اطبع هذه الصفحة


التدريب المنظم طريقك للدعوة...
دور المرأة في المجال الطبي في دعوة الجاليات

د أميمة بنت أحمد الجلاهمة

 
(دور المرأة في المجال الطبي في دعوة الجاليات) العنوان الذي تم اختياره ليكون مدار الحديث معكن.
عنوان... لو تأملنا محتواه لأدركنا عظم تقدير لجنة أطباء الحرمين لدور العنصر النسائي في مجال الدعوة لدين الله، وأعني هنا بالتخصيص الطبيبات ورفيقات دربهن من العاملات في المجال نفسه..
إن هذا التقدير في حقيقته لم يأت من فراغ فأنتن معشر العاملات في المجال الطبي أقدرٌ بكثير على نشر الدعوة من غيركن لأسباب كثيرة لا بأس في الإشارة لبعضها، وإن كنت أجزم أنها لا تخفى في مجملها على أغلبكن.
نعم قد تنجحين أنت في تحقيق الغاية من نشر الدعوة حين تخفق المتخصصة في مجال العلوم الشرعية، لسبب أن صوتها على الغالب لا يصل إلا لطالبة العلم، أما أنت فيصل صوتك لمدىً أبعد

من ذلك بكثير، فهو لن يصل للمرضى وأسرهم فحسب، بل يصل أيضاً للجاليات العاملة معك في المجال الطبي، فمن خلال تعاملك اليومي مع المرضى والعاملين داخل الدائرة الطبية، ستجدين الأبواب المقفلة قد فتحت أمامك، وهكذا تتمكنين من تحقيق ما عجز الآخرون عن تحقيقه.
لقد خصك المولى سبحانه كما خص العاملين والعاملات في هذا المجال الإنساني بتقدير العامة والخاصة على السواء، بمكانة من السهولة بمكان تسخيرها في مجال الدعوة لتؤتي ثمارها يانعة بإذن الله.
ولكن لنحقق الغاية المؤملة من توجٌّهِك الدعوى، لا بد من أن نقف عند أهمية الدراسة والتدريب، عند أهمية انخراطك في دورات متخصصة لإعداد الدعاة... قصيرة أو طويلة المدى، على أن تعد خصيصاً لتتماشى مع أسلوب حياتك العملية.

إن هذه الدورات كفيلة بعون الله بإمدادك بأبجديات تعد أساسية للداعية الناجحة، والنجاح لن يتحقق فقط بالنية الحسنة بل يحتاج إلى تخطيط ودراسة ومتابعة، وتحديد أهداف محددة في مراحل معينة.
إن أهمية هذه البرامج تكمن في كونها ستعمل - بعون الله -على تدريبك، تدريباً منظماً يقوم به دعاة لهم باع طويل في مجال الدعوة، فن تفرد لدراسة مواده، أقسام أكاديمية في العالم الغربي... وأعني بذلك فن الخطابة وما يتبع لهذا الفن من علوم، فخطابك للآخر باللغة التي يفهمها، وتعاملك معه، وكيفية امتلاكك لزمام الأمور أمام صعاب قد تعترض طريقك، تعد أهم الخصائص المتعلقة باستمرار نجاحك كداعية، قال تعالى: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا ً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً) (1)..

إن هذه البرامج المتخصصة ستحدد لك الأولويات التي عليك الاهتمام بها كداعية. .
فعلى سبيل المثال, قد يغلب الحماس على لب الداعية فتبادر بالحديث عن التشريعات الإسلامية، من حلال وحرام، قبل تثبيت عظم العقيدة الإسلامية في قلب المستمعة تاركة خلفها نفوراً قد يصعب تبديله، إذ إن من أخطاء الدعاة الشائعة- مع الأسف- عدم اتصاف بعضهم بفضيلة الصبر وقد قال تعالى: (فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم) (2)، فعدم صبرهم يبدو في سعيهم الحثيث للوصول إلى الغاية بأقصر وقت، دون إدراك الأهمية القصوى لتثبيت أركان الإيمان في قلب المتلقي، فالعقيدة هي في واقع الأمر المحرك الأساسي لقلوب المحبين لله ولدينه ولأهله، ومن خلال تثبيتها أولا سيكون بالإمكان الانتقال للمرحلة التالية التي تمهد الطريق إلى قبول واستيعاب الحلال والحرام، ومن ثم الالتزام بكل ما يأتي به الدين من فرائض وواجبات.

