اطبع هذه الصفحة


تجربتي في تربية أولادي

د. أبو إبراهيم الغامدي

 

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله وحده, كما حمد نفسه فلا يحصي أحد ثناء عليه كما أثنى هو على نفسه, والصلاة والسلام على خير خلقه وآله وصحبه, كما صلى ربنا وسلم وبارك على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنه حميد مجيد؛ أما بعد :

فقد سألني أحد الفضلاء المحبين أن أكتب منهجي في تربية أولادي, لما ذكر أنه ظهر له منهم أمور تسره, والتي أسأل الله أن يجعلهم فيها وفي غيرها خيرا مما يظن, وأن يغفر لهم مالا يعلم, وألا يؤاخذهم بما يقول, وأن يثبتهم على كل خير ويرزقهم الاستقامة في سائر الأمور, وأولاده وسائر أولاد المسلمين, وقد طلب ذلك مني قبله غيره, وقد اعتذرت عن ذلك لأمور كثيرة, إلا أنه ألح في طلبها وأنه لعلها أن ينفع الله بها, خاصة في هذا الزمن الذي قل فيه الاعتناء بالأولاد والبنات, وصعبت تربيتهم على أهل الهيئات فضلا عن غيرهم, فاستخرت الله في ذلك عسى أن يكون فيها إحياء لسنة أو رفعا لهمة, مع أني غير راض بذلك, لكن الله أسأل أن يتقبل ذلك وأن يجعله خالصا صوابا .

وهذا نص سؤاله, مع بعض التصحيحات الإملائية : (لسلام عليكم, ما شاء الله لا قوة إلا بالله, احببت أخي وجاري أبا إبراهيم تفيدني اكرمك الله بالدارين كل خير عن كيفية تربية أبنائك هذه التربية الحسنه من حيث حرصهم على الصلاة في الصفوف الاولى لكل الفروض , وهذا بلا شك يجعلني وكثير من الاباء نغبطكم على حسن صلاح ابنائكم ولا نزكى على الله احد . وكذلك حرصهم على قراءة القرآن, ودخولهم حلقة تحفيظ القرآن ما سبب حبهم لها ؛ علماً اني أدخلت ابنائي التحفيظ, وادخلتهم المسجد صغاراً وعندما كبروا أراهم تقاعسوا عن ما دللتهم عليه .

فهل هناك سبب استطيع أن استقيه منك لعل الله ان ينفعني وينفع غيري من الاباء به بعد توفيق الله لك بهذا الصلاح من الابناء جعلهم الله هادين مهديين. فسؤالي: ما جدولهم اليومي؟ وما سبب تسابقهم على المسجد؛ أهو منك أو والدتهم حفظها الله تساعد بهذا الجهد, والذي لا أشك فيه؟ وما المحفز لهم للتحفيظ؛ هل تعدهم بشيء من عطاءات الدنيا, أم الالتجاء لأرحم الراحمين هو المحرك لك ولهم؛ وهذا مما لاشك فيه وهو ما أعتقده) ا.هـ .

فأجبت مستعينا بالله: اعلم رحمك الله أن تربية الأولاد والعناية بهم, والاستثمار فيهم, من أعظم التجارات المربحة في الدنيا والآخرة, والتي يجب أن يقدمها العاقل على كل أمور الدنيا, وعلى كثير من أمور الآخرة, التي لا يصل فضلها إلى فضل هذه المنقبة العظيمة . ومعلوم أن كل تجارة كبيرة فمحتاجة لصبر وتعب ومشقة, وتربية الأولاد في هذه الأزمان من أشق الأمور وأصعبها, لكنها لا تشق على من علم عاقبتها وأجرها, وعلى من يسرها الله عليه, واعلم علمني الله وإياك أن هدايتهم بيد الله وحده, وأن ما علينا هو الاجتهاد بفعل الأسباب المشروعة .

