اطبع هذه الصفحة


الله يصلح عملك!

حسن بن علي بن أحمد الهلالي


بسم الله الرحمن الرحيم
 


الحمد لله، و صلى الله عليه وسلم  على نبينا محمد؛ وبعد:
 في لحظةٍ من الصفاء؛ وبعد أن بلغتُ السبعين من سورة الأحزاب: قوله عز وجل:  ﴿ يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا 70 يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً 71﴾.

(يصلح لكم أعمالكم)؛ يا الله! كم سمعتُها كثيرا من محبّ الفاضل على وجه الدعاء؟!.. جملةٌ  يدعو لي بها أحد الأحبة كلما قابلني أو ودعني، هاتفيا أو مباشرة، وأخذَت تلتصق بذكره في مخيلتي كثيرا، فلا أكاد  أسمعها إلا ذكرته[1]...واليوم؛ طرقَت سمعي، وغشيت جلالتها بصري، من خلال هذه الآية، وقفت عندها مليّا، وساح التفكير، واستعذبت تلك الدعوة الطيبة من ذلك المحب...(الله يصلح عملك!). آمين.
يا الله! حقيقة أنها دعوةٌ عظيمةٌ؛ لايقدرُ قدرها إلا المتأملُ في معناها، حيث إن أصلح الله عملك؛ قبِلهٌ[2]،ورفعه[3]، ومكّن لك في أرضه، واستخلفك، وآمنك مما تخاف[4]، وأحياك حياة طيبة[5]، وبدّل سيئاتك حسنات[6]، وغفر لك، وآجرك بعظيم الأجر[7]، وزادك من فضله[8]، ورزقك رزقا كريما[9]، ورزقك الهداية[10]، وأدخلك في الصالحين[11]...
                                                                                                                   
 (الله يصلح عملك!).. صلاحُ العمل هو صلاح النية[12]، هو بركة العمر[13]، ولزوم الاستقامة، والمداومة على الخير، والمنافسة في الطاعة[14]، والحفظ للوقت[15]...
 
صلاح العمل هو أن يوفقك للعلم النافع[16]، هو أن يؤتيك في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، ويقيك عذاب النار[17]، هو أن يجنبك الفتن والمحن والبلايا والرزايا[18]، هو أن يجعلك سليم الصدر على إخوانك، لين الجانب لهم، متواضعا حليما[19]، دالاَّ على الخير ممتثلا له، ناهيا عن الشر مجتنبا له، نائيا بنفسه عن الجدال[20]، وسيء المقال، وإضاعة المال، مقبلا على مايصلح نفسه، ويعالج معائبه، ويعمر آخرته، ويرفع إيمانه، ويقربه لمولاه[21].

إذا صلح عملك تولاك الله[22] ؛ فلا تسأل بعد ذلك عما يصلح للمرء من الخير في العاجل والآجل.
 ومن أصلح الله له عمله كتب له الخيرية في هذه الأمة[23]، وأحسن له الخاتمة[24]...
 
 
(الله يصلح عملك!) دعوةٌ عظيمةٌ، نافعةٌ جامعةٌ، قل لفظها، وعظم معناها...
 
اللهم أصلح أعمالنا قبل الفوات!![25]
 
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لنا دِيننا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرنا، وَأَصْلِحْ لنا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشنا، وَأَصْلِحْ لنا آخِرَتنا الَّتِي فِيهَا مَعَادنا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لنا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لنا مِنْ كُلِّ شَرٍّ[26]!! اللهم استجب!!...
 
والحمد لله رب العالمين...
 


كتبه:  حسن بن علي بن أحمد الهلالي.
محايل عسيرـ بحر أبو سكينة
الجمعة  17/8 /1441هـ         


