اطبع هذه الصفحة


كنت أظن . .  ولكني اكتشفت . . فقررت!! 13-15

أبو مهند القمري

 

السابق :  كنت أظن . .  ولكني اكتشفت . . فقررت!! 1-6
           كنت أظن . . ولكني اكتشفت . . فقررت!! 7-9
           كنت أظن . . ولكني اكتشفت . . فقررت!! 10-12


بسم الله الرحمن الرحيم

كنت أظن . . ولكني اكتشفت  . . فقررت!!
 
. .  الحلقة (13)  . .
 (
فَلْنَعَمْ إِذاً!!)
الابتلاء

كنت أظن . .
أنه
بمجرد التزامي سوف يلاحقني البلاء أو الابتلاء، لأنه من مقتضيات صدق الإيمان، حيث أن أشد الناس بلاءً هم الأنبياء، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم؛ وعليه فيجب عليَّ أن أكون على أهبة الاستعداد دوماً للبلاء أو الابتلاء!!

ولكني اكتشفت . .

أن
الابتلاء وإن كان معياراً لاختبار المؤمنين الأشداء، وكذا البلاء وإن كان تكفيراً لذنوب المؤمنين الأتقياء، فإنه قد يكون أيضاً عقاباً أو لعنة في حق الكافرين أو الأشقياء!!
وعليه فيجب على المسلم أن يحيا دوماً
بأمل العافية من الأمرين معاً، ليس في أمر الدنيا فحسب، وإنما في أمري الدنيا وفي الدين!! وإلا فكيف كان معظم دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عامراً بطلب العفو والعافية من المصائب والبلايا؟!

أفينتاب أحدنا أدنى شك (
عياذاً بالله) في أن النبي صلى الله عليه وسلم هو أعظم الخلق إيماناً؟! وعلى الرغم من ذلك؛ كان دائم سؤال العفو والعافية من ربه!!

بل وأمر صحابته رضوان الله عليهم أجمعين، جهاراً نهاراً فيما رواه البخاري ومسلم، عن
أبي إبراهيم عبد الله بن أبي أوفى ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التي لقي فيها العدو، انتظر حتى مالت الشمس، ثم قام فيهم فقال : (( يا أيها الناس، لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف))

فلم يك طلب العافية يوماً خوفاً أو ضعفاً في الإيمان أبداً
، وإلا لما طالبهم بالثبات حال وقوعه!! بل وقام صلي الله عليه وسلم؛ في نفس الموقف؛ ليوصل أمامهم حبال الأرض بحبال السماء، مشعلاً جذوة الحماس في قلوبهم؛ بتضرعه لربه قائلاً : (( اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم (163) ((متفق عليه

وها هو الصحابي الجليل، عم رسول الله العباس رضي الله عنه يقول :
"قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُهُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ؟ قَالَ: «سَلِ اللهَ الْعَافِيَةَ». فَمَكَثْتُ أَيَّامًا، ثُمَّ جِئْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُهُ اللهَ ؟ فَقَالَ لِي:  «يَا عَبَّاسُ! يَا عَمَّ رَسُولِ اللهِ! سَلِ اللهَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ».

رواه الترمذي وغيره، وصححه الألباني رَحِمَهُ اللهُ، "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1523).


لذا فقد قررت
. .

أن
أحيا دوماً بأمل العافية من ربي، فإذا اقتضت حكمة الله وقدره، وقوع بلاء أو ابتلاء، لجأت إليه سبحانه طالباً للمدد والعون في دفع هذا البلاء أو الابتلاء، تماماً كما علمنا الحبيب صلى الله عليه وسلم في سنته وهديه!!

أما أن أحيا
بهذا الفهم الخاطيء، والذي يستجلب به البعض البلاء أو الابتلاء؛ اعتقاداً منهم أنه مؤشرٌ على صلاح الدين أو زيادة الإيمان!!

فلا تكاد تستمع لأحدهما في نقاش أي قضية، إلا تنبأ بالأسوأ دوماً
!!

وليس هذا والله من هدي
النبي صلى الله عليه وسلم الذي حذرنا من القيام بذلك، أو أضماره في قلوبنا أشد تحذير؛ لأنه أسرع الطرق لوقوع البلاء نسأل الله العفو والعافية!!

فها هو الأعرابي يدخل على
النبي صلى الله عليه وسلم يشكو الحمى، فيدعو له النبي ثلاث مرات قائلاً : (كفارةٌ وطهورٌ) فإذا بالأعرابي يرد عليه في كل مرة بقوله : (بل هي حمى تفور، تزيره القبور) فلم يك من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن قال له : (أما إذا أبيت، فهي إذاً) وفي رواية (فلنعم إذاً)!! فما أمسى من الغد إلا ميتاً!!

فعيشوا أبناء الإسلام بأمل العفو والعافية كما أمركم نبيكم صلى الله عليه وسلم دوماً،
فإذا ما اقتضت حكمة الله، وما كان من قضائه وقدره وقوع بلاء أو ابتلاء؛ فالتصقوا بجنب الله التصاقاً وثيقاً، كي يرفع عنكم هذا البلاء، فتفوزوا في الدارين معاً بمصير السعداء.

