أقسام المسلمين في أوروبا.
ينقسم المسلمون في أوروبا قسمين:
القسم الأول:
المغتربون.
وهم الذين نزحوا إليها من بلدان إسلامية، أو بلدان أخرى غير إسلامية، وهم من
أصل إسلامي، كالوافدين من الدول الشيوعية، مثل المجر-هنغاريا-ويوغسلافيا
وألبانيا...
وغالب هؤلاء إنما نزحوا من بلدانهم لضرورات أو حاجات، وهم أصناف ثلاثة:
الصنف الأول: الذين وفدوا إلى الغرب
لالتماس الرزق وتوفير لقمة العيش، وأغلبهم من الجهال غير المثقفين الذين لا
يحملون مؤهلات تمكنهم من تولي وظائف مرموقة، وإنما عندهم مقدرة على الأعمال
الجسمانية، وقد سهلت لهم الدول الغربية طرق الهجرة في أول الأمر، لتتخذهم
عمالا تقوم على أكتافهم-وليس على عقولهم-الحضارة المادية، من حمل الأثقال
وأعمال التنظيف والحراسة والعمل في المطاعم والمصانع، وما أشبه ذلك.
ولم تكن الدول الأوربية تخاف من تأثير هؤلاء في مجتمعاتها بالإسلام لأسباب
أربعة:
السبب الأول:
أن غالبهم لم يكن يهتم بدينه ولم يلتزم به هو في نفسه.
السبب الثاني: عدم وجود الثقافة
عندهم، إذ غالبهم أميون، والأمي لا يخشى أن يؤثر في المثقف، بل تَأَثُّر
الأول بالثاني أقرب.
السبب الثالث: أنهم يعملون في مهن
حقيرة، لا تجعل الأوربيين ينظرون إليهم نظرة احترام وتقدير، وإنما ينظرون
إليهم نظرة احتقار وازدراء، كما أنهم-أيضا-ينظرون إلى الأوربيين نظرة إجلال
وإكبار، ويرون أنفسهم الأدنى والأوربيين الأعلى ، وهذه النظرة توجد لدى كثير
من مثقفي من يسمون بالعالم الثالث، ومنهم المسلمون، فكيف بغير المثقف منهم
الذي يخدم الأوربي في بلده؟!
ولهذا لم يكن الأوربيون يخشون من تأثير هذا الصنف من المسلمين في مجتمعاتهم،
وإن تمسكوا بدينهم.
السبب الرابع: أنهم أفراد قليلون في
مجتمع كبير، له عقائده وأفكاره وسلوكه، وهو قادر على التأثير فيهم بضغطه
الاجتماعي الذي يحيط بهم في أماكن العمل، وفي الشارع، وفي المسكن، وفي
المنتزه، وفي النادي، وفي دور السينما والمسرح، وفي المطعم، إضافة إلى وسائل
الإعلام ذات التأثير القوي، وأهم من ذلك كله: المرأة الغربية المصاحبة، زوجة
كانت أو صديقة.
وقد ذاب كثير من هذا الصنف في المجتمع الغربي، وبخاصة في الفترة التي سبقت
وجود المراكز الإسلامية والاتحادات الطلابية الإسلامية.
الصنف الثاني: هم الشباب الذين وفدوا
إلى بلدان الغرب لطلب العلم، سواء منه ما يتعلق بالعلوم الإنسانية، كعلم
النفس وعلم الاجتماع والتربية والاقتصاد والعلوم العسكرية، أو ما يتعلق
بالعلوم الكونية والطبية والصناعية... ونحوها.
وغالب هذا الصنف لم يكن في أول الأمر ملتزما بدينه في بلاده، والذي كان يلتزم
بشيء من الإسلام، لم يكن يأخذ ما يلتزم به عن طريق العلم الإلهي والتربية
الربانية، وإنما تلقاه بالوراثة من أبويه وأقاربه.
ولهذا فإن طلائع هذا الصنف انبهروا بحضارة الغرب المادية ونظمها الإدارية
وأساليبها السياسية، وقادهم ذلك الانبهار إلى الاغترار بالمجتمعات الغربية،
فانجرفوا إلى عقائدهم الملحدة أو العلمانية، وإلى أخلاقهم وعاداتهم الفاسدة،
فوقعوا في المستنقعات التي حرمها الله عليهم في كتابه وسنة رسوله صلى الله
عليه وسلم، واعتقدوا أن الغرب هو صاحب السيادة الذي ينبغي اقتفاء أثره
وتقليده في كل شيء، سواء وافق ذلك الإسلام أو خالفه.
