صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







252 تغريدة عن الشهيد عز الدين القسّام .. القصة كاملة !

فهد البيضاني
@fh25


بسم الله الرحمن الرحيم

الشهيد عزالدين القسام ..
القصة كاملة !
 

1- كان رِبْعةً ، على شيء من النحول الذي يوحي بكثير معاناة ، تُحس وأنت ترنو إليه أن روحه تعمل في جسده كما يعمل السيف في غمده ، امتزجت في عينيه حِدّةٌ أقرب إلى الشراسة .. مع حزن عميق، دقيق ، يغتسل بفرح طفولي سمح.

2- إنه القسام الذي غير مجرى التاريخ، وأشرع أبواب الأمل، وسكب في القلوب وقود الجهاد.. ولقد عثرنا لديه على قصة مختلفة .. لُحْمَتُهَا وسَداها الأمة وعزها ..قصة حافلة بالمشاق والآلام، إلا أنها أيضا مليئة بالأمل والإشراق.

3- عام 1300هـ/ 1883م وفي بلدة جبلة الساحلية كبرى مدن اللاذقية السورية ولد (محمد عزالدين بن عبدالقادر بن مصطفى القسام).

4- والده "عبدالقادر" كان يعلّم القرآن والكتابة في كتَّاب يملكه، وجدّه "مصطفى" كان قد قدم من العراق وهو من المقدمين في الطريقة القادرية الصوفية.

5- تزوج عبدالقادر بامرأتين: "آمنة" وقد أنجبت له: أحمد ومصطفى وكامل وشريف.

والثانية "حليمة القصاب" وأنجبت: (بطلنا عزالدين) وأمين وفخرالدين -أو فخري- وفاطمة.

6- أسرة القسام مثل مئات الأسر التي كانت تعيش على الكفاف والرضا بما قسم الله، وكانت أسرة متدينة، يحبهم الناس ويجلّونهم لما لديهم من صلاح وعلم.

7- كان بيتهم يتكون من غرفة طويلة من الطين ، مقسمة إلى 3 أقسام مفتوحة على بعضها :

واحدة للعائلة، وأخرى للمؤونة والعلف، والثالثة لنوم البقرة !

8- كان الطفل عزالدين كثير التأمل والتفكر .. في الصباح يعاون والده في العمل، وبعد العصر يذهب للكتّاب يحفظ القرآن ويتعلم مبادئ العلوم .. ثم تتلمذ على الشيخين سليم طيارة وأحمد الأروادي.

9- لما بلغ 14 سنة ، ولبروزه وتفوقه، سافر للدراسة في الأزهر الذي كان في ذلك الوقت لا يزال قويا شامخا، وكان يزخر بالعلماء الراسخين، وإليه يرحل الطلاب من كل بلد.

10- في مصر حدثت له قصة تدل على عصاميته ، حيث انقطع المصروف عنه وعن رفيقه "عز الدين التنوخي" فاقترح القسام أن يصنعا حلوى "الهريسة" ويبيعاها للطلاب.

11- فقال التنوخي: "أنا أخجل أن أُنادِي على بضاعتنا". فقال له القسام: "أنا أصيح على البضاعة". وبعد مدة جاء والد التنوخي لزيارته في القاهرة .

12- فرآهما والقسام ينادي على الحلوى، فسأل: "ما هذا؟". فخجل التنوخي وقال مُتنصِّلاً: "عزالدين علمني، هو صاحب الفكرة". فقال: "حقا ! لقد علمك الحياة".

13- مكث القسام ما يقارب الثمان سنوات في حلقات الأزهر، ولم يقتصر على تلك الحلقات بل كان ينهل من كتب الأئمة المتقدمين، وظهر ذلك جليا في اتباعه الدقيق لمنهج السلف.

14- كان شغوفا بالقراءة، واسع الاطلاع، موسوعي المعرفة، كثير الاهتمام بالتاريخ، أما سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ومغازيه فقد أولاها عناية فائقة أفادته فيما بعد.

15- كما أنه في مصر تأثر بأخبار الثورات العربية السابقة كثورة أحمد عرابي .. ورأى المحتل الإنجليزي وما يفعله في مصر حيث قد مضى على احتلاله لها 14عاما .

16- عاد القسام إلى قريته جبلة بعد نيله الإجازة العالمية وتضلعه من علوم الإسلام .. عاد ابن الـ 22 عاما ليبدأ حياة مليئة بالبذل والجهاد ، وليغير مسار أمة !

17- فور عودته من مصر قام بهدم الطبقية السائدة في بلده، فقد توافد الناس للسلام عليه، لكن والده فاجأه عندما طلب منه الذهاب للأفندي - الإقطاعي الذي تعمل أسرة القسام في أرضه - ليسلم عليه، فقال في أنفة :

18- "المقيم هو الذي يأتي ليسلّم على القادم". فقال والده: "لكنه الأفندي يا ولدي!". فطمأن والده وقال: "الأفندي لن يستطيع أذيتك بسبب قوتي بعلمي وإيماني".

19- لذا ضاق الأفندية به ذرعا فتألبوا عليه وحاولوا نفيه إلى بلدة أزمير التركية ؛ للتخلص من صوته الثوري الجريء الذي صار يؤلب الناس ويوقظهم !

20- تزوج القسام من "أمينة نعنوع" فأنجبت له 3 بنات "ميمنة وعائشة وخديجة"، ثم - فيما بعد - في فلسطين أنجبت ابنه الوحيد "محمد" قبل استشهاده بـ 7 سنين.

21- حلّ الشيخ محل والده في "الكتّاب" واشتغل بتحفيظ القرآن الكريم للأطفال ، وأخذ أيضاً يدرّس بعض العلوم الحديثة ، ثم أصبح خطيباً .

22- ولكي يرتقي بالتدريس والتعليم قام برحلة إلى تركيا للاطلاع على طرق التدريس في جوامعها ، وعلى خطب الجمعة ، ودروس ما بعد صلاتي العصر والمغرب.

23- ثم عاد فتفرغ للتدريس في المساجد والمدارس وتجمعات العُمَّال وكل مكان، للأطفال والكبار والفتيات، وكان له حلقات في الجامع يدرس فيها التفسير والحديث .

24- ووفّر كل طاقته وإمكاناته للتعليم .. وكان يزور بيوت القرية ويقنع الأهالي بضرورة تدريس أبنائهم ، وقام بفتح مدرسة يدرس فيها الأطفال نهارا والكبار ليلا .

25- وكان يخطب في مسجد المنصوري بطريقة مختلفة عن الخطب التقليدية ، فأصبحت القرية لا تتخلف عن صلاة الجمعة ، وبدأت آثار دعوته تنتشر ويلمسها الجميع .

26- كانت خطبه تهز الوجدان وتحرك المشاعر ، وتعالج المشاكل اليومية ، وتتناول أحوال المسلمين ، وتقدم الإسلام صافيا بعيدا عن البدع ، بإسلوب سهل مفهوم.

27- كان همه الأول تخليص الدين من الشوائب وإخلاص العقيدة لله ، من ذلك أنه حارب ذهاب الناس لـ (مقام الخضر) على سفوح جبل الكرمل لذبح القرابين .

28- ومنع من زيارة قبر جده ووالده من قِبل أفراد الطريقة القادرية الذين كانوا يأتون من العراق لأجل ذلك ، وبيّن أن شد الرحال لزيارة القبور أمر محرم.

29- وحذّر - فيما بعد - من بدع كانت في الأذان والصلاة، وأنكر على فرقتي البهائية والقاديانية اللتين كانتا في حيفا وعكا، وأنكر المشاركة في جنازة عباس البهائي .

30- لذا اتهموه بالوهابية ! .. قال في كتابه )النقد والبيان( : "خشينا أن يرميا مؤلفه بالنزعة الوهابية التي هي حجة العاجز لترويج الباطل وإضاعة الدين" .

31- وكان التصوف منتشرا فقاومه بعلم وحلم ، وحزم أحيانا ، حتى صحح عقائدهم وبصّرهم، وردهم للكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح النقي الواضح.

... في ساحات الوغى ...

