قال في تعظيم قدر الصلاة 2/519
نقلا عن طائفة من أهل الحديث في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يزني
الزاني حين يزني وهو مؤمن " حيث رأت هذه الطائفة أنه يزول عنه اسم الإيمان ،
ويبقى له اسم الإسلام ، وأضافوا مع ذلك أنه يكون كافرا ، لا كافرا بالله ولكن
كافرا من طريق العمل . أي كفرلا ينقل عن الملة .
وحين أُلزم هؤلاء بأنهم إذا سموه كافرا لزمهم أن يحكموا له بحكم الكافرين
بالله أجابوا بالآتي :
( فإنا لم نذهب في ذلك إلى حيث ذهبوا ، ولكنا نقول : للايمان أصل وفرع ، وضد
الايمان الكفر في كل معنى.
فأصل الايمان : الاقرار ، والتصديق .
وفرعه : إكمال العمل بالقلب والبدن .
فضد الإقرار والتصديق الذي هو أصل
الإيمان : الكفر بالله وبما قال ، وترك التصديق به وله.
وضدّ الإيمان الّذي هو عمل وليس هو إقرار كفرٌ ليس بكفر بالله ينقل عن الملّة
ولكن كفر يضيع العمل
، كما كان العمل إيمانا وليس هو الإيمان الذي هو إقرار بالله ، فكما كان من
ترك الإيمان الّذي هو إقرار بالله كافراً يُستتاب ، ومن ترك الإيمان الّذي هو
عمل مثل الزّكاة والحجّ والصّوم أو
ترك الورع عن شرب الخمر والزّنا فقد
زال عنه بعض الإيمان ولا يجب أن يُستتاب عندنا ولا عند من خالفنا من أهل
السّنّة وأهل البدع ممّن قال : إنّ الإيمان تصديق وعمل إلاّ الخوارج وحدها ،
فكذلك لا يجب بقولنا كافر من جهة تضييع العمل أن يُستتاب ولا يزول عنه الحدود
، وكما لم يكن بزوال الإيمان الذي هو عمل استتابة ولا إزالة الحدود عنه ، إذ
لم يزل أصل الإيمان عنه ، فكذلك لا يجب علينا استتابته وإزالة الحدود
والأحكام عنه بإثباتنا له اسم الكفر من قبل العمل إذ لم يأت بأصل الكفر الذي
هو جحد بالله أو بما قال.
قالوا : ولما كان العلم بالله ايمانا والجهل به كفرا وكان العمل بالفرائض
ايمانا والجهل بها قبل نزولها ليس بكفر ، وبعد
نزولها من لم يعملها ليس بكفر لأن
أصحاب رسول الله قد أقروا بالله أول ما بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم
إليهم ولم يعلموا الفرائض التى افترضت
عليهم بعد ذلك فلم يكن جهلهم بذلك
كفرا ، ثم أنزل الله عليهم الفرائض فكان إقرارهم بها والقيام بها إيمانا
وإنما يكفر من جحدها لتكذيبه خبر الله ولو لم يأت خبر من الله ما كان بجهلها
كافرا
وبعد مجئ الخبر من لم يسمع بالخبر من المسلمين لم يكن بجهلها كافرا والجهل
بالله فى كل حال كفر قبل الخبر وبعد الخبر.
قالوا : فمن ثمّ قلنا : إنّ ترك التّصديق بالله كفرٌ به ،
وإنّ ترك الفرائض مع تصديق الله أنّه أوجبها
كفرٌ ليس بكفر بالله ، إنّما هو كفر
من جهة ترك الحق ، كما يقول القائل : كفرتني حقّي ونعمتي ، يريد ضيّعت حقّي
وضيّعت شكر نعمتي.
قالوا : ولنا فى هذا قدوة بمن روي عنهم من أصحاب رسول الله والتابعين إذ
جعلوا للكفر فروعا دون أصله لا ينقل صاحبه عن ملة الإسلام كما أثبتوا للإيمان
من جهة العمل فروعا للأصل لا ينقل تركه عن ملة الإسلام). انتهى كلام المروزي
.
قلت : اعتمد على هذا الكلام الأخ أحمد الزهراني في حواره مع الأخ العبد
الكريم ، في منتدى الفوائد ، واقتصر على ذكر بعضه .
وليس في هذا الكلام ما يصلح مستندا لمن يرى نجاة تارك عمل الجوارح بالكلية ،
وبيان ذلك من وجوه :
الأول :
أني قدمت أن (الأقوال المخالفة لهذا الإجماع لا تخرج عن واحد من أربعة أمور)
وذكرت منها : (الثالث : أن يكون قولا نتفق نحن والمخالف على خطئه ، فلا يجوز
له الاحتجاج به .)
فإذا اعتمد المخالف على وصف هذه الطائفة لعمل الجوارح بأنه فرع ، وأن ضده كفر
ليس ينقل عن الملة .
قلنا : قد وصفوا عمل القلب أيضا بأنه فرع ، وأن ضده كفر ليس ينقل عن الملة ،
وأنتم لا تقولون بذلك ، فوجب اطراح هذا القول ، واعتباره خطأ ، والبحث عن وجه
لتأويله.
ولهذا حين نقلت " مجلة الأصالة " في عددها 25 ، 26 هذا النقل علقت على قولهم
" وفرعه إكمال العمل بالقلب " بقولها : انظر ما يوضحه ص 101 - 102 .
لكننا لم نجد توضيحا !!!
الثاني :
وإن احتج المخالف بقول الطائفة : " ومن ترك الإيمان الّذي هو عمل
مثل الزّكاة والحجّ والصّوم أو ترك الورع عن
شرب الخمر والزّنا فقد زال عنه بعض
الإيمان ولا يجب أن يُستتاب عندنا ولا عند من خالفنا من أهل السّنّة)
فالجواب : أن محل نزاعنا هو فيمن ترك أعمال الجوارح بالكلية ، لا فيمن ترك
الزكاة والحج والصوم ، فإن النزاع في تكفير تارك هذه المباني معروف بين السلف
.
الثالث :
وإن احتج المخالف بقولهم : " وكان العمل بالفرائض إيمانا والجهل بها قبل
نزولها ليس بكفر ، وبعد نزولها من لم
يعملها ليس بكفر"
وقولهم :
" فمن ثمّ قلنا : إنّ ترك التّصديق بالله كفرٌ به ،
وإنّ ترك الفرائض مع تصديق الله أنّه أوجبها
كفرٌ ليس بكفر بالله ، إنّما هو كفر
من جهة ترك الحق ، كما يقول القائل : كفرتني حقّي ونعمتي ، يريد ضيّعت حقّي
وضيّعت شكر نعمتي".
فالجواب :
أن القول إذا كان خطأ ، فلا يلتفت إلى ما
تفرع عنه وانبنى عليه .
وقد رأيت أن هذه الطائفة ترى أن الكفر الأكبر لا يكون إلا في مقابل الإقرار
والتصديق ، وأن ترك عمل القلب يقابله كفر لا ينقل عن الملة .
وهذا مخالف لما اتفق عليه أهل السنة والجماعة من أن زوال عمل القلب يزول به
الإيمان .
وأيضا : فإن المراد بترك الفرائض عندهم ما سبق ذكره : (مثل
الزّكاة والحجّ والصّوم أو ترك الورع عن شرب الخمر والزّنا
)
وعلى فرض أن المراد أعم من ذلك ، فهو خارج عن محل النزاع ، الذي هو ترك عمل
الجوارح بالكلية ، فرضا أو واجبا أو نفلا. والله أعلم.
وبكل حال : فقولهم مخالف لإجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة .
ومخالف لإجماعهم على أنه لا يجزي قول بلا عمل .
ثالثا : توضيح
ما أشكل من قول المروزي - في سياق الرد على شبهة للمرجئة