هذه البرامج ستعينك – أيضاً - على كيفية معرفتك بالآخر من خلال إمدادك بمعلومات تتعلق بخلفيات الشعوب،عاداتهم، وتاريخهم وجغرافية أوطانهم، حتى مشكلاتهم اليومية، بل والمبادئ الأساسية التي تحرك تفكيرهم، وهذه أمور هامة جداً لنجاحك في مسعاك... إذ من خلالها قد تستطيعين كسب ثقتهم وبالتالي بيان فساد الأفكار المنمطة والمشاعة عن الإسلام.

وهي أيضا ستمكنك من التوقف عند مضامين قرآنية قلما توقف عندها الآخرون فعلى سبيل المثال قوله تعالى: (أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) (3)، آية كريمة يتم تدريسها لطلبة المرحلة الابتدائية، ولكن قليلين منا من توقفوا عند أهمية حروفها ومضامينها... فلقد افتتحت الآية الكريمة بفعل أمر في قوله سبحانه (ادع)، وفعل الأمر كما تنص القاعدة الشرعية يقتضي الوجوب، والوجوب هنا انصب لبيان قاعدة أساسية في الدعوة إلى دين الله سبحانه، فالحكمة وحدها على عظم أهميتها لن تكفي، وهكذا هو حال الموعظة، فكلتاهما لن تؤدي الغرض منها دون أن تجتمعا ، ونكسيهما بكساء حسن...

فالداعية مطالب بتغيير أسلوب حياته وترويض نفسه ليكون باشاً لينا سواء في تبشيره أو ترهيبه قال تعالى: (فبما رحمة منا لنت لهم، ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) (4)، هذا هو منهج رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام في دعوته إلى الله، فقد كان في دعوته وموعظته يتحرى أحوال الناس، فيعظ كلا منهم بحسب حاله، وهو في كل ذلك ينتهج الإحسان والرحمة.

إضافة إلى أن هذه البرامج ستقدم لك معلومات هامة تتعلق بالدين الإسلامي، وقد تكونين مدركة لبعضها جاهلة لبعضها الآخر دون علم منك... فالعمل في هذا المجال ليس من السهولة بمكان حتى تتمكني من تحقيق المأمول منك دون تدريب منظم.

أما ضرورة أن تكوني سفيرة لدينك في كل ما يصدر منك من تصرفات فذلك غني عن البيان، وهو أمر لا يستبعد عمَّن توجهت هذه الوجهة الطيبة، فطريقة تعاملك مع من يصادفك في حياتك الخاصة والعامة ستكون عنواناً لفكرك ولما تؤمنين به، خاصة أن الأضواء دوماً مسلطة على من تعمل في مجال الدعوة، سواء من الرافضين لدعوتك، أو ممن يبحثون عن الحق فيما تدعين إليه.

إن التعامل بالحسنى، ومساعدة الآخر في عمله بما لا يتعارض مع النصوص الشرعية بطبيعة الحال، وحسن معاشرتك، وتواضعك ورحمتك بمن هو أدنى منك من الناحية الاجتماعية، وإخلاصك، وحرصك على أداء عملك على أكمل وجه، و تفانيك في عطائك، ومراقبتك لله في السر والعلن، واهتمامك بتنظيم وقتك وعملك، وعدم خلطك الجد بالهزل... كل ذلك سيترك انطباعا طيباً في نفوس الآخرين... عنك وعمَّا تدعين إليه.
إن مراقبة العاملة في المجال الطبي لتصرفاتها، حتى من الناحية الاجتماعية، سيكون له دور فعال في تغيير الأفكار النمطية للجاليات عن الإسلام والمسلمين، أفكار رائعة عن دينك ستنتقل معهم لأسرهم ولمجتمعاتهم ولأوطانهم، هذا إن لم يتحولوا بفضل من الله للإسلام ليشاركوا في الدعوة إلى دينه سبحانه... (ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين) (5).

