـ 37)
و قال سبحانه في وصف جانب من عذاب أهل النار أجارنا الله منها : ( هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) (الحج:19 ـ 22)
و إذا يئسوا من الخروج طلبوا الموت و الهلاك و أنا لهم ذلك يقول تعالى : ( وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ) (الزخرف:77)
و لو لم يكن من شدة بؤس أهلها إلا أن أنعم أهل الدنيا ينسى بغمسة واحدة فيها جميع ما مر به من نعيم لكفى بذلك فراراً منها فكيف بمن هو فيها من الخالدين .
عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة ثم يقال يا بن آدم هل رأيت خيرا قط هل مر بك نعيم قط فيقول لا والله يا رب ....) رواه مسلم
أخي إني أشفق عليك من هذا المصير و أخشى عليك مصرع القوم فبادر بالاستقامة على أمر الله و لا تسوف أو تتردد .

السادس عشر: لماذا الاستقامة ؟
لأنها سبب للفوز بالجنة و الرضوان و رؤية المولى عز وجل و زيارته سبحانه قال تعالى : ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) (القيامة:22 ـ 23)
هناك حيث الفرحة و السرور و البهجة و الحبور (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ) (عبس:38 ـ 39)
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( يقول الله عز وجل: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ثم قرأ فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ) رواه مسلم
أخي المبارك أصغي إلي أسمعك اذكر لك شيئاً من أخبارها قال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ) (الحج:23)
و قال تعالى : ( جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ)فاطر: (33/35 ) و قال سبحانه : (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ * لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ * سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) (يّـس:55/ 58)
وعن أسامة بن زيد قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم لأصحابه :( ألا هل مشمر للجنة فان الجنة لا خطر لها هي ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانة تهتز وقصر مشيد ونهر مطرد وفاكهة كثيرة نضيجة وزوجة حسناء جميلة وحلل كثيرة في مقام أبدا في حبرة ونضرة في دار عالية سليمة بهية ) قالوا نحن المشمرون لها يا رسول الله قال :( قولوا إن شاء الله ) رواه ابن حبان و ابن ماجة .
عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن في الجنة لسوقاً يأتونها كل جمعة فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم فيزدادون حسناً وجمالاً فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسنا وجمالا فيقول لهم أهلوهم والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا فيقولون وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا باب أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر وصفاتهم وأزواجهم ) رواه مسلم
عن أبي رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم : ( ثم إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر ملكا تليها على أضوإ كوكب دري في السماء لكل امرئ منهم زوجتان اثنتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم وما في الجنة أعزب ) رواه مسلم
عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ينادي مناد يا أهل الجنة إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا فذلك قوله عز وجل : ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون ) رواه مسلم
عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلا للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضا ) رواه مسلم
أخي المبارك اسمع إلى ابن القيم رحمة الله و هو يصف نساء الجنة و حدث نفسك بالوصال :

