اطبع هذه الصفحة


فوائد من كتاب (السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية) لشيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-

انتقاء: إبراهيم بن فريهد العنزي


بسم الله الرحمن الرحيم

فوائد من كتاب (السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية) لشيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- ، طبعة: دار عالم الفوائد، تحقيق: د. علي بن محمد العمران.

1- {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا * يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا}، قال العلماء: نزلت الآية الأولى في ولاة الأمور؛ عليهم أن يؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكموا بين الناس أن يحكموا بالعدل، ونزلت الثانية في الرعية من الجيوش وغيرهم، عليهم أن يطيعوا أولي الأمر الفاعلين لذلك في قسمهم وحكمهم ومغازيهم وغير ذلك؛ إلا أن يأمروا بمعصية الله، فإذا أمروا بمعصية الله فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق فإن تنازعوا في شيء ردوه إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم..
2- وإذا كانت الآية قد أوجبت أداء الأمانات إلى أهلها، والحكم بالعدل: فهذان جماع السياسة العادلة، والولاية الصالحة..
3- يجب على ولي الأمر أن يولي على كل عمل من أعمال المسلمين أصلح من يجده لذلك العمل؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من ولي من أمر المسلمين شيئا، فولى رجلا وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه، فقد خان الله ورسوله» ..
4- إن المؤدي للأمانة مع مخالفة هواه، يثبته الله فيحفظه في أهله وماله بعده، والمطيع لهواه يعاقبه الله بنقيض قصده، فيذل أهله، ويذهب ماله.
5- قد دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الولاية أمانة يجب أداؤها.. وقد أجمع المسلمون على معنى هذا؛ فإن وصي اليتيم، وناظر الوقف، ووكيل الرجل في ماله؛ عليه أن يتصرف له بالأصلح فالأصلح، كما قال الله تعالى: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن}، ولم يقل: إلا بالتي هي حسنة.
6- الولاة نواب الله على عباده، وهم وكلاء العباد على نفوسهم؛ بمنزلة أحد الشريكين مع الآخر؛ ففيهم معنى الولاية والوكالة.
7- اجتماع القوة والأمانة في الناس قليل، ولهذا كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: اللهم أشكو إليك جلد الفاجر، وعجز الثقة. فالواجب في كل ولاية الأصلح بحسبها. فإذا تعين رجلان أحدهما أعظم أمانة والآخر أعظم قوة: قدم أنفعهما لتلك الولاية: وأقلهما ضررا فيها: فيقدم في إمارة الحروب الرجل القوي الشجاع -وإن كان فيه فجور- على الرجل الضعيف العاجز، وإن كان أمينا.
8- وكذلك كان [صلى الله عليه وسلم] يستعمل الرجل لمصلحة راجحة، مع أنه قد كان يكون مع الأمير من هو أفضل منه في العلم والإيمان.
9- المتولي الكبير، إذا كان خُلقه يميل إلى اللين، فينبغي أن يكون خلق نائبه يميل إلى الشدة؛ وإذا كان خلقه يميل إلى الشدة، فينبغي أن يكون خلق نائبه يميل إلى اللين؛ ليعتدل الأمر. ولهذا كان أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- يؤثر استنابة خالد؛ وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يؤثر عزل خالد، واستنابة أبي عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه- لأن خالدا كان شديدا، كعمر بن الخطاب، وأبا عبيدة كان لينا كأبي بكر؛ وكان الأصلح لكل منهما أن يولي من ولاه؛ ليكون أمره معتدلا.
10- أهم أمر الدين: الصلاة والجهاد؛ ولهذا كانت أكثر الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة والجهاد، «وكان إذا عاد مريضا يقول: اللهم اشف عبدك، يشهد لك صلاة، وينكأ لك عدوا» .
11- المقصود الواجب بالولايات: إصلاح دين الخلق الذي متى فاتهم خسروا خسرانا مبينا، ولم ينفعهم ما نعموا به في الدنيا؛ وإصلاح ما لا يقوم الدين إلا به من أمر دنياهم، وهو نوعان: قسم المال بين مستحقيه، وعقوبات المعتدين.
