أخي المسلم :
انك في هذه الحياة الدنيا من حين استقرت قدمك على الأرض وأنت مسافر إلي الله عز
وجل ، مسافر إلى الدار الآخرة ، وان مدة سفرك هي عمرك الذي كتبه الله عز وجل لك
، والأيام والليالي مراحل هذا السفر ، فكل يوم وليلة مرحلة من هذه المراحل ،
فلا تزال تطويها مرحلة بعد مرحلة حتى ينتهي السفر .
قـطعت شهور العمر لـهوا وغـفلة = ولم تحترم فيمـا أتيت المحـــرّما
فلا رجــب وافـيت فـيه بـــــحقه = ولا صمت شهر الصوم صوما متمما
ولا في ليالي عشر ذي الحجة الذي = مضى كنت قـواما ولا كنت محرما
فهل لك أن تمحي الذنوب بـعـبرة = وتبكـي عـليها حســرة وتندمــــا
وتسـتقبل العـام الجديـد بتوبـــة = لعـلك أن تمحـوا بـها ما تقد مـــا
أخي المسافر :
قبل أيام قلائل انتهى عامك الهجري المنصرم ، وطوى سجله وختم عمله ، و ها أنت
على باب عام جديد الله اعلم بحالك فيه ، فهنيئا لمن احسن فيما مضى واستقام وويل
لمن أساء وارتكب الإجرام .
سؤال مسافر :
أخي المسافر :
تعال معي لنسأل أنفسنا عن هذا العام كيف قضيناه ؟ ولنفتش كتاب أعمالنا كيف
أمليناه ؟ لنراجع أعمالنا في تصديق إيماننا بالله تعالى ، لننظر في إقامة
صلاتنا ، لنتدبر في فرائض الله تعالى علينا كيف قمنا بها وهل أديناها حق
الأداء ؟ لنتدبر فيما نهى الله عز وجل عنه ، وحذر عباده من التجرؤ عليه ، هل
ابتعدنا عنه و اجتنبناه ؟ لننظر في حق الله تعالى علينا هل أديناه ؟لننظر في
حق العباد هل وافيناه ؟ فان كان خيرا فالحمد لله على نعمه ، وان كان غير ذلك
تبنا إلى الله واستغفرناه .
كم يتمنى المرء تمام شهره وهو يعلم أن ذلك ينقص من عمره .. كيف يفرح بالدنيا من
يومه يهدم شهره .. وشهره يهدم سنته .. وسنته تهدم عمره ..كيف يفرح من يقوده
عمره إلى اجله .. وتقوده حياته إلي موته ؟
وما هذه الأيام إلا مراحــل يحث بها داع إلي الموت قاصد
واعجب شيء لو تأملت أننا منـازل تطوى والمسافـر قاعـد
في النفس والكون آيات
أخي المسافر :
انظر حولك إلى هذه الشمس ، كل يوم تطلع من مشرقها وتغرب من مغربها ففي طلوعها
وغروبها إيذان بان هذه الحياة ليست دائمة ، وإنما هي طلوع ثم غروب ، انظر إلى
هذه الشهور كيف تهل فينا بأهلة صغيرة كما يولد الطفل، ثم تنموا رويدا رويدا ،
كما تنمو الجسام حتى إذا تكامل نموها أخذت بالنقص والاضمحلال . وهكذا عمر
الإنسان ، فاعتبروا يا ا ولى الأبصار ، انظر إلى هذه الأعوام تتجدد عاما بعد
عام ، فإذا دخل العام الجديد نظرت إلى آخره نظرة البعيد ، ثم تمر الأيام
والليالي سراعا ، فينصرم العام كلمح البصر ، فإذا أنت في آخر العام . وهكذا
عمرك يا أخي تتطلع إلي آخره تطلع البعيد ، فإذا بك قد هجم عليك الموت ( وجاءت
سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد )ربما يؤمل الإنسان بطول العمر، ويتسلى
بحبل الأماني ، فإذا بحبل الأماني قد انصرم ، وببناء الأماني قد انهدم .
عبارات وعبرات
أخي المسافر :
استمع إلى كلام رسولك صلى الله عليه وسلم
وهو يبين لك حقيقتك في هذه الحياة ، وأهمية الاستعداد ليوم المعاد ، فعن ابن
عمر رضي الله عنه قال : اخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال : ( كن
في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ) ...وكان ابن عمر يقول : ( إذا أمسيت فلا
تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء ، وخذ من صحتك لمرضك ، ومن حياتك
لموتك ) رواه البخاري .
قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه إنكم تغدون وتروحون إلى اجل قد غيب عنكم علمه
، فان استطعتم ألا يمضي هذا الأجل إلا وانتم في عمل صالح فافعلوا )
وقال عمر رضي الله عنه ( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن
توزن لكم ، وتأهبوا للعرض الأكبر على الله ( يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية )
وقال الحسن البصري رحمه الله
ابن آدم إنما أنت بين مطيتين يوضعانك ، يوضعك
النهار إلى الليل و الليل إلى النهار ، حتى يسلمانك إلى الآخرة ، فمن اعظم منك
يا ابن آدم خطرا ؟)
قال داود الطائي ( إنما الليل والنهار مراحل ينزلها الناس مرحلة مرحلة حتى
ينتهي ذلك بهم إلى آخر سفرهم ، فان استطعت أن تقدم في كل مرحلة زاد لما بين
يديها فافعل ، فان انقطاع السفر عن قريب ، والأمر اعجل من ذلك )
وقال بعضهم ( لم يزل الليل و النهار سريعين في نقص الأعمار ، وتقريب الآجال ،
هيهات قد صحبا نوحا وعادا وثمودا و قرونا بين ذلك كثيرا ، فاصبحوا قدموا على
ربهم ، و وردوا على أعمالهم ، واصبح الليل والنهار غضين جديدين لم يبلهما ما
مرا به ، مستعدين لمن بقي بمثل ما ا صابا به من مضى )
وكتب الأوزاعي إلى أخ له ( أما بعد فقد أحيط بك من كل جانب واعلم انه يسار بك
في كل يوم وليلة فأحذر الله ،والمقام بين يديه ، وان يكون آخر عهدك به ..
والسلام )
نسير إلى الآجال في كل لحـظة وأيامنا تطوى وهـن مراحــل
ولم أرى مثل الموت حقا كأنه إذا ما تـخطته الأماني باطــل
وما اقبح التفريط في زمن الصبا فكيف به والشيب للرأس شامل
ترحل من الدنيا بزاد من التقى فعمــرك أيام وهــن قلائـــــل
انتبه
أخي المسافر :
الغنيمة الغنيمة في اغتنام الأعمار ، قبل تصّرم الليالي و الأيام ، فها أنت بين
عام راحل لا تدري بما رحل عنك ومضى ولا تدري أحصلت فيه على غضب من الله أم رضا
وبين عام قادم لا تدري ما ابرم فيه من القضاء ، ولا تدري أفي الأجل فسحة ؟ أم
قد بعد وانقضى ، وانك على يقين من سيئات أعمال هي عليك معدودة ، وفي شك من
صالحات أعمال مقبولة هي أم مردودة ، فعلام الغفلة يا أخي عن تدارك الخلل
،والإعراض عن إصلاح النية والعمل ، كأنك اتخذت من الموت عهدا وأمانا ؟
كلا والله لقد ضرب لك بأخذ أمثالك أمثالا ، ووعظك لو اتعظت فما ترك لقائل مقالا
، وهذا كتاب الله يتلى عليك صباحا ومساءا ، و زواجره عبرة تخاطبك بالنصائح
كفاحا ، اصمت الأسماع عن المواعظ وسدت، أم قست القلوب من كثرة الذنوب فاسودت ،
فاعمل لما بين يديك فلمثل هذا فليعمل العاملون .( وتوبوا إلى الله جميعا أيها
المؤمنون لعلكم تفلحون ).
تمر ســاعات أيامي بلا نــدم = ولا بـكاء ولا خـوف ولا حـــزن
ما احلم الله عني حيث أمهلني = وقد تمـاديت في ذنبـي ويسترنـي
أنا الذي اغلق الأبواب مجتهدا = على المعاصي وعين الله تنظـرني
دعني أنوح على نفسي واندبــها = واقطع الدهـر بالتسبيح والحـزن
دعني أسح دموعا لا انقطاع لـها = فهل عسـى عـبرة منـي تخلصـني
كيف تستقبل عامك الجديد :
1-
بالتوبة النصوح
2- عقد
القلب على المحافظة على الطاعات
3- العزم على ترك المنهيات
4- رد الحقوق إلى أهلها واستحلالهم منها
5- الإقبال على أهل الصلاح ومجالسهم
6- ترك رفقاء السوء
7- كثرة سؤال الله العصمة والتوفيق والسداد
8-
الصدق مع الله في الإقبال عليه
مسك الختام:
قال الفضيل بن عياض لرجل : كم أتى عليك ؟ قال : ستون سنة . قال : فأنت منذ ستين
سنة تسير إلى ربك يوشك أن تبلغ . فقال الرجل : إنا لله و إنا إليه راجعون . قال
الفضيل : أتعرف تفسيره تقول : إنا لله و إنا إليه راجعون !! فمن علم انه لله
عبد وانه إليه راجع فليعلم انه موقوف ، ومن علم انه موقوف ، فليعلم انه مسئول ،
فليعد للسؤال جوابا، فقال الرجل : فما الحيلة ؟ قال : يسيرة . قال: ما هي ؟ قال
: تحسن فيما بقي يغفر لك فيما مضى ، فانك إن أسأت فيما بقى ، أخذت بما مضى وما
بقى والأعمال بالخواتيم .
نسأل الله أن يحسن ختامنا و إياك .. وان يختم لنا بجنات عرضها السماوات والأرض
.. انه ولي التوفيق ..
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى اله وصحبه أجمعين ..
المصدر منتدى زحل