يا خاطب الحور الحسان و طالباً *** لوصالهن بجنة الحيوان
لو كنت تدري من خطبت و من طلبت *** بذلت ما تحوي من الأثمان
أسرع و حث السير جهدك إنما *** مسراك هذا ساعة لزمان
فاعشق و حدث بالوصال النفس و ابذل *** مهرها مادام ذا إمكان
فاسمع صفات عرائس الجنات ثم اختر *** لنفسك يا أخا العرفان
حور حسان قد كملن خلائقاً *** و محاسناً من أجمل النسوان
حتى يحار الطرف في الحسن الذي *** قد ألبست فالطرف كالحيران
و يقول لما أن يشاهد حسنها *** سبحان معطي الحسن و الإحسان
و الطرف يشرب من كؤوس جمالها *** فتراه مثل الشارب النشوان
و كلهما مرآة صاحبه إذا *** ما شاء يبصر وجهه يريان
حمر الخدود ثغرهن لآلئ *** سود العيون فواتر الأجفان
و البرق يبدو حين يبسم ثغرها *** فيضيء سقف القصر و الجدران
و لقد روينا أن برقاً ساطعاً *** يبدوا فيسأل عنه من بجنان
فيقال هذا ضؤ ثغر باسم *** في الجنة العليا كما تريان
لله لاثم ذلك الثغر الذي *** في لثمه إدراك كل أمان
ريانة الأعطاف من ماء الشباب *** فغصنها بالماء ذو جريان
و القد منها كالقضيب اللدن في *** حسن القوام كأوسط القضبان
في مغرس كالعاج تحسب أنه *** عالي النقا أو واحد الكثبان
لا الظهر يلحقها و ليس ثديها *** بلواحق للبطن أو بدوان
لكنهن كواعب و نواهد *** فثديهن كألطف الرمان
و الجيد ذو طول و حسن في بياض *** و اعتدال ليس ذا نكران
و المعصمان فإن تشأ شبههما *** بسبيكتين عليهما كفان
كالزبد ليناً في نعمة ملمس *** أصداف در دورت بوزان
و الريح مسك و الجسوم نواعم *** و اللون كاليقوت و المرجان
بكر فلم يأخذ بكارتها سوى *** المحبوب من إنس و لا من جان
فاجمع قواك لما هناك و اغمض *** العينين و اصبر ساعة لزمان
لا تؤثر الأدنى على الأعلى فإن *** تفعل رجعت بذلة و هوان

