اطبع هذه الصفحة


المقامة (التويترية)

ثَقِفٌ
@no81432


بسم الله الرحمن الرحيم

حدثتني أمُّ عبد الله الـمُضَرِيَّة قالت :

حدا بي إلى (تويتر) أربٌ ، فقصدتُ طيتهُ ، وامتطيتُ مطيتَهُ ، وكان يبلغني عنه ما يصغى إِليه النُّفُورُ ، من تغاريدٍ كتغريدِ العُصفور!

فانضممت إلى سِرْبِهِ ، والتحقت بِرَكْبِهِ ، أغردُ بأربعينَ ومئةٍ من الحُرُوْفِ ، من نُقْيَةِ الفوائِدِ والقطوْفِ ، فتبعني ثمانُمِئَةٍ وخَمْسُوْنَ ، ممن يُحْسِنُوْنَ بِيَ الظُنُوْنَ -غَفَرَ اللهُ لي مَا لا يَعْلَمُوْن وجَعَلَنِيَ خَيْرَاً مِمَا يَظُنُوْنَ- وتَبِعْتُ مِنْ صَفْوَتِهِم مِئَتَيْنِ ، طِلْبَةً للفائدة ، وحُسْنِ العَائِدَة .

فقلت : يا أم عبد الله ! المغردون أَكثر من النَّمْلِ والرملِ ، فمن منهم أهل التنويرِ والتبصير ، وأهل التحقيقِ والتحرير ؟

فقالت : اعقدي خِنْصَرك بأهل العلم منهم ، ثم طَفِقَت تنشد :

ما الفضل إلا لأهل العلم إنهم *** على الهدى لمن استهدى أدلاء

وأنشدت :
فَخَالِطْ رُوَاةَ الْعِلْمِ وَاصْحَبْ خِيَارَهُمْ
فَصُحْبَتُهُمْ زَيْنٌ وَخُلْطَتُهُمْ غَنْمُ
وَلَا تَعْدُوَنْ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ فَإِنَّهُمْ
نُجُومٌ إِذَا مَا غَابَ نَجْمٌ بَدَا نَجْمُ

ثم استدركت بقولها : ومتابعتهم لا للطلب وثني الركب ، فما هاهنا الركب للعلم تثنى ، ولا الظهور للتحبير تحنى ، وإنما ينال العلم بمثافنة الأعلام ، لا بالعكوف على وسائل الإعلام فلتُقصد المساجد والدور ، ولتكن المتابعة لمعرفة آرائهم فيما يدور ، ولعمارة خطك الزمني بالمنقول والمأثور ، ثم اعقدي بنصرك بمن انبرى لنصرة المظلوم ، والطبطبة على جراح المكلوم ، وأنشأت تنشد :

يا ظالماً جارَ فيمن لا نصيرَ له *** إِلا المهين لاتغترَّ بالمهــــــــــــــــلِ

غداً تموتُ ويقضي الله بينكما *** بحكمةِ الحق لا بالزيغِ والحيلِ

ثم قالت وقد تهللت أسارير وجهها :

واعقدي ثالثا بأهل اللسان والفصاحة ، من إذا تكلم أخذ بتلاليب القلوب ، وإذا أخذ القلم تدفق تدفق اليعبوب !

ثم عليك بكل ناشر للخير ، نافع للغير ، وحذارِ أصحاب الفحش والبذاءة ، والسفول والرداءة وجعلت تنشد فيهم :

لا بأس بالقوم من طول ومن عظم *** جسم البغال وأحلام العصافير !
فقلت : إيهِ يا أم عبد الله ! وما رأيتِ فيه مما لا يسر ؟ فإن لك عيناً باصرة ، وحجة حاضرة.

فتنهدت واستوفزت ، وقررت ، وحررت ، بقولها :

أبان الحق في كتابه أن الكثرة لأهل الباطل والفساد ، والقلة لأهل الحق من العباد كما قال الحق في محكم تنزيله : "وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله " .
فهذا أصل ، نشأ عنه ما نرى من زهومة التغريد ، وغثاء العبيد.

فمتى رأيت مسترسلا في غيّه ، ووصلت معه آخر العلاج بكيّه ، فعليك بحظره من رياضك وطرده عن حياضك .

