بسم الله الرحمن الرحيم

زينة الرجال


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد :
فإن اللحية هي نعمة جليلة تفضل الله بها على الرجال وميزهم بها عن النساء ، وجعلها زينة لهم لما تضفي عليهم من سيما الرجولة والهيبة والوقار ، وهي ليست مجرد شعيرات تنبت في الوجه فقط ، بل إنها من شعائر الإسلام الظاهرة التي نتقرب إلى الله بإعفائها وتعظيمها . قال تعالى { وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ } وهي من سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم وقد أمر بإعفائها وإرخائها . ولكن على الرغم من كل ما جاء في تعظيمها والأمر بإعفائها إلا أن كثيراً من المسلمين هدانا الله وإياهم في هذا الزمن قد احتقروا هذه الشعيرة العظيمة وامتهنوها وحلقوها من وجوههم ، والذي لم يحلقها كلها أخذ يتلاعب بها فمنهم من يجعلها صغيرة على الذقن ومنهم من يجعلها خفيفة كأنها خط أسود خفيف ومنهم من يربط شاربه مع لحيته ويجعلها على شكل دائرة ، إلى غير ذلك من الأشكال المحزنة والمضحكة في نفس الوقت والتي لا يليق بأي رجل عاقل أن يفعلها بوجهه فضلاً عن أن يكون مسلماً قد أمر يتكريمها واعفائها ، وإنه ليندر أن يُرى وجه الإنسان المتأدب بآداب الشريعة الإسلامية الذي يُبقي لحيته كما خلقها الله ، فلا حول ولا قوة إلا بالله ولا حظ أخي المسلم فكلما حلقت هذا الشعر عاد وكأنه يقول لربه سمعاً وطاعة مع أنك اذا تبت وقف على الفطرة .

قيمة اللحية ومكانتها عند السلف الصالح

إن إعفاء اللحية من هدي الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام وكذلك الصحابة الكرام والسلف الصالح رضي الله عنهم أجمعين فلم يذكر عن أحد منهم أنه كان يحلق لحيته , بل العكس من ذلك كانوا يعظمونها ويعلون شأنها , كان قيس بن سعد رضي الله عنه رجلاً أمرد لا لحية له فقال قومه الأنصار : نعم السيد قيس لبطولته وشهامته ولكن لا لحية له , فوالله لو كانت اللحية تشترى بالدراهم لا شترينا له لحيه !!
وهذا الأحنف بن قيس كان رجلاً عاقلاً حليماً وكان أمرد لا لحية له وكان سيد قومه فقال بعضهم : وددنا أن اشترينا للأحنف لحية بعشرين ألف .. فلم يذكروا حنفه ولا عورة وإنما ذكروا كراهية عدم وجود اللحية عليه , وما ذلك إلا لأن اللحية عند هؤلاء الأخيار تعتبر من الجمال والرجوله والكمال لشخصية المسلم وكان الواحد منهم أهون عليه أن تزول رقبته ولا تزول لحيته أما اليوم فكثير من أبناء المسلمين لا يتمنى أن يشتري له لحيه بل إنه يدفع الأموال لإزالتها من وجهه بل قد يود بعضهم لو عدمها نهائياً وساق على ذلك آلاف الدراهم , نعوذ بالله من ذلك يقول ( ابن القيم ) : ثم تأمل لما صارت المرأة والرجل إذا أدركا وبلغا إشتركا في نبات العانة ثم ينفرد الرجل عن المرأة باللحية فإن الله عز وجل لما جعل الرجل قيّماً على المرأة وجعلها كالخَوَل والعاني ( الأسير ) في يديه ميّزة عليها بما فيه المهابة له والعز والوقار والجلالة , لكماله وحاجته إلى ذلك ومُنعتها المرأة وتذكر أن المرأة ملعونة إذا حلقت أو نتفت شعر حاجبها فاللحية أعظم بكثير بل فيها الدية كاملة كدية العينين مائة ألف ريال .