32- ولما قامت الحرب العالمية الأولى تطوع في الجيش العثماني لجهاد الإنجليز ، فصار خبيراً في استعمال السلاح.. فقد كان مولعاً بالجهاد ، كارهاً للغزاة .

33- سنة 1329هـ/ 1911م حاصر الإيطاليون طرابلس في ليبيا. ولمّا وصل الخبر غضب الناس ، وثارت ثائرة القسام فخطب فيهم ودعاهم للجهاد بالمال والنفس .

34- فاستجاب له الكثيرون ، فاختار منهم 250 مجاهدا ، وانطلقوا عن طريق ميناء الإسكندرونة ، لكنهم أُرجعوا !

فسافر القسام سرا، والتقى بالمجاهد الكبير الشيخ عمر المختار، وسلمه التبرعات .

35- بعدها بـ 5 سنوات قامت الثورة العربية (الغبية) على العثمانيين، وصار العربي المسلم يقاتل بجانب الإنجليز الذين وعدوه بإقامة مملكة عربية له !

36- فصارت القوات العربية تحتل القرى والمدن وتطرد الجندي التركي منها ، ثم تأتي بعدها جيوش الحلفاء لتستلمها !

37- فلم يشارك القسام في هذا الخطأ التاريخي الذي وقع به المتحمسون من العرب ، وكان يرى أن لولي أمره العثماني حق الطاعة وأنه لا يجوز الخروج عليه .. وكان العلماء يصرخون بالناس : ظلم العثمانيين خير من استعمار المشركين .

38- فوقع المحذور ، وتخلص العرب من العثمانيين ، لكن الأصدقاء الغربيون نقضوا عهودهم ، ونفذوا اتفاقية سايكس بيكو ، وتقاسموا الكعكة العربية الشهية !!

39- كانت سوريا من نصيب فرنسا ، فدخلتها عام 1337هـ/ 1918م وقسّمتها دويلات (حكومة لبنان الكبير- حكومة اللاذقية العلوية - حكومة لواء الاسكندرونة ...

40- فكان القسام - كما تذكر كتب التاريخ - أول من رفع راية المقاومة في المنطقة ، وأول من حمل السلاح في وجه فرنسا ، وكان من نتائج دعايته أن انطلقت الثورة في جبل صهيون في اللاذقية .

41- ونقل عنه ابن أخيه عبد المالك القسام أنه كان يقول: "ليس المهم أن ننتصر .. المهم قبل كل شيء أن نعطي من أنفسنا الدرس للأمة وللأجيال القادمة" .

42 -واندلعت الثورة السورية الأولى ، وكان هناك 4 مجموعات للثورة المسلحة: (مجموعة إبراهيم هنانو ومجموعة صالح العلي ومجموعة صبحي بركات ومجموعة عمر البيطار).

43- وانطلق القسام يحث الناس على الجهاد ، وقام بتدريبهم على السلاح ، وباع بيته واشترى 24 بندقية، ثم أنشأ هو ورفاقه - منهم أخوه فخر الدين - قاعدة عسكرية بين الجبال ، وصار يتعاون مع عمر البيطار .

44- ولما قدِمت لجنة "كراين" الأمريكية لاستفتاء الناس بشأن تقرير مصير البلاد واختيار دولة تكون وصية عليهم ! قابلهم القسام وقال:

45- (لا وصاية ولا حماية ) .

فقال له رئيس اللجنة: لكنكم لا تستطيعون إدارة أنفسكم ، لضعف تجربتكم !

فأجابه: "بل نستطيع ، إن لدينا قوة لا تملكونها" وأخرج مصحفا كان في جيبه !

46- وخاض القسام ومن معه معارك أشهرها معركة "بانيا" ، حيث قاموا بغارة ليلية على الثكنة الفرنسية وقتلوا حاميتها !

47- وحاولت السلطة العسكرية الفرنسية شراءه بتوليته القضاء ، وأرسلوا له زوج خالته ليساومه ! فرفض واستمر في طريقه .. لم يدركوا أنه كان قد باع نفسه لله واشترى جنته !

48- وفي جبال اللاذقية خاض مع الفرنسيين معارك ضارية ، وكبدهم الكثير من الخسائر في الأموال والأنفس ، فصاروا يرسلون لقتاله الفيلق تلو الفيلق .

49- وجعل الفرنسيون يحكمون قبضتهم على المنطقة موقعا إثر موقع .. وصار المجاهدون يتقهقرون يوما بعد يوم ، ويفقدون ما معهم من الذخيرة والسلاح !

50- تذكر "خيرية القسام" ابنة شقيقه : أن الطائرات الفرنسية قصفت قريتهم ، فاضطرت الأسرة للرحيل بفزع شديد ، بعد أن أحرقت القذائف مكان سكناهم وأثاثهم .

51- ثم إن الأغنياء والوجهاء الذين كانوا يؤازرونهم أخذوا ينفضّون من حولهم ويعلنون ولائهم للفرنسيين، ولاسيما بعد استشهاد البيطار وكثير ممن معه!

52- أيقن القسام أنه مهدد بالتطويق ، فاتجه برجاله لحلب وانضم إلى إبراهيم هنانو فجاهد معه حتى انقض الفرنسيون على حركته وبسطوا نفوذهم على سوريا .

53- وحكم الفرنسيون على المجاهدين الذين أفلتوا من أيديهم بالإعدام ، وفي مقدمتهم القسام ، ووضعوا عشرة آلاف ليرة مكافأة لمن يمسك به أو يدل عليه !

54- عندها غادر القسام إلى دمشق ونزل عند صديقه القديم عزالدين التنوخي صاحبه في الأزهر. وهناك كان له شرف المشاركة في معركة ميسلون التي قتل فيها البطل يوسف العظمة.

55- أما خبر الثلاثة الآخرين:

- صبحي بركات : خان الثورة وألقى سلاحه مؤمنا بالحل السلمي!

- إبراهيم هنانو : خاض 27 معركة دون هزيمة ، ودوخ الفرنسيين ثم غُدر به .

56- صالح العلي : رغم أنه علوي إلا أنه صدق في ثورته وقويت شوكته .. ثم تخلى عنه "الشريف فيصل" وقلّ سلاحه وتفرق أنصاره فهزم.

57 -يلاحظ أن هذه المجموعات الثلاث كان لها تحالفات خارجية إما مع "كمال أتاتورك" أو "الشريف"، فلما قطعوا الدعم عنهم هُزموا، وبعضهم كان يتلاعب بهم !

58- فالشريف فيصل خان حليفه العلي، وكمال أتاتورك تخلى عن إبراهيم هنانو، وصبحي بركات أقنعوه بترك الثورة ! ! فأخذ القسام من ذلك دروسا وعبرا .

59- جاهد القسام في سوريا ما يزيد على السنة ، فكانت هذه الفترة بتنوع تجاربها وتحالفاتها ؛ مدرسة تربى فيها واستفاد منها كثيرا فيما بعد ..

60- وعرف خلالها كيف يمكن لفلاحين وبسطاء أن يواجهوا جيوشاً مدربة أحدث تدريب ، يتحدونها بإرادتهم الصلبة، وعقيدتهم الراسخة، وثقتهم بالله سبحانه !

... إلى فلسطين الجريحة ...

61- بعد الحكم عليه بالإعدام ، وبعد تشتت المجاهدين ، قرر القسام مغادرة سوريا إلى فلسطين ، فخرج عام 1338هـ/ 1920م إلى حيفا .

62- خرج القسام إلى حيفا يرافقه 6 من شباب سوريا المجاهد : أحمد إدريس، والحاج علي عبيد، ومحمد الحنفي، وخالد الصالح، وظافر وعبدالمالك القسام ابنا أخيه مصطفى .

63- وحيفا ميناء ذو خليج بحري هام ، ومما يميزها بعدها عن نفوذ العائلات الكبرى وصراعها الذي أضر كثيراً بمسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية وأعاق اتحداها .

64- كما تتميز بأنها كانت سوقا رائجة للعمل ، يفد إليها العمال والتجار من الأقاليم العربية كافة ، خاصة الإقليم السوري لأن فلسطين كانت تابعة له.

65- كما كانت حيفا قاعدة من قواعد التهويد ، ومركزا لسلطات الانتداب البريطاني، ومنطلقا لأسطوله، وقد نصب فيها المدافع وبنى القلاع ومخازن الأسلحة !