أخي المبارك هذا بعض الوصف لنساء الجنة فهل حن بك الشوق ؟ و هل توهمت نفسك وأنت في هذا النعيم و قارنته بحالك الآن و ما أنت فيه من تعاسة و شقاء و ضنك ؟
و سألتها إلى متى و أنا على تلك الحال ؟
أخي الحبيب لو لم يكن من عظيم سعادة أهلها إلا أن أشدهم بؤساً في الدنيا ينسى بغمسة واحدة فيها جميع ما مر به من حياة البؤس و الشقاء لكفى بذلك حادياً لطلابها فما بالك بمن يعيش فيها أبد الآبدين قال صلى الله عليه و سلم :
( ... ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له يا بن آدم هل رأيت بؤسا قط هل مر بك شدة قط فيقول لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط ) رواه مسلم
قاطعني قائلاً : يكفي يكفي فأنا على يقين تام أنه لا سبيل إلى السعادة إلا بالاستقامة على أمر الله و إني لفي شوق عظيم إلى هذه الحياة .
قاطعته و أنا أنظر إلى وجه فرحاً مسروراً قد انبلجت أسارير وجهه فقلت له : أخي الحبيب أمهلني قليلاً أتجول بك في حياة المستقيمين من خلال عباراتهم التي تفوهوا بها لمَّا ذاقوا طعم الإيمان و لذة الاستقامة ، و كيف لا تكون حياتهم طيبة و قد قال الله تعالى :( من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ... ) يقول ابن القيم رحمه الله :[ وقد ضمن الله تعالى لكل من عمل صالحاً أن يحييه الله حياة طيبة ، فهو صادق الوعد الذي لايخلف وعده ، وأي حياة أطيب من حياة من اجتمعت همومه كلها وصارت هماً واحداً في مرضاة الله تعالى ؟ ولم يتشعب قلبه بل أقبل على الله ... إلى أن قال : ولا بد لكل من عمل صالحاً أن يحييه الله حياة طيبة بحسب إيمانه وعمله ].
ويقول سيد رحمه الله تعالى :[ وإن العمل الصالح مع الإيمان جزاؤه حياة طيبة في هذه الأرض ... لا يهم أن تكون ناعمة رغدة ثرية بالمال فقد تكون به ، وقد لا يكون معها . وفي الحياة أشياء كثيرة غير المال الكثير تطيب بها الحياة . فيها الاتصال بالله والثقة به ، والاطمئنان إلى رعايته وستره ورضاه .. وفيها الصحة والهدوء والرضى والبركة ، وسكن البيوت ومودات القلوب ، وفيها الفرح بالعمل الصالح وآثاره في الضمير وآثاره في الحياة ] .
يقول ابن القيم رحمه : و الإقبال على الله تعالى ، و الإنابة إليه ، و الرضى به و عنه
و امتلاء القلب من محبته و اللهج بذكره و الفرح و السرور بمعرفته : ثواب عاجل
و جنة ، و عيش لا نسبة لعيش الملوك إليه البته .
سمعت شيخ الإسلام بن تيمية قدس الله روحه يقول : إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة .
و قال لي مرة : ماذا يصنع أعدائي بي أنا جنتي و بستاني في صدري أين رحت فهي معي لا تفارقني ! أنا حبسي خلوة و قتلي شهادة و إخراجي من بلدي سياحة .
و يقول : المحبوس من حبس قلبه عن الله و إن المأسور من أسره هواه .
يقول ابن القيم : و علم الله ما رأيت أحداً أطيب عيشاً منه مع ما كان فيه من ضيق العيش و خلاف الرفاهية و النعيم بل ضدها و مع ما كان فيه من الحبس و التهديد و الإرهاق و هو مع ذلك من أطيب الناس عيشاً و أشرحهم صدراً و أقواهم قلباً و أسرهم نفساً تلوح نضرة النعيم على وجهه .
و كان بعض العارفين يقول : لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن عليه لجالدونا عليه بالسيوف .
و قال آخر : مساكين أهل الدنيا خرجوا منها و ما ذاقوا أطيب ما فيها؟ قيل : و ما أطيب ما فيها ؟ قال : محبة الله و معرفته و ذكره أو نحو هذا .
وقال الآخر : إنه لتمر بالقلب أوقات يرقص فيها طرباً .
وقال آخر : إنه لتمر بي أوقات أقول فيها إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب .
يقول أحد التائبين من التفحيط : يا شباب الإسلام لن تجدوا السعادة في السفر و لا في المخدرات و التفحيط ، لن تجدوها أو تشموا رائحتها إلا في الالتزام و الاستقامة و في خدمة الدين .
و تقول فتاة تائبة : فيا من تبحثون عن السعادة عن الاستقرار النفسي عن الطمأنينة عن النقاء عن الصفاء عن المعاني الإنسانية لا تبتعدوا كثيراً ستجدون ظالتكم بين أيديكم في القرآن الكريم في تعاليم الدين قال تعالى :( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً)(الاسراء:82)
أخي المبارك هذه حياتهم و جنتهم التي هي بوابة لجنة الآخرة فهيا بارك الله فيك تقدم و اعزم على الاستقامة و لا تتردد .
قال لي و الشوق يحلق به في سماء التائبين : و لكن هل سيتوب الله علي و قد فعلت من الجرم ما تستحي منه السماوات و الأرض ؟
اقتربت منه و وضعت يدي على كتفه و قلت له : كيف لا يقبلك الله و قد و سعت رحمته كل شيء ؟
كيف لا يقبلك سبحانه و هو القائل عز وجل : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر:53)
كيف لا يقبلك و هو القائل : ( ...يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفرونى أغفر لكم ...) رواه مسلم
كيف لا يقبل توبتك و هو القائل عز وجل : ( يا بن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي يا بن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة) رواه الترمذي و الدارمي و أحمد
أخي الحبيب المبارك أتعلم أن الله عز و جل يفرح بتوبتك فرحة عظيمة و هو الغني سبحانه و لكن رحمته بعباده و رأفته بهم تجعله يفرح بتوبة أحدهم
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (لله أشد فرحا بتوبة عبده المؤمن من رجل في أرض دوية مهلكة معه راحلته عليها طعامه وشرابه فنام فاستيقظ وقد ذهبت فطلبها حتى أدركه العطش ثم قال أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت فوضع رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ وعنده راحلته وعليها زاده وطعامه وشرابه فالله أشد فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده ) رواه البخاري و مسلم
أخي الحبيب هيا تقدم أغسل قلبك من نهر التائبين هيا فر إلى ربك عز وجل لتظفر بخيري الدنيا و الآخرة هيا انظم إلى قوافل التائبين و ركب المنيبين
أخي أصغي إلي أزف إليك بشرى عظيمة بشرى من ربك الكريم الجواد الرؤوف الرحيم الذي قال : ( وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً) (النساء:27)
إنها بشرى أرحم الراحمين هدية لجميع المذنبين تريحهم من أثقال الذنوب و آصار الخطايا و حر الآثام السالفة بل تحيلها إلى مصدر للفرح و السرور ، تلك البشرى هي أن الله يبدل السيئات إلى حسنات كما قال سبحانه :( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (الفرقان : 68ـ70)
عن أبي طويل شطب الممدود أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :
( أرأيت رجلا عمل الذنوب كلها فلم يترك منها شيئا وهو في ذلك لم يترك حاجة ولا داجة [ أي لا صغيرة و لا كبيرة ] إلا أتاها [ و في رواية إلا اقتطعها بيمينه لو قسمت خطيئته بين أهل الأرض لأوبقتهم ] فهل له من توبة قال : ( فهل أسلمت ) قال أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنك رسول الله قال : (تفعل الخيرات وتترك السيئات فيجعلهن الله لك خيرات كلهن ) قال : وغدراتي وفجراتي قال : نعم قال الله أكبر فما زال يكبر حتى توارى ) رواه الطبراني قال ابن حجر هو على شرط الصحيح .
قال والبشر يلوح على محياة و عيناه تذرف بالدموع : كل سيئاتي السابقة كل جرمي و زللي يبدلها إلى حسنات! ما ارحم الله علي و ما أرأفه بي و ما أعظم إمهاله .
قلت له : أخي الحبيب هيا بادر إلى التوبة