ولا تعتقدي إن تغيير تلك الأفكار المشوهة عن خاتم الأديان من السهولة بمكان، فهو وضع ثقافي واجتماعي يحتاج إلى جهاد ومثابرة لتصحيحه، وأوصيك بعدم إفساح المجال مطلقاً لليأس والقنوط، فالهدف على صعوبته، سيكون- بإذن الله - مجلبة لسعادتك ورضاك... سعادة أجزم أنك لن تجديها بالصورة التي تشبعك بوفرة النجاح المادي فقط..
إن الإنسان كما نؤمن جميعاً مكون من عنصرين مادي وروحي، و يتطلب لإسعاده مراعاته للجانبين الروحي والمادي على السواء فالروح لن تقبل إهمالك لها، وبالتالي ستشعرين بفراغ لن يمتلئ إلا بمراعاة متطلباتك الروحية... وعليه أستطيع بكل ثقة أن أؤكد أنك لن تجدي السعادة بالصورة التي تشبعك بوفرة النجاح المادي... فقط...

ويطيب لي أن أضع أمامكن تصنيف لمنهج مقترح ، يتناسب وهدف هذه الدورات ، والذي تفضل ببيانه وإعداد أفكاره ، الأستاذ الدكتور شاهر بن ظافر الشهري ، رئيس لجنة أطباء الحرمين في المنطقة الشرقية ..
المقترح الذي آمل أن نراه قريباً موضع التنفيذ ..وهو كالآتي :
1. فن الحوار .
2. أساسيات الأديان .. خاصة الكتابية منها .
3. بيان القضايا هامة التي عادة ما يتطرق لها في مجال دعوة الجاليات. .
4. تمكين الداعية من دراسة المراجع الأساسية في هذا الجانب .
5. بيان أولويات القضايا الدعوية التي على الداعية استيعابها ، بهدف مناقشة أبعادها مع المدعوات من الجاليات المختلفة ، ومع الداخلات حديثاً في الإسلام ..

لا شك أن أعضاء اللجنة ستسعى لتدعيم هذا التوجه من الدراسة ، خاصة أنها كما علمت قد أشرفت على تنفيذ عدد من هذه الدورات ، والتي أمل أن لا تتوقف..فالأجيال تتعاقب ، ومن الجميل أن نرى أبنائنا وبناتنا يكملون الطريق الذي سرنا فيه ، بل الجميل أن نراهم يبدعون ، ويضيفون إلى عملنا كثيراً من الإبداع والنجاح ..

وعليَّ... قبل أن أختم حديثي إليك، أن أذكرك بعظم أجرك عند المولى لو تمكنت من إنجاز المعقود عليك في مجال الدعوة، أجر لا يناله – بإذن الله - إلا من نذر نفسه لهذه الغاية وسعى لها بعزم ومثابرة، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (فوالله لأن يهدي بك رجل واحد خير لك من حمر النعم)(6) أجر آمل أن يصل - بكرم الله ولطفه - لكل العاملين في مجال الدعوة حتى إلى من لم يتمكنوا من الوصول إلى الغاية المنشودة (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)(7)... أعزك الله سبحانه لتنعمي بخير الدنيا والآخرة، وأعاننا وإياكن على طاعته...

_________________________
1. الفرقان، الآية : 63.
2. الأحقاف، الآية : 35.
3. النــــحل، الآية :125.
4. آل عمران، الآية :159.
5. فصـلت، الآية : 33.
6. رواه البخاري، الجهاد والسير .
7. رواه البخاري، بدء الوحي .

 

الطبيب الداعية

  • مكتبة الطبيب
  • أفكار دعوية
  • الطبيب الداعية
  • الطبيبة الداعية
  • بين الواقع والمأمول
  • استفتاءات طبية
  • الطب الإسلامي
  • الفقه الطبي
  • مقالات منوعة
  • خواطر طبيب
  • صوتيات ومواقع
  • دليلك للأفكار الدعوية
  • الصفحة الرئيسية