اطبع هذه الصفحة


الطيب من الأقوال والأفعال

د.محمد بن عدنان السمان


بالطيبة فقال :
{ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ }النور26

وجعل هذا الوصف ملازما لهم عند قبض أرواحهم فقال {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }النحل32
ووعدهم بالحياة الطيبة إن هم آمنوا وعملوا من الصالحات {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }النحل97
وجعل هذه الطيبة ملازمة في الجنة فقال {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ }الزمر73
يتمتعون فيها في مساكن طيبة كما قال ربنا جل جلاله {وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }التوبة72
فإن كان ذلك كذلك فليعلم أن الله سبحانه طيب قدوس منزه عن كل نقص وعيب فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، فقال تعالى : { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا } ( المؤمنون : 51 ) ، وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم } ( البقرة : 172 ) ، ثم ذكر الرجل يطيل السفر ، أشعث أغبر ، يمدّ يديه إلى السماء : يا رب يا رب ، ومطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغُذّي بالحرام ، فأنّى يُستجاب له ؟ ) رواه مسلم
وحتى يتحقق للمؤمن هذه الطيبة التي ينشدها ، فإنّه ينبغي عليه أن يحرص على تناول الطيب من الرزق ، كما قال تعالى : { كلوا من الطيبات واعملوا صالحا } ( المؤمنون : 51 ) .
فإذا امتثل المسلم ما أُمر به ، حصل له من الصفاء النفسي والسمو الروحي ما يقرّبه من ربّه ، فيكون ذلك أدعى لإجابة دعائه .
ومن ناحية أخرى يجب على العبد أن ينأى بنفسه عن كل ما حرّمه الله تعالى عليه من مطعوم أو مشروب أو ملبوس ، لأن الحرام سيورده موارد الهلاك .
وقد ورد عن سلفنا الصالح رحمهم الله ، ما يدل على حرصهم على تلك المعاني السامية ، فعن ميمون بن مهران رحمه الله أنه قال : \" لا يكون الرجل تقيا حتى يعلم من أين ملبسه، ومطعمه، ومشربه \" ،
ثم ضرب لنا النبي صلى الله عليه وسلم مثلا عظيما ، لرجل قد أتى بأسباب إجابة الدعاء ، غير أنه لم يكن يتحرّى الحلال الطيب فيما يتناوله ، فهذا الرجل :
( يطيل السفر ) قريب من اجابة الدعاء ثم ثانيا هو : (أشعث أغبر ) ، وهذا يدل على تذلّله وافتقاره ثم ثالثا : يرفع يديه بالدعاء ( يمد يديه إلى السماء ) ثم رابعا : ما ورد من إلحاحه في الدعاء : ( يا رب ، يا رب ) فهذه أربعة أسباب لإجابة الدعاء ، قد أتى بها كلها ؛ ولكنه أتى بمانع واحد فهدم هذه الأسباب الأربعة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فأنّى يُستجاب له ؟ ) ، وهذا الاستفهام واقع على وجه التعجب والاستبعاد ، لمن كانت هذه حاله .
إن المؤمن طيب .. فمعدن الإيمان في قلبه ينفي الخبث ويطرد الدنيء ...
فإذا طاب المؤمن وطاب معدنه صار محلا للطيبات .
عن أبي رزين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمن مثل النحلة لا تأكل إلا طيبًا ولا تضع إلا طيباً) رواه الامام أحمد وغيره بسند صحيح
قال الامام ابن القيم رحمه الله وهو يتحدث عن المؤمن :
وكذلك لا يألف من الأعمال إلا أطيبها وهي الأعمال التي اجتمعت على حسنها الفطر السليمة مع الشرائع النبوية وزكتها العقول الصحيحة فاتفق على حسنها الشرع والعقل والفطرة مثل أن يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ويؤثر مرضاته على هواه ويتحبب إليه جهده وطاقته ويحسن إلى خلقه ما استطاع فيفعل بهم ما يحب أن يفعلوا به ويعاملوه به ويدعهم مما يحب أن يدعوه منه وينصحهم بما ينصح به نفسه ويحكم لهم بما يحب أن يحكم له به ويحمل أذاهم ولا يحملهم أذاه ويكف عن أعراضهم ولا يقابلهم بما نالوا من عرضه وإذا رأى لهم حسنا أذاعه وإذا رأى لهم سيئا كتمه ويقيم أعذارهم ما استطاع فيما لا يبطل شريعة ولا يناقض لله أمرا ولا نهيا
وله أيضا من الأخلاق أطيبها وأزكاها كالحلم والوقار والسكينة والرحمة والصبر والوفاء وسهولة الجانب ولين العريكة والصدق وسلامة الصدر من الغل والغش والحقد والحسد والتواضع وخفض الجناح لأهل الإيمان والعزة والغلظة على أعداء الله وصيانة الوجه عن بذله وتذلـله لغير الله والعفة والشجاعة والسخاء والمروءة وكل خلق اتفقت على حسنه الشرائع والفطر والعقول .
وكذلك لا يختار من المطاعم إلا أطيبها وهو الحلال الهنيء المريء الذي يغذي البدن والروح أحسن تغذية مع سلامة العبد من تبعته .
وكذلك لا يختار من المناكح إلا أطيبها وأزكاها ومن الرائحة إلا أطيبها وأزكاها ومن الأصحاب والعشراء إلا الطيبين منهم فروحه طيب وبدنه طيب وخلقه طيب وعمله طيب وكلامه طيب ومطعمه طيب ومشربه طيب وملبسه طيب ومنكحه طيب ومدخله طيب ومخرجه طيب ومنقلبه طيب ومثواه كله طيب .

 

رسائل دعوية

  • رسائل دعوية
  • معا على طريق الجنة
  • الصفحة الرئيسية