فبادر إذاً ما دام في العمر فسحة *** و عدلك مقبول و صرفك قيم
و جد و سارع و اغتنم زمن الصبا *** ففي زمن الإمكان تسعى و تغنم
و سر مسرعاً فالسير خلفك مسرعٌ *** و هيهات ما منه مفر و مهزم
فهن المنايا أي واد نزلته *** عليها القدوم أم عليك ستقدم

هيا أخي ضع يدك في يدي لا تتردد أو تتأخر .
ارتمى في أحضاني وهو ينشج بالبكاء و يردد جزاك الله خيراً جزاك الله خيراً اشعر
و كأني ولدت من جديد ، أشعر أني مخلوق آخر ، أين حياة الضنك التي كنت أعيشها ؟ أين البؤس و الشقاء الذي كان يلازمني ؟ أشعر بسعادة عظيمة لم اشعر بها من قبل .
قلت له أخي المبارك : إذا كانت هذه لذة التوبة فما بالك بلذة الاستقامة على أمر الله
قال لي : أعدك أن أسلك طريق الاستقامة و لا أحود عنه أبداً بإذن الله تعالى ،و لكني أطلب منك أموراً . بادرته و ما هي ؟
قال : أطلب منك أولاً : أن تكثر لي من الدعاء لي بالاستقامة و الثبات عليها .
ثانياً : أن يدوم الاتصال بيننا فقد أنست بك و أنا مدين لك بالفضل بعد الله في إنقاذي من حياة الشقاء .
و ثالثاً : أن توصيني بأمور أبدأ بها حياة الاستقامة .
قلت له : لك علي أن أشركك مع نفسي و أهلي و أحبتي في الدعاء ، وأن يستمر بيننا اللقاء ، أما الوصايا فإني أوصيك بتقوى الله عز وجل و المحافظة على الفرائض و الإكثار من النوافل و ملازمة القرآن تلاوة و حفظاً و تدبراً .
و أوصيك بمداومة الذكر و بر الوالدين و صلاة الأرحام و حسن الخلق و الحفاظ على عمك الانتظام فيه ، و أحذر ثم أحذر ثم أحذر من رفقاء السوء فإنهم أس كل بلاء واختر لك رفقة صالحة تعينك على طريق الهداية : ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) (الكهف:28)
تبادلنا أرقام الهواتف و ودعنا بعضنا بعناق حار على أمل لقاء قريب بإذن الله .

محبكم : شائع بن محمد الغبيشي
shaei_mh@hotmail.com
 

رسائل دعوية

  • رسائل دعوية
  • معا على طريق الجنة
  • الصفحة الرئيسية