الجمال ليس في حلق اللحى

كيف يخلق الله الرجل رجلاً ويميزه عن المرأة برجولته ولحيته التي فيها وقاره وهيبته وجماله ثم لا يرضى بذلك ويذهب يغير خلق الله ويتشبه بالنساء وبأعداء الإسلام ويتوهم أن في ذلك زيادة جمال له وأناقة !! { أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا } وكأن جمال الإنسان وأناقته لا تتم إلا بحلق اللحية أو بتقصيرها وتخفيفها واللعب بها !! والله إن جمال الرجل وبهاءه وهيبته في إبقاء لحيته كما خلقها الله لأن الله تعالى أعلم بما يناسب الرجل لذا خلق له هذه اللحية . , فكيف يليق بمسلم عاقل أن يرفض ما اختاره الله له أهو أعلم بما يناسبه من الله { أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ } ولو أراد الله للرجل أن يكون ناعماً بدون لحية لم يعجزه ذلك ولكنه ميز الرجل عن المرأة وكرمه وشرفه بهذه اللحية ولكن بعض الرجال هدانا الله وإياهم لا يريدون هذا التكريم وهذا التمييز بل ويحاربونه نسأل الله السلامة والعافية من ذلك فيا أخي المسلم : يا من تحلق لحيتك كيف يهون عليك أن تفرط في لحيتك التي فيها وقارك ورجولتك وجمالك والله لا يليق ذلك بك وأنت الرجل المسلم العاقل ثم قل لي بربك ماذا ينفعك حلقها ؟ هل لك في ذلك أجر وثواب ؟ هل لك في ذلك مصلحة دنيوية ؟ لماذا تعرض نفسك للعذاب وأنت في غنى عنه ؟ ولماذا تتعب نفسك لأن حلاقتها كله تعب وخسارة وإضاعة وقت ! لماذا كل ذلك يا أخي أترك لحيتك في وجهك كما خلقها الله لك ولا داعي لاتعاب نفسك هي كم وزنها حتى تزيلها من وجهك ؟ هل أثقلت عليك أو شوهت وجهك لا أظن أن شيئاً من ذلك يحصل بسبب اللحية .

العناد والمخالفة الصريحة

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( خالفوا المشركين وفروا اللحى وأحفوا الشوارب ) ولكن بعض الناس يعارض قوله صلى الله عليه وسلم معارضة صريحة وقوية ويقول لا يا رسول الله لا سمعاً لك ولا طاعة في هذا الأمر فيعكس الأمر فيحلق لحيته ويترك شاربه !! فلماذا يا أخي هذا العناد ؟ لماذا تخالف هدي نبيك صلى الله عليه وسلم هل أنت في غنى عن هديه صلى الله عليه وسلم وهل لك هدي خاص وسنة خاصة ؟ والله يا أخي أنه لشرف لك إن تكون من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم المطبقين لسنته ثم اعلم أخي الكريم أن القضية ليست قضية شعر فقط , وإنما القضية قضية إستسلام وخضوع لأوامر الله وإتباع لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم واعتزاز به وانقياد لأوامره .