ومما وقع في نفسي وقع النبل ما أراه من ارتخاء الحبل بين الفتيات والشباب ، والفتنة بينهما متأهبة للوثاب ! فوالذي نفس أم عبد الله بيده إن نزعها لعسير إذ تنشب ؟! ومن يعصرها

من قلب لها تشرب؟!

فقولي بربك ما يسوغ إرسال رمزٍ ضحِكَ حتى فاضت مُقلَتاهُ بالدّموعِ ، لأجنبي من أجنبية وكذا التودد والخضوع ؟!

ثم نشرت كتاب "المغني" للفقيه الموفق ، صاحب العلم المحقق ، ابن قدامة الحنبلي ، وقرأت منه قوله : "لا يعزي الرجلُ الأجنبي شواب النساء مخافة الفتنة". ثم رفعت رأسها إلي ومدت صوتها وقالت : وهذا في التعزية ، فكيف بالإطراء والتهنئة ؟!
ثم قالت : ودونك أقوالا عن عدد من الأئمة أصحاب الخيريّة ، مدونة في كتبهم الفقهيّة تنص على النهي من محادثة الشباب للفتيات ما لم تدعُ ضرورة أو حاجة ، فأرعي سمعك بلا لجاجة :

قال بحر العلم الزاخر ونجم الحنابلة الزاهر العَلَم المشهور ابن يونس منصور : " وإن سلم الرجل عليها -أي على الشابة- لم ترده دفعاً للمفسدة" .
وذكرت قالة ابن الجوزي في أحكام النساء أن رجلاً كان عند الإمام أحمد ، فعطست امرأة الإمام أحمد ، فقال لها العابد : يرحمك الله ، فقال الإمام أحمد : عابد جاهل .
ثم سكتت هنيهة وقالت :

وإن مما يثير عجبي ، ولم أنل من تفسيره أربي ، التصريح بالخطبة لفتاة لا يعرفها ولا تعرفه ، بيد أنه رأى من تغريدها ما يعجبه !
فها هنا لا ينقضي العجب ، وإني لأتساءل أين الأدب ؟ والحق يقول في كتابه : "وأتوا البيوت من أبوابها" فما لها تؤتى من سطوحها وظهورها ؟! بسبب تغريدة لا يتبين صدقها من زورها .

ثم قالت : لكنها فتنة الحرف ، فإنها تسبي كما يسبي الطرف !
وأنشدت :

يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة *** والأذن تعشق قبل العين أحيانا
قالت : فليُغَرَد بقول معروف ، وقصد لله مصروف ، ولينتهَ من خضوع في المقال ، وليسد في وجه الشيطان المجال !

ثم قامت ونفضت ثيابها ، ولحظتني بطرفها ؛ لطول مقامي ، وكثرة كلامي ، فابتدرتها الاستئذان بالانصراف ، مع أنها لم تكمل بحديثها الطواف !

فقالت : غدا لنا في الحديث تتمة ، فأتيني لأكمل مقالي وأتمه ...

(2)

حدثتني أمُّ سعد التميمية فقالت : سَهِدْتُ ذاتَ ليلَةٍ حالِكَةِ الظلام هامِيَةِ الغمام ، فتمنّيْتُ أنْ أُرْزَقَ مسامرة ، أقوالها بالفوائد عامرة ، فما انقَضَتْ مُنيَتي حتى قُرِعَ باب دويرتي فقلتُ في نفسي: لعلّ غَرْسَ التّمني قد أثمَرَ وليْلَ الحظّ قد أقْمَرَ ، فنهَضْتُ إليْهِ عَجْلانَة. وقلتُ : مَنِ الطّارِقُ ؟ فقالت : أم عبد الله المضريّة ، فقلت : إن ليلتي إذن لهنيّة ! ففتحت الباب بابتسام وقلت : ادخلوها بسلام !

