من فوائد كتاب (الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام) للإمام القرافي –رحمه الله-.

انتقاء: إبراهيم بن فريهد العنزي

بسم الله الرحمن الرحيم

1- الحكم الذي يمتنع نقضُه: هو إنشاء إطلاق، أو إلزام في مسائل الاجتهاد المتقارب، فيما يقع فيه النزاع لمصالح الدنيا.
2- الكلام في الحقائق إنما يقع على المقصود الأول لا على اللوازم.
3- في الحديث : "أقضاكم علي، وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ.." قال العلماء: وإذا كان معاذ أعلم بالحلال والحرام؛ فهو أقضى الصحابة، فما معنى قوله : "أقضاكم علي "؟ أجابوا: بأن القضاء يرجع إلى التفطن لوجوه حِجاج الخصوم، وقد يكون الإنسان أعلم بالحلال والحرام، وهو بعيد عن التفطن للخدع الصادرة عن الخصوم والمكايد، والتنبُّه لوجه الصواب من أقوال المتحاكمين.
4- القضاء يعتمد الحِجاج، والفتيا تعتمد الأدلة.
5- متى عظُم أمرٌ في الشرع؛ كثُرت شروطه؛ كشروط الإمامة العظمى، وكالنكاح، فلما كان أعظم خطرا من البيع اشترط فيه ما لم يشترط في البيع..وكذلك اشترط في الطعام ما لم يشترط في غيره من السلع ؛ لكونه سبب قيام بنية الأجسام...
6- الفعل الماضي للإنشاء في العقود فقط (بعتُ)، والمضارع للإنشاء في الشهادات فقط (أشهدُ)، والقَسَم له المضارع والماضي وغيره (أقسمت، أقسم..).
7- الحق أن اللفظ موضوع لما يتبادر إليه الذهن؛ لأنه الراجح، والمصير إلى الراجح واجب..
8- صريح الطلاق قد يُهجر فيصير كناية، وقد تشتهر الكناية فتصير كالصريح للإنشاء..
9- عدم نقض حكم الحاكم في مسائل الخلاف راجع إلى تقديم الخاص على العام...
10- نص العلماء على أن حكم الحاكم ينقض في أربعة مواضع: إذا وقع على خلاف الإجماع، أو القواعد ، أو النص، أو القياس الجلي..
11- النبوة: أن يوحي الله لبعض خلقه بحكم أنشئ لمسألة يختص به، كما أوحى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: "إقرأ باسم ربك"، فهذا تكليف لمحمد صلى الله عليه وسلم يختص به في هذا الوقت، فلما أنزل: "يا أيها المدثر قم فأنذر" كان هذا رسالة؛ لأنه يتعلق بغير الموحَى إليه..
12- الحاكم من حيث هو حاكم: ليس له إلا الإنشاء، وأما قوة التنفيذ فأمر زائد على كونه حاكما، فقد يفوض إليه التنفيذ، وقد لا يندرج في ولايته..
13- ما فعله النبي عليه السلام بطريق الإمامة كقسمة الغنائم وتفريق أموال بيت المال على المصالح وإقامة الحدود..ونحو ذلك، فلا يجوز لأحد الإقدام عليه إلا بإذن إمام الوقت الحاضر..
-وما فعله عليه السلام بطريق الحكم كالتمليك بالشفعة وفسوخ الأنكحة والعقود .. ونحو ذلك ، فلا يجوز لأحد أن يقدم عليه إلا بحكم حاكم في الوقت الحاضر..
-وأما تصرفه عليه السلام بالفتيا والرسالة والتبليغ، فذلك شرع يتقرر على الخلائق إلى يوم الدين، يلزمنا أن نتبع كل حكم مما بلغه عن ربه بسببه، من غير اعتبار حكم حاكم ولا إذن إمام..
14- فإذا تقرر الفرق بين آثار تصرفه عليه السلام بالإمامة والقضاء والفتيا: فاعلم أن تصرفه عليه السلام ينقسم إلى أربعة أقسام:
-قسم اتفق العلماء على أنه تصرف بالإمامة، كالإقطاع ، وإقامة الحدود، وإرسال الجيوش ونحوها..
-وقسم اتفق العلماء على أنه تصرف بالقضاء، كإلزام أداء الديون، وفسخ الأنكحة، ونحوها..
-وقسم اتفق العلماء على أنه تصرف بالفتيا، كإبلاغ الصلوات، وإقامتها، وإقامة المناسك، ونحوها..
-وقسم وقع منه عليه السلام متردداً بين هذه الأقسم، اختلف العلماء فيه على أيها يحمل.. كقوله لهند بنت عتبة " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف".