12- إذا اجتهد الراعي في إصلاح دينهم ودنياهم بحسب الإمكان كان من أفضل أهل زمانه، وكان من أفضل المجاهدين في سبيل الله.
13- القوة في الولايات تجمع قوة المرء في نفسه، وقوته على غيره، فقوته على نفسه بالحلم والصبر.. وأما قوته على غيره فالشجاعة في نفسه والخبرة وسائر أسباب القوى من الرجال والمال..
14- وهؤلاء الأربعة [الخلفاء الراشدين] هم الذين يجب على المسلمين عموما وعلى العلماء والأمراء خصوصا أن ينظروا في سيرتهم ويقتدوا بهديهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
15- الذي على ولي الأمر: أن يأخذ المال من حله، ويضعه في حقه، ولا يمنعه من مستحقه.
16- كان السلف يعدون للقتال الحصان، لقوته وحدته، وللإغارة والبيات الحجر، لأنه ليس لها صهيل ينذر العدو فيحترزون، وللسير الخصي، لأنه أصبر على السير.
17- وأما الصدقات، فهي لمن سمى الله تعالى في كتابه..(وفي سبيل الله) .. والحج من سبيل الله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
18- كل من عليه مال، يجب أداؤه.. فإنه إذا امتنع من أداء الحق الواجب.. فإنه يستحق العقوبة، حتى يظهر المال، أو يدل على موضعه.. وإن امتنع من الدلالة على ماله ومن الإيفاء، ضرب حتى يؤدي الحق أو يمكن من أدائه.
19- وكذلك كل من كتم ما يجب إظهاره من دلالة واجبة ونحو ذلك، يعاقب على ترك الواجب.
20- محاباة الولاة في المعاملة من المبايعة، والمؤاجرة والمضاربة، والمساقاة والمزارعة ونحو ذلك، هو من نوع الهدية؛ ولهذا شاطر عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- من عماله من كان له فضل ودين، لا يتهم بخيانة، وإنما شاطرهم لما كانوا خصوا به لأجل الولاية من محاباة وغيرها..
21- ما أكثر ما يشتبه الجبن والفشل بالورع؛ إذ كل منهما كف وإمساك.
22- مدار الشريعة على قوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} المفسر لقوله: {اتقوا الله حق تقاته}، وعلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»، وعلى أن الواجب تحصيل المصالح وتكميلها؛ وتعطيل المفاسد وتقليلها، فإذا تعارضت كان تحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما ودفع أعظم المفسدتين مع احتمال أدناهما: هو المشروع.
23- [الخوارج] هؤلاء أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم، لأن معهم دينا فاسدا لا يصلح به دنيا ولا آخرة.
24- قد يترك الإنسان العمل ظنا أو إظهارا أنه ورع؛ وإنما هو كبر وإرادة للعلو..
25- قال الله تعالى: {وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة} وفي الأثر: أفضل الإيمان: السماحة والصبر، فلا تتم رعاية الخلق وسياستهم إلا بالجود، الذي هو العطاء؛ والنجدة، التي هي الشجاعة؛ بل لا يصلح الدين والدنيا إلا بذلك.
26- وبيَّن أن البخل من الكبائر، في قوله تعالى: {ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة}..وكذلك الجبن في مثل قوله تعالى: {ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير}..
27- العفة مع القدرة تقوي حرمة الدين..
28- اتفق العلماء -فيما أعلم- على أن قاطع الطريق واللص ونحوهما إذا رفعوا إلى ولي الأمر ثم تابوا بعد ذلك، لم يسقط الحد عنهم؛ بل تجب إقامته وإن تابوا فإن كانوا صادقين في التوبة كان الحد كفارة لهم، وكان تمكينهم من ذلك من تمام التوبة..
29- التائب بعد القدرة عليه باق فيمن وجب عليه الحد؛ للعموم، والمفهوم، والتعليل. هذا إذا كان قد ثبت بالبينة. فأما إذا كان بإقرار، وجاء مقرا بالذنب تائبا: فهذا فيه نزاع مذكور في غير هذا الموضع. وظاهر مذهب أحمد: أنه لا تجب إقامة الحد في مثل هذه الصورة؛ بل إن طلب إقامة الحد عليه أقيم، وإن ذهب لم يقم عليه حد. وعلى هذا حمل حديث ماعز بن مالك، لما قال: " فهلا تركتموه "..
30- المعاصي سبب لنقص الرزق والخوف من العدو، كما يدل عليه الكتاب والسنة، فإذا أقيمت الحدود، ظهرت طاعة الله، ونقصت معصية الله تعالى، فحصل الرزق والنصر.
