اطبع هذه الصفحة


فلا تزكوا أنفسكم

أشرف كمال


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد ..,
دائماً الإنسان عندما يقوم بإسداء معروف أو مساعدة لأحد من الناس يشعر بالرضا عن نفسه وهو شيئ محمود لا سيما إذا نتج عنه شكر الله عز وجل الذي جعلك سبب في مساعدة الأخرين أو تقديم يد العون لهم ولكن قد يكون الرضا شيئ مذموم إذا نتج عنه العُجب بالنفس وكما نعلم أن العُجب بالنفس هو أول طريق هلاك الإنسان أو بداية النهاية فالكبرياء الذي يصيب الإنسان يُبنى على قاعدة واحدة ألا وهي العُجب بالنفس والله عز وجل يقول في كتابة الكريم " إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا " [النساء:36] وبالتأكيد أن الإفتخار بالنفس لن يتأتي إلا بعد العُجب بها وهذا ما يُبغضة الله عز وجل وقد ذكر الله عز وجل هذا في أكثر من موضع فقال الله عز وجل أيضاً " إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُور ٍ" [لقمان:18] وقال الله عز وجل ايضاً في كتابة الكريم " وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ " [الحديد:23] وكل هذه الأيات دليل على عدم رضا الله عز وجل عن من يتصف بهذه الصفة والعُجب بالنفس نوعان إما لأمر دنيوي أو أمر ديني فمن جانب الأمر الدنيوي أن يكون هناك شخص معجب بنفسه لأنه ماهر في أمر ما أو حاد الذكاء فتراه معجباً بنفسه ويتعإلى على الأخرين وبالطبع هذا شيئ مذموم لأنه لو تذكر أن النعم التي أنعم الله بها عليه لشكر الله عز وجل ولأدرك هذه النعم ومَن تواضع لله رفعه فمثلاً كون أنني ذكي أو ماهر فهذه نعمة من الله ليست من نفسي وليست نفسي هي التي أوهبتني هذه النعم بل الله عز وجل هو الذي وهبني إياها وكل هذه العطايا من الله عز وجل ويجب على الإنسان شكر الله لهذه النعم ولكن القليل من الناس الذي يشكرون لله عز وجل فالله عز وجل قال " وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ " [سبأ:13] فالشكر بالنسبة للنفس البشرية مثل الزهره التي يجب على الإنسان أن يتعهد بحسن رعايتها أما عدم الشكر كالعشب الذي ينمو في الصحراء بدون رعاية فالكثير من البشر لا تجده يشكر وبه جفاء فمثلاً إذا قمت بإسداء معروف إلى أحد تجده يعاملك كأن هذا المعروف واجب عليك أن تقدمه إليك في حين أن هناك أشخاص إذا قمت بتقديم إليهم شيئ بسيط من المعروف يعتبرونه كبير ويودون أن يجدوا أي مناسبة ليرودا إليك هذا المعروف لذلك القليل من الناس الذي تجده يشكر الله على أنعمه لأن شكر الله يوجب زيادة فضل الله عز وجل عليك بنعم أكثر فالله عز وجل قال " لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ " [إبراهيم:7] فهلاّ رأيت أن شكر الله من أسباب زيادة فضل الله عليك والإعجاب بالنفس من الأمر الديني فيه هلاك للنفس لأنه ينتج عنه الكبرياء كأن شخص معجب بأنه قوّام لليل والناس نيام أو صوّام وقد حذر النبي صلى الله علية وعلى آله وسلم من الكبرياء فقال في صحيح مسلم من حديث ابن مسعود " ولا يدخل الجنة أحداً في قلبة مثقال حبة خردل من كبرياء " فهل رأيت أن الكبرياء يوجب النار والعياذ بالله وقال أيضاً في صحيح مسلم من حدبث عبد الله بن مسعود " لا يدخل الجنة من كان في قلبة مثقال ذرة من كبر فقال أحد القوم يا رسول الله إن أحدنا يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة فقال النبي : إن الله جميل يجب الجمال , الكبر بطر الحق وغمط الناس" فها أنت ترى حديث النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أن الكبر فيه هلاك للإنسان فالكبر بطر الحق أي رد الحق وغمط الناس أي تحقير الناس فالمتكبر تراه دائماً لا يحب أن يُجنّبه الصواب فيري أنه على حق ولا يريد أن يتنازل عن رأيه حتى وإن كان مخطئاً فلا يرد رأيه ولا يقبل الحق ودائماً ينظر إلى الناس بعين فتملؤها الحقاره أو أنهم أقل منهم أو أنه أفضل منهم ومن ظن أنه خير الناس فهو شرّهم والكبر دائماً لا يتأتي إلا بالعُجب بالنفس فترى المتكبر دائماً يُزكي نفسه وإذا ذهب إلى مكان يُثني على نفسه ويريد أن يُعرّف نفسه للجميع وفي هذا المقام يحضرني بيت قال فيه الشاعر :