وبهذا يعلم أن أول طريق لصلاحهم هو الطريق للوصول إلى أي فضيلة, وهو دوام اللجأ إلى الله , ليلا ونهارا, سفرا وحضرا, في أوقات الإجابة وغيرها, دعاء المضطر , فما أعلم أني تركت الدعاء لهم متى ما دعوت لنفسي, وأدعو لهم في أوقات حضور القلب خاصة, وفي سعة الوقت أدعو لهم بأسمائهم فردا فردا من الذكور والإناث, فأنا كثير الدعاء لهم وربما في كل صلاة, وأتمنى لهم الوصول إلى ما أؤمله فيهم وبهم ومنهم, ولا راحة ولا طمأنينة للمؤمن دون وصولهم إلى رضا الله وذلك لا يتبين إلا بعد الموت .
ثم إني أول ما فعلته معهم هو ما لا بد منه في كل تربية ناجحة, وهو إيجاد البيئة الملائمة, وإبعادهم عن صحبة الأولاد الذين أهملهم أولياؤهم, ولو كانوا من قراباتهم, فلا رقيب لهم ولا حسيب, وكانت أمورهم فُرطا؛ تضييع الأوقات بالساعات, وإذا ما استغل من أوقاتهم شيء فلحظات . وكان ذلك بأن كنت أنا صاحبهم, فهم معي غالبا, وبيتهم هو بيئتهم, وإذا ما خرجوا للنزهة فمعي, أو في مدارسهم, مع متابعتهم في مدارسهم الفينة بعد الفينة, والسؤال عنهم, فلا أصحاب لهم بعد الله سواي وسوى بعضهم مع بعض, وذلك لأني لم أجد لهم صاحبا مناسبا يمكنهم مصاحبته, ولا يسهرون خارج البيت, وهذا ما داموا دون البلوغ وبعده إلى المرحلة الجامعية وإلى أن أثق فيهم فأتركهم وقد عرفوا من يصحبون, وما هي صفات الصاحب الذي يحرصون على صحبته .

واعلم رحمك الله أني ابدأ في تربيتهم من الصغر, فلا يسمعون الغناء, وأربيهم على بغضه والنفرة ممن يسمعه, كما أغرس فيهم مجتهدا حب السنة, وبغض المنكر والبدعة, والإعجاب بأهل العلم والصلاح, وعدم الإعجاب بالفساق مهما كانت منزلتهم الدنيوية . وعدم تقديم علوم الدنيا مهما كانت من طب وغيره على علوم الشريعة, وإخبارهم بغربة الدين في هذا ونحوه, مع بيان أهمية علوم الدنيا النافعة, وأعلمهم متى ما رأوا إنسانا عاصيا بحلق لحية أو دخان أو إسبال ثوب أو نحوها أن يدعو له بالهداية, وأن يجتهدوا في نصحه, والنفرة من فعله, مع اعتقاد اسلامه وأنه ربما أن له عذرا, وأنه سيرجع إن شاء الله, مع تحذيرهم أن يعتقد أحد منهم أنه أفضل من أحد من المسلمين من حيث الجملة, ليلزموا احترام الكبير والتواضع وصلة الرحم وما يجب نحو كل مسلم, وقد ابتلينا في زماننا بهذه المنكرات القبيحة , وقد يكون من يفعلها قريبا أو أستاذا هداهم الله, والله المستعان .

وأيضا فلا اسمح لهم بحضور مناسبات فيها منكرات, وإذا ما حضروا فمعي والبنات مع أمهم, فإذا وجد منكر ينكر فإن قبل أو تركت المناسبة, حتى ربما تركت مناسبات لقرابات شديدة قرابتهم لوجود المنكر, أو لم أحضرها أصلا إذا تيقنت وجود المنكر, ثم يبين لهم فضل هذا العمل وهو ترك مناسبة يحبونها من أجل المنكر, إلا إذا كانت مفسدة عدم الحضور أعظم, ويعوضون عنها بما يفرحهم من عشاء وغيره.