66- وصل الشيخ ورفاقه إلى حيفا عصر يوم جمعة ، وصلّوا المغرب بجامع الجرينة ، وقام القسام بعدها بإلقاء كلمة لفتت أنظار المصلين وأَسَرَتهم بروعتها !

67- في صلاة العشاء قدموه ليصلي فبكى وأبكى وأخذ الخشوع منهم كل مأخذ ، ثم أقبلوا إليه يصافحونه ويدعونه إلى بيوتهم ، لكن قيّم المسجد فاز بضيافته وأصحابه .

68- ثمّ نزل القسام ضيفاً عند قريبه الحاج أمين نور الله ، الذي كانت له علاقة مع أعضاء الجمعية الإسلامية بحيفا، ثمّ سكن في بيت الحاج عبد الواحد.

69- ثم بعد فترة لحقت به زوجته وبناته، حيث نقلهم سائق من بيروت أدخل أسماءهم في جواز سفره. فاستأجر لأسرته بيتا في الحي القديم مع الفلاحين النازحين. فلم يملك بيتا حتى استشهد .

70- ثم لحق به أخوه فخر الدين لكنه لم يشاركه الثورة رغم أزهريته .. ولحقت به أمه وعاشت لحظات استشهاده .. أما والده فقد مات قبل خروجه لفلسطين .

71- بعد شهرين عاد رفيقه خالد الصالح إلى سويا فقبض عليه الفرنسيون وأعدموه بطريقة بشعة ؛ حيث جمعوا سكان القرى ثم سكبوا الكاز عليه فاحرقوه حيا !!

72- وصل القسام إلى حيفا وقد شارف على الأربعين من عمره ، وفي جعبته تجارب تربوية وجهادية كثيرة ، وخبرة في قيادة الجمهور وفي أساليب الدعوة.

73- وهناك صادف فراغا كبيرا ينتظر من يملؤه ، فأقبل الناس عليه، وألقوا مقاليد أمورهم إليه، خاصة أن مجتمع حيفا شبيه بمجتمع جبله وله الظروف نفسها .

74- ترك القسام بلده المحتل ونفر لفلسطين إدراكا منه بأنها جوهر الجهاد وأهم مواقعه ، وأنه على أرضها يتحدد مصير الصراع الطويل بين الإسلام والغرب !

75- وكانت رؤية القسام للخطر الصهيوني على فلسطين تنبع من ثقافة عميقة تدرك أبعاد المشروع الصهيوني مبكراً بفضل قراءاته عن ذلك ، ومنها ما كان ينشره رشيد رضا في مجلتة المنار.

76- كما أدرك مبكرا عبثية الوسائل السلمية في مقاومتها بعد تجربته مع الفرنسيين ، فكان القسام حازماً وواضحاً أن الجهاد في سبيل الله هو وحده الحل لوقف أطماع اليهود .

77- رأته ابنته "ميمنة" يوما متحمسا يردد أناشيد الجهاد فخشيت عليه ولاطفته قائلة: "إن الطرق السلمية هي خير طريق يمكن أن يسلكه شعب أعزل كشعبنا، لأن القوة يجب إن تجابهها قوة مثلها ، ونحن لا قوة لدينا ولا مال ، فالحسن أن نسعى إلى حقنا بالطرق السلمية". فصرخ بها قائلا: "اصمتي يا ميمنة"! .. كانت رؤية واضحة جلبة.

79- اتخذ القسام مسجد الاستقلال منطلقا ، حيث استوطن فقراء الفلاحين الفلسطينيين الذين نزحوا من قراهم المغتصبة وصاروا يسكنون عشش الصفيح المتهالكة !

80- كان يتقرب للفقراء كثيرا ، ويكثر من مجالستهم ، وحدث مرة أن هزئ منه كبار التجار في حيفا لكثرة مجالسته فقراء "بوابة عكا" ورفضه الجلوس معهم !

ومرة بحث عنه أحدهم فوجده يأكل مع "عامل الحمّام" الذي دعاه للإفطار !

81- كان لكلامه بين الشباب تأثير كبير ، وكان يتأقلم مع البسطاء ويجد لغة مشتركة معهم ، كذلك نجح بالتغلغل في أوساط النشطين من القوميين وأثّر بهم .

82- كان تخطيطه طويل المدى ، فأخذ يعلم الفلاحين والشباب ويحارب الأمية المنتشرة بينهم ، حتى أنه فتح فصولا ليلية لمن ينشغل منهم في النهار بأعماله .

83- وفطن لطبقة الشباب المثقف الذين يجتمعون في"جمعية الشبان المسلمين" فانضم إليها ثم صار رئيسا لها ، فاستفاد من انتشارها لنشر العلم والدعوة للجهاد .

84- وواظب في الجمعية على إعطاء محاضرة مساء كل جمعة ، وكان يسهر الليل في إعدادها وترتيبها.

وكان يخرج كل أسبوع مع بعض الشباب للدعوة في القرى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

85- وبذل من خلال الجمعية جهدا رائعا ، وأعطاها الكثير من وقته حتى أنه كان ينام أحيانا على كرسي الجمعية ولا يعود للبيت ! .. حقا لقد باع تلك الروح .

86- وانشأ فروعا للجمعية في القرى فصارت مكانا مفضلا للقرويين ؛ يجتمعون بها ويتناقشون بشأن عدوهم الغاصب . وأحدها كان له دور بارز في إنجاح العمليات العسكرية.

87- لم يركز القسام على الأغنياء وأصحاب الجاه - وإن كان لم يهملهم - فقد أدرك أن الجماهير الكادحة أقدر على البذل والتضحية ، فتوجَّه بخطابه إليهم ، وشكّل منهم فيما بعد تنظيمه المسلح.

88- وكان يقول: "إني أرجو خيراً من الفلاحين والعمال ، فهم واثقون بالله مؤمنون بالجنة ، وهم أقرب للتضحية وأجرأ ، وهم أقوى بنية وأكثر احتمالاً للمشاق" .

89- أيقن أن الفلاحين والعمال هم أكثر الفئات استعدادًا للتضحية .. وذهب أبعد من ذلك في مخالفة قادة الأحزاب النخبوية؛ فوجه خطابه للمنحرفين !

90- فأيقن أيضا أن جرأة السارق والقاتل والمنحرف قابلة للتحول إلى شجاعة حقيقية وطاقة نافعة إذا ما ارتدع هذا المنحرف عن غيه وآمن بالله وبالجهاد في سبيله .

91- فحاول هداية هؤلاء فنجح .. ومنهم (حسن الباير) ، كان سارقا فاهتدى على يديه ، وزوجه الشيخ ابنته ، وكان عضده الأيمن . وقد طال عمره فلم يتوفى إلا يوم الأحد 14/7/1404هـ.

92- عطية المصري : أصله من مصر ، كان ذا طباع سيئة ، وكان يشرب الخمر بمنزله فيتشاجر مع زوجته مما يؤدي إلى إزعاج جيرانه ، فذهبوا إلى الشيخ وأخبروه بحاله.

93- فجاء وسهر عندهم ، وأرسل لعطية، فقضى سهرته معه ، وتكررت الزيارات وتوثقت العلاقة بينهما حتى اهتدى ، ثم استشهد بجانبه كما سيأتي !

94- أحمد الطيب: كان من "قبضايات" حيفا ، يقضي وقته في المقاهي والخمر والتشليح ، فدعاه الشيخ فاهتدى ، وصار يعمل على تهريب وتخزين الأسلحة للمجاهدين !

95- نوح إبراهيم : شاعر شعبي اشتهر بأهازيجه الشعبية الحماسية، كان يتيما عند راهبة نصرانية ، توثقت صلته بالقسام فاهتدى ، واستشهد في الثورة الكبرى ، وكان بعد وفاة القسام يرثيه كثيرا ، وإذا طبع ديوانا جعل صورة الشيخ على الغلاف .

96- صار الشيخ ينشر الوعي بين الناس فأقبلوا عليه .. وكان إذا خطب أقفرت الشوارع !

وتوافد الناس حتى من القرى المجاورة للاستماع إلى خطابه البارع الصادق ، الذي كانت الأمة بحاجة ماسة إليه.

