اطبع هذه الصفحة


عنبر رقم " 7 "

بنت المدينة

 
أريدكم اليوم معي في رحلة قصيرة ....
حياكم الله ...

عادة ما يمكث أغلب المرضى في غرفهم حتى تحين أوقات الزيارة فينتقلون هنا وهناك انتظارا لأحبابهم وزوارهم.

وفي ذلك الصباح خلال مرورنا اليومي بالمرضى دخلت هذا العـــــنبر ...((عنــبر رقــم 7 )) لأول مرة منذ التحاقي بهذا المستشفى..

شيء ما لفت انتباهي ،،،أحسست بأمر عجيب هدوء غير معتاد فلا تسمع لمريض انات ولا لآخر صرخات ...؟؟؟!!!

الممرضون والممرضات يعملون بهدوء وصمت على غير العادة ....ولا يتأففون من مرضاهم ...!!!

أيضاً على غير عادة البعض منهم ....( من فضلك يا دكتور هذا يشكوني ... وذاك يتعبني ...ارجوك ساعدني )

خطوات قليلة سرتها بهدوء ....لألمح مجموعة من المرضى مجتمعين في غرفة التلفاز ... يتفرجون بهدوء ....فلا تسمع إلا صوت التلفاز ....لكنك لا ترى تفاعلا ولا تعليقاً من أحدهم ... ؟؟؟؟

لا أدري لكني أحسست أني في عالم مختلف ....لم أعتده ...يكاد شبح الصمت والرحيل يحيط به ....

ها أنذا اقترب منهم ....
تتضح لي المعالم أكثر وأكثر ....

رباه ...
رباه رحمتك ...
الآن فهمت ....

وأخذ الطبيب الذي اعمل معه يشرح لي ويسهب ...في الحديث ... وهو لا يشعر بتلك القبضة التي اعتصرت قلبي ...ودموعي التي لم أجد من يجففها ....

المرضى شباب ...في مقتبل العمر ...الاشراقة ترى ظلال ماضيها في عيونهم ... والطموح ماضي يصر على ترك توقيعه بينهم ...." لقد كنتُ موجوداً..."

في ليلة من ليالي ماضيهم...
ترك حادث مروري أليم توقيعه الواضح أمام عيني....

المرض أقعدهم فصاروا كالأطفال ...بل هم عاجزون ....عن الكلام وعن الحركة...حتى عن إطعام أنفسهم ....

تجد الواحد منهم ما إن يراك تقترب منه إلا ويهمهم بأصوات غير مفهمومة ...لكن تفهم أنها رسالة منه ....

""...ما زلتُ على قيد الحياة ،،، أحس بكم ...""

وبين دوامة ترقب الأهل لأمارات التحسن والشفاء ... وحرص الطبيب على تقديم كل مايمكن ....( وقد علم أن الطب عاجزٌ في مثل هذه الحالات )

وبين قدر محتوم ...وصبر أم ثكلى وأب مبتلى ....

تتفاوت الحالات أمامك بين إعاقة بسيطة وإعاقة شديدة جدا ....

لكن عنبر رقم 7 يختلف .... كثيراً ....
فمعظم الحالات شديدة على الطبيب والأهل ....وعلى المريض قبل الجميع ...
هناك من تجده قد شخص بموت دماغي ....وقد كان بالأمس أحد أكثر الأسماء شهرة في مجاله ...
هناك من تجده قد حار الأطباء في أمره ...ولا يملكون سوى القليل من أمره ...والأهم .... يملكه رب الأرباب ....ومسبب الأسباب ....

ثم ...!!!!!

ما أضعفك أيها الإنسان ....؟؟؟ بين غمضة عين وانتباهتها ....

تتموج حياتك بين صحة ومرض ...وأمل ويأس .... وقوة وضعف ....في بحر الدنيا الذي نخوضه مرتحلين ....

قطعت حبل أفكاري ....والطبيب يناديني ...هيا يا دكتورة ...لنفحص هذا المريض ....

وقد فهمت ان معظم المرضى في هذا القسم ...ضحايا حوادث مرورية ...أليمة ....

يا ترى أكان التهور عاملاً ...أم كان الاهمال عاملاً ...ام ...؟

قدرٌ كُتب ولا نقول سوى ... قدر الله وما شاء فعل ....

بعد أن كانوا يملأون الدنيا ...صراخاً وشغباً ...ومرحاً....
هاهم أولاء ....
يملئون العنبر رقم 7....هدوءاً .... وعبرة .... وصبراً .....

تأملت الطبيب وهو يفحص مريضنا ....وأكاد أرجوه أن نخرج سريعاً ....

أريد هواءاً ....

الحمدلله الذي عافانا مما ابتلانا به وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلاً كثيراً ....

يا أصحاب العقول ...؟
يا أصحاب الصحة ...؟
يا ذوي الأموال ....؟
أما آن الأوان ....لتوبة نصوح ....تكون مفتاحاً للجنان ...؟

تزوَّد من التقوى فإنك لا تدري --- إن جنَّ ليــلٌ هـل تعـيشُ إلى الفجـرِ
فكم من سليمٍ مات من غير عِلَّةٍ --- وكم من سقيمٍ عاش حِيناً من الدهرِ
وكم من فتىً يمسي ويصبح آمناً --- وقــد نُسجتْ أكفانُه وهــــو لا يــدري

عن ابن عباس أن النبي ( قال : "نعمتان من نعم الله مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة، والفراغ" [ رواه البخاري ]

 

الطبيب الداعية

  • مكتبة الطبيب
  • أفكار دعوية
  • الطبيب الداعية
  • الطبيبة الداعية
  • بين الواقع والمأمول
  • استفتاءات طبية
  • الطب الإسلامي
  • الفقه الطبي
  • مقالات منوعة
  • خواطر طبيب
  • صوتيات ومواقع
  • دليلك للأفكار الدعوية
  • الصفحة الرئيسية