ومن هنا انفجرت حمأة أساطين الفصل بين الدين وحياة المسلمين في الشعوب
الإسلامية، وهم من يسمون بالعلمانيين الذين لا تخلو منهم بلاد من بلدان
المسلمين، بل هم المسيطرون على غالب تلك البلدان، وإن كُبِتُوا وأسكت صوتهم
في بعض البلدان الإسلامية إلى حين، وكثير منهم ملا حدة لا يؤمنون بالله ولا
باليوم الآخر.
وقد مكن أعداء الإسلام لهذا الصنف المفسد لحياة الأمة، أن يتسلم أزمة الأمور
في كثير من الشعوب الإسلامية-على غفلة وجهل من أهلها-لينفذوا مخططات الغرب في
تلك الشعوب، تلك المخططات التي لم يكن المستعمرون قادرين على تنفيذها إلا
بخسارة فادحة في الأموال والأنفس، وإن هذا الصنف لهو السبب في جل المحن التي
تعانيها الشعوب الإسلامية في كل أقطار الأرض اليوم!
وبعض أفراد هذا الصنف من الطلاب لا زالوا موجودين في الغرب من الزمن الماضي
والحاضر، وهم أدوات تساعد ساسة الغرب ومستشرقيه ومنصريه ورجال أمنه على تحقيق
مصالح الغرب في بلدان المسلمين، والعمل على وضع كل الصعاب والعقبات المادية
والمعنوية في طريق تطبيق الإسلام تطبيقا صحيحا في معاقله التي ألفته وألفها
زمنا طويلا.
من ذلك-مثلا-ما حصل من ضابط الشرطة الأفغاني الذي ابتعث من قبل حكومته سنة:
1955م، ليتدرب في أكاديمية البوليس في (فينا) عاصمة النمسا، وبعد أن أكمل
دراسته بقي هناك، وأظهر للمسلمين الغيرة على الإسلام، حتى أصبح رئيسا للجمعية
الدينية الإسلامية الرسمية في النمسا، وقد اعترفت الحكومة النمساوية بالإسلام
دينا رسميا، لأهله كامل الحقوق التي تمنح للأديان الأخرى، ولكن هذا الرجل
انحرف بالجمعية برغم أنوف أعضائها بمساعدة خفية من رجال الدولة، وهو يحاول أن
يكون الموجهون للمسلمين، سواء أكان التوجيه عن طريق التدريس، أو عن طريق
إمامة المساجد، أو غيرها، من الأشخاص الذين لا يرجى منهم خير للإسلام
والمسلمين، بل قد يكون بعضهم وبالا عليهم، وبرغم أن النمسا بلد ديمقراطي،
فإنه يرفض تطبيق الانتخابات الديمقراطية الحرة بين المسلمين، ويحتال بشتى
الحيل لأن يبقى في منصب رئاسة الجمعية، مع كراهية غالب أعضائها له.
وهو يتعاون مع بعض الحكام العلمانيين في بعض الشعوب الإسلامية-لأن كثيرا من
المسلمين في النمسا من رعاياها-لإبعاد التوعية الإسلامية الصحيحة عن
المسلمين. وقد فصلت القول في التعريف بهذا الرجل وشكوى المسلمين منه في الأصل
.
وللحق أنصار.
وهناك فرقة من الطلاب وفدوا إلى الغرب، وهم ملتزمون بالإسلام، مع الوعي الجيد
والثقافة الإسلامية والتربية الإسلامية الواقية، وهؤلاء هم الذين نفع الله
بهم في الغرب، فنشروا الدعوة الإسلامية بين زملائهم من الطلاب الذين كانوا
بعيدين عن هدى الله، فأعادوهم إليه، كما نفع الله بهم كثيرا من أبناء
الجاليات الإسلامية الموجودين في الغرب، ومن هؤلاء الطلاب الصالحين من بقي في
بلاد الغرب، فأنشئوا مراكز إسلامية وكونوا اتحادات طلابية، لها أثرها الملموس
في نشر الإسلام، ومنهم من عادوا إلى بلدانهم، وهم أشد تمسكا بدينهم، مع ما
أحرزوا من العلوم والثقافات من البلدان الغربية، ويوجد بعض هؤلاء الأفراد
الذين تقدمت بهم السن أو أنهكتهم الأمراض بقوا قابعين في منازلهم في الغرب،
لا يستفيد منهم إلا من قصدهم لمعرفته بفضلهم، ومن هؤلاء: الدكتور سعيد رمضان،
والدكتور زكي علي في سويسرا، والدكتور محمد حميد الله في باريس . وقد قابلتهم
جميعا وأجريت معهم حوارا حول موضوع الإسلام والمسلمين في الغرب، وقد توفي
الدكتور سعيد رمضان، رحمه الله، في 8/3/1416هـ ـ 4/8/1995م في جنيف، وهو من
أوائل دعاة الإخوان المسلمون، وتزوج إحدى بنات الإمام البنا، رحمهم الله
جميعا.