أدلة تحريم حلق اللحية

قال تعالى { وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ } وحلق اللحية أو أخذ شيئاً منها هو تغيير لخلق الله وتمثيل بالشعر أيضاً وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (( من مثل بالشعر فليس له عند الله خلاق )) قال أهل اللغة : مثّل بالشعر صيره مثلة بأن حلقه من الخدود أو نتفه أو غيره بالسواد . وقال صلى الله عليه وسلم في تحريمها ( خالفوا المشركين وفروا اللحى وأحفوا الشوارب ) متفق عليه . وقال صلى الله عليه وسلم (( جزوا الشوارب وأرخوا اللحى )) رواه مسلم . وقال صلى الله عليه وسلم (( من لم يأخذ من شاربه فليس منا )) رواه مسلم . وأمر النبي صلى الله عليه وسلم يقتضي الوجوب وقال ابن تيمية يحرم حلق اللحية وقال القرطبي لا يجوز حلقها ولا نتفها ولا قصها أن تربيه اللحية وتوفيرها وإرخاءها فرض لا يجوز تركه , وحلق اللحية ليس من الأمور الصغيرة كما قد يتوهمه البعض بل ربما يكون حلقها أعظم إثماً من بعض المعاصي الأخرى لأن حلقها يعتبر من المجاهرة بالمعصية وقد لا يعافى حالقها ولا يغفر له بسبب هذه المجاهرة لقوله صلى الله عليه وسلم (( كل أمتي معافى إلا المجاهرين )) إضافة أيضاً إلى أن كراهية اللحية أو الإستهزاء بها أو بأهل اللحى يخشى على فاعله من الردة والكفر والعياذ بالله لأن من نواقض الإسلام الاستهزاء والسخرية بهدي النبي صلى الله عليه وسلم أو كراهية ما جاء به وحلق اللحية قد ينم عن كراهيتها والتخلص منها وكراهيتها قد يكون أيضاً سبباً لإحباط الأعمال كما في قوله تعالى { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ } فليحذر المسلم من أن يحبط عمله أو أن يخرج من الإسلام وهو لا يشعر .
فيا أخي الحبيب : يا من إعتدْت على حلق لحيتك تب إلى الله من هذا العمل واترك لحيتك كما خلقها الله لك واتبع سنة نبيك صلى الله عليه وسلم الذي أمرك بها ولا تعرض نفسك لسخط الله وعقابه بسببها , فكما أنك يا أخي قد أطعت الله في الصلاة والصيام وبعض الواجبات الأخرى فما الذي يمنعك من أن تطيعه كذلك في أمر اللحية , أليس الذي أمرك بكلا الحالتين هو الله جل وعلا , لماذا تفرق بين أوامره فتطيعه في أمر وتعصيه في آخر , أين تعظيم الله ؟ أين صدق الإيمان ؟ أين الاستجابة للرحمن ؟ لماذا هذا التلاعب بأوامر الشرع و الاستخفاف بها , إن الله قد ذم من يفعل مثل ذلك من أهل الكتاب فقال تعالى { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ } فلا تعرض نفسك أخي الكريم لمثل هذا الذم وتتشبه بهم والتزم بجميع أوامر الله صغيرها وكبيرها تسعد في الدنيا والآخرة . وفقني الله وإياك لما يحب ويرضى وجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه , والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

رسالة إلى صاحب صالون الحلاقة

أخي صاحب صالون الحلاقة : إذا تبين أن حلق اللحية حرام كما هو واضح من الأدلة السابقة , فإن الأجرة على حلقها أيضاً حرام لأن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه , لذا فأحرص بارك الله فيك أن لا يكون صالونك هذا محلاً لحلق لحى المسلمين ومكاناً تباد فيه سنة من سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم التي تبرأ ممن رغب عنها بقوله : ( من رغب عن سنتي فليس مني ) وان لا يكون صالونك هذا مكاناً تنقص فيه عروة من عرى الإسلام وواجباً من واجبات هذا الدين لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان الذي نهى الله عنه بقوله { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } ولأن المال المكتسب من هذا العمل حرام سحت لا خير فيه قال صلى الله عليه وسلم ( كل جسد نبت من السحت فالنار أولى به ) , فكن أخي الحبيب قوي الإيمان بالله قوي التوكل عليه ولا تسمح بحلق اللحى في محلك وتأكد أن ربحك لن يتأثر كثيراً من جراء ذلك بإذن الله لأن الله تعالى يقول { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} ولقول النبي صلى الله عليه وسلم ( من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه ) . وثق تماماً أن الله تعالى لا يمكن أن يخلف وعده أبداً لمن صدق معه لكن لابد للإنسان من الصبر وعدم الاستعجال , وأعلم أن المال الحلال وإن كان قليلاً فهو خير من المال الحرام الكثير وبركته أعظم وأنفع لقوله تعالى { قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ} وحتى لو فرض أن الربح انخفض قليلاً فليس هذا مبرراً لأن يلجأ المسلم إلى ارتكاب الحرام طمعاً في زيادة ربحه , بل عليه أن يصبر على ذلك وأن يقنع بما أعطاه الله ويرضى به لأن هذا قد يكون ابتلاء من الله له ليختبره وليرى مدى قوة إيمانه وتوكله عليه , وقد يوفقه الله ويبارك له بالقليل أو يفتح له أبواب رزق أخرى لم تخطر له على بال ويغنيه بها نتيجة توكله عليه وعدم ارتكابه للحرام فتنبه أخي لذلك جيداً وأحرص على أن تكون ممن يصبر ويقنع بالحلال ويرضى به ولو كان قليلاً وإياك إياك أن تجعل حب المال ينسيك ربك وينسيك دينك وينسيك مصيرك ومآلك فإن هذا المال الحرام سيذهب سريعاً وسيبقى عذابه طويلاً وفق الله الجميع لما يحب ويرضى والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . وجزى الله تعالى الجنة لكل من وزعها آمين .

الصفحة الرئيسة