صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







آداب المسلم في السوق

محمد سعيد المعضادي


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد :
فقد تعلمنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الأسواق هي من أبغض البِقاع إلى الله تعالى، قال صلى الله عليه وسلم : ((أحبُّ البلاد إلى الله مساجدها،وأبغضُ البلاد إلى الله أسواقُها ))
لذلك أردت في هذه الرسالة القصيرة التنبيه إلى أهم الآداب التي أمرنا الله ورسوله بها، وما يتعلق بالمعاملات التي تجري في السوق ، وما يمكن أن يفعله المسلم عند دخول الأسواق؛ كي لا نقع في المحظور ، ونربح تجارة لن تبور، ليوم العرض والنشور.
(قصص بين يدي الباعة)
عن مالك بن دينار قال : دخلت علي جار لي و قد نزل به الموت، وهو يقول : جبلين من نار جبلين من نار، قال قلت: ما تقول ؟ قال: يا أبا يحيى كان لي مكيالان كنت أكيل بأحدهما، وأكتال بالآخر، قال مالك بن دينار : فقمت فجعلت أضرب أحدهما بالآخر، فقال يا أبا يحيى كلما ضربت أحدهما بالآخر ازداد الأمر عظما وشدة، فمات في مرضه.
وقال بعضهم : دخلت على مريض قد نزل به الموت، فجعلت ألقنه الشهادة، ولسانه لا ينطق بها ؟ فلما أفاق قلت له: يا أخي ما لي ألقنك الشهادة و لسانك لا ينطق بها ؟ قال: يا أخي لسان الميزان على لساني يمنعني من النطق بها، فقلت له : بالله أكنت تزن ناقصا ؟ قال : لا والله ولكن ما كنت أقف مدة لأختبر صحة ميزاني، فهذا حال من لا يعتبر صحة ميزانه، فكيف حال من يزن ناقصا؟ ! إن الذي ينقص الكيل والوزن يعد مطففا ؛ لأنه لا يكاد يسرق إلا الشيء الطفيف، و ذلك ضرب من السرقة و الخيانة وأكل الحرام، ثم وعد الله من فعل ذلك بويل وهو واد في جهنم لو سيرت فيه جبال الدنيا لذابت من شدة حره، وقال نافع : كان ابن عمر رضي الله عنه يمر بالبائع فيقول : اتق الله وأوف الكيل و الوزن، فإن المطففين يوقفون حتى أن العرق ليلجمهم إلى أنصاف آذانهم، و كذا التاجر إذا شد يده في الذراع وقت البيع وأرخى وقت الشراء .

أهم آداب السوق

1. التعجيل بالخروج من الأسواق: اعلم أن الأسواق مكان قد نَصَبَ الشيطان عليها رايته، وميدان أطلق فيه زبانيته، فعجل بالخروج منها، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((لا تكوننَّ إن استطعت أوَّل من يدخل السُّوق، ولا آخر من يخرج منها، فإنَّها معركة الشيطان، وبها نَصَبَ رايته)) ففيها تكثر المعاصٍي والسيئات، وتقلَّ فيه الطاعات والحسنات، وفيها يكثر السهو واللهو، والغفلة واللغو، والتدليس والتلبيس، والكذب والزور، والتهتك والسفور، والفواحش والفجور.

2. تجارة رابحة في أبغض البقاع إلى الله : كي تحصل على مليون حسنة + إلغاء مليون سيئة، فقل كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من دخل سوقا من الأسواق فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة)) فكن من هؤلاء الذاكرين؛ كي تحظى بهذا الأجر العظيم.

3.اجتناب مرافقة النساء إلا لضرورة :لا تأخذ إحدى نساء بيتك معك إلا لحاجة لا بُدَّ منها تستدعي وجودها، فالأصل للمرأة أن تقعد في بيتها ، ولا تُكْثِر الخروج والدخول إلا بقدر معلوم؛ حتى لا تكون فتنةً لغيرها، مفتونة مِن سواها، فالذئاب البشرية التي تحوم في السوق تنتظر في لهفةٍ بالغةٍ تلك الفريسة الضائعة التي لا حامي لها؛ لتنهش لحمها بمخالبها المهلكة وأنيابها المردية .

4.إذا كان ولابد من مرافقة إحدى محارمك فألزمها بالحجاب الشرعي ، وكن ممن يقي نفسه وأهله من النار قال تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)) فالإثم كل الإثم لمن يضيع أهل بيته، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :((كفى بالمرء إثماً أن يضيِّع مَن يقوت)) ، ولا يكن قدوتك من الناس ذلك الذي خَبَت غيرته ، فتراه يمشي مع زوجته أو أخته وقد كشفت عن بعض جسدها كوجهها أو عينيها وما حولها، أو يديها أو قدميها وشيء من ساقيها في ملابس مخزية، فهي تتكلَّم مع الباعة في سذاجة باهتة، وتتبادل النظرات الخائنة والضحكات ، وذلك المَحرم لا يفعل ما يلزم للمحافظة عليها .