97- وقد كان القسام متحدثاً لبقا ، وخطيبا بارعا .. في صوته تهدج وحماسة ، وفي نبراته رنينُ ألمٍ ممضّ ، وفي عينية بريقٌ من بأس وقوة !

وكان كذلك حسن المعاشرة ، ذا شخصية آسرة!

.. المرحلة الأولى: تهيئة الناس للجهاد ..

98- وكان يحرص على الجلوس مع رفاقه بعد صلاة الفجر في حلقة صغيرة ، يتحدث فيها عن فضائل الجهاد ، ومكانة المجاهد ، وثواب الاستشهاد في الآخرة.

99- وتولى التدريس في عدة مدارس في حيفا ، فجمع بين المنهج الدراسي والتوجيه التربوي ، وربط الناشئة بالصحابة والفاتحين ، واستخدم المسرح لغرس الجهاد في نفوسهم، فمثلوا حطين وعين جالوت وغيرها .

100- وكان أثناء تدريسه يسأل طلابه عما يريدون أن يكونوا ، فكانوا يتمنون كوظائف آبائهم ، إلا واحدا قال: (أريد أن أصبح قائدا مسلما) فشجعه ولفت الأنظار إليه .

101- كان هو في نفسه قدوة تقيا نقيا ، هادئا ، قليل الكلام ، لا يسمح بالغيبة أبدا ، وإذا سمعهم يخوضون رفع رأسه وقال: "استغفروا الله أيها الناس"، ثم انصرف .

102- كان قويا شجاعا ماضي العزم ، وصفه أحدهم فقال: "هذا الرجل كانت عنده النعم نعم، واللا لديه لا" !

وكان ينكر البدع وينهى عنها، ويكتب في الصحف .

103- وأوذي لإنكاره بدع الجنائز .

وألف مع القصاب كتاب (النقد والبيان) في الرد على بدعهم ، فأزعجهم جدا وحاولوا تشويه سمعته وسعوا لمنعه من الخطابة !

104- ورفيقه كامل القصاب - لمن لا يعرفه - من رؤوس السلفيين في الشام ، وكان - فيما بعد - أحد الشخصيات التي اعتمد عليها الملك عبدالعزيز رحمه الله في تأسيس إدارة المعارف بمكة

105- ومن قرأ الكتاب اتضح له الدقة العلمية التي ارتقى لها، وتبحره في العلوم ، وفهمه العميق لما يَكتب حوله ، وسيسلم له بصحة وقوة ما ذهب إليه .

106- ولزيادة مساحة تأثيره صار الشيخ مأذونا يتجول بين الناس الذين قد لا يحضرون للمسجد ، وصار يستغل الأعراس لبث الدعوة والتعليم والتواصل مع الناس .

107- ووظيفة المأذون حصل عليها بعد فوزه على 14منافسا ، وصار بهذه الوظيفة يخدم المجتمع فيما يخص الإصلاح الأسري ومعالجة المشاكل الاجتماعية.

( وانظر صورة ورقة إجابته ، وصورة غلاف كتابه : https://twitter.com/fh25/status/499261471251914752 )

108- وفي إحدى جولاته وقف على قطعة أرض خصبة فابتاعها وعهد بها إلى أحد أعوانه ، وصار يستغل مواردها في شراء الأسلحة للمجاهدين وإعانة المحتاج منهم. كان يخطط.

109- في هذه الأثناء كان المد الصهيوني يتوسع ، وكانت خطورته تزداد دون أن يتصدى له أحد ، وكان الإنجليز يتولون حماية المخطط الصهيوني والتمكين له !

110- فرأى القسام ضرورة ضرب هذا الاستعمار البريطاني ، وذلك في وقت كانت الزعامات والأحزاب الفلسطينية تسعى لمفاوضة بريطانيا وتتجنب مواجهتها !

111- بل كان الفلسطينيون والعرب - على رأسهم الشريف حسين - يرون أن الإنجليز ليسوا كالفرنسيين والإيطاليين ، وأنهم قوم متحضرون سينشرون العلم والصناعات !

112- لقد وصلتهم أخبار وحشية الفرنسيين والإيطاليين ، بينما بريطانيا تتودد لهم وتعطيهم من معسول الكلام المؤكد بأنواع المواثيق، فانخدعوا لهم ، ونسوا أنهم لم يفوا بوعدهم بعد ثورتهم على الأتراك.

113- بل إن الأمر استفحل حتى أن جريدة القبلة - الصادرة بمكة والناطقة باسم الشريف - كتبت: (الإنجليز ضيوف ومن أهل الكتاب ؛ فينبغي أن نُحسن استقبالهم) !

114- أما بطلنا القسام فقد آمن وأيقن بأن الثورة المسلحة هي الطريق الأوحد لإنهاء الانتداب البريطاني، والحيلولة دون قيام دولة صهيونية في فلسطين.

115- وكانت القاديانية -ومركزها حيفا - يبثون بين الناس أنه يجب طاعة الإنجليز، وأنهم صاروا ولاة أمر ! فأبطل القسام ذلك، وأوضح أنه لا طاعة إلا لولي أمرمسلم ، وأوجب عصيانهم .

116- ولما جاء خبرٌ أن اليهود يأتمرون للهجوم على جامع الاستقلال ؛ اقترح الوجهاء أن يطلبوا من البريطانيين إرسال قوة لحراسة المسجد ! فثار الشيخ وخطب قائلا :

117- (إن جوامعنا يحميها المؤمنون منا ، إن دمنا هو الذي يحمي مساجدنا لا دم الآخرين)

واتهم أصحاب الاقتراح بالجبن والخور..

فأوقفته السلطات وسألته عما قال فلم ينكر منه شيئا .. وأضرب الناس حتى خرج.

118- ولقد كان أسلوب الثورة المسلحة أمرا غير مألوف للحركة الوطنية الفلسطينية ، واقتصر نشاطهم على المظاهرات والمؤتمرات وإرسال البرقيات ، بل منهم من سخر من دعوته للجهاد!

119- لذا كان إبراهيم طوقان يخاطبهم ساخرا :

أنتم رجال خطابات منمقة * كما علمنا وأبطال احتجاجاتِ

أضحت فلسطين من غيظ تصيح بكم : " خلوا الطريق فلستم من رجالاتي "

120- كانت مهمة القسام صعبة .. والناس قد خنعوا للاحتلال .. فأخذ يستثير حماستهم ..

كان يصرخ بهم : "أيها الرجال .. يا نساء وشباب فلسطين .. البلاد في خطر" !

121- وكان يقول: "إن الصليبية الغربية الانجليزية ، والصهيونية الفاجرة اليهودية ، تريد ذبحكم كما ذبحوا الهنود الحمر في أمريكا .. تريد إبادتكم" .

122- وكان يقول: أيها المسلمون ألا تفهمون ؟ الله فرض عليكم الجهاد ليحميكم ويحمي أعراضكم ( قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة) لقد ملأ اليهود بلادكم ، لقد سرقوا أرضكم !

123- وكان يستثير غيرتهم: "إنهم يريدون اللعب بأمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وتحويلهن إلى خدم وسبايا". ويردد: "اعلموا أن خلاصنا فقط بأيدينا" .

124- وكان يشن هجومه على السماسرة وباعة الأراضي لليهود ، فأحسوا بخطره وصاروا يشكونه لدار الحكومة لعل الإنجليز أن يكفوه عنهم ، لكنه مضى في طريقه .

... المرحلة الثانية: تكوين التنظيم المسلح ...

125- وهكذا استطاع القسام في العشر السنوات التي قضاها في جامع الاستقلال ومع الطلاب وبين العمال، أن يهيئهم للجهاد، وصارت كلماته الجهادية على ألسنتهم.

126- وكان شعاره تلاميذه: (هذا جهاد نصر أواستشهاد).

وكانوا يقولون لمن يأمل من الانجليز الوفاء بوعدهم بأنهم سيمكِّنون لهم: (من جرّب المجرب فعقله مخرب) لأن الإنجيز خانوهم بعد ثورتهم على الأتراك.