فدخلت وأماطت نقابها ، فإذا هي أم عبد الله بلا ريب ، ولا رجم للغيب .
فأعتدت لها متكأ يليق بمقامها ، واحتشدتُ لكلامها ، وقلت : يا أم عبد الله والذي حَبانا بمحبّتِك وجعلَنا منْ صفْوَةِ أحِبّتِك ، إني لأتوق لحديثك العذب ، الذي يُجلى به الكرب .
فقالت : جزيتِ خيرا ، ووقيتِ ضيرا . إن آفةَ المروءةِ خُلْفُ الوعد ، وهذا حين سحّ الرعد كنت وعدتكِ بذكر أمور سلبية في صفحات التواصل الاجتماعية قصدي في ذلك الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله ...
كان مما رأيت رأي العين بغير شك ولا مين ، أعناقا قطعت ، في رابعة النهار إذ سطعت !
قالت أم سعد :

فشخص بصري إليها ، ثم إني خفت من الهوس عليها !
فقلت : أيا أم عبد الله نسّأ الله في عمرك على الطاعة ، وألبسك لباس الصحة كل ساعة لكنّا لا نرى في تلك الصفحات إلا الحروف والكلمات ، وصورا شخصيّة ، في عوالم افتراضيّة ، فأنى وهيهات تقطع بها الأعناق ؟! إلا أن تكون الأقدام هي الأحداق !
فضحكت حتى بدت نواجذها ، ثم قالت : أما سمعتِ ما نقله أهل الرواية ، وفصّله أهل العلم والدراية ؟ عمن تدلى يوم الطائف من بكرة الصحابي الجليل أبي بكرة في رجل ذُكر عند الرسول -صلى الله عليه وسلم- بحميدة ، فأثنى عليه رجل بمديحة ، فقال النبي : "ويحك ، قطعت عنق صاحبك" .

فقلت : أحسن الله إليك ، وأغدق من نعمائه عليك .

صدقت يا أم عبد الله ! وفي ذلك قال الفاروق : المدح هو الذبح.
ثم قالت : موضحة للمقال بنقل كلام لابن بطال "إن حاصل النهي أن من أفرط في مدح آخر بما ليس فيه لم يأمن على الممدوح العجب لظنه أنه بتلك المنزلة فربما ضيع العمل والازدياد من الخير اتكالا على ما وصف به ولذلك تأول العلماء في الحديث الآخر احثوا في وجوه المداحين التراب أن المراد من يمدح الناس في وجوههم بالباطل وأما من مدح بما فيه فلا يدخل في النهي فقد مدح صلى الله عليه وسلم في الشعر والخطب والمخاطبة ولم يحث في وجه مادحه ترابا".

قالت : فإن مدح الرجل بما فيه ، وقد أمن عليه ، ليشجعه على فضائله ، ويرغّب في جمائله فذاك هو المطلوب وأنشأت تنشد :
ربّ مدحٍ أذاعَ في الناسِ فضلاً *** وأتاهمْ بقدوةٍ ومثالِ

قالت : ومما لفت نظري ، ولم أقضِ من تبريره وطري ، إظهار العبادة والتنسك ، والاستقامة والتمسك ، فهذه تغريدة تخبر بخروج المغرد ليقرأ حزبه من القرآن ، وتلك تذيع ما أتى به من قربة يطلب بها الغفران !

وثالثة يخبر فيها أصحابه عن صلاته إذا نصب النجم أطنابه !
وهل يأمن العبد بفعله هذا على قلبه من الرياء ؟! الذي خوف النبيَّ على أمتِه ، لشدة خفائه

ودقتِه !

"إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر". قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: "الرياء يقول الله عز وجل لهم يوم القيامة إذا جزي الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا؛ فانظروا: هل تجدون عندهم جزاء"
ثم قالت : أما وقد رغّب الله عباده في أعمال الخفاء ، فعلام يقرع باب الرياء ؟!
ثم ساقت قالة يوسف بن الحسين الرازيّ : "أعزّ شيء في الدنيا الإخلاص، وكم أَجتهد في إسقاط الرياء عن قلبي، وكأنه ينبت فيه على لونٍ آخر"

قالت : ولا بأس بإظهار العمل إذا رجحت المصلحة على الضرر ، وفي ذلك قال ابن حجر : "كتمان العمل الصالح أفضل من إظهاره ، إلا لمصلحة راجحة كمن يكون ممن يقتدى به".

أخلصنا الله من الشرك وشوائبه ، وخلصّنا من كل ذنب وعواقبه ، ثم قامت وتناولت خمارها وولت ...

سقى الله دارها الحيا ، وعمر قلبها بالنور والضيا .

 

تغريدات