عقبات في طريق الدعوة إلى الإسلام في
أوروبا
1 - تمهيد:
إن الإمكانات المتوافرة في أوروبا،
وفي الغرب بصفة عامة، مغرية لمن يريد أن يدعو إلى الله تعالى هناك، ولو أن
المسلمين تكاتفوا دعاة وعلماء وساسة وأغنياء وغيرهم، كل فيما يقدر عليه،
ونسقوا فيما بينهم للدعوة إلى الله في الغرب لآتى ذلك ثماره بإذن الله!
ولكن تلك الإمكانات المتاحة التي لم يستغلها المسلمون تقابلها عقبات، كل
واحدة منها تحتاج إلى عمل جاد وإخلاص فيه لله وعزم وتصميم على دكها وتحطيمها.
والذين يتفاءلون كثيرا بتلك الإمكانات، ولا يحسبون حسابا لهذه العقبات، يرون
أن الإسلام سينطلق من أوروبا كما انطلق قبل من دولة آل عثمان، ويرون كذلك
صعوبة انطلاقه من البلدان الإسلامية، وبخاصة الدول العربية التي ابتعد أكثر
حكامها عن الإسلام، بل حارب تطبيقه أكثرهم. هذه نظرة المتفائلين.!
2 - سببان وموقفان.
وقبل أن أسرد أهم العقبات التي تعترض
الإسلام وانتشاره في الغرب، لا بد من الإشارة إلى السبب الرئيس الذي جعل أهل
الغرب يعطون المسلمين شيئا من الحرية في الدعوة إلى دينهم ومحاولة المحافظة
عليه فيما بينهم وتعليم أولادهم إذا استطاعوا.
وكذلك لا بد من الإشارة إلى السبب الرئيس الذي جعل أعداء الإسلام من
العلمانيين في الشعوب الإسلامية يكممون أفواه الدعاة إلى الله، ويحرمون
المسلمين من سماع كلمة الحق، وصب أنواع الإذى على دعاة الإسلام، من الاضطهاد
والسجن والتشريد والقتل، فإن بيان هذين السببين: السبب الذي جعل زعماء الكفر
في الدول الأوربية يعطون شيئا من الحرية للمسلمين ليدعوا إلى الإسلام، مع شدة
بغضهم له ومحاربتهم له في عقر داره، والسبب الذي جعل أعداء الإسلام من ذرا ري
المسلمين يحاربونه في مسقط رأسه، أقول: إن بيان هذين السببين يزيل ما قد علق
بأذهان بعض الناس من الحيرة والعجب من موقفين: أحدهما يجري هنا والآخر يجري
هناك!
سبب منح الغرب الحرية لدعوة المسلمين
إلى دينهم.
فسبب إعطاء أهل الغرب شيئا من الحرية
للمسلمين ليدعوا إلى الإسلام في بلادهم، يعود إلى أمرين:
الأمر الأول:
أن أهل الغرب كانت عندهم ثقة أن المجتمعات الغربية، لها عقائدها وعاداتها
وسلوكها وتاريخها وحضارتها التي تختلف كل الاختلاف عن مبادئ الإسلام وأخلاق
المسلمين وعاداتهم وحضاراتهم-إن اعترفوا بأن لهم حضارة-وأن المسلمين مهما
تمسكوا بدينهم ودعوا إليه، فهم أقلية ضعيفة يحيط بهم المجتمع الأوربي
ويحاصرهم في كل مكان وجدوا فيه: السكن، ومكان العمل، والشارع، والسوق،
والجامعة والمدرسة، والمصنع والقطار والطائرة والحافلة.... فهم كنقطة عطر
فواح تلقى في محيط من القاذورات والأوساخ، فَأَنَّى لتلك القطرة أن تحافظ على
نفسها ورائحتها في ذلك المحيط القذر؟!
وقد أخبرني بعض المسلمين أن البابا الحالي قال للنصارى في حشد عظيم في
هولندا: (لا تخافوا من الإسلام في أوروبا، ولا يهولنكم بناء المساجد وانتشار
المراكز الإسلامية فيها، فأبناء المسلمين بين أيديكم وتحت إشرافكم وتوجيهكم،
في المدارس والجامعات وغيرها، فاجتهدوا في تربيتهم التي تجعلهم ينسجمون مع
المجتمع المسيحي، وسينقرض آباؤهم وتفنى مساجدهم ومراكزهم وتندثر، ويبقى
أبناؤهم في صفكم.)
الأمر الثاني:
أن أهل أوروبا-والغرب بصفة عامة-استقبلوا في أول الأمر مسلمين بالاسم، وفدوا
أفرادا وهم يجهلون حقيقة دينهم، كثير منهم غير متمسكين به، يلتمسون في
اغترابهم لقمة العيش فحسب، ليس عندهم ثقافة تحميهم، ولا مؤهلات ترفع شأنهم،
وكان نصيبهم من الوظائف تلك المهن البدنية المرهقة، كحمل الأثقال والبناء في
المصانع ونحوها، أو الأعمال الحقيرة كتنظيف الشوارع والمصانع والمنازل، وما
أشبه ذلك، وأمثال هؤلاء لا يرجى لهم التمسك بدينهم، فضلا عن أن يؤثروا في
غيرهم من أهل البلاد الذين هم أعلى منهم منزلة، وأرقى منهم حضارة، وأكثر منهم
مالا، بل مصيرهم الذوبان في المجتمع الأوربي، وهذا ما حصل فعلا لكثير من
الوافدين إلى أوروبا في الأفواج الأولى.