127- ثم أخذ يأمر الناس بالتسلح علانية ! .. طلب مرة من المصلين أن يقاوموا الأعداء، فقام أحد الناس وقاطعه قائلا: بماذا نقاوم ونحن لا نملك سلاحا؟ فأجاب: بقتلهم وأخذ السلاح منهم!

128- يروي أحمد السعدي - رئيس بلدية جنين - أن الشيخ في إحدى خطبه كان يخبئ سلاحاً تحت ثيابه فأخرجه وقال: "من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر فليقتني مثل هذا" !

فؤخذ للسجن، وتظاهر الناس حتى خرج .

129- كان يشتعل غضبا وثورة، وكانت كلماته تلتهب كأنها جمر أحمر !

في احدى خطبه صاح بالمصلين: «هل انتم مؤمنون؟» فاندهشوا. فاجاب «لا اعتقد» وسكت !

130- فسرت همهمة وانشدت الانظار نحوه فقال: «لو كنتم مؤمنين لكانت عندكم عزة المؤمن، فاذا خرجتم من هذا المسجد وناداكم جندي بريطاني فستهرولون نحوه».

131- ويقول:رأيت شبابا يحملون مكانس لكنس الشوارع هؤلاء مدعوون لحمل البنادق، ورأيت شبابا يحملون فرشاة لمسح أحذية الأجانب هؤلاء مدعوون لحمل المسدسات.

132- وكان رفاقه مثله.. كان كامل القصاب يدخل على تلاميذه ويطلب إخراج الكتاب، ثم يسحب مسدسه ويشير إليه قائلا: "تعلّم هذا قبل هذا" ويؤشر للكتاب.

133- دعا القسام للتسلح وبدأ فيه.. بينما اقتصرت الزعامة الفلسطينية والأحزاب و"المناضلون" على ما يسمونه (الطرق المشروعة) مفاوضات، مظاهرات، مؤتمرات !

134- وكان تنظيمه سريا للغاية ، يتكون من حلقات لا تزيد عن تسعة أعضاء، ولها قائد يوجهها، ولا تتاح العضوية لأحد إلا بعد مدة من التجربة والمراقبة.

135- حيث أنه كان أثناء الدروس والخطب يتفرس وجوه الحاضرين، فيزور بعضهم، ثم يدعوه لبيته ويحدثه عن الجهاد، فإن رأى فيه إقبالا ضمه إلى حلقة سرية.

136- واتسع التنظيم بعد أن طردت سلطات الانتداب البريطاني سكان 22 قرية من قرى "مرج ابن عامر" واستولت على أراضيهم !واتسع أكثر بعد ثورة البراق:

137- ففي عام 1347هـ / 1929م - أي قبل الاستشهاد بـ 7 سنين - كانت البداية الفعلية لمرحلة الإعداد العسكري المسلح .. فقد خطا اليهود خطوة جريئة !

138- حيث أنهم تداعوا للتوافد إلى حائط البراق، وتدفقوا بأعداد هائلة من أنحاء فلسطين.. فتنادى المسلمون لحراسة الأقصى واندلعت ثورة البراق!

139- ووقع شهداء، وقُدم الأبطال (فؤاد حجازي، وعطا الزير، ومحمد جمجوم) للمحاكمة فأعدموا، فخطب القسام خطبة نارية وهو متجهم الوجه دامع العينين فقال:

140- (يا أهل حيفا، ألا تعرفون فؤاد حجازي وعطا الزير ومحمد جمجوم؟ ألم يجلسوا معكم في دروس جامع الاستقلال؟ إنهم الآن على أعواد المشانق). كانوا من طلابه !

141- وانتفض بعض قادة التنظيم يطالبون القسام بإعلان الجهاد ، لكنه رفض لعدم اكتمال الاستعدادات.. ثم أمضى سنوات أخرى في اختيار العناصر وتدريبها.

142- وبعد جهود 3 سنوات استطاع تكوين 12 حلقة جهادية، تعمل كل واحدة منفصلة عن الأخرى، غالبهم من عمال البناء والسكة الحديدية والباعة المتجولين !

143- ثم بلغ عدد الشباب الذين أعدهم القسام للجهاد 200، وعدد من هيأهم نفسيا وعلميا 800

وكان عدد قادة التنظيم 9 ، وقادة الفروع 22. إضافة إلى آلاف المتعاطفين.

144- وحميت الاستعدادات .. وتكاثر الأتباع ..وكان شرْط الانضمام أن يشتري سلاحه الأول من ماله، لأن بذل المال إنما هو تدريب على بذل الروح لله، ومن بخل بالمال فهو بالنفس أبخل.

145- وعندما كثر الأتباع وتفرقوا في المدن والقرى رأت القيادة العامة أن توزع الأعمال على إدارات متخصصة، يتولى كل منها شأنا محددا. فكانت كالتالي:

146- (جماعة شراء السلاح) يديرها حسن الباير ونمر السعدي. (الاتصالات السياسية) يديرها محمود المخزومي. (الاستخبارات والتجسس) يتولاها ناجي أبوزيد.

147- (التدريب العسكري) بإشراف "جلادات" وهو ضابط عثماني سابق، حيث أرسل القسام "حسن الباير" إلى تركيا فأتى به. وكان يدربهم أيضا محمد أبوالعيون.

148- (التمويل) لجمع المال من الأعضاء والأنصار ورعاية أسر المعتقلين والشهداء. كل عضو قسامي يدفع عُشر دخله شهريا، وكثير منهم كان يبذل كل ما يملك !

149- لذا فإننا لا نبالغ إذا قلنا: لقد ربى القسام رجالا ووجههم وهذبهم حتى أصبحوا جيلا فريدا يمكن نظمه في سلك رجالات المثل الأعلى في تاريخ جهاد المسلمين !

150- يقول أحد القساميين: "كان الشيخ يأخذنا لدروس التدريب وإطلاق النار، ويجعلنا نمشي حفاة، وننام في الجو البارد في العراء، مع الجوع والعطش".

151- ورغم ريادة القسام ورفاقه في تشكيل منظمة مسلحة؛ إلا أن المؤرخين أجمعوا على نجاحهم في تجاوز أخطاء البدايات، وعلى دقتهم، وسريتهم الفائقة !

152- تمكن الجهاز المالي من توفير المال لشراء مئات البنادق الحربية، وكانت الخطة تقضي أن لا يعلن الجهاد حتى يتوفر في المخازن 1000 قطعة من السلاح.

153- وقبل بدء الجهاد العلني قام التنظيم بعدد من العمليات الفدائية الفردية آذت العدو، وكانت تدريبا عمليا، وكسرا لحاجز الخوف، وفتحا لباب الجهاد.

154- كانت أولى العمليات الفدائية : الهجوم على مغتصبة الياجور قرب حيفا ليلة 17/11/1349هـ 1931م فقتلوا ثلاثة يهود، وعادوا دون أن يتركوا أثرا !

155 -ثم توالت العمليات على : مغتصبة بلغويا ، مغتصبة كفارهاسيديم ، مغتصبة عتليت ، مغتصبة العفولة.. عمليات قوية ودقيقة وناجحة، أرعبت العدو !

156- واستمر سيل العمليات في فترات متعاقبة : قنص لضباط الإنجليز، تخريب لسكك حديدهم، هجوم على معسكرات بريطانية .. وكانت تخف عند اشتداد الطلب.

157- ثم نفذوا عملية نوعية أقضت مضجع العدو وأقلقته، وهي عملية (نهلال) ليلة 1351/8/23هـ 1932م ومغتصبة نهلال هي أكبر الرموز الصهيونية في فلسطين.

158 -فقد قام أحمد الغلاييني الذي يعمل سمكريا، بصنع ألغام في معمله، ثم قام مجاهد آخر بزرع أحدها في منزل حرس المغتصبة، فانفجر وقتل اثنان وجرح آخرين.

159- وفي بعض العمليات قبضوا على المنفذين، فلم يدلوا على القسام ورفاقه، وصبروا على السجن والتعذيب، بل والإعدام .. لقد خرج للأمة جيل مختلف !

160- احتار اليهود والانجليز، وحاول جواسيسهم معرفة الفاعل دون جدوى.

لكن خطب الشيخ الجريئة جعلتهم يستدعونه للتحقيق، ثم أطلقوه لمّا لم يجدوا أدلة كافية.

