اطبع هذه الصفحة


سلسلة تغريدات مهمة عن الليبرالية والأخلاق، من الشيخ د.عايض الدوسري

رؤى وأفكار
‏@ayedhi


بسم الله الرحمن الرحيم


١-هذه سلسلة تغريدات حول موضوع مهم وهو "تأملات في المبادئ الأخلاقيَّة في النفس الإنسانية بين تأسيس الدين والإطراد الليبرالي في الحرية".

٢-أثير الجدل والنقاش قديمًا حول مصدر الأخلاق، هل هو الدين أم الإنسان بثقافته وتجاربه الحياتية؟ اتجاهان يتفرعان عن هذه النقطة المحوريَّة.

٣-القول بأن مصدر المبادئ الأخلاقية الدين (والفطرة التي وضعها الله في النفس البشرية)، يجعل هذه المبادئ ثابتة وراسخة وغير متغيرة أو نسبيَّة.

٤-أما القول بأن مصدرها بشري، وأنها صناعة الإنسان مثل بقية مصنوعاته، فهذا يعني أنها مرحلية ومتغيرة ونسبية، فالحسن يمكن أن يتحول إلى قبيح!

٥-أخطر ما يمكن أن يوجه الليبرالي أو اللاديني هو سؤال الأخلاق، فحينما يعبر عن قبح شيء في نفسه فإنه لا يجد له أساسًا عقليًا في الليبرالية.

٦-أي أنه لا يمكن أن يبرهن على الإحساس العميق بالقبح الذي يجده في فعل ما من خلال منظومته الليبرالية، فهذه الرؤية لا تسعفه بالتدليل على إحساسه

٧-الدين يعطي الأخلاق ثباتا مطردا، فالأخلاق التي يكرسها الدين يجد الإنسان في الغالب -وإن خالفها- في أعماق نفسه اتساقًا وتماهيًا وراحة معها.

٨-أقدس قضية في الليبرالية هي "الحرية"، فكان من الطبيعي أن تتصادم مع الأخلاق التي يكرسها الدين، إذا الحرية في الليبرالية منهج مطرد وألا تناقض

٩-منهج إن لم تطرده ناقضت نفسك حتمًا، وأصبحت الفكرة مختلطة بالديني أو بالتقاليد ونحوها، ولم تعد فكرة ليبرالية صادقة وصافية.

١٠-من الأسئلة التي طرحت دومًا ما يلي: هل يمكن أن يكون الليبرالية أخلاقيًّا؟ هل يمكن الملحد أن يكون إنسان صاحب خلق ومستقيم وصادق ومحترم؟

١١-مثل هذه الأسئلة طرحها كبار الليبرالية والملاحدة من أمثال "ريتشارد دوكينز"، مؤكدين أن الإنسان الملحد والليبرالي هو إنسان له خلق وصدق ..إلخ

١٢-لم ينازع المتدينون في وجود ملحدين أو ليبراليين يتحلون بالأخلاق الحسنة، لكنهم ينازعونهم بأن هذه الأخلاق هي الإطراد الطبيعي لذلك المنهج.

١٣-فالأخلاق الحسنة لا تجد براهينها في الإلحاد أو في الليبرالية، وإنما تجدها في الفطرة وفي الدين الذي يغذيها وينميها بقدر تمسك الإنسان به.

١٤-دعونا نأخذ مثالاً في القضايا الخلقية الحساسة التي لها أثرها الواضح في المجتمع والأسرة، من مثل: العلاقات بين الجنسين (الذكور والإناث).

١٥-موقف الدين واضح من ذلك، فقد غرس أخلاقيات ومبادئ يحترم بها الطرفين ويحمي بعضهما من ظلم وتعدي الآخر، لأنه مسبقا يعرف المآلات بدون وجود ذلك.

١٦-الاتجاه الليبرالي خلاف ذلك، فهو ينطلق من قضية محورية وهي الحرية، ومن ثم فالعلاقات بين الجنسين لا يمكن أن توضع في أُطر وخلفيات دينية.

١٧-فقضية الاختلاط بين الجنسين من تجليات المبادئ الليبرالية، وخلافها من تجليات التخلف والهمجية ونقص الثقة في الطرفين التي يتحلى بها الديني!

