اطبع هذه الصفحة


رسالتي إليك.. أبي

محمد مصطفى عبد المجيد


أبي الحبيب..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد..
فرسالتي هذه إنما وجهتُها إلى قلبك المليء بكنوز الرحمة والحب.. قلبك الذي أفاض عليَّ من معاني المحبة والإيثار على النفس ما تعجز عن مثله النفوس.. قلبك الذي يكاد يطير فرحاً إذا رأيتَ ابتسامةً تداعب ثغري، ويكاد يتمزق حزناً إذا رأيتَ عبرةً على خدي..

رسالتي إليك أبي..
وما أرسلتها إليك إلا وكُلِّي يقين أنك تريد لي الخير، ولو مكّنك الله من خير الدنيا كلِّه لما بخلتَ به عليَّ ولوضعتَه بين يديَّ، ولغَلَبَ فرحُك بالنظر إليَّ وأنا أرفُل في ذلك الخير على فرحِك لو كنتَ استأثرتَ به لنفسك..
لم لا، وأنت الذي تُخرج اللقمةَ من فمك وقد فتك الجوع ببطنك لتضعَها في فمي؟! وتخلع ثوبك في البرد القارص لتكسوَني؟!
رسالتي إليك يا من ملأ حبي قلبَك بصورة عجزت الأقلام عن وصفها.. يا من تريد الخير لي، وتريد أن تراني في أفضل مكانة وأسمى منزلة.. رسالتي إليك أبي الحبيب..

أبي..
أنت تريد لي الخير.. وأي خيرٍ أعظم من أن توجهني إلى حفظ كتاب الله عز وجل لأكون من حملتِه؟ أي خيرٍ أعظم من أن تعلِّمَني كتابَ ربي تبارك وتعالى أو تدفعَني إلى من يعلِّمني؟

أبي الغالي..
إن معاني الإيمان واليقين بالله إنما ترسخ في قلبي منذ نعومة أظفاري بتعلُّمي لكلام ربي حتى تسريَ في لساني وجوارحي.. وأنت ترى يا أبي مِن حولك ذلك الكم الهائل من الشباب المنحرف التائه في سبل الغواية بين النواصي والفتيات والمخدرات ثم السجون وضياع المستقبل؟.. فهلَّا حصنتَني منذ صغري؟ هلَّا ملأتَ قلبي بأنوار القرآن والحكمة قبل أن تكبلَه قيودُ المعاصي والشهوات؟
أما علمتَ –أبي الحبيب- أن الله جعل كتابَه حبلَه المتين الذي من تمسَّك به نجى؟.. سمعتُ أبي حديثاً للنبي صلى الله عليه وسلم فأحببت أن أكتبَه إليك، يقول صلى الله عليه وسلم: "أبشروا فإن هذا القرآن طرفه بيد الله، وطرفه بأيديكم، فتمسَّكوا به فإنكم لن تهلكوا ولن تضلوا بعده أبداً"، سمعتُ هذا الحديث فتذكرتُك يا أبي وأنت تسهر الليالي تخطط لمستقبلي وقد ملأك الخوف من المستقبل، فلم لا تضعني في يد الحفيظ جل جلاله؟، لم لا تدفعني لحفظ القرآن وتعلُّمه والتمسُّك به حتى أنال هذا الموعود: " فتمسَّكوا به فإنكم لن تهلكوا ولن تضلوا بعده أبداً"؟

أبي..
سمعتُ أيضاً قولَ النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً، ويضع به آخرين" فتذكرتُ كيف تريد لي الرفعة دائماً، وكيف تتمني لي أن أكون في أعلى منزلة.. فلم لا تدفعني إلى حفظ ومدارسة كلام من بيده ملكوت كل شيء يرفع من يشاء ويخفض من يشاء؟ ألا تريد لي الرفعة في الدنيا؟
ثم أنت تعلم أن هذه الدنيا ما هي إلا سنوات معدودات.. كأنها حلم ينتهي لنفيقَ منه ونجد أنفسَنا في أول مراحل الآخرة والخلود، ورفعُ الله عز وجل لحامل كتابه ليس في الدنيا وحسب، بل وفي الآخرة أيضاً.