15- القضاء لا يتأتى على حاضر في البلد قبل إعلامه..
16- الغالب على تصرفه عليه السلام هو : الفتيا.
17- نقض الأحكام لا يكون إلا لمن يكون له الإبرام فيما يكون فيه النقض.
18- "من لا يملك العقد لا يملك الحل"، قاعدة كثيرة الفروع..
19- الولاية لها طرفان ووسط، فأعلاها الخلافة التي هي الإمامة الكبرى، وأدناها التحكيم الذي يكون من جهة المتنازعين، وبينهما وسائط كثيرة..
20- ولاية المظالم أول من أحدثها في الإسلام: عبد الملك بن مروان، فكان يجلس للمظالم يوما يخصُّه، ويرد مشكلاتها لإدريس الأودي، وله ما للقضاة غير أنه أفسح مجالاً منهم..
21- ولاية الحسبة: وهي تقصر عن القضاء في إنشاء كل الأحكام.. وتزيد على القاضي بكونه يتعرض للفحص عن المنكرات وإن لم تنه إليه، وله من السلاطة ما ليس للقضاة؛ لأن موضوعه الرهبة، وموضوع القضاة النَّصَفة..
22- القاضي إذا تبين خطؤه قطعا قبل التنفيذ؛ حرُم التنفيذ إجماعا فيما علمتُ..
23- ما تبين أن الحكم فيه خلاف الإجماع؛ وجب نقضه بالإجماع..
24- الصحيح أنه لا يُنقض اجتهاد باجتهاد..
25- ليس في التنفيذ حكم البتة..
26- ضابط المذاهب التي يقلد فيها أنها خمسة أشياء لا سادس لها: أ. الأحكام الشرعية الفروعية الاجتهادية. ب. وأسبابها. ج. وشروطها. د. وموانعها. هـ. والحِجاج المثبتة للأسباب والشروط والموانع.
27- الأمة مجمعة على أن المجتهد إذا أداه اجتهاده إلى حكم، فهو حكم الله في حقه وحق من قلده إذا قام به سببه..
28- كل ما هو في الشريعة يتبع العوائد: يتغير الحكم فيه بتغير العادة المتجددة..
29- العُرف يقدم على اللغة عند التعارض..
30- سُئلت مرة عن الوضوء في السراميز (نوع من الأحذية) المخروزة بشعر خنزير، هل تجوز الصلاة بأثر ذلك الماء المباشر لموضع الخرز؟ وكان السائل شافعيا، فقلت له: أما مذهب مالك فشعر الخنزير طاهر، غير أنك شافعي تمسح بعض رأسك، فيتفق الإمامان على بطلان صلاتك، مالك لعدم مسح جميع الرأس، والشافعي لكون شعر الخنزير نجسا عنده.
31- سُئلت مرة عن عقد النكاح بالقاهرة، هل يجوز أم لا؟ فارتبت وقلت له: ما أُفتيك حتى تبين لي ما المقصود بهذا الكلام؟ فإن كل أحد يعلم أن النكاح بالقاهرة جائز، فلم أزل به حتى قال: إنا أردنا أن نعقده خارج القاهرة فمُنعنا لأنه استحلالٌ، فجئنا للقاهرة عقدناه، فقلت له: هذا لا يجوز لا بالقاهرة ولا بغيرها.
32- ينبغي للمفتي إذا وجد في آخر السطر خللا أو بياضا خاليا أن يسده بما يصلح، فإنه ذريعة عظيمة للطعن على العلماء المفتين، وذريعة للتوصل للباطل والتتميم..
33- من لا يدري أصولَ الفقه يمتنع عليه الفتيا..
34- "الله أعلم" ولا ينبغي أن يضع هذه اللفظة ونحوها إلا ناويا بها ذكر الله، فإن استعمال ألفاظ الأذكار لا على وجه الذكر والتعظيم لله تعالى، قلة أدب مع الله تعالى، فينهى عنه..
35- لا ينبغي للمفتي أن يحكي خلافا في المسألة لئلا يشوش على المستفتي..ولا أن يذكر دليلا ولا موضع النقل من الكتب.. إلا أن يعلم أن الفُتيا سينكرها بعض الفقهاء أو نحو ذلك..
36- ينبغي للمفتي أن يكون حسن الزي على الوضع الشرعي؛ فإن الخلق مجبولون على تعظيم الصور الظاهرة، ومتى لا يَعظُم في نفوس الناس لا يقبلون على الاهتداء به والاقتداء بقوله..
37- "واجعل لي لسان صدق في الآخرين" قال العلماء: معناه: ثناء جميل حتى يقتدي بي الناس..

والحمد لله أولا وآخرا
(بعض الفوائد تصرفت في نقلها يسيرا.. وبعضها له أمثلة وتفصيلات ذكرها المؤلف.. وبعضها محل خلاف بين العلماء..)