31- أصل البرطيل: هو الحجر المستطيل، سميت به الرشوة، لأنها تلقم المرتشي عن التكلم بالحق كما يلقمه الحجر الطويل..
32- الواجب على ولي الأمر أن يأمر بالصلوات المكتوبات جميع من يقدر على أمره، ويعاقب التارك بإجماع المسلمين.
33- كل طائفة ممتنعة عن التزام شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة يجب جهادها، حتى يكون الدين كله لله، باتفاق العلماء.
34- من أذل نفسه لله فقد أعزها، ومن بذل الحق من نفسه فقد أكرم نفسه؛ فإن أكرم الخلق عند الله أتقاهم، ومن اعتز بالظلم: من منع الحق، وفعل الإثم، فقد أذل نفسه وأهانها.
35- والحشيشة المصنوعة من ورق القنَّب حرام، يجلد صاحبها كما يجلد شارب الخمر..
36- والمحصن هنا [في باب القذف]: هو الحر العفيف، وفي باب حد الزنا: هو الذي وطئ وطئا كاملا في نكاح تام.
37- والحديث الذي في الصحيحين، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله» قد فسره طائفة من أهل العلم، بأن المراد بحدود الله: ما حرم لحق الله، فإن الحدود في لفظ الكتاب والسنة يراد بها الفصل بين الحلال والحرام، مثل آخر الحلال وأول الحرام. فيقال في الأول: {تلك حدود الله فلا تعتدوها}، ويقال في الثاني: {تلك حدود الله فلا تقربوها}، وأما تسمية العقوبة المقدرة حدا، فهو عرف حادث، ومراد الحديث: أن من ضرب لحق نفسه، كضرب الرجل امرأته في النشوز، لا يزيد على عشر جلدات.
38- أما الحدود، فلا بد فيها من الجلد بالسوط، وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يؤدب بالدِّرة: فإذا جاءت الحدود دعا بالسوط.
39- الأمر بالجهاد، وذكر فضائله في الكتاب والسنة، أكثر من أن يحصر، ولهذا كان أفضل ما تطوع به الإنسان، وكان باتفاق العلماء أفضل من الحج والعمرة، ومن صلاة التطوع، وصوم التطوع، كما دل عليه الكتاب والسنة..
40- على إمام الناس في الصلاة وغيرها أن ينظر لهم، فلا يفوتهم ما يتعلق بفعله من كمال دينهم، بل على إمام الصلاة أن يصلي بهم صلاة كاملة ولا يقتصر على ما يجوز للمنفرد الاقتصار عليه من قدر الإجزاء إلا لعذر.
41- متى اهتمت الولاة بإصلاح دين الناس، صلح للطائفتين دينهم ودنياهم؛ وإلا اضطربت الأمور عليهم، وملاك ذلك كله صلاح النية للرعية، وإخلاص الدين كله لله، والتوكل عليه؛ فإن الإخلاص والتوكل جماع صلاح الخاصة والعامة، كما أمرنا أن نقول في صلاتنا: {إياك نعبد وإياك نستعين}؛ فإن هاتين الكلمتين قد قيل: إنهما يجمعان معاني الكتب المنزلة من السماء.
42- وأعظم عون لولي الأمر خاصة، ولغيره عامة، ثلاثة أمور: أحدها: الإخلاص لله، والتوكل عليه بالدعاء وغيره، وأصل ذلك المحافظة على الصلوات بالقلب والبدن. الثاني: الإحسان إلى الخلق، بالنفع والمال الذي هو الزكاة. الثالث: الصبر على أذى الخلق وغيره من النوائب. ولهذا يجمع الله بين الصلاة والصبر كثيرا.
43- الصبر على السراء أشد من الصبر على الضراء.
44- والله سبحانه إنما خلق الشهوات في الأصل واللذات لتمام مصلحة الخلق؛ فإنه بذلك يجتلبون ما ينفعهم، كما خلق الغضب ليدفعوا به ما يضرهم، وحرم منها ما يضر تناوله، وذم من اقتصر عليها، واشتغل بها عن مصلحة دينه ، ومن أسرف فيها في النوع أو القدر...وذم أيضا من ترك ما يحتاج إليه منها.
45- ينبغي تيسير طريق الخير والطاعة، والإعانة عليه والترغيب فيه بكل ممكن؛ مثل أن يبذل لولده، وأهله، أو رعيته ما يرغبهم في العمل الصالح: من مال، أو ثناء أو غيره.
46- حقوق الله: اسم جامع لكل ما فيه منفعة عامة لا تختص بمعين، أو دفع مضرة عامة بما يتعلق بالدين أو الدنيا..
47- ومتى أمكن في الحوادث المشكلة معرفة ما دل عليه الكتاب والسنة كان هو الواجب، وإن لم يمكن ذلك لضيق الوقت أو عجز الطالب، أو تكافؤ الأدلة عنده أو غير ذلك، فله أن يقلد من يرتضي علمه ودينه.
48- وهذان السبيلان الفاسدان -سبيل من انتسب إلى الدين ولم يكمله بما يحتاج إليه من السلطان والجهاد والمال، وسبيل من أقبل على السلطان والمال والحرب، ولم يقصد بذلك إقامة الدين- هما سبيل المغضوب عليهم والضالين..

والحمد لله أولاً وآخراً


 

تغريدات