5.إيَّاك وهيشات الأسواق: لا تساير زوجتك أو أي من محارمك في شراء أمور لا حاجة لها وأنت غير مقتنع بها ، أو أنها غالية الثمن باهظة التكاليف، أو أنها تجلب عليك الضرر وتورد بيتك موارد الخطر . واعمل بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول: \"... وإيَّاكم وهيشات الأسواق\" أي :اختلاطها والمنازعة والخصومات وارتفاع الأصوات واللغط والفتن التي فيها .
. لتكن أنت من يشتري ويتداول مع الباعة وغيرهم ، فالقرار قرارك بعد المشاورة ،أما أن تعطي المرأة دورك فتسترجل عليك ، وتتحدث مع الغرباء ، وتضاحكهم وأنت أبكم لا تتكلم، وتتملقهم وأنت جامد خامد لا تتألم، فماذا بقي لك من صفات الرجولة ؟ وهل يستحق من هذا شأنه أن رجلاً ؟ وهل تعلم أن الكثير من الباعة يظن بالمرأة شرا من كلمة قالتها،أو ابتسامة ألقتها ، فيحاول أن يسيء إلى سمعتها، أو أن يحاول إقامة علاقة محرمة معها ؛ ليكون بعدها الجرح الذي لا يندمل .

7. إن كنت بائعا أو مشتريا : كفَّ بصرك عن النظر فيما حرم الله عليك، فلا تنظر إلى امرأة لا تحل لك، وراقب نظرك فإن الله يراقبك وينظر إليك، واستحِ منه، فإنه مطَّلع عليك ولا يخفى عليه شيء من شأنك ! والمراقبة: علم القلب بقرب الربِّ، وهو أقرب إليك من حبل الوريد، قال تعالى : ((قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)) ، وعن جرير بن عبدالله رضي الله عنه قال: سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة، فأمرني أن أصرف بصري ، وعن بريدة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه : ((يا علي، لا تتبع النظرة النظرة؛ فإن لك الأولى، وليست لك الثانية)) ..

8. من الأشياء التي يتهاون فيها الناس في الأسواق قضايا البيوع، يقول العلامة ابن عثيمين رحمه الله : اعلم أن البيع في الإسلام مبناه على شيئين: الصدق والبيان، أن يصدق الإنسان في معاملته، وأن يبين ما يجب أن يبين، قال النبي صلى الله عليه وسلم : (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو قال حتى يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما) . فمن الصور المحرمة: أ- الكذب في البيع: أن يقول: اشتريت السلعة بعشرة وقد اشتراها بثمانية، هذا كذب، ولماذا كذب؟ لماذا قال: بعشرة وهي بثمانية؟ لأجل أن يزيد الثمن، ومن الكذب أيضا أن يقول: هذه السلعة من النوع الفلاني الذي هو طيب وجيد ومتين، وهي من غيره، مثل أن يقول: هذه صناعة يابانية وهي صناعة غير يابانية، بل صناعة أردأ، فهذا أيضاً كذب، فهذا الذي يبيع على هذا الوجه يكون بيعه ممحوق البركة.
ب - كتمان العيوب: يوجد بعض الناس يبيع السلعة وهو يعرف أن فيها عيباً، ولكنه يكتمه، ثم يقول للمشتري مخادعاً له: أنا أبيع عليك هذا الهيكل سليماً أو معيباً -وهو يدري عن العيب- هل هذا ناصح أو غاش؟ بل هو غاش، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من غش فليس منّا)، ومن الناس من يخادع غيره، بأن يوكله أن يشتري له سلعة يقول: يا فلان اشتر لي الكتاب الفلاني -مثلاً- فيذهب هذا الوكيل ويشتريه لنفسه، ثم يبيعه على من وكله بربح، يشتري الكتاب بعشرة، ثم يبيعه على موكله باثني عشر مثلاً، هذا حرام، إنما هو وكيل اشتراه للموكل، فكيف يخدعه ويشتريه لنفسه، ثم يبيع عليه بربح؟ هذا لا شك أنه غش، ولا أحد يعلم عنه إلا يذمه ويقول: هذا خداع وكذب. إذاً ماذا يصنع هذا الوكيل إذا كان يريد أن يشتغل بأجرة؟ نقول: يتفق مع الموكل ويقول: أنا اشتري لك السلعة الفلانية لكن لي عشرة في المائة مثلاً، وما أشبه ذلك، أما أن يخدعه ويوكله الرجل ثم يشتري السلعة لنفسه ثم يبيعها على هذا بربح، فهذا عين الظلم وعين الغش . ومن الغش المحرم أيضا خلط الجيد بالرديء في جميع أنواع البيوع كالفاكهة ، واللحوم ، والخضراوات وغيرها .

وأخيرا أخي المسلم: فكر في نفسك، ففي العام الماضي كان معك إخوة أصبحوا الآن في قبورهم مرتهنين، لا يملك الواحد منهم أن يزيل سيئة من سيئاته، ولا أن يكتسب حسنة فوق حسناته، وما أصابهم فسوف يصيبك، تعداك الموت إليهم، وسيتعدى غيرك إليك، حاسب نفسك، أنقذ نفسك قبل ألا تستطيع، فما من ميت يموت إلا ندم، إن كان محسناً ندم ألا يكون ازداد خيرا، وإن كان مسيئاً ندم ألا يكون قد فعل شرا. أنقذ نفسك ما دمت في زمن الإمهال، كل شيء بيديك الآن، إن كنت ظالماً لأحد تستطيع أن تستحله من مظلمته أو تردها عليه، إن كنت مسرفاً على نفسك في ما بينك وبين ربك يمكنك أن تنقذ نفسك من هذا الإسراف فحاسب نفسك .
أسأل الله أن يجعلني وإياكم من الهداة المهتدين، الصالحين المصلحين، وأن يحسن لنا ولكم العاقبة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

رسائل دعوية

  • رسائل دعوية
  • معا على طريق الجنة
  • الصفحة الرئيسية