أبي الحبيب..
أريد أن أكون من حفظة القرآن الذين يكرمهم الله في الآخرة ويقال لأحدهم: اقرأ وارتق ورتل، فقد سمعتُ قولَ النبي صلى الله عليه وسلم: "يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها"، أبي.. أريد أن أكون من هؤلاء.

أبي..
ألا تحب أن تراني يوم القيامة في أعلى منازل الجنة؟ ألا تحب أن أكون مع خير ملائكة الله السفرة الكرام البررة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة".

أبي..
ما رأيك فيمن يُلبسه الله تاجَ الكرامة وحُلَّةَ الكرامة ويرضى عنه، وكل ذلك على مرأى ومسمعٍ من الخلق؟ ألا تتمنى أن تراني هكذا يوم القيامة؟ أتعلم ما ثمن ذلك؟
قال صلى الله عليه وسلم: "يجيء صاحب القرآن يوم القيامة، فيقول القرآن: يا رب حَلِّه، فيلبس تاج الكرامة، ثم يقول: يا رب زده، فيلبس حُلَّة الكرامة، ثم يقول: يا رب ارض عنه، فيرضى عنه، فيقال له: اقرأ وارق، ويزداد بكل آية حسنة".
والخير ليس لي وحسب يا أبي، وإنما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن قارئ القرآن "يُكسى والداه حُلَّتين لا تقوم لهما الدنيا وما فيها، فيقولان: يا رب! أنى لنا هذا؟ فيُقال: بتعليم ولدكما القرآن".
ألا ترغب أن يشرفَك الله أنت وأمي بهاتين الحُلَّتين في يومٍ يكون الناس فيه حفاةً عراةً؟
قد تكون أنت لم تُوفق يا أبي لأن تكون من حفظة القرآن وحملته، فلا تحرم نفسك من الخير بأن تدفعني إلى حفظه عسى أن يكرمني الله وإياك يوم القيامة على رؤوس الأشهاد، وقد كان زيد بن عمرو قد سمع بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولكن حضرته الوفاة قبل أن يدركَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: اللهم إن كُنتَ حرمتَني من هذا الخير فلا تحرم منه ابني سعيداً، فكان سعيد بن زيد ابنُه مِن العشرة المبشرين بالجنة.

أبي الحبيب..
علِّمني القرآن أو ادفعني لمن يعلمني.. ها هي المساجد ودور تحفيظ القرآن مفتوحة لمن أراد أن يتعلم..
ادفعني إليها أبي.. ولا تظنَّن أنك دافعي إلى مكانٍ لتحفيظ القرآن وحسب.. وإنما أنت ترسلني على طريق تحفُّه الملائكة إلى روضة من رياض الجنة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفَّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده".
إن مجلس القرآن يا أبي روضةٌ ليس فيها حظٌ للشيطان.. روضة تتنزل عليها رحمات ربنا الرحمن.. إنها روضة تحفظني فيها بعيداً عن وحوش الدنيا الكاسرة، وشهواتها العارمة الطاغية..

أبي..
أريدُ أن يحبني ربي.. أن تحفني الملائكة.. أن تتنزل عليَّ السكينة.. أن تتغشاني الرحمة.. أبي.. أريد أن يذكرني الله فيمن عنده.. فلا تحرمني..
لا تحرمني فإنما أنا أمانة بين يديك وستُسأل عني يوم القيامة..
ولا أظنك ستبخل عليَّ بهذا الأمر، فما رأيتُ منك إلا كلَّ خير، وما رأيتُ منك إلا حرصاً على الخير لي في دنياي وآخرتي..
أسأل الله –أبتاه- أن يكرمني في الدنيا والآخرة، وأن يرفعني في الدرجات، وأن يكسوَك بحُلَّة الكرامة لأنني ممن قيل لهم: اقرأ وارتق ورتل..
وموعد اللقاء -أبي الحبيب- في الجنة إن شاء الله..

ابنك
 

رسائل دعوية

  • رسائل دعوية
  • معا على طريق الجنة
  • الصفحة الرئيسية