اطبع هذه الصفحة


المتلذذون في صلاتهم

عادل المحلاوي
 @adelalmhlawi


بسم الله الرحمن الرحيم
 

الحمد لله الذي شرع لنا عبادة الأوابين ، والصلاة والسلام على من كان حاضر القلب في صلاته ، متلذذاً في منجاته .

@ مستقرٌ في نفس كل مسلم ومسلمة أنّ الصلاة هي من أعظم الطاعات وأجلّ القربات وأنّها طاعة لها ثمارها التي لا تُحصى ؛ فهي خير طاعةٍ لصاحبها ، وأعظم حسنةً يدّخرها ، ولكن يبقى التقصير الظاهر فيها من نواحٍ عدة إمّا من عدم المحافظة عليها بالكليّة ، أو من ناحية عدم تأديتها كما أمر الله تعالى وبالتالي عدم الشعور بحلاوتها وضعف أثرها على المصلي .
ولعلي أن أتناول في هذه الأسطر الجانب الثاني - وهو عدم تأديتها على الوجه الأكمل - وسأطرح هنا مايعيننت -إن شاء الله تعالى - على وجدان حلاوة الصلاة وبالتالي الظفر بآثارها وفوائدها .

@ من أهم الأمور التي تعين المرء على الفوز بحقيقة الصلاة وجعلها قرة عين له في الدنيا ( إنزال الصلاة منزلتها اللائقة بها ومعرفة قدرها الكبير )

@ أخي المصلي أختي المصلية 

انظرا إلى الصلاة إلى أنّها فرضٌ جليل لن تتقرب إلى الله بأفضل منه ، وأنها رحمةٌ من الله وهبةٌ وعطيةٌ لا تساويها كنوز الدنيا ، فالله فرضها لا لنجد من ورائها العنت والمشقة بل هي طاعة سيجني ثمارها صاحبها في الدنيا ، وأمّا الإخرة فيكفي صاحبها الخاشع أنه يبلغ فردوس ربه الأعلى فيا لله كم في تلك المنازل من حياة طيبة للمصلين .
@ الصلاة - أيها المصلي - قد جمعت عبوديات كثيرة - هي من أعظم العبوديات فقد جمعت عبادة الذل والخضوع بين يدي الملك العلّام ، وجمعت الأدب الظاهر للمصلي في نظره وسكون جوارحه ، وجمعت أعظم العبادات القولية من تلاوة الآيات والأذكار المتنوعة الجامعة للتعظيم والتسبيح والتنزيه والذكر والإجلال للمولى عز في علاه .
@ الصلاة جمعت عبادة الدعاء بنوعية - دعاء العبادة ودعاء المسألة - فبدعاء العبادة ينال المرء شرف العبودية لله وبدعاء المسألة تتحقق المقاصد وتُقضى الحاجات .
( تُنال اللذة بالصلاة عند استحضار هذه المعاني وأنّها عبادة لا كالعبادات ، وموقف لا كالمواقف ، ولحظات مباركات لا تدانيها لحظات في حياة المرء )

@ أيها المصلي
 
إذا عزمت على صلاتك وقمت تتطهر أيقن أنّك ستقف موقفاً عظيماً جليلاً مهيباً رضيه الله لعباده ففرضه خمس مرات في اليوم والليلة .
الصلاة جعلها الله في كل الشرائع التي أنزلها ، وجعلها عبادة الأنبياء وأممهم قبل هذه الأمّة فقال لموسى عليه السلام : " وأقم الصلاة لذكري "
وقال قوم شعيب لشعيب : " أصلاتك تأمرك .." فالصلاة عظيمة القدر في كل الأمم .

@ متى تُتقن صلاتك ؟

@ تُتقن صلاتك - ياعبد الله - متى مااستحضرت قيمة الصلاة وعظمتها ومنزلتها وآثارها ، إذاسعيت لها جاهداً لإتقانها ، وأقبلت عليها فرحاً مسروراً معظمّاً لها ولمن شرعها .
@ تُتقن صلاتك متى ماعرفت فضلها وثوابها وأنّه قد جاء فيها من النصوص مالا يُحصى من الفضل ؛ عندها تُقبل عليها وتؤديها بصدر منشرح ، ونفسٍ طيبة ، وسعادة غامرة .
@ الصلاة التي يريدها الله منّا هي صلاة حاضر القلب ، خاشع الفؤاد والجوارح ، صلاة المؤمن المحب لها ، العارف بمنزلتها عند الله ، المسارع لها .

@ ومن أعظم مايعين على هذا :

التأدّب عند القيام لها لأنك ستقف بين يدي مالك الملك وخالق الأكوان العليم الكبير المتعال ووالله إنّه لشرف عظيم لو استحضرناه ، وعز منيف لو علمنا حقيقته .
@ فإذا كبّرت فاستحضر كبريائه وعظمته وأنّ العالم العلوي والسفلي كله تحت أمره وسلطانه وأنّ خلجات النفس لا ينبغي أن تُسيطر على المصلي الحق مادام قد وقف هذا الموقف الجلل .