ولو أن الدول الأوربية علمت في وقت من الأوقات، أن الإسلام الحق سينتشر في
بلدانهم، ويهدد العقائد الغربية والفكر الغربي، لما تردد أساطين الغرب ودعاة
حقوق الإنسان وحرية الأديان وحرية الرأي، في طرد المسلمين في يوم واحد-إذا
استطاعوا-من كل أنحاء أوروبا.
راجع مجلة المجلة: عدد 737، ص 36، 21/ شوال، مقال لفهمي هو يدي بعنوان: (دور
أوروبا قادم في الاشتباك مع الحالة الإسلامية) هذا مع العلم أن كتابتي هذه
كانت في سنة 1407هـ و مقال حسن هو يدي كتب سنة 1414 هـ أي بعد سبع سنوات من
يوم من قيامي بهذه الرحلة التي لخصت منها هذه الصفحات، وقد اشتدت الأمور الآن
أكثر ، ولكن الدعوة في طريقها إلى الانتشار ، والمهم قيام المسلمين بواجبهم
كل في موقعه .
لا، بل قد بدأ الخوف والقلق يساور الأوربيين من وجود المسلمين الآن، وهاهي
بعض دول أوروبا-ومنها فرنسا وألمانيا-تعرض على المسلمين مبالغ مالية في مقابل
أن يعودوا إلى بلدانهم،وبدأت أجهزة الإعلام تحذر زعماء أوروبا من خطر بقاء
المسلمين فيها، وقد أسفر كثير من زعماء الأحزاب عن وجوههم، فدعوا إلى طرد
المسلمين من بلدانهم، بحجة أنهم لا يريدون أن يتأقلموا مع المجتمعات
الأوربية، وأنهم يعتبرون نشازا في هذه المجتمعات، حيث يحرمون على أنفسهم ما
يراه الأوربي مباحا، بل هو من لوازم التحضر والتقدم في أوروبا، من الطعام
والشراب والنكاح واللباس وغير ذلك
ذلك هو السبب الذي من أجله أعطى الغربيون المسلمين شيئا من الحرية المؤقتة
للتمسك بدينهم والدعوة إليه، وهذا هو موقفهم المبني على ذلك السبب.
وقد بدأت مضايقات المسلمين من الآن بأساليب غير رسمية، ولكنها تحت سمع وبصر
الأجهزة الرسمية!
هذا الكلام كان وقت كتابة هذا الموضوع سنة 1407هـ ـ أما الآن ونحن في سنة
1420هـ أي بعد ثلاث عشرة من تلك الرحلة، فقد تغيرت الأمور، وأصبحت بعض
الحكومات الأوربية نفسها تضايق المسلمين وتحاول التخلص منهم.
سبب مضايقة دعاة الإسلام في بلادهم.
أما السبب الذي يعكس القضية، فيجعل
أعداء الإسلام في الشعوب الإسلامية يضايقون الدعاة إلى الله، ويحاربون تمكن
الإسلام من السيطرة على أبناء المسلمين وتوجيه حياتهم، فيعود إلى أمر واحد
وهو: أن العلمانيين من ذرا ري المسلمين يعلمون أن الشعوب الإسلامية مهما
ابتعد كثير من أبنائها عن الإسلام، فإن الفطرة الكامنة في نفوسهم قابلة
للعودة إلى الله والاستجابة لداعي الإيمان إذا أتيحت له الفرصة.
وأن الجهد القليل الصادق المؤثر يجد استجابة سريعة في الشعوب الإسلامية، لأن
الدعوة الإلهية تلتقي مع الفطرة الربانية، فَتَلْقَف عصى موسى حبال وعصي
فرعون.
ولهذا نجد الطاغية الذي يحكم بلدا إسلاميا يمكث ما يقارب عشرين سنة أو أكثر،
يحارب الإسلام ويقتل دعاته ويعتقلهم ويعذبهم، ويُمَكِّنُ للكفر والإلحاد
والفسوق والعصيان والانحلال ولكل مذهب هدام، فإذا أدبر غير مأسوف عليه، عاد
الإسلام من جديد، وانتشرت الدعوة إليه في كل بيت، وساد النشاط الإسلامي في
المدارس والجامعات والمصانع والنقابات وغيرها، في فترة قصيرة من الزمن، ولهذا
يتكاتف أعداء الله من اليهود والنصارى والملحدين والوثنيين، مع أعداء الله من
طغاة العلمانية في الشعوب الإسلامية لضرب الحركات الإسلامية.
فالجهود الكبيرة بالإمكانات الهائلة التي تملها الدولة وتبذلها لضرب الإسلام
في الشعوب الإسلامية، يمكن أن تقضي عليها جهود أقل منها بكثير، تبذلها جماعات
فقيرة قليلة الإمكانات لإقامة دين الله، والسبب في ذلك أن الشعوب الإسلامية
تحن بفطرتها إلى عودة الإسلام وهيمنته في الأرض، ولولا قوة تأثير الإسلام في
المسلمين، لكان قد محي من على وجه الأرض، لما يلقى من الكيد والمكر والطغيان،
وهذا بخلاف الغرب، فإن الجهود القوية التي تبذل فيه لنشر الإسلام، يضعفها
المجتمع الغربي بما يواجهها به من عقائد وعادات وتقاليد وانحراف فطر، ووسائل
توجيه، وتشويه لحقائق الإسلام والتنفير منه وغير ذلك من العقبات القوية.