أنا بن جلا وطلّاع الثنايا *** متي أضع العمامة تعرفوني

فهذا البيت يريد أن يوضح فيه قائله أن هناك أشخاص يريدون أن يُعرفوا إلى أي مكان يذهبون إليه فالكبر داء إذا أصاب إنسان كان من الصعب أن يتخلص عليه إلا باللجوء إلى الله عز وجل وبإذلال نفسه وإنكسار نفسه بين يدي الله عز وجل فالسلف الصالح كانوا أفضل الناس وأشدّ الناس عبادة لله عز وجل وقد قال أحداً منهم " جاهدت نفسي أربعين نفسي حتى إستقامت فبلغ أحدهم هذا القول فقال : طوبي له أوقد إستقامت , مازلت أجاهد نفسي أربعين سنة ولم تستقم بعد " فهؤلاء هم السلف الصالح وكل شخص سار على دربهم وإنتهج منهجهم تجده بهذه الخصال الرفيعة فكانوا يظنون الخير بالناس ويسيئون الظن بأنفسهم لأن النفس أمارة بالسوء فكيف أُزكي نفسي وأقول أنا وأنا وأنا مع أنّ الله عز وجل هو الذي وفقني إلى كل ذلك فمثلاً إذا كنت أنا على علم بأمور ديني ومتفقه في ديني فيجب أن أشكر الله عز وجل أنه إجتباني وهداني ووفقني إلى حسن طاعته وإلى التفقه في أمور الدين فيجب على من رزقه الله العلم النافع أن يشكر الله ويتواضع حتى يرفعه الله عز وجل ويُكثّر من علمه لكي يكون أداه نفع للناس وأحد السلف الصالح قال "من وضع ذنوبه نصب عينيه دخل الجنة ومن وضع نصب عينيه عمله الصالح دخل النار" وعندما سئل عن هذا قال أن الإنسان عندما يتذكر ذنوبه وأن الله عز وجل منّ عليه بالهداية ينكسر ويُذِلّ نفسه إلى الله عز وجل من أجل أن يغفر له هذه الذنوب أما الذي يضع عمله الصالح أمام عينيه يُعجب بنفسه ومن ثَم يُعرض عن الإنكسار وإذلال نفسه لله عز وجل ومن أعرض عن اللجوء إلى الله أعرض الله عنه فإن الله لا يرد من يدعوه أبداً حتي وإن كانت ذنوبه أمثال جبال الأرض والسموات السبع ولكن لابد للإنسان أن ينكسر دائماً لله عز وجل وأن يدرك بأن الإلتزام الذي هو فيه الان فهذا فضل الله يؤتيه من يشاء وأن نعمة الهداية فضل من الله عز وجل فقد قال الحسن البصري معاتباً لنفسه " تقولين أقوال الصالحين القانتين العابدين وتفعلىن أفعال الفاسقين المنافقين المرائين والله ما هذه من صفات المخلصين" فهل رأيت السلف الصالح رضوان الله عليهم مع تورّعهم وعبادتهم الذي ربما لم يصل إليها كثير من الناس في عصرنا هذا ولكن كانوا يحطون من شأن أنفسهم ويحقرونها لأن النفس دائماً تأمر الإنسان بالسوء فلابد للإنسان أن يُلجم نفسه بسلاسل الإيمان والخوف والقهر من الله عز وجل وأن يتذكر أنه لا شيئ بدون فضل الله عليه ولابد أن يؤثر الإنسان حب الأخرين عن حب النفس وأن يظل في إنكسار دائم فلا تدري بماذا يُختم الله لك ففي الصحيحين من حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتي ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتي ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها " هل رأيت ما قاله الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أنه قد يكون هناك شخص يعبد الله كثيراً ثم قبل موته بقليل يعمل ذنب أو معصية فيموت على ذلك ويُختم له على ذلك ويدخل النار وهذا دليل على عدم الإخلاص فلو كان مخلصاً ما كان جزاءه هذا وأيضاً قلوب العباد بين اصبع من أصابع الرحمن فقد تُعجب بعملك القليل الذي تظن أنه عظيم لأن النفس دائماً تري ما تفعله من الطاعة البسيطة عظيمة وتري ما تقترفه من الذنوب العظيمة صغيرة فقد تجد فجاة أن قلبك تحول من النقيض إلى النقيض لأنك لم تكن مخلص ومنكسر ومتذلل لله عز وجل كما أمرنا فتجد نفسك تُقبل على المعاصي وحدث لك فتور في الإيمان وهذا بسبب إعراضك عن الله عز وجل فلا تمدح نفسك ولا تمنّ بما تعمل لأنك مهما فعلت لن تؤدي شكر نعمة من نعم الله عليك ويجب عليك أن تتذكر أنك أشر الناس لو لم يعفوا الله عنك وقال عبد الله بن مسعود " لو أن للذنوب رائحة ما جالسني منكم أحد " فانظر معي إلى قول ابن مسعود الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم ترجمان القرآن يقول أن الذنوب لو كانت لها رائحة تفوح ويشمها البشر لما جالسه أحد أرأيت قول الصحابة وهم أطهر الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يزدرون أنفسهم ولا يعظمونها بل ويحتقرونها فعليك باللجوء إلى الله والإنكسار بين يديه وتربية النفس على عدم التزكية حتي لا يصيبها الكبر وقال الله تعالى في كتابه " فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى " [النجم:32] فكما تري قول الله عز وجل أنها نهي عن تزكية النفس لأنه أعلم بمن اتقي عمن دون ذلك فهو الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وعلى إثر هذا يجب أن تفتقر إلى الله دائماً ولا تُعجب بنفسك في يوم قط حتي لا تكون عرضة لأن يتسلل الكبر إلى قلبك بدون أن تدري وتذكر دائماً أنك عبد مثل أي عبد من عباد الله وأن النعم التي أنت غارق بها الان إنما هي فضل من الله عز وجل لا مهارة أو ذكاء وأسأل الله أن يمنّ علينا بالإفتقار إليه دوماً إنه على كل شيئ قدير وإن كنت قد وفقت فمن الله وحده وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان.
 

رسائل دعوية

  • رسائل دعوية
  • معا على طريق الجنة
  • الصفحة الرئيسية