---------------------------------------
* وأصله في الذكر الحكيم قوله عز وجل:﴿ قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ﴾ نزلت في أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ حيث كان يدعو بها، قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ في قوله: ﴿وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ﴾ وأجابه الله، فأعتق تسعةً من المؤمنين، يعذبون في الله، ولم يرد شيئا من الخير إلا أعانه الله عليه.  والموضع الآخر  الذي فيه الدعاء بالعمل الصالح هو قول سليمان عز وجل ـ الذي حكاه الله عنه في سورة النمل ــ : ﴿ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴾
انظر: (تفسير البغوي) للآية، هذان الموضعان ورد فيها ذكر الدعاء بالعمل الصالح، وأما ذكر العمل الصالح نفسه في الكتاب والسنة فكثيرٌ وفير..، وفي السنة من حديث أنس بسند صحيح عند النسائي وغيره:[اللهم أصلح لي شأني كله...]، وكان  صلى الله عليه وسلم  يستعيذ بالله من سيئات الأعمال، كما في خطبة الحاجة. انظر (سنن ابن ماجة من حديث ابن مسعود رضي الله عنه 206)، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي...)، وكان من دعائه عليه الصلاة والسلام:( وتصلح لي أمري) انظر:(الحاكم1/520)، وعلمرضي الله عنه معاذا:(اللهم أعني على ذكرك وشكرك، وحسن عبادتك)، وقد سأل  صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل خير العمل(الحاكم1/520).
 
