اطبع هذه الصفحة


*الإخلاص ليس مستحيلاً!*

د.عمر بن عبدالعزيز السعيد
أستاذ الفقه المشارك بكلية الشريعة بالأحساء


بسم الله الرحمن الرحيم


حضرت خطبة جمعة ﻷحد المشايخ الفضلاء تكلم فيها عن اﻹخلاص لله تعالى في العبادات واﻷعمال.
وأنعم بالموضوع، وأكرم بالخطيب والخطبة.

لكنه استرسل في ذكر آثارٍ عن السلف التي تبين أن اﻹخلاص صعب مناله عزيز حصوله!
وذكر صورًا من التصرفات التي يظهر فيها العمل أمام الآخرين، مما ينافي اﻹخلاص كما ذكر!!
وبالغ في ذلك، حتى خرجت من الخطبة وأنا أنفض يدي من بلوغ اﻹخلاص!
وشعرت بأن الإخلاص تكليف بما لا يطاق! ولو كلفت بنحت جبل لكان أهون علي من إخلاص في عمل! وقلت: بيني وبين اﻹخلاص بعد المشرقين!
ولعلك تظن أني أبالغ، لكن هذا ما استفدته من الخطبة!

إن هذا الطرح عن اﻹخلاص نتج عنه سلبيات كثيرة منها:
امتناع بعضنا عن العمل الصالح بحجة الرياء فسمعت من يمتنع عن قراءة القرآن في المسجد؛ ﻷن قراءته فيه نوع من الرياء!! فلا أدري كيف تعمر المساجد حينئذ!!

وهناك من يمتنع عن المشاركة في اختبار حفظ القرآن الكريم خوفًا من الرياء!!
وهناك من يأبى أن يفتح درسًا علميًا خوفًا من الرياء!!
وهناك من لا يريد أن يشارك في الإعلام النافع؛ خوفًا من الرياء!!

والذي يظهر لي أن الطرح يجب أن يكون وسطا ومعتدلا، فاﻹخلاص شرط قبول اﻷعمال وهو ليس باليسير ولكنه ليس بمستحيل، ويحتاج إلى جهد ومجاهدة وصبر ومصابرة، ولا يحتاج إلى التنظير المبالغ فيه بقدر ما يحتاج إلى التطبيق.

*وبين يديك معالم في طريق الإخلاص:*

* اﻹخلاص سر بين العبد وربه، ولا يجوز الحكم على اﻵخرين بالرياء فلنا الظاهر والله يتولى السرائر.

* فعل العبادة دليل اصطفاء الله تعالى لعبده واختياره قال تعالى :﴿وَرَبُّكَ يَخلُقُ ما يَشاءُ وَيَختارُ﴾[القصص: ٦٨]
والعكس بالعكس.، ولذا كان بعض السلف إذا تكاسل عن قيام الليل أو غيره من الطاعة قرأ قوله تعالى :﴿وَلكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعاثَهُم فَثَبَّطَهُم وَقيلَ اقعُدوا مَعَ القاعِدينَ﴾[التوبة: ٤٦]
فيتربى المسلم على المبادرة للعمل الصالح ويقبل عليه، ويحذر كل الحذر من تركه بدعوى عدم اﻹخلاص! .

* إظهار العبادة لا ينافي اﻹخلاص قال تعالى: ﴿إِن تُبدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمّا هِيَ وَإِن تُخفوها وَتُؤتوهَا الفُقَراءَ فَهُوَ خَيرٌ لَكُم وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِن سَيِّئَاتِكُم وَاللَّهُ بِما تَعمَلونَ خَبيرٌ﴾ [البقرة: ٢٧١]
وأتذكر أني التقيت بأحد المشايخ الصالحين فأحببت أن أكرمه بما تيسر من زاد وقهوة فقال: إني صائم، بكل وضوح، فوالله لقد أثر في نفسي صيامه ولعل هذا دليل صدقه.

* حصول المنافع الدنيوية لا تتعارض مع اﻹخلاص في العبادة؛ فقد قال الله تعالى : ﴿لَيسَ عَلَيكُم جُناحٌ أَن تَبتَغوا فَضلًا مِن رَبِّكُم فَإِذا أَفَضتُم مِن عَرَفاتٍ فَاذكُرُوا اللَّهَ عِندَ المَشعَرِ الحَرامِ وَاذكُروهُ كَما هَداكُم وَإِن كُنتُم مِن قَبلِهِ لَمِنَ الضّالّينَ﴾
[البقرة: ١٩٨] قال المفسرون: ليس عليكم إثم أن تطلبوا الرزق الحلال بالتجارة وغيرها في أثناء الحج.
وقال سبحانه:﴿لَهُمُ البُشرى فِي الحَياةِ الدُّنيا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبديلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظيمُ﴾ [يونس: ٦٤]
لهم البشارة من ربهم في الدنيا بما يسرهم برؤيا صالحة أو ثناء الناس عليهم.
وجاء في الحديث عن أبي ذر ؛ أنه قال : يا رسول الله ، الرجل يعمل العمل فيحمده الناس عليه ، ويثنون عليه به ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تلك عاجل بشرى المؤمن " رواه مسلم.

* وينبغي أن يكون للمسلم خبيئة عمل لا يطلع عليه إلا الله تعالى، كصدقة، وقيام، وإحسان، وإغاثة، وجاء في الحديث: "ورجلا ذكر الله خاليا ففاضت عيناه"

* الاستمرار على العمل الصالح دليل اﻹخلاص والقبول بإذن الله تعالى، فالمرائي نفسه قصير ، فمن وفقه الله تعالى للجلوس في المسجد لقراءة القرآن أو تعليمه أو تدريس العلوم النافعة وغير ذلك سنين عديدة فيُرجى أن يكون هذا دليل صدقه وإخلاصه.

* على المسلم أن يلح على الله تعالى في دعائه بأن يُوفق للإخلاص.

وأختم بهذا الدعاء: (اللهم اجعل أعمالنا كلها صالحة، ولوجهك خالصة، ولا تجعل لغيرك فيها شيئا، ولا تجعل لشياطين الجن واﻹنس علينا سبيلاً).


 

رسائل دعوية

  • رسائل دعوية
  • معا على طريق الجنة
  • الصفحة الرئيسية