الصنف الثالث:
اللاجئون، وهم فريقان:
الفريق الأول: لجأ أفراده إلى الغرب
بسبب احتلال أعداء الإسلام بلادهم وتقتيلهم وتشريدهم، كالفلسطينيين،
والإريتريين، والفليبينيين والأفغان، والأوغنديين، وغيرهم.
الفريق الثاني: لجأ من بلاده بسبب
الاضطهاد الديني، أو الكبت السياسي، أو هما معا، وهذا الصنف موجود من كل
أنحاء العالم.
واللاجئون بقسميهم، منهم الملتزم بالإسلام، بحسب تصوره له وتربيته عليه، فهو
يعمل به ويدعو إليه، وينضم إلى من يلائمه من الجمعيات الإسلامية أو يتعاون
معها، سواء أكانت من المنظمات الطلابية، أو من الجاليات الإسلامية غير
الطلابية، ومنهم من لم يلتزم بالإسلام، وهو إما أن يكون منتسبا إلى بعض
الأحزاب المعادية للإسلام، من المنتسبين إلى الإسلام أو غيرهم، وإما أن لا
يكون منتميا إلى أي حزب من الأحزاب، وإنما همه الحصول على السكن ولقمة العيش
والأمن.
وهناك صنفان آخران قد لا تطول إقامة كثير منهم في الغرب:
الصنف الأول:
تجار المسلمين الذين تطول إقامة بعضهم، وتقصر إقامة بعضهم الآخر، وهَمُّ غالب
هؤلاء الكسب والربح المادي، وكثير منهم يسيئون إلى الإسلام بتصرفاتهم الشاذة
التي قد تفوق تصرفات الأوربيين السيئة.
الصنف الثاني: البعثات الدبلوماسية
وملحقاتها، ومهمة هؤلاء القيام بما يكلفونه من العمل لحكوماتهم، وأغلبهم
ليسوا قدوة حسنة في سلوكهم الشخصي الذي لا يخفونه في المجتمعات الغربية، هم
وأسرهم، حيث يمارسون الاختلاط المحرم، ويشربون الخمور، ليس في منازلهم
فحسب،بل في التجمعات العامة أمام الأوربيين في المناسبات المختلفة، وبعضهم لا
يحضرون مع المسلمين المناسبات الإسلامية، كصلوات الجمع والأعياد.
وبعض هؤلاء يظهرون-بدون حياء-العداء لدعاة الإسلام ويؤذونهم-إن قدروا على
إذيتهم-ويُغْرُون بعض المنتسبين للدعوة إلى الإسلام، ممن هم على شاكلتهم
للتجسس على دعاة الإسلام الصادقين، ونقل تحركاتهم وما يدور في اجتماعاتهم من
التخطيط للنشاط الدعوي الذي يؤجج نار الغيظ في قلوبهم، وقد يكون كثير مما
يُنقل لهم كذب، وهم يزيدون على الكذب كذبا من أجل الإضرار بهؤلاء الدعاة
الصادقين، والهدف من كل ذلك هو عرقلة نشاطهم والتحذير منهم!
ومع ذلك فإنه يوجد رجال صالحون من هؤلاء الدبلوماسيين، يساعدون الدعاة إلى
الله، ويتمسكون بالإسلام، ويذكرهم المسلمون في حضرتهم وفي غيبتهم بالخير،
ولكنهم قليل (كالشعرة البيضاء في الثور الأسود) وهذه هي سنة الله في الخلق أن
يكون أهل الخير دائما أقل من غيرهم (كالإبل المائة لا تجد فيها راحلة).
هذا حصر تقريبي لأصناف المسلمين الوافدين إلى البلدان الغربية.