ثم إني أبدأ معهم في تعليمهم أول ما أبدا بتحفيظهم القرآن وإيجاد من يحفظهم, وسأذكر كيف تيسر لي ذلك بحمد الله .

فيتمون الحفظ في العاشرة أو الحادية عشر, وربما يتأخر بعضهم بسبب ظروف, فيحفظون مع مدارسهم في التحفيظ . وإذا حفظوا فأجعل لهم برنامج مراجعة يومي, وأحرص على أن يقرأوا على مجود قدر المستطاع إن لم يكن من حفظهم مجودا من البداية , ويكون برنامج مراجعتهم ملازما لهم, كل يوم نصف جزء, لمن هم في المتوسط والثانوي, وأقل لمن هم أصغر, هذا ما قدرت عليه وإلا فمراجعة جزء كل يوم أفضل عند البعض. ويشدد في متابعتهم في ذلك في الحضر وبالجوال حين السفر وحين الرجوع من السفر يحاسبون على ذلك . فإذا تعودوا من الصغر سهل الأمر عندهم وأصبح شيئا لا يمكن تركه ما داموا عندي . وما داموا قبل مرحلة الجامعة فإذا بلغوها فإني لا اتابعهم وأقتصر على حضورهم دروس خاصة لهم ومع غيرهم من غير إلزام مع استمرار التوجيه والارشاد.

فإذا أتم الولد حفظ القرآن غالبا وربما أثناء الحفظ أبدأ معهم في حفظ المتون فيحفظ أولا الأصول الثلاثة , يعطون أسطرا قليلة, ثم تشرح لهم بما يناسبهم, بعد أن يقنعوا بأهمية الدروس ويحمسوا لها, ويكافؤوا عليها. وإذا ما أتموا متنا اعطوا جوائز ويحتفل لهم ويمدحون, فيحبون ذلك . ثم ينتقل إلى القواعد الأربع ثم نواقض الإسلام, ثم الأربعين النووية, ثم كتاب التوحيد, ثم عمدة الأحكام, ثم الواسطية, والآجرومية, وقواعد ابن سعدي الفقهية, ثم يتدرج معه في المتون والكتب بالطريقة التي كان يسير عليها علماؤنا والتي ذكرها الشيخ بكر أبو زيد في حلية طالب العلم . ومعلوم أن الصغار يحرص على تحفيظهم المتون في البداية, وبالآداب, فإذا وصلوا لدرجة يفهمون فيها يبدأ معهم في الكتب التي تحتاج لفهم كأصول الفقه وأنا ابدأ أعلمهم هذا ونحوه في نهاية الثالث المتوسط وما بعد . ثم يجعل لهم برامج لمراجعة المتون في العطل, ويكافئون على مراجعة كل متن, ويصير حصولهم على المال والمكافأة مقابل جهد فعلوه .

وأحيانا إذا كنت مسافرا أعطيهم شرحا لأحد المشايخ الكبار مسجلا في وقت دروسهم التي كنت أعقدها لهم يتابعونه كل يوم منها ويرسلون لي ما دونوه من فوائد, والدروس المسجلة نعمة وخاصة لمن لا يستطيع أن يشرح بنفسه, فيتدرج معهم في المتون ويختار لهم أفضل الشروح كشروح الشيخ ابن باز وابن عثيمين وابن جبرين والبراك والغنيمان والراجحي والفوزان ونحوهم ويختبرون فيما فهموا .
ومن طريقتي معهم تحبيبهم في القراءة, وتشجيعهم عليها, ثم إلزامهم في سن التاسعة بقراءة خمس صفحات كل يوم من كتاب قصصي, ومدحه إن قرأ وإعطاؤه شيئا يحبه, ومدح من يكثر القراءة من إخوانه حتى يتنافسوا عليها, ثم يزيد كم القراءة, فولدي في الصف السادس يقرأ كل يوم ثلاثين صفحة, وكل يوم جزأين من القرآن غير ما يحفظ, وفي الثانوي يقرأ مائة أو مائة وخمسين بحمد الله, وربما قرأ أكثر من غير إلزام, وإنما ألزم طالب الثانوي وآخر المتوسط بخمسين صفحة كل يوم مع دروسه ومراجعة متونه, وتقل حين بدأ دراسته النظامية, ولا شك أنه إذا تعود من الصغر وأكثر في تحبيبهم في العلم وتعريفهم فضله وحسن عاقبته وإقناعهم بذلك تصبح متعة لهم, وطريق من طرق تسليتهم, ولهم يومين في الأسبوع لا يلزمون فيها بغير قراءة القرآن, هذا في الإجازات أما أوقات الدراسة النظامية فتخف الدروس, وكمية القراءة, كما أني في رمضان لا أجعل لهم شيء من البرامج سوى بعض دروسهم العلمية وقراءة القرآن, مع درس العائلة الخفيف بعد الإفطار, وأشجعه في رمضان على الختم كل ثلاث خاصة الأولاد .