.. المرحلة الثالثة: إعلان الجهاد ..


161- أوائل 1354هـ/ 1935م اضطر القسام لإعلان الجهاد قبل اكتمال الاستعدادات، لمّا أحس أن العدو يراقبه ويضيق الخناق فخشي من ضربة تقضي على مخططه.

162- كما أن الهجرة اليهودية قد ازدادت فدخل في ذلك العام 62000 يهودي ! أما أقوى دوافع إعلان الجهاد والاستعجال فيه فهو ما اكتشف في ميناء يافا !

163- فقد تم - مصادفة - اكتشاف عملية تهريب ضخمة للأسلحة الحديثة مرسلة لليهود ..فقد رست في ميناء يافا سفينة تحمل 537 برميلا من الإسمنت البلجيكي.

164- وبينما العمال ينزلون البراميل سقط أحدها وانكسر. فتفاجأوا أن الذي داخله أسلحة وليس إسمنتا ! (رشاشات ومسدسات ورصاص وبنادق) بينما الإسمنت طبقة رقيقة للتمويه.

165- فانتشر الخبر المذهل بين الناس .. فغضبوا وثاروا .. وعندها قرر القسام إعلان الجهاد .. وقال: "إن لم نهاجم اليهود فانهم سوف سيهاجموننا".

166- أما مفتي فلسطين فقد دعا الأحزاب للاجتماع، فكان غاية فعلهم أن شكلوا لجنة قابلت المندوب (السامي) وطلبت السماح لهم بالإضراب فرفض .. يا للعار!

167- قبل إعلان الجهاد قام الشيخ بجولة في عدد من المناطق لدراسة جغرافيتها واختيار أنسبها لتكون قاعدة عسكرية، خاصة الجبلية ذات الغابات الكثيفة.

168- الثلاثاء 15/8/1354هـ 1935م اجتمع قادة التنظيم اجتماعا مطولا، ودرسوا الموقف العام في فلسطين، ثم كان قرروا: إعلان الجهاد في سبيل الله.

169- وخطب الشيخ آخر خطبة له فقال: "أيها الناس، لقد علمتكم أمور دينكم حتى صار كل واحد منكم عالما بها، وعلمتكم أمور وطنكم حتى وجب عليكم الجهاد، ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد، فإلى الجهاد أيها المسلمون .. إلى الجهاد أيها المسلمون". .. وودّع الناس فأجهشوا بالبكاء، وأقبلوا يقبلون يده.. ثم انطلق.

171- وصدر الأمر القيادي الأول : (ليتوجه كلٌ إلى أهله ، يستودعهم الله ، ويعاهدهم على اللقاء في الجنة) !! يا لها من لحظات !

172- وكان هو قد استلف من زوجته حليها واشترى به سلاحا.

كما أن أصحابه كانوا قد باعوا حلي زوجاتهم وبعض أثاثهم، واشتروا بها رصاصا وبنادق.

173 -بعد ساعة من الخطبة كانت السلطات البريطانية تفتش عنه، لكنه كان قد حمل بندقيته وودع أهله وخرج وصحبه إلى الجبال .. خرج ليصدّق أقواله بأفعاله.

174- وكانت الخطة هي الطواف بالقرى وحثهم على حمل السلاح، لا أن يواجه العدو مباشرة مع قلة العدد، لكن الله الحكيم قدر ما قدر، وهو أعلم جل وعلا.

175- ويذكر بعض المؤرخين أن القيادة القسامية قررت احتلال حيفا لمدة ثلاثة أيام بقصد إحراز مكسب عسكري يكون حافزا لقيام الشعب بثورة عامة في كل المدن.

176 -اتجه القسام وصحبه نحو منطقة جنين ذات القرى الكثيرة ومن بينها يَعْبُد ذات الغابات الكثيفة، ولهذا اختارها، ثم إن كثيرا من أصحابه من أهلها.

177- في ذلك الحين نشرت الصحف خبرا هز العالم العربي يقول :

(إن شيخا يقال له القسام - يلبس الكوفية والعقال والبنطال الكاكي - يتدرب في غابات يعبُد يستعد للجهاد)!

178- صار القسام وأصحابه يتنقلون بين القرى يدعون للجهاد، وتفرق بقية المجاهدين في القرى الأخرى للغرض نفسه، وليحركوا الناس عندما تحين ساعة الصفر.

179- وأقام الشيخ ومن معه في مغارة بأحد الجبال .. وهناك جرت رياح القدر بما لم تشتهِ سفن القسام وأصحابه !

لقد حصل ما غير مجرى الأحداث، وعجل المواجهة التي لم تكتمل الاستعدادات لها، ولم تكن ضمن الخطة !

180- حيث أن أحد المكلفين بالحراسة اجتهد اجتهادا غير مناسب، فأطلق النار على دورية رآها بالقرب منهم ظن أنها تريدهم .. فقتل الشرطي اليهودي .

181- فأثار ذلك الشكوك، وربط العدو بين غياب القسام وما حدث قرب الجبل، فكثف الدوريات الأمنية وبث الجواسيس..

فأمر القسام بالانتقال إلى قرية أخرى.

182- وأعلن البريطانيون جائزة لمن يدلي بمعلومات عن قاتل الشرطي، ونشروا للناس خبرا أن هناك عصابة لصوص في جبال جنين على من يراهم الابلاغ عنهم !

183- وبدأت القوات تتعقب مجموعة القسام دون أن تحدد موقعهم، وصدّق بعض الناس أنهم لصوص، فرآهم أحدهم فدل عليهم، فوصلت القوات واشتبكت مع المجموعة.

184- فاستشهد في المواجهة أحد المجاهدين، ثم استطاعت المجموعة الانتقال إلى جبل آخر..

لكنهم لاحظوا أن العملاء يتعقبونهم .. فقرروا أن ينقسموا إلى مجموعتين.

185- المجموعة الأولى : وعددهم عشرة ، ذهبوا شمالا.

والمجوعة الثانية : وكانوا ثمانية القسام تاسعهم، واتجهوا غربا إلى قرية يَعْبُد..

كان ذلك قبل الاستشهاد بيومين .

186- وفي اليوم التالي أصبح تحركهم صعبا جدا، فقد وصل إلى جنين عدد كبير من المخابرات والجواسيس، وانتشروا متسترين بزي عامل أوفلاح أو زبال !

187- ووصف مراسل صحيفة "فلسطين" جنين وقراها بأنها قد تحولت إلى "ساحة حرب" لكثرة من توافد إليها من رجال الشرطة والعملاء.

188- استطاع الشيخ وصحبه الوصول لقرية" الشيخ زيد" ونزلوا عند أحد المشايخ ..

ثم غادروا في صبيحة يوم الأربعاء 1354/8/23هـ 1935/11/20م يوم الشهادة !

189- دخل القسام ورفاقه إلى غابة كثيفة في جبل بالقرب من قرية يَعْبُد التي سميت المعركة باسمها ..وهناك كان الشيخ وبعض رفاقه على موعد مع الشهادة.

190- استعان العدو بطائرة استطلاع حلقت فوق القرية وحددت موقعهم .. وبينما كان أحد المجاهدين خارج الغابة للحراسة، إذا به يرى العدو يطوق الجبل !!

191- مع طلوع الشمس أغار الأعداء على ظهور الخيل وهم يتصايحون ..فتوزع المجاهدون، واتخذوا مواقع الدفاع خلف بعض الصخور .. وبدأت معركة غير متكافئة !

192- وترك العسكر الخيل وانبطحوا على بطونهم متمترسين ببعض الحجارة، وصاروا يتوافدون عشرة عشرة حتى بلغوا 200 معظمهم قناصة، بينما المجاهدون 9 !

193- وُضعت الشرطة العربية في الخطوط الهجومية الثلاثة الأولى ! فأصدر القسام أوامره المشددة أن لا يقتلوهم، وأن يوجهوا رصاصهم إلى الإنجليز فقط !

194- وقيل: إن الشرطة العربية لم تعلم حقيقة الجهة التي أُحضروا إليها، وحقيقة الجماعة التي يطاردونها، وقد صدّقوا أنهم لصوص يهددون أمن البلاد !