تابعوا
. .  

والدكم المحب
أبو مهند
القمري


 



كنت أظن . . 
ولكني اكتشفت . . فقررت!!
. . الحلقة (14) . .

صيانة التوحيد

كنت أظن . .
ولا زلت أظن، بل وأعتقد
أن كل من تلفظ  بشهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وكفر بما يُعبد من دون الله، وأقامَ الصلاة وآتى الزكاة وصامَ رمضان، وحجَّ البيت إن استطاع إلى ذلك سبيلاً؛ فقد دخل في الله (الإسلام) وله ما للمسلمين من حقوق، وعليه ما عليهم من واجبات!!  

ولكني اكتشفت
. .
أن
الشيطان الرجيم ما كان ليترك العباد ينجون منه بسلامة دينهم، ويموتون على توحيدهم، دون أن يحاول وسعه الزيغ بهم عن صراط الله المستقيم، من خلال اختلاق شتى أنواع الشرك الظاهر والباطن؛ كي يخدش التوحيد في قلوبهم، حتى يفقدهم هذه النعمة التي من أجلها خلق الله السماوات والأرض!!

فاكتشفت من عوام المسلمين
. . من نطق بالشهادتين، ولكن الشيطان أغواه فذبح لغير الله!! وطاف بغير بيت الله (كالأضرحة)!! ودعا غير الله (كالأولياء)!! ونذر لغير الله (للأولياء)!! ورجى النفع من غير الله (من الأولياء)!! واعتقد أن هناك من يدفع عنه الضر سوى الله (كالأولياء)!! واعتقد وجود أقطاب تتحكم في هذا الكون مع الله (من الأولياء)!!

واكتشفت من خواص المسلمين
. . من نطق بالشهادتين، ولكن الشيطان استدرجه للاعتقاد بأن الديمقراطية من الإسلام، وليس فيها ما يخالف دين الله!! وأن الحكم للشعب وليس لله!! وأنه لا فرق بين السنة والشيعة!! وهذه الأمور كلها تقدح في عقيدة التوحيد الصافية النقية!!

فقررت
. .  
أن أحيا حياتي
بالتوحيد الكامل لله رب العالمين، بعد أن أتعلم أصوله وشروطه ونواقضه من أهل العلم الثقات، كما أمرني الله تعالى في قوله : (فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات) فجعل الله تعالى العلم قبل القول والعمل!!

وأن أحرص دوماً على
صيانة توحيدي من الشيطان الرجيم، من خلال  الوقوف على ما في النظريات المخالفة لمنهج الإسلام من بطلان، مستنداً في كل ما يتعلق بعقيدتي إلى العلم النافع من مصادره الموثوقة، المتمثلة في (الكتاب والسنة وهدي السلف الصالح) لا أن أتكل على مجرد النطق بشهادة التوحيد، ثم أترك للشيطان المجال رحباً؛ كي يصول ويجول في قلبي وعقلي، بما يشوب توحيدي واعتقادي من شوائب الشرك والكفر التي امتزجت بها العديد من نظريات العلمانيين والمستشرقين والدخلاء!!

فالله قد جعل
التوحيد وحده مناط النجاة في الآخرة، فهل بوسع أي صادق في طلب تلك النجاة؛ التهاون في أمره أو التفريط في صيانته؟!

فوثقوا القلوب عباد الله
بتوحيدكم لله وحده، وابذلوا مهجكم دوماً في سبيل صيانة هذا التوحيد، حيث به فقط تكون لكم النجاة!!

تابعوا . .

محبكم
أبو مهند القمري

 



كنت أظن . .  ولكني اكتشفت . . فقررت!!
. . الحلقة (15) . .

معيار الصلاح

كنت أظن . .
أن كل من لديه الفصاحة الكافية للتحدث إلى الناس، وإلقاء الخطب والمواعظ عليهم، يعتبر مؤهلاً لقيادة الناس، لاسيما إذا كان صاحب عقيدة سليمة، ويستند في كل أحاديثه على الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة وهدي السلف الصالح، وحبذا ايضاً لو كان جهوري الصوت، عريض المنكبين، بارع في قراءة القرآن
، فإن أداوت جذبه للناس ستكون حينئذٍ أوفر حظاً!!

ولكني اكتشفت . .
أن دين الله له
معاييره الخاصة في الحكم على صلاح العبد من عدمه!! فليست الملكات الظاهرية وحدها معيار صلاح العبد!! فرب حامل فقهٍ إلى من هو منه أفقه!! ألا وإن أخطر ما يتنافى مع معيار الصلاح لدى العبد من أعمال، هو ما نصَّ عليه قول الحق تبارك وتعالى :

(يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون)!!

فقد يبدو المسلم الملتزم - سواء كان داعية أو طالب علم - في ظاهر منطقه وحديثه وهيئته أمام الناس؛ قمة في التقوى والصلاح، ولكن إذا ما قدر