بسم الله الرحمن الرحيم

إلى كل من أغضبه رفيقه وزميله


أخي الحبيب : تمر علينا حالت الغضب كأي بشر يقع في هذا الأمر ، وقد تزيد هذه النعرات عند البعض فتصل به إلى المقاطعة والمدابرة وعدم السلام لثلاثة أيام متوالية وقد نهى النبي صلوات الله وسلامه عليه عن هذا الأمر وإن العاقل من يعرف كيف يطفئ الغضب سريعاً ويرجع الماء إلى كوامنه (إن كره منها خلقاً رضي خلقاً آخر) وإليك هذه الكلمات التاليات التي خرجت فأروت ومشت فأسكنت فاسمع رعاك الله :
(متى رأيت صاحبك قد غضب وأخذ يتكلم بما لا يصلح ، فلا ينبغي أن تعقد على ما يقوله خنصراً (أي لا تعتد به ولا تلتفت إليه) ولا أن تؤاخذه به ، فإن حاله حال السكران لا يدري ما يجري ، بل اصبر ولو فترة ، ولا تعول عليها ، فإن الشيطان قد غلبه ، والطبع قد هاج ، والعقل قد استتر ، ومتى أخذت في نفسك عليه ، أو أجبته بمقتضى فعله، كنت كعاقل واجه مجنوناً ، أو كمفيق عاتب مغمى عليه ، فالذنب لك ، بل انظر إليه بعين الرحمة ، وتلمح تصريف القدر له ، وتفرج في لعب الطبع به .
واعلم أنه إذا انتبه ندم على ما جرى ، وعرف لك فضل الصبر ، وأقل الأقسام أن تسلمه فيما يفعل في غضبه إلى ما يستريح به.
وهذه الحالة ينبغي أن يتلمحها الولد عند غضب والده ، والزوجة عند غضب الزوج ، فتتركه يشفي بما يقول ، ولا تعول على ذلك ، فسيعود نادماً معتذراً ، ومتى قوبل على حالته ومقالته صارت العداوة متمكنة ، وجازى في الإفاقة على ما فعل في حقه وقت السكر .
وأكثر الناس على غير هذا الطريق ، متى رأوا غضبان قابلوه بما يقول ويعمل وهذا على غير مقتضى الحكمة).
قاله ابن الجوزي في صيد الخاطر..
أخي الحبيب اعلم أن الشيطان يكبر الشيء الصغير ويحاول التحريش بين المتآلفين الأحباب كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ..( إن الشيطان يئس أن يعبده الناس في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم).
واعلم أخي الحبيب أن الوضوء يذهب عنك ما تجد من الغضب وأن تغيير الجلسة لها دور فعال في هذا الأمر وكل هذه نصائح نبوية صحيحة . وقد قيل : ليس من عادة الكرام سرعة الغضب والإنتقام.
وقال الشاعر :
ليست الأحلام في حال الرضا …………إنما الأحلام في حال الغضب
وقال غيره كلاماً نفيساً:
إذا ما طاش حلمك عن عدو …………وهان عليك هجران الصديقِ
فلست إذاً أخا عفوٍ وصـفحٍ…………ولا لأخٍ علـى عـهدٍ وثيقِ
إذا زلَّ الـرفـيق وأنت ممن …………بلا رفـقٍ بـقيت بلا رفيقِ
إذا أنت اتخذت أخاً جديداً …………لمـا أنـكرت من خلقٍ عتيقِ
فما تدري لعلك مستجير …………مـن الـرمضاء فر إلى الحريقِ
فكم من سالك لطريق أمنٍ…………أتـاه يحـاذر في الـطـريقِ

أسأل الله بمنه وكرمه أن لا يحرمك الأجر والمثوبة وأن تدخل في قوله (المتحابون في جلالي على منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء يوم القيامة ).
كما أسأله أن يرزقنا الحلم في الغضب والشهادة ..والصبر عند المحن والله الموفق للصواب وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

محبك /
أبو خالد النجدي

الصفحة الرئيسة