ومن طريقتي معهم أني أحثهم إذا أمكن على حضور دورات العلم لكبار العلماء وكبار الطلبة الذين أخذوا العلم على العلماء, وأزور بهم العلماء كثيرا حتى عرفوهم, بل بعض مشايخي صار يعاتبني إذا لم أحضر بعضهم أو لم أحضرهم, وأحرص على أن يحضروا لمثل الشيخ البراك والغنيمان والفوزان وأمثالهم, وقد حضر بعضهم للشيخ ابن جبرين رحمه الله, ويحضرون الدورات الأبناء والبنات, وربما حضرت معهم ويطلعوني على تلخيصاتهم .

ومن طريقتي معهم أني ألزمهم بفهم ما يقرأون وألا يقرأوا كتابا يصعب عليهم, وربما اختبرتهم فيما قرأوا, ماذا فهموا . فإذا ما اختبرت أحدهم وتبين أنه فهم ما قرأ أشيد به أمام البقية . ويمنعون من قراءة كتاب قبل الاستشارة في اختياره, ويعطون في الصغر كتب السيرة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام, وقصص الأنبياء عليهم السلام , وصور من حياة الصحابة والتابعين, وغيرها مما يناسبهم , وكتب الآداب.

ويثنى على من يقرأ الكتاب ولا يتمزق أو شيء منه, ويعلمون الهمة العالية بجرد المطولات إذا ما تأهلوا, ويصلح في مرحلة الثانوي جرد فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز, وبعض كتب ابن القيم, أو معها, وفي الجامعة كتب ابن عبدالبر وابن تيمية, وشروح كتب الحديث وكتب التفسير, وبالنسبة للصغار أعطي على كل مجلد أو كتاب يقرأ جائزة, وإذا كان الكتاب كبيرا زادت الجائزة .

كما أني بحمد الله أعقد لهم دروس العلم في كل يوم قدر الإمكان كل اثنين منهم متقاربين في السن من البنين والبنات في درس , ويتدرج بهم في العلوم, وفي كل درس يُسألون عن الدرس الذي قبله, ويسمع لهم المتن فيما يطلب منهم حفظه قبل بدأ الدرس, وفي العطل كثيرا ما أغير الكتب التي يدرسونها أيام الدراسة لألا يملوا, ويرجع لكتبهم الأساسية حين انتهاء العطلة, وربما استمرت الدروس نفسها للكبار .

كما أني ارغبهم في صيام الاثنين والخميس, حتى يطلب الصغير هو صيامه من غير الزام منافسا لغيره, ويصبح عادة لهم , وبعضهم يزيد في الصيام برغبة منه, فمنهم من يصوم يوما ويفطر يوما بحمد الله .