@ وممّا يعين على التلذذ بالصلاة وإتقانها - وهو أمرٌ مهم جداً - :
التمهل في أدائها وقراء أذكارها وآيات القرآن فيها  ، استحضار هيئات الصلاة ومافيها من آداب وجمال .
وأنت واقف في صلاتك استحضر أدبك بين يدي الله خاشعاً خاضعاً ، السكون قد عمّ جوارحك ، والأدب قد سكن فؤادك ، والذل قد امتلأ به بصرك وسمعك .

@ فإذا قرأت دعاء الإستفتاح وسورة الفاتحة والآي بعدها فاقرأها بحضور قلبٍ وتأمّل نفس متفكراً بكل دعاء ، ومتأمّلاً في كل آية - لا تستعجل في القراءة ، ولا تُسرع في التلاوة - بل تمهّل وتدبر وقفْ مع كل آية وأجزم أنك إن فعلت ذلك وجدت لها لذة وأنساً وسعادة ، لا يكن همّك آخر السورة فقراءة آيات قليلة مع التفكّر وحضور القلب خير من قراءة سورة كاملة طويلة بلا تفكّر وتأمّل لأن الغاية هي صلاح القلب وهذا يحصل مع التأمّل والتدبر للأيات .

@ فإذا ركعت فاستحضر هذه الهيئة العظيمة التي تُنبي عن تعظيمك لمن ركعت له ، وهيئة الركوع فيها من اللذة مايجعل المرء يستشعر معها عظمت الله تعالى - حتى أنّ بعض السلف ربما كان يجعل قيامه في بعض الليالي أطول مايكون في صلاته - فاستحضر عظمته وأنت تقول : "سبحان ربي العظيم " .
واستحضر كبريائه وأنت تردد : " سبوح قدوس رب الملآئكة والروح " .
واستحضر قدرته وأنت تقول : " اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت ، خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظامي وعصبي "

@ فإذا مارفعت داعياً " سمع الله لمن حمده "
تعرّف أولاً على معنى سمع الله وأنّ معناها : استجاب الله لمن حمده ودعاه فاستحضر حاجتك لقبول دعائك وإثابتك على طاعتك فالسماع هنا - سماع إجابة ترجوها من ربك - .

@ فإذا أهويت لسجودك وقد خضع الجسد كله ، ولصق وجهك في الأرض اعترافا بحق المولى واستجابةً لأمره .
وإنّ الساجد الحق - الحاضر القلب - ليجد في هذا الذل 
والخضوع من اللذة والأنس ولذيذ المناجات مايود أن لا يرفع رأسه كيف وهو يوقن أنّ بهذا السجود الرفعة ،  وبهذا الخضوع العلو .
وتذكّر أن سجودك من أعظم مواضع الإجابة فاجتهد تدعو بقلب حاضر ويقين قد ملء النفس وأنزل السكينة .
وتأمّل في هذه الشرع المطهر :
ينزل المرء لأدنى مستوى ويضع أشرف شيء مافيه على الأرض عند ربه فيرتفع شأنه وتعلو روحه ويسمو قدره بسبب هذا السجود .
@ ويالله كم دعوات قد استجيبت لساجدين قبل أن يرفعوا رؤوسهم من الأرض ، ويا لله كم من كربات وهموم فُرجت قبل أن يستتموا قائمين @

@ فإذا جلست تدعوا بين السجدتين فاجلس جلست المتأدب مع ربه ، المستكين لمولاه ، واستحضر حاجتك للمغفرة والرزق والرحمة وأن تدعو بها في هذا الركن " رب اغفر لي وارحمني وارزقني واهدني وسددني واجبرني "

@ فإذا جلست في التشهد الأخير أيقن أن الله قد جمع لك في هذا الركن دعوات كريمات ، وعلمك ثناء عطراً عليه ، واعترافاً له بالتوحيد ، وصلاة على نبيه عليه الصلاة والسلام وأنّ دعائك هنا من مواطن الإجابة فأحضر قلبك واضطرارك وفضل الله عليك بالتوفيق . 
فما أعظم أركان الصلاة !
وما أعلى قدرها !
فتلذذ بصلاتك واستحضر فضلها وجمالها وأثرها .
اللهم اجعلنا من عبادك الصالحين وارزقنا صلاة الأوابين واجعل مآلنا في جنات فردوس الخاشعين .


كتبه / عادل بن عبدالعزيز المحلاوي
ليلة الثالث والعشرين من شهر شول لعام ألف وأربعمئة وثمان وثلاثين .

 

رسائل دعوية

  • رسائل دعوية
  • معا على طريق الجنة
  • الصفحة الرئيسية