195- اتخذت المعركة شكل عراك متنقل، وساعدت كثافة الأشجار على ذلك، وترك العدو جهة واحدة ليخرجوا منها فيحصدوهم، لكنهم تنبهوا لهذه المكيدة.

196- وحمي الوطيس .. وكان العدو لا يعرف عدد المجاهدين فظن أنه يحارب جيشاً كبيراً لما لاقاه من مقاومة شديدة .. وكان الرصاص يصم الآذان !

197- وثبت الأبطال .. وبدأ القتل في الأعداء .. واستطاع المجاهدون أن يسقطوا 15 بريطانيا، إلا أن البلاغ الرسمي لم يعترف سوى بمقتل ثلاثة !

198- استمرت المعركة حتى قبيل العصر، واستشهد أحد المجاهدين، وجرح آخرون، وضاق الخناق على البقية، وكان سبيل النجاة هو الاستسلام لكن الرجال ثبتوا .

199- ونادى الضابط البريطاني: استسلموا تنجوا.

فصاح القسام : (لن نستسلم ، هذا جهاد في سبيل الله). ثم قال لرفاقه: موتوا شهداء خير من الاستسلام للكفرة.

200- وكان الإنجليز يريدون القسام حيا .. لأنهم يعلمون أن استشهاد قائد ثائر سيؤجج نفوس أمّته، وسيصبح مشعلا يضيء طريقهم، وقدوة دائمة لشبابهم !

201- وقاتل الشيخ ذو الـ 54 عاما قتال الأبطال .. وكان يناوب في قتاله بين البندقية والمسدس .. في الوقت التي كانت شفتاه تلهجان بالدعاء ..

202- كان يدعو الله بالنصر، فمنحه الكريم أعظم نصر.

كان يرجو من الله الفوز، فرزقه سبحانه أعظم فوز !

رزقه الشهادة في سبيل الله .. أعطاه ما كان يرجوه ويتمناه !!

203- وأخيرا.. سقط البطل !

أخيرا.. اخترقت رصاصات الغدر ذلك الجسد الطاهر فمزقته !

أخيرا.. استطاعت الكلاب المتكاثرة والثعالب الماكرة أن تقضي على الليث !

204- استشهد القسام فوجدوا في ثيابه مصحفا و14جنيها.

أما الأسرة والأطفال والوالدة المقعدة فقد تركهم لله، وهو سبحانه خير حافظا وهو أرحم الراحمين

205- استشهد القائد عزالدين القسام ، وسقط بجانبه اثنان من رفاقه (عطية المصري - صاحب القصة - ويوسف الزيباوي) رحمهم الله وغفر لهم وجزاهم عنا خيرا.

206- وجرح: نمر السعدي وأسعد المفلح.

وأُسر: حسن الباير وأحمد جابر وعربي البدوي وحكم عليهم بالسجن14سنة، ومحمد يوسف.

رحمهم الله ورضي عنهم وأرضاهم

وكان شيخهم القسام يخبرهم - من قبل - عما سيلاقونه ، ويؤكد لهم أن هذا الطريق محفوف بالتعب والمشقة .. ومن كلماته التي حفظوها: "الجهاد رفيقه الحرمان".

207- بعد انتهاء المعركة تعمد قائد العدو فتسجيرالد إهانة جثة الشيخ - رحمه الله - ويقال أنه داس على رقبته ! لذا حاول المجاهدون اغتياله فيما بعد.

208 -نُقل الشهداء من ساحة المعركة إلى جنين، ثم أُرسلوا إلى حيفا فتسلمهم ذويهم، وتسلم فخر الدين أخاه الشهيد .. وصدرت الصحافة المحلية تحمل نبأ الشهداء على صفحاتها الأولى ..

209- فاهتزت فلسطين للخبر المذهل، وكانت جنازته مشهودة .. واضربت حيفا إضرابا كاملا، واكتسحت نفوس الناس موجة كلها عواصف وزعازع وزفير كزفير النار !

210- وعندما وصل الخبر إلى الناس أقفلوا محالهم، وتدفقوا لبيت القسام، وأخذت المآذن تزف خبر الشهداء في جميع أنحاء البلاد .. (وهنا لابد من دمعات)

211- كتب مراسل إحدى الجرائد يصف حال أهل يافا بعد تلقيهم الخبر :

وجوه ساهمة ، ونفوس حيرى ، وأفئدة مضطربة ، طُفت الأندية على اختلاف نزعاتها فلم أسمع إلا الثناء عليه وتعداد خصاله الطيبة .

212- وكان لمقتل الشيخ ورفاقه دوي هائل في الشام ومصر، وصُلي عليه صلاة الغائب، وبكاه ورثاه المجاهدون والعلماء والشعراء والأدباء والسياسيون.

213- وحُملت الجنائز الثلاث إلى الجامع للصلاة رغم محاولة الإنجليز منع ذلك، وبعد الصلاة أَلقى الشيخ يونس الخطيب - قاضي مكة الأسبق - كلمة مؤثرة.

214- أُخرجت الجنائز بصعوبة بالغة، وكان المشيعون قد توافدوا من أنحاء فلسطين، فتحول الموكب لمظاهر هائلة .. وارتفع دوي صوتهم كالرعد القاصف ينادي: الانتقام .. الانتقام .

215- وهاجم المشيعون مقر الشرطة وحطموا سياراتهم ، فأقبلت كتيبة لمنعهم ، فأنزل الناس الجنائز وهاجموهم ، وألقوا الضابط جيمس وجنوده أرضا وطردوهم .

216- ورفض الشباب الثائر حمل الجنائز على سيارة، وحملوها على أكتافهم إلى المقبرة التي كانت تبعد عن البلد 5 كم .. وهناك رأوا لأول مرة شهداء يدفنون بثيابهم المخضبة بالدماء الزكية !

217- عندما شاع خبر القسام ذُهل زعماء الوطنية لأنهم كانوا يظنون أن لا أحد في الميدان يخالف نهجهم، ولأن القسام فتح بابا للجهاد لا يستطيعون ولوجه !

218- ولما شُيعت جنازته لم يحضروها، ما عدا قادة حزب الاستقلال، لأن القسام باستشهاد قدم دليلا على فشلهم وخطأ أساليبهم النضالية السلمية العقيمة .

219- لكن طلاب القسام أيضا لم يحضروا الجنازة !

لقد انطلقوا إلى الجبال لمواصلة مسيرة بطلهم ، وانضم إليهم شباب جدد ألهب حماسهم استشهاده!

220- ظن الإنجليز أن مقتل القسام أنهى المشكلة، لكنهم لم يعلموا أنه أعد رجالا بالمئات يخلفونه من بعده.. فصَدق الشيخ في قوله: (نحن عود ثقاب لإشعال الجهاد) !

221- وكان القسام ورفاقه قد وضعوا خطة يسيرون عليها في حال استشهاده ! فلم تمر 6 أشهر إلا وأشعلوا الثورة الفلسطينية الكبرى سنة 1355هـ/ 1936م !!

222 -اندلعت تلك الثورة يقودها تلميذه فرحان السعدي الذي ما لبث أن أُعدم وهو صائم في الـ80 من عمره ! وكان القساميون هم القادة في أغلب المناطق !

223- ثم تسلم الراية المجاهد عبدالقادر الحسيني فقاد الجهاد حتى استشهد عام 1367هـ/ 1948م .. إن مجرد تذكر القسام وهو مضطرج بدمائه كان يستثير هممهم !

224- وبعد 53 عاما أتى المجاهد أحمد ياسين فأنشأ حماس التي استأنفت طريق الجهاد عام 1407هـ يقودها أبطال كانوا يوم مقتل القسام في أصلاب آبائهم !

225- وكان أمام طلابه مهمة أخرى لابد أن ينجزوها !

إنها الانتقام من الجواسيس الذي كانوا يتجسسون على القسام ورفاقه، وبعضهم كان يعذب رفاقه في السجون، خاصة العميل (أحمد نايف) والعميل (حليم بسطة) .

226- فاغتالوهم وعددا آخر من العملاء .. ولمّا اغتالوا (أحمد نايف) امتنع الناس من السير في جنازته، وأغلقوا مساجدهم لئلا يصلى عليه، فدفنه الإنجليز ليلا ووضعوا حارسا لئلا يُنبش !

227- بعد استشهاد القسام بثلاثة أيام كتب أكرم زعيتر في بعض الصحف: "ليس من سبيل إلى الخلاص إلا الجهاد الدامي، وقد فتح لنا فقيدنا الباب فلنلِجنَّه، وإنا لفاعلون ، إنها دعوة جديدة أخذت تظهر على ألسنة الناس لم نكن نعرفها، نفخت في الأمة روحا لم تكن تفطن لها. لقد سمعتك من قبل خطيبا، لكنك اليوم أخطب منك حيا".

229- الشاعر عبدالرحيم محمود:

حَفي اللسان وجفت الأقلام * والحالُ حالٌ والكلام كلام

هذي طريقك للحياة فلا تزغ * قد سارها من قبلك القسام

230- حسن الباش :

إيهٍ فلسطين من للنار يضرمها * حين استلذت على الأحلام أجفان

من للكلوم سوى القسام يا بلدي * من لي إذا اغتصبت بالغدر شطآن

231- الكرمي:

إيهٍ رجال العرب لا كنتم رجالا في الوجود

قوموا انظروا القسام يشرق نوره فوق الصّرود

يوحي إلى الدنيا ومن فيها بأسرار الخلود .

232- وتحدثت الصحف الغربية عن القسام ورفاقه، حتى أن صحيفة الاوبزرفر اللندنية كتبت: (جهاد العرب الحقيقي في سبيل التحرر بدأ بقيام حركة القسام).

233 -وفي أول مؤتمر نسائي لفلسطين وقفت ميمنة ابنت القسام وقالت: (الحمد لله الذي شرفني باستشهاد أبي، وأعزني بموته ولم يذلني باستسلام أمتي) وأغمي عليها أثناء ذلك!

وقد توفيت رحمها الله يوم الإثنين 10 / 5 / 1425هـ

234- وقال حمدي الحسيني: "إن القسام عدلّ من هذه القضية ما اعوج".

وقال الشيخ سليمان التاجي: "القسام نقل القضية من دور الكلام إلى دور العمل".

235- وقد وصف أحمد الشقيري - أول رئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية - القسام وإخوانه فقال: (لم تجرِ على ألسنتهم تعابير "الكفاح المسلح" و"الحركة الوطنية" ، فقد كانت تعابيرهم "الجهاد في سبيل الله" ، لقد صنعهم الإيمان ، فصفت نفوسهم ، وتعاظمت عزائمهم ، وأحسُّوا أن حبلهم مع اللّه قد أصبح موصولا).

237- وقال متعجبا : "كنت أعرفه جيدا واجتمعت به ، ولم يكن يدور في خلدي أن هذا الشيخ المعمم كان يهيئ نفسه لقيادة ثورة مسلحة ضد السلطات البريطانية".

238- ويقول رشيد الحاج إبراهيم: "إنه الزعيم الشعبي الكبير، ذو الرأي النافذ والكلمة المسموعة، ومع ذلك لم يدُر في خلدي أن القسام يقود عصابة جهادية".

239- إن أصحاب هذه الكلمات الذين عاصروا القسام، كانوا يرسمون في مخيلتهم صورة بطل.. يرجون وجوده، ويتمنون خروجه.. وفجأة اكتشفوا أنه (كان) بينهم !

240- وقال جمال الحسيني: "ثورة القسام كانت ثورة علينا جميعا، إذ يقول كل واحد منا: في قلبي إيمان وإخلاص، ولكني مثقل، وورائي عائلة أخاف عليهم، لكن القسام وأصحابه خرجوا عن أعشاش فيها قطع لحم كأفراخ العصافير، ينتظر كل منها مُعيله ليضع في منقاره ما يسد به جوعه، خرجوا لإحقاق الحق".

342- ويقول الدكتور رويحة : لقد أحيا القسام وإخوانه في قلوبنا الأمل بعد أن كدنا نفقده ، ليتني علمت بعصابتهم لكنت والله أول من ينضم إليهم فهذا سبيل الخلاص وحده.

243- هذا هو القسّام الذي دوخ الأعداء حيا وميتا .. والذي يحق لفلسطين بل للأمة أن تفتخر به .. وإن من العجيب الغريب أن مسؤولين في حركة فتح عابوا على الموسوعة الفلسطينية جعلها القسام أحد موادها، لأنه سوري ! والحقيقة أنهم خشوا الفضيحة إذا قورنوا به.

244- للقسام أحفاد من بناته ، ولابنه محمد 4 أبناء و3 بنات. وهذا رابط لقاء مع الدكتوره/

ابتهال بنت محمد بن عزالدين القسام :

http://www.toyorps.com/vb/archive/index.php/t-253.html

245- أما بعد:

حقا لقد أتعبتني أيها الشهيد، أيام طوال وأنا أعدل وأبدل في هذه التغريدات، أحاول جاهدا أن ألملم أطراف سيرتك الفريدة؛ وأنى لي ذلك !

246- ولا زلت كلما طالعت كتابا أومقالا عن القسام تجلت لي جوانب وأخبار جديدة، فأنا بتغريداتي هذه لم أطلعكم إلا على القليل من تاريخه المدهش.

247- وهكذا هم العظماء والقادة الحقيقيون لا نستطيع الإحاطة بسيرتهم مهما كتبنا، ليبقى الواحد منهم منبعا تنهل منه الأجيال المتعطشة على مدار الزمن.

248- ولقد كنت - سابقا - أقرأ بعض قصص القسام وأخباره العجيبة فأظن أنها موضوعة أو مبالغ فيها، لكنني لما رجعت للكتب وجدتها مسندة موثقة متواترة !

249- انظر لكتاب حسني جرار - أحد مراجعي - وكيف يوثق معلوماته من الصحف الصادرة بعد استشهاده، أو من أهل بلده، أو من بعض رفاقه الذين لم يتوفى بعضهم إلا عام 1404هـ !

250- فسلامٌ عليك يا شيخي عزالدين .. سلامٌ عليك يا من أعز الله بك الدين ..

سلام عليك يا ثقابا أشعل شموع الأمل في الأمة ، ويا شهيدا أحيا الله به موات القلوب.

251- سلام عليك يا من أحببتك أكثر عندما قرأت أنهم اتهموك بالوهابية - ولست منها ببراء - وبأنك من أتباع المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله ! ويالَ هذه التهمة من وسام!

252- سلام عليك كثيرا مزيدا .. سلام عليك في الخالدين بذكرهم في الدنيا ..

وإني لأرجو لك خلودا أعظم في جنة الخلد عند رب يجزي العاملين بخير مما عملوا.
 

جمع وتلخيص: فهد بن حمد البيضاني
القصيم - محافظة النبهانية 20/ 10/ 1435هـ
 

صفحتى على تويتر: https://twitter.com/fh25
المقالات والتلخيصات السابقة: twitmail.com/profile/fh25
] يوسف بن تاشفين - معركة شقحب - عين جالوت - قصة حامد البلادي - حكايتي مع الكتب - لقاءاتي مع أفراخ الليبرالية - رواية القوقعة 12 سنة في سجون الأسد...[


المراجع:


1- شيخ المجاهدين في فلسطين، لمحمد حسن شراب. (وهو عمدتي؛ لامتيازه بالدقة ومناقشة الروايات والترجيح بينها) للتحميل : http://www.waqfeya.com/search.php

2 -أعلام الجهاد في فلسطين الشيخ عزالدين القسام ، لحسني أدهم جرار.

3- ثورة المجاهد عز الدين القسام وثورة الحجارة لعبدالوهاب زيتون.

4- مقالات في عدد من مواقع النت.

وهذه مادة مرئية من أجمل ما سمعت عن القسام ، للدكتور محمد موسى الشريف :
http://safeshare.tv/w/nLoWCCGKxP  


والحمد لله رب العالمين

حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه مباركاً عليه كما يحب ربنا ويرضى.
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

تغريدات

  • تغريدات
  • إشراقات قرآنية
  • غرد بصورة
  • غرد بفوائد كتاب
  • فنيات
  • نصائح للمغردين
  • الصفحة الرئيسية