كما أني أعلمهم منهج أهل السنة في التعامل مع ولاة الأمر, وكثرة الدعاء لهم مع إنكار المنكر, وتذكر لهم طريقة السلف في ذلك, وأجعل العلماء الكبار المعاصرين لهم قدوة في ذلك كالشيخ ابن ابراهيم وابن باز والألباني وابن حميد وابن عثيمين والفوزان والبراك ونحوهم .

كما أني أبين لهم حاجة الأمة لهم, وأن سبب ما حل بالمسلمين من نكبات سببه هو ضعف العلم الشرعي, وأنه لن يرفع ما بالأمة بعد الله إلا العلماء, وأن عليهم أن يؤهلوا أنفسهم ويجتهدوا ليكونوا هم علماء المستقبل, وأنه لا يوجد غيرهم ممن سلك هذا الطريق إلا قليل, وهذا لتشجيعهم على العلم, وحمل المسؤولية, كما أكلفهم بقراءة تراجم علماء السلف الصالح ومواقفهم من المنكرات, ودورهم في النهوض بالأمة .

وأحرص على كتب الآداب كرياض الصالحين حفظا وشرحا, في كل مرة حديثين أو ثلاثة أو حديثا واحدا إذا كان طويلا, ولا يسمح لهم بأكثر من غلطة أو غلطتين, وغيرها قراءة كالأدب المفرد للبخاري, وأدب السامع والمتكلم, وحلية طالب العلم, وأخلاق العلماء وأخلاق حملة القرآن كلاهما للآجري, وفضل علم السلف على علم الخلف, واستنشاق نسيم الأنس كلاهما لابن رجب, وكتب ابن القيم, كالفوائد وإغاثة اللهفان وغيرهما , والأخلاق والسير لابن حزم في دروس, ويقرأ بعضهم غير ما يقرأ إخوتهم ليتسنى لي أنا سماع الجميع, والسنوات كثر فبتنظيم الوقت بعد توفيق الله تقرأ كلها, ويقرأ الكبار معي أثناء السفر فنلزم أنفسنا بقراءة كتاب في الروحة والرجعة, ويكون حجمه بحسب مسافة السفر وقد تعودوا على ذلك وأحبوه فيما أحسب والحمد لله .

ثم إن الواجب تعليمهم احترام الكبير وصلة الأرحام, والتفوق في دراستهم وتصليح أخطائهم برفق, وقد جربت الشدة فكان ضررها أكثر من نفعها, وسلم الله, فلا يضرب أحدهم إلا في منكر إذا لم ينفع غيره, ولا يمكن أحدهم من ضرب أخيه , ولا يسمح له مهما كانت الظروف .

ويجب ترسيخ بعض المفاهيم فيهم وتكرارها حتى ترسخ كاتباع السنة ومحبتها, ويرسخ لهم التضاد بين الصلاح وترك النهي عن المنكر والأمر بالمعروف, وألا تأخذهم في الله لمة لائم, والتضاد بين العلم النافع وترك العمل به, ويذكر لهم ثواب الأعمال, وتذكر الموت والاستعداد لليوم الآخر, والعناية بأحوال المسلمين وكثرة الدعاء لهم ولولاة الأمر بالصلاح والمعافاة, وأنه لا يليق بمسلم فضلا عن طالب علم أن يموت وليس له أثر على أمته وحيث ينزل, وينفر من طريقة من اشتغل بالدنيا وترك طلب العلم حتى كبر .

ولا أنسى دور أمهم الكبير, فأشيد به ؛ فقد وفق الله أنها كانت معلمة فاستقالت, فتفرغت لتحفيظ أولادها القرآن, وقد حفظ القرآن على يديها أربعة منهم, ومتابعة مع الآخرين, وأعانتني في مراجعة المتون لهم أحيانا, وهي أيضا كثيرة الصيام والصلاة, تصوم يوما وتفطر يوما, وتدعو لهم بكثرة, كما أنها جزاها الله خيرا أراحتني في دراستهم فهي معلمتهم فيها إلى أن يكبروا , وهو من أسباب تفوقهم الدراسي.