[1] هو أحد الدعاة الأخيار ـ أثابه الله الجنة ـ كنت سأورد اسمه لولا خشية عتابه وعدم رضاه بذلك، كتب الله أن أتعرف عليه عرضًا بعد كلمة ألقاها في جولة دعوية له قبل سنوات في محافظة محايل عسير وكانت تلك الكلمة بعنوان: [وقفات مع قصة نبي الله يونس عز وجل ـ  ] في إحدى مساجد المحافظة، فقابلته إثرها وأخبرته بمحبتي له في الله، ودعوته معي للبيت تلك الليلة فاعتذرني بارتباطه وأخبرني أنه قادم من خارج المنطقة لجولة دعوية ووعدني بالزيارة ، ثم قدر الله أن يرتب له المكتب بالمحافظة كلمات ومحاضرات ودروس علمية فيما بعد، وكنت كلما ألححت عليه بالزيارة، أو عاتبته على طول الهجر أخذ يضحك ويعدُني ويقول:( الله يصلح عملك !)، عرفته بخلقه الرفيع، ومعاملته اللطيفة، أسأل الله لنا وله دوام الاستقامة على أوامره I! .
[2]قال الله  عز وجل: ﴿ قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ المسلمين14 أُولَئِكَ الَّذِينَ نتَقَبَّلُ عَنْهم أحْسَنُ ما عَمِلُوا ونتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ...﴾ الأحقاف[15].
[3] قال الله  عز وجل: ﴿ والعمل الصالح يرفعه... ﴾ فاطر:[10]. قال مُجاهدٌ- رحمه الله -: العملُ الصالحُ يرفعُ الكلمَ الطيب. وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: الكلمُ الطيبُ هو ذِكرُ اللهِ، والعملُ الصالحُ هو أداءُ فرائضَ اللهِ، فمن ذَكرَ الله ولم يُؤدِّ فرائضهُ ردَّ كلامه. وقال الفراء: معناهُ أنَّ العملَ الصالحُ يرفعُ الكلام الطيب، فاللهُ - تعالى -لا يتقبلُ الكلمَ الطيب إلاَّ إذا كانَ معهُ عملٌ صالح، انظر:(فتح الباري 13/416).
[4] قال الله  عز وجل: ﴿وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا﴾ النور[55]. 
[5] قال الله  عز وجل: ﴿من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون﴾ الفرقان[70].
[6]قال الله  عز وجل: ﴿ إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ الفرقان[70].
[7]قال الله  عز وجل: ﴿وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرةٌ وأجر عظيم﴾ المائدة[9]. 
[8]قال الله  عز وجل:  ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ...﴾ النساء [173].
[9] قال الله  عز وجل:  ﴿ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ الحج[50].
[10] قال الله  عز وجل:  ﴿ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم...﴾ يونس [9].    
[11] قال الله  عز وجل:  ﴿  والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين ﴾ العنكبوت[9].
[12] وأصله من السنة حديث النية في الصحيحين. قال الإمام النووي - رحمه الله - : " النية معيار الأعمال لتصحيحها، فإن كانت صالحة صلحت الأعمال، وإن كانت فاسدة فسدت الأعمال".
[13] قال الشيخ العثيمين - رحمه الله - : "فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن بعض الأعمال الصالحة سبب لطول العمر، وذلك مثل صلة الرحم؛ قال النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ: ( من أحبَّ أن يُبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمَه)، وصلة الرحم من أسباب طول العمر، فإذا كان خير الناس من طال عمره وحسن عمله؛ فإنه ينبغي للإنسان أن يسأل الله دائمًا أن يجعله ممن طال عمره وحسن عمله، من أجل أن يكون من خير الناس". انظر: (شرح رياض الصالحين 2/ 106  ـ 108).
[14] قال الله  عز وجل: ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُون﴾ المطففين [26] قال الحسن البصري - رحمه الله  - :" إذا رأيتَ الناسَ في خيرٍ فنافِسْهم فيه".
[15] قال ابن مسعود - رضي الله عنه ـ: ما ندِمتُ على شيءٍ ندَمي على يومٍ غرَبَت شمسُه نقصَ فيه أجلي ولم يزدَدْ فيه عملي ."وقال الحسنُ البصريُّ - رحمه الله - : أدركتُ أقوامًا كانوا على أوقاتهم أشدَّ منكم حرصًا على دراهِمِكم ودنانيرِكم".
[16] في الصحيحين: "مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ".
[17] عن أنس - رضي الله عنه - قال: كان أكثر دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: ( اللهم آتِنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقِنا عذاب النار)؛ متفق عليه. يقول الشيخ السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسيره: "الحسنات المطلوبة في الدنيا، يدخل فيها كل ما يَحسُن وقوعه عند العبد؛ من رزق هنيءٍ واسع حلا‌لٍ، وزوجة صالحة، وولدٍ تقَرُّ به العين، وراحة، وعلمٍ نافع، وعمل صالح، ونحو ذلك من المطالب المحبوبة والمباحة. وحسنة الآ‌خرة هي: السلامة من العقوبات في القبر والموقف والنار، وحصول رضا الله، والفوز بالنعيم المُقيم، والقرب من الرب الرحيم.
[18] عند أبي دواد بسند صحيح من حديث المقداد بن الأسود  ـ رضي الله عنه ـ :( إنَّ السَّعيدَ لمن جُنِّبَ الفتنَ، إنَّ السَّعيدَ لمن جُنِّبَ الفتنَ، إنَّ السَّعيدَ لمن جُنِّبَ الفتنَ..).
[19]  ولما سئل  صلى الله عليه وسلم  عن أفضل الناس؟ أجاب: (كل مخموم القلب، صدوق اللسان)، قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: (هو التقي النقي، لا إثم فيه، ولا بغي، ولا غل، ولا حسد). انظر [سنن ابن ماجة:4216].
[20] قال معروف الكرخي ـ رحمه الله ـ : " إذا أراد الله بعبد خيرا فتح له باب العمل، وأغلق عليه باب الجدل...". انظر شعب الإيمان للبيهقي [2/295].
[21] وعند مسلم في الصحيح: (احرص على ما ينفعك).
[22] قال الله  عز وجل:﴿ ... وهو يتولى الصالحين ﴾. الأعراف[196]. قال الشيخ السعدي ـ رحمه الله ـ: الذين صلحت نياتهم وأعمالهم كما قال تعالى: ﴿ الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور ﴾. فالمؤمنون الصالحون لما تولوا ربهم بالإيمان والتقوى، ولم يتولوا غيره مما لا ينفع ولا يضر؛ تولاهم الله ولطف بهم وأعانهم، على مافيه المصلحة في دينهم، ودفع عنهم بإيمانهم كل مكروه، كما قال تعالى: ﴿إن الله يدافع عن الذين آمنوا ﴾.
[23] قال الله  عز وجل: ﴿ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية﴾. البينة:[7].
[24] صح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( إذا أراد الله بعبده خيراً استعمله) قالوا: كيف يستعمله؟ قال: ( يوفقه لعمل صالح قبل موته ) رواه الإمام أحمد (11625) والترمذي (2142) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة 1334.
[25] قال الله  عز وجل ـ حاكيا حال المفرطين في العمل الصالح في الدنيا إذا جاءهم الموت ـ : ﴿حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت...﴾ فاطر [37]، وقال عن حالهم في النار: ﴿وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ .. ﴾ المؤمنون:[99].
[26] أخرجه مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التعوذ من شر ما عمل، ومن شر ما لم يعمل، برقم [2720 ].

 

رسائل دعوية

  • رسائل دعوية
  • معا على طريق الجنة
  • الصفحة الرئيسية