١٨-وكان من الطبيعي ووليدة للاختلاط أن توجد العلاقات المحرمة بين الجنسين، وبطبيعة الحال فهذا أمر يتماهى مع الليبرالية بل هي تكرسه بعمق وحماس!

١٩-ومن المتوقع أن تنشأ بعد تشريع إباحة العلاقات الجنسية بين الجنسين، أن يكرس التعليم الليبرالي نفسه لخدمة هذه القضية ونشر والوعي حولها.

٢٠-ولذلك تجد في المدارس الغربية يعلم الأطفال كيفية ممارسة الجنس وتوزع في المدرسة حبوب منع الحمل للفتيات والوقي الذكري للطلاب الذكور.

٢١-وأصبح من الغريب والشاذ أن تصل الفتاة للمرحلة الجامعية وهي لا زالت في حالة البكورية، وكذلك الحال نفسه مع الشاب.

٢٢-ففي أمريكا مثلاً: يقول أندرو شابيرو -قبل أكثر من ٣٥ سنة- أنه في كل سنة تحمل سفاحا أكثر من (١٠) آلاف فتاة لم تبلغ الرابعة عشر من عمرها!

٢٣-فما ترتب على الاختلاط الليبرالي بين الجنسين من آثار مدمرة على الجنسين لا يمكن وصفه أو حده بداية من تفكيك الأسرة إلى تفكك الأخلاق.

٢٤-يقول اكتافيو باث: "المنظور الروحي للغرب يدعو للحزن، فالسائد الآن هو الابتذال والسطحية وانحطاط العنصر الشهواني والتلذذ في خدمة التجارة".

٢٥-وطبقًا لنتائج المؤتمر الوطني الذي عقد في فرنسا قبل أربعين سنة -فكيف الآن- جاء فيها: ٧٠٪ من الشابات الفرنسيات يعشن وحيدات وقلقات.

٢٦-طبعًا الليبرالية كمنهج استمر في التقدم في طريقة، وتجاوز قضية العلاقات المحرمة بين الجنسين ليطرق أبواب علاقة جنسية آخر غير طبيعية.

٢٧-فبعد أن كان الشذوذ الجنسي يعتبر ممنوعًا ويصنف في الموسوعات النفسية كمرض وانحراف وتشوه نفسي، أصبح بفضل الليبرالية ممارسة مشروعة وطبيعية!

٢٨-وتسابقت الدول الغربية في تشريعاتها لسن القوانين لتشريع الشذوذ الجنسي (الرجال للرجال والنساء للنساء)، وفرضت لهم الحقوق الملزمة.

٢٩-ومن يتعدى على الشواذ بوصفهم مرضى فإنه يقع تحت طائلة العقاب القانوني الليبرالي، ويشهر به، وإن كان له منصب ربما أجبر على ترك منصبه.

٣٠-وكما يقول بعض المراقبين فإن أخطر ما فعلته الليبرالية في هذا الباب أنها سمحت للشواذ بأن يكونوا أسرة، وسمحت لهم بتبني الأطفال وتربيتهم.

٣١-ولذلك كثيرا ما ترى في الغرب -لمن عاش هناك- الرجل الأربعيني يسكن في بيت ومعه رجل آخر خمسيني، هما نواة أسرة بالمواصفات الليبرالية الغربية!

٣٢-يخرجان للتبضع والتسوق والنزهة والفسحة، وأحيانا تجد معهما الطفل الواحد أو أكثر، قد تم تبنيه من قبلهما ليتربى تربية ليبرالية "صالحة"!

٣٣-هل توقفت الماكينة الليبرالية عند هذا الحد في الهبوط اللاأخلاقي؟ بالطبع لا، فمسلسل الإطراد مستمر، لكن النهاية بكل تأكيد مجهولة!

٣٤-فبعد تشريع الاختلاط بين الجنسية والعلاقة بينهما، ثم القفز نحو إباحة الشذوذ الجنسي، قفزت الليبرالية قفزة هائلة نحو العلاقة مع الحيوانات!!

٣٥-فهذه المحكمة العليا الكندية تجيز الممارسات الحميمية مع الحيوانات الأليفة بشرط "عدم الإيلاج"!



٣٦-مع العلم أن تلك الممارسات القبيحة منتشرة في الغرب يعرفها من أقام هناك، والصحف والقنوات تعرض بعضًا من أخبارها وأخبار أهلها وأصحابها.

٣٧-والنكتة أن المحكمة الكندية استندت على مبدأ "الأصل الإباحة وعدم التجريم" فيما سكت عنه التشريع الإنجليزي الصادر من البرلمان في القرن 19م.

٣٨-فهذا قطار الانهيار القيمي والأخلاقي الغربي يسير بسرعة هائلة، ولن يكون آخره قرار المحكمة العليا الكندية الأخير، فالمشكلة هي المنهج نفسه.

٣٩-فالليبرالية كمنهج للحياة في الغرب لا تتعارض مع هذه الممارسات، بل مع ما هو أشد. ولا يحفظ الأخلاق مثل الدين الحق.

٤٠-هذه خطوات الليبرالية، بدأت بالعلاقات والاختلاط بين الجنسين، فإباحة جنسية، ثم إباحة الشذوذ، ثم إباحية مع الحيوان، إنه الإطراد الليبرالي!

٤١-ولولا بقية آداب بقيت في الغرب وعند بعض المصلحين الاجتماعيين -وهي من آثر اليهودية والمسيحية- لقفزت الليبرالية إلى ما هو أشد وأخطر وأفظع.

٤٢-فهاهم بعض الليبراليين الملحدين لا يَرَوْن بأسًا في العلاقة المحرمة بين المحارم، بين الأب وابنته، وبين الأم وابنها، لأن خلفيتهم لا تحرمها

٤٣-فكل هذه الجرائم الخلقية التي تتصادم مع الفطرة والذوق السليم لن تجد ما يحرمها في الفكرة الليبرالية، تحريمها في الدين والفطر السوية والعقول

٤٤-وقد طرح المفكر الغربي المعاصر المعروف "جوناثان هايت"، بعض الأمثلة للفعل القبيح ومدى استنكاره في الإحساس الفطري، وعند الإنسان الليبرالية!

٤٥- المثال الأول الذي طرحه "جوناثان هايت"، لمعياريَّة الفعل الخاطئ هو هذا⬇️


٤٦-هذا الفعل البغيض في ذاته عند معظم الناس جيدي التعليم -بحسب مفهوم هايت- مثير للإشمئزاز، لكنه من الصعب أن يقال إنه خاطئٌ أخلاقيًّا.

٤٧-المثال الثاني الذي طرحه "جوناثان هايت"، لمعياريَّة الفعل الخاطئ أشد قبحًا وانحطاطًا، وهو هذا⬇️


٤٨-هذا الذي طرحه "جوناثان هايت"، مثال صارخ في القبح وإثارة الاشمئزاز، فمن المنحط المريض الذي سيضاجع دجاجة مثلجة ليطبخها ويأكلها بعد ذلك؟!

٤٩-يصف "جوناثان هايت" هذا الفعل بالمخزي، لكنه في الوقت نفسه يطرح هذا التساؤل: هل كونه (مخزيًا) يجعله ذلك خاطئًا أخلاقيًّا؟

٥٠-بالطبع أي إنسان يستند إلى الدين والفطرة سيعرف أن هذا الفعل القبيح المخزي والمستنكر يحرمه الدين وهو خاطئ أخلاقيًّا.

٥١- لكن "جوناثان هايت" يبين لنا أن الليبرالي له رأيٌ آخر تمامًا، فمضاحعة دجاجة مثلجة ثم طبخها وأكلها لا يتعارض مع أخلاقيات ومبادئ الليبرالية

٥٢-وهذا جواب "جوناثان هايت" مبينًا إطراد الليبرالي، ونقطة الخطأ عنده كما يرها معظم أهل الأرض.


٥٣-هذا هو النهج الليبرالي وهذه هي النتائج التي سيوصل أي مجتمع يسلك طريقه، وحتى هذه العصر لم تبلغ اللحظة الليبرالية الغربية أوجها اللاأخلاقي!

٥٤-وإذا ما عدنا من الليبرالية الغربية النسخة المقلدة=الليبرالية العربية، وجدنا أنها إذا التزمت ذلك بصدق فإنها لن تكون أحسن حالاً.

٥٥-لكن الواقع يُبين أن الليبرالية العربية ليست صادقة ولا مطردة، وأحلامها وأهدافها متدينة جدًا ومختزلة في حدود قريبة ضيقة جدًا.

٥٦-ومن أبرز أمراضها التناقض والازدواجية، وعدم الصدق في تبني المبادئ كما هي، ولعل كلام العلماني اليساري بو علي ياسين يلخص هذه المأساة.

٥٧-يقول: "الرجل المثقف في مجتمعنا يدعو إلى المساواة ويطالب النرأة بأن تكون ندا للرجل، لكنه نادرا ما يتزوج هذه المرأة المتساوية معه".

٥٨-ويتابع بوعلي ياسين حديثه: "إنه يقبلها صديقة ورفيقة وزميله لكنه يخافها ويبتعد عتها كزوجة، ولذلك تراه يركض وراء المراهقات".

٥٩-أي عاقل يدرك أن الليبرالية هذه هي أعظم انتصار للرجل المستَغِل وهزيمة ساحقة للمرأة بكافة أصنافها، بل هزيمة للبشرية والأخلاق والفطرة.

٦٠-يقول العلماني "بوعلي ياسين" عن المجتمعات والأسر المتدينة معترفًا: "تفوز بإكليل السعادة الزوجية وهي جديرة أن تسمى فردوس الأزواج السعداء".

٦١-بعض المحللين يرون أن الليبرالية "المتوحشة" اقتصاديًا وسياسيًا، والمنحلة أخلاقيا واجتماعيا، ليبرالية ملائمة تاريخيا للنفسية الغربية.

٦٢-فيقولون إنه لا حدود أخلاقية لليبرالية الغربية السياسية-الاقتصادية والاجتماعية-الأخلاقية، فهي مسارات متوازية ومتناسقة تسير معا باتجاه واحد

٦٣-ولو أخذنا مثالاً واحدًا فقط يتعلق بالمزاج النفسي والخلقي والذوقي المتعلق بأخباق الحب والعشق، سنرى فرقًا شاسعًا:


٦٤-ولذلك لا يمكن أن يكون هؤلاء أو الليبرالية الغربية قدوة صالحة للمسلمين في الأخلاق والأدب والحب ونظام الحياة الأسرية والاجتماعية.

٦٥-إلا إذا أراد المسلمون إدخال الارتباك والقلق الاجتماعي والثقافي -كما يقول المفكر الفرنسي جاك بيرك- إلى مجتمعاتهم الغنية عن تلك الليبرالية.

٦٦-وأخطر ما يربط الليبرالية الغربية بمجتمعاتنا هو الممارسات غير الأخلاقية التي تفترض أن قيمهم أرقى وقيمنا أحط، ومن ثم لا بد من فرصها علينا!

٦٧-فمع إدراك عقلائهم ما في قيمهم من تدهور أخلاقي إلا أنهم يصرون على نشرها وتعميمها بقوة السلاح، وللأسف أن الليبرالية أدخلت مجتمعاتنا في حروب

٦٨-وأصبحت الليبرالية=التحرر جبرية تفرض على الآخرين، وخصوصًا قضية تحرير المرأة التي جعلت شماعة الحروب الليبرالية!


٦٩-حيث استخدمت "حقوق المرأة" أداة للتدخل في شؤون البلاد الداخلية، وابتزازها وتغيير قيمها والضحية لهذه التدخلات البلاد والنساء بالدرجة الأولى

٧٠-فانقلبت الليبرالية في قضايا المرأة من البعد والإطار الخلقي الحقوقي إلى "تسييس الاختلافات بين الجنسين"، كما تقول سيلفيان أجاسينسكي.

٧١-الليبرالية أو غيرها من المبادئ الوضعية هي أفشل من أن تعرف الحسن والقبيح، الخير والشر، ما يحرم وما يحل، فهذه هي وظيفة الدين والفطرة السوية

٧٢-هي أفشل من أن تعرف ما يصلح للبشرية وما هو خيرها ومصلحتها، هذه الأبعاد الحاسمة في حياة الناس لا يقوم بها إلا الدين الرباني وفطر النفوس.

٧٣-منهج الحياة: "وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون".

٧٤-وفق الله الجميع لكل ما يحبه ويرضاه، وشكر الله للجميع حسن تفاعلهم، ولا نستغني من إرشادهم وتوجيههم وتسديدهم،،، انتهى.


 

تغريدات