ومن طريقتي أني أمنع عنهم الجوالات قبل مرحلة الجامعة إلا في حضرتي أو حضرة أمهم أو إخوانهم الكبار من غير أن يكون لهم جوالات خاصة بهم, من الجوالات الذكية هذه , فقد جربتها لبعضهم فرأيت من إفسادها للولد وإبعاده عن حب العلم وتغير أخلاقه بسبب تعلقه بها العجب العجاب . ثم بصعوبة تمكنت من سحب ذلك بتوفيق من الله وأوجدت بدائل والحمد لله, وكانت البدائل هي قناة المجد, والنزهات, والنظر إلى هذه الأجهزة مع إخوانهم الكبار أو معي أو مع أمهم, من غير أن ينفردوا بها, فالأفضل عدم إعطائهم من البداية, وإقناعهم أنها ضرر عليهم, وأن من عنده جوال ممن هو في سنهم فليس قدوة لهم.
ومعلوم رحمكم الله أن الأطفال في حاجة للنزهة والفسحة فأجتهدُ في عدم التقصير معهم بالذهاب بهم للبراري, والاستراحات, التي فيها المسابح, والملاهي المناسبة للصغار, وصنع العشاء هناك وتعليمهم الشواء وغيره , وإدخال السرور عليهم بشراء ما يحبون من غير سرف, وخير ما يبذل فيه المال فيهم .

وحبذا مزاحهم والابتعاد عن عقوبتهم بالضرب قدر المستطاع, وربما كان منع أحدهم من أكلة أو من شيء يحبه أو النظر لمثل قناة المجد مثلا أياما أو يوما ابلغ في عقوبته من الضرب فإذا تعين الضرب فغير المبرح, ومن أكثر مت أشدد عليهم فيه مسألة صلاة الجماعة وأشدد في العقوبة في التخلف عنها لغير عذر, وإذا كنت مسافرا فأمهم تشدد في ذلك عليهم .

ولا انسى أن أنبه أني أعلمهم في الابتدائي في مدارس تحفيظ القرآن, وبعد ذلك أنقل البنين إما في معهد الحرم المكي, أو في دار الحديث الخيرية, حسب الاستطاعة, لقوة مناهجهما, خاصة أن من تخرج منهما فهو مقدم في كليات الشريعة في جامعاتنا والحمد لله .

فكان هذا سبب ما رآه من رآه منهم من خير, وسبب ما لمسته فيهم من حب العلم, وحفظ متون العلم, وحب العلماء, وكثرة القراءة في كتب العلم, وإنكار المنكر, والتنافس على الطاعات, وأسأل الله أن يجعلهم خير خلف لعلماء السلف الصالح, وأن ينفع بهم أهل السنة والمسلمين آمين .

وهذه مجمل ما أسلكه معهم , وسرت مع البنات سيري مع البنين, إلا أنه يخفظ كم القراءة, لمساعدة أمهن, وتعلم شؤون المنزل, والهداية والتوفيق بيد الله, فإن أصبت في ذلك أو في بعضه فمن الله وإن أخطأت فمني والشيطان والله ورسوله بريئان, والخير كل الخير في اتباع من سلف, والشر في ابتداع من خلف, والعبرة بالخواتيم, وأسأل الله الثبات, وأن يرحم والدينا كما ربونا صغارا , وأن يصلح أحوال المسلمين ويفقههم في الدين, ويصلح ولاة الأمور, ويعيننا وإياهم على أمور الدنيا والدين والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه, والحمد لله رب العالمين .


مكة المكرمة – العوالي- 1438

 

تربية الأبناء

  • التربية الإيمانية
  • التربية العبادية
  • التربية الأخلاقية
  • التربية النفسية
  • التربيةالاجتماعية
  • التربية العلمية
  • التربية السلبية
  • فقه الأسرة
  • وسائل التربية
  • زاد المربي
  • كتب وبحوث
  • صـوتـيـات
  • الصفحة الرئيسية