اطبع هذه الصفحة


كبش العيد وأسيرٌ فلسطيني

د. مروان عرنوس


"لبيكَ" في عرفات قد جأرتْ وتنهكني القيودْ
وأراك ياكبشي العزيز اليوم مبتسماً سعيدْ
أتراك أعجبك الطعام ونلت أشهى ماتريدْ ؟!
أم همتَ بالحبل الجميل ولحن أجراس الحديدْ؟
أم إنهم قد أكرموك فأنت ضيفهمُ الجديدْ!؟
فاسعد بساعاتْ تمرّ سعيدةً تُتلى بِعيدْ

أما أنا فتمرّ أيامي فتضنيها الجروحْ
فمصائبي قد قوّست ظهري وأضنتني القروحْ
مرّتْ سنون ولم أزلْ في بئر أحزاني النضوحْ
والهمُّ ينفثُ سمّه, والقلبُ مكمودٌ طريحْ
والموت يأبى أن يخلِّصَني الحياة فأستريحْ
فاتركْ طعامَك برهةً واسمع لمحزونٍ ينوحْ

أو..لا ...فأخبرني عن القربى ذويك من الخرافْ؟
أبواك... أين هما؟ وأين بنوك؟ والأهلُ الضعافْ؟
أترى نسيتَهمُ؟ وبات الأمنُ يفترش الشغافْ
وسُررتَ بالبسماتِ كالولهان يُسعدُه الزفافْ
واختلتَ بالقرنينِ تنطح من تشاء ولاتخافْ
أنسيتَ ماتُخفي لك الأقدارُ في أقصى المطافْ؟

أترى همُ في الحبلِ مثلك... ما اشتهوا همْ يأكلونْ؟
أم إنهم نحروا؟؟! وهل تدري لماذا تنحرونْ؟!!
أما أنا هيهات أنسى والدي, أمي الحنونْ
وأحبّتي الأطهار كم ألقى لفقدهمُ الشجونْ
فاسأل دموعي فهي عني سوف تنبيك اليقينْ
فانا كنايٍ...... لاتنادمني فيشجيك الأنينْ

وهمُ كمثلي لن يطيبَ رقودُهمْ فوق الحريرْ
فضلوعُهمْ ضاقتْ بآهاتٍ شكتْ منها الصدورْ
أنا لستُ أدري ما أصابهمُ ومَنْ يُدري الأسيرْ؟
أترى همُ حجّوا لبيت الله يرجون القديرْ ؟
أترى همُ يُحيونَ ليلَهمُ كمَنْ يلقى سعيرْ ؟
أترى همُ أحياء؟ أم أمسَوا رميما في القبورْ؟

أتودُّ أن تدري علام أسِرتُ ......؟يخبرك الجوابْ
يامن خُدِعتَ ولم ترمْ إلا طعامك والشرابْ
وبنيتَ من بسماتِهم أملاً على شطِّ السرابْ
فلقد أبيتُ العيشَ في ظلِّ البنادقِ الحرابْ
ورفضتُ حبلاً مثل حبلِكَ كي تسيِّرني الكلابْ
ماقيمةُ الدنيا إذا جثم الهوانُ على الرقابْ؟

وبذلتُ نفسي للذي لجلالِه عنتِ الوجوهْ
فلقد رجا الأقصى الكماةَ من الأباة لينصروهْ
فيهودُ قد سلّوا سيوفَهمُ عليه لينحروهْ
لكنها الأقدار... ألقتني لسجنٍ شيّدوهْ
ليعذّبوا فيه الأبيَّ بحقدِهم ويقتِّلوهْ
وليخمدوا نورَ الهدى ...أنى لهم أنْ يُطفئوهْ

ستقول لي استبدلتَ أمنكَ بالقيود العاتياتْ
فلقد خسرتَ بما فعلت وسرتَ نحو الموبقاتْ
وظننتَ أنك سوف تخلدُ في الرياضِ الناضراتْ
أخطأتَ يا هذا... ففي الأغلالِ نبعُ الأمنياتْ
وظلامُ قضباني سيوصلُني لأعلى المكرماتْ
فالحرُّ يأبى أن يُهانَ على نهود الغانياتْ

أتظنّني أهوى المناصبَ والوثيرَ من الفراشْ ؟
والحقُّ يا هذا سراجٌ حوله كنتُ الفراشْ
أفدي الألوفَ مهادُها الإذلالُ منه لهم غواشْ
قد طأطئوا وتذلّلوا فالعزمُ يغزوه ارتعاشْ
فبعثتُ أنفاسي نسيما ً فيه أرواحُ انتعاشْ
وبجستُ نبعَ الحقِّ فيّاضاً ليقصدَه العطاشْ

مَن همْ كمثلكَ خدَّرت أحلامَهم حقنُ الكلامْ
حسبوا بأنهمُ نجَوا فالخصمُ أذّنَ بالسلامْ
لم يُبصروا!!! فبكفِّه الأخرى حرابٌ لانتقامْ
أتظنّهمْ هاموا بصوتِكَ حين جادوا بالطعامْ؟
أم إنَّ عينك فجّرَتْ في قلبهمْ عينَ الغرامْ ؟
بل أكرموك فأنت ذو القرنين من قومٍ عظامْ

أقبل علامَ لويتَ رأسَك كي ترى مايجلبونْ؟
جلبوا ثيابَ العيدِ والحلوى وما قد يشتهونْ
وانظر إلى أحلى الهدايا والصغارُ يزغردونْ
فعلى الأراجيح الجميلة في الغداة سيمرحونْ
أمّا هديتُك الوحيدةُ فهي قد تبكي العيونْ
أأقولها بصراحةٍ؟ ...هي مديةٌ وبها المنونْ

فغداً ستدري موقِناً لم أطعموك وأكرموكْ
وعلام بالبسمات جادوا حينما هم داعبوكْ
وغداً ستخذلك القرونُ من الردى لن ينقذوكْ
ستراهمُ اجتمعوا عليك يهلّلون لينحروكْ
وبكفّهم ماءٌ ويدنون الوعاءَ ليخدعوكْ
فإذا نُحِرتَ صُلِبتَ تقطرُ من دماك ليسلخوكْ

أتُراكَ خفتَ من المنيّة أيها الكبش الهلوعْ؟
أم قد تقمّصَك الهوانُ فبتَّ تشقى بالخنوعْ؟
أمّا أنا... فمن الردى ما كنتُ يوماً بالجزوعْ
فلقد نسجتُ بعزّتي كفني وأجريتُ الدموعْ
حزناً على من يُنحرون.... كمثل أفرادِ القطيعْ
فاعذرْ إذا أجريتُ دمعَك ..عُدْ وكُلْ كي لاتجوعْ

منّوا عليك بأن حمَوْكَ من الكواسرِ في الوثاقْ
وقضيْتَ عمرَك آمناً تشدو بأنغامِ الوفاقْ
أوليس مِقبضُ مديةِ الجزّارِ من قرنِ الرفاقْ؟!
وثيابُهمْ وفراشُهم من صوفكمْ ؟!....أم ذا اختلاقْ
أنا يا عزيزي قد بذلتُ دمي لمن رفع الطباقْ
فابذلْ دماك عساك تفدي من بطهرِ القدسِ ضاقْ

ابذلْ لحومَكَ لليتامى علَّ يقبلُها الإلهْ
والصوفَ للبطلِ المجاهدِ نصرُ من ظُلِموا مناهْ
واسمع فإسماعيلُ لمّا تُلَّ واللهُ ابتلاهْ
لجبينه, ذو العرشِ بالكبشِ السمينِ قد افتداهْ
فلكمْ بهذا أسوةٌ فالموتُ قد مُدّتْ يداهْ
والعيدُ بالتكبير أقبلَ.... فالمؤذنُ قد حداهْ

وغداً سيقتلُني اليهودُ يديَّ شدّوا للوارءْ
ويكمّني ويعصّب العينين جندٌ أشقياءْ
عجباً يهلّلُ ناحروك وأنت تجهر بالثُغاءْ
ويخيف تكبيري اليهودَ وقد جرتْ مني الدماءْ
فأنا الشهامةُ ياعزيزي والكرامةُ والإباءْ
حتى وإن أُقتَل أظلُّ اُخيفُ من فرضَ العداءْ

إذ إنني ألقى الردى برضا ومن غير امتعاضْ
فبذاك قد حكم الإله فليس في قلبي اعتراضْ
إذ ماخُلقْتُ لكي أُنعّمَ في هوانٍ بالرياضْ
فإذا قضوا هذي الحياة وليس حبلُهمُ بقاضْ
فإلى جناني سوف ألقاها متى اشتدّ المخاضْ
حسبي بأن ألقى إلهي وهو عنّي جدُّ راضْ

قمْ فلنعشْ والعيدَ ساعاتٍ نكبّر صادقينْ
نحيي ظلامَ الليلِ لله العظيم مسبِّحينْ
فإذا رآني العيدُ أذرفُ والأنام يُزغردونْ
واستنكرَ العبراتِ تجري من ينابيع الشجونْ
سأجيبُ لستَ بعيدِ نا !!بل أنت عيدُ المُترَفينْ
عيدي بجنّاتي فللرحمن قد طال الحنينْ
***

 

واحة الأدب

  • هذه أمتي
  • قصائد وعظية
  • منوعـات
  • أدبيات
  • قصائد نسائية
  • مسرى النبي
  • حسين العفنان
  • عبدالرحمن الأهدل
  • صالح العمري
  • عبدالرحمن العشماوي
  • عبدالناصر رسلان
  • عبدالمعطي الدالاتي
  • موسى الزهراني
  • د.عبدالله الأهدل
  • د.أسامة الأحمد
  • الصفحة الرئيسية