(( يا مسلمي روسيا .. يا مسلمي الشرق .. أيها الرفاق .. أيها الإخوة ..
إن أحداثاً عظيمة تحدث الآن في روسيا ، إن العهد الدموي ( الحرب العالمية
الأولى ) الذي بدأ بسبب أطماع الإمبرياليين الاستعماريين في أرضكم قد قارب
النهاية .. إن عالما جديدا يولد الآن .. إن عهد الرأسماليين يتداعى .. وإن
الأرض تميد من تحت أرجلهم ، وتشتعل الثورة من تحت أقدامهم ...
(( وفي خضم هذه الأحداث العظام ، نلتفت إليكم يا مسلمي روسيا والشرق ، الذين
استرقكم الاستعمار ، واستلب أموالكم ، وأراضيكم ...
(( يا مسلمي روسيا ، ويا تتار الفولجا والقرم .. ويا أيها القرغيز .. وسكان
سيبيريا والتركستان .. يا سكان القوقاز الأبطال ، وقبائل الشيشان ، وسكان
الجبال الأشداء ...
أنتم يا من هدمت مساجدكم ، وحطمت معابدكم ، ومزق القياصرة قرآنكم ، وحاربوا
دينكم ، وأبادوا ثقافتكم ، وعاداتكم ، ولغاتكم ...
ثوروا من أجل دينكم وقرآنكم ، وحريتكم في العبادة .
(( إننا هنا نعلن احترامنا لدينكم ، ومساجدكم .. وإن عاداتكم ، وتقاليدكم حرة
لا يمكن المساس بها .. ابنوا حياتكم الحرة الكريمة المستقلة دون أي معوقات ولكم
كل الحق في ذلك ...
واعلموا أن جميع حقوقكم الدينية والمدنية ، مصونة بقوة الثورة ، ورجالها ،
والعمال ، والفلاحين ، والجنود وممثليهم ...
(( ليس من روسيا أيها المسلمون يأتي استعبادكم ، بل من الدول الأوروبية
الاستعمارية .. من هؤلاء اللصوص ، مصاصي الدماء ، الذين استعمروا أرضكم ،
واستلبوا ثروتكم ... ثوروا ضد هؤلاء الطغاة الكفرة .
تقدموا أيها المسلمون لتحرير أوطانكم ، وارفعوا أعلام ثورتكم ، فإن أعلامنا
وبنودنا رفعت من أجل حرية المستعبدين والمظلومين ...
(( يا مسلمي روسيا ، ويا مسلمي الشرق : هلموا إلينا .. إلى طريق الحرية
والعدالة لنبني العالم من جديد على أسس الحق ، والخير ، والعدل ... .
تلك الجمل والعبارات المنمقة لم تكن إلا
مقتطفات من وثيقة قدمها منظر الشيوعية ( جوزيف ستالين ) لمسلمي روسيا بعد شهرين
من الانقلاب على الحكم القيصري عام 1917 م .
من قرأها تجيش مشاعره ، ويأخذه لبه ... ويقول :
يا للروعة !!
يا للحرية !!
يا للعدل !!
ما أسعد من عاش تلك الحقبة !!
وماذا بعد .. ؟
ستالين قائل تلك الجمل هو نفسه من نفى
شعب الشيشان والأنغوش بأكمله إلى أواسط سيبيريا لمدة تزيد عن خمسة عشر عاماً ..
هلك غالبيتهم في رحلة الضنك والعذاب .
وماذا بعد .. ؟
ستالين قائل تلك الجمل هو نفسه من قتل
وشرد ونكل بألوف مؤلفة من المسلمين التتر ، وفعل فيهم الأعاجيب .
وماذا بعد .. ؟
ستالين قائل تلك الجمل هو نفسه من نظر
وأسس الفكر الإلحادي الشيوعي ، وأطلق شعارات ( لا إله .. والحياة مادة ) و (
الدين أفيون الشعوب ) ...
إن الكثير من الأفكار والمبادئ
والشعارات الدخيلة ... تسقط عند الصدمة الأولى وتلفظها المجتمعات المحافظة .
لذا يضطر أصحابها للتوجه صوب الإسلام ،
والتقنع بمبادئه وشعاراته ، وإعلان الإنتماء له والذود عن حياضه ... وما إن
يخلوا لهم الجو ، حتى يقلبوا ظهر المجن ، ويعلنوا كشف الغطاء .. وانتهاء شهر
العسل !!
ومن استصحب التاريخ ، فلن يعدم الأمثلة والشواهد الكثيرة والدالة على هذا ..
ألم نرى مصطفى كمال أتاتورك
يرتدي العمامة ، ويلبس السبحة ، ويقرأ القرآن ، ويطوف على الجماهير ، يستثير
حماسهم ، ويعبئهم لحربه مع اليونان ، ويعتبر أن انتصار اليونان على تركيا هزيمة
للإسلام ، وإبطال للقرآن ، وامتداد للاستعمار ...
وكلنا يعرف النتائج التي صارت إليها
الأمور .
ألم نرى جمال عبد الناصر
يعلن الزهد والورع ، وينطوي تحت شعار ( وأعدوا ) ، ويصنع تحت الأعين .. ويقدم
على أنه المخلص والمنقد ... بل المجدد .
وكلنا يعرف النتائج التي صارت إليها
الأمور .
إن الحركة الإسلامية المعاصرة بمختلف فصائلها بدأت تعي الدرس جيدا ، وتتفهمه
بعد الضربات المتلاحقة التي لاحقتها وأمرضتها ..
ونحن الآن نجد أن الكثير من الحكومات بدأت تغازل الإسلاميين ، بعد أن كانت
تقرعهم ، وذلك ركوباً للموجة التي تمر بها المنطقة في الفترات الأخيرة ،
والتحولات السياسية المتلاحقة .
كما أنها بدأت تعي – أي الحكومات – أن أسلوب الاحتواء هو الأنسب والآمن خلال
هذه الفترة ، بعدما تبينت لهم الخسارة الفادحة نتيجة استخدامهم أسلوب المجابهة
.
لكن ...
هذه الفترة فترة حرجة ..
لذا على الإسلاميين :
أن يتنبهوا ، ولا يغتروا .. وأن يعتبروا
بما حل في أسلافهم ، فلا يمكن أن يقبلوا بدور يحدده ويرسمه لهم الآخرون من
المختلفين معهم جملة وتفصيلا .
كما لا يمكن أن يقبلوا باختزال أدوارهم من قبل الحكومات لأجل إيجاد التوازن
المزعوم بينهم وبين التيارات الليبرالية والتغريبية التي تمثل في حقيقتها
تدخلات خارجية .
كما عليهم ألا يتعاونوا إن طلب منهم تأمين التوازن الاجتماعي ، في الوقت الذي
تمنح فيه الفرص الرئيسية والقيادية للتيارات التغريبية الأخرى .
ولست بحاجة إلى الحديث عن حاجة العمل الإسلامي إلى إيجاد المشاريع المدنية
المتنوعة التي تحتوي طاقاته وتبرزها .. وتنتشلها من أحادية العمل الإجباري في
المؤسسات المدنية العديدة التي احتكرها التيار التغريبي في سنوات سابقة .
وأخيرا ..
لا نريد أن تكون الحقبة القادمة وثيقة
ستالينية جديدة !!
مقال ضمن سلسلة أطياف
مقدمة أطياف
أطياف ( 1 ) معاشر الدعاة كونوا المُحرِّك لا المُحرَّك!!
أطياف ( 2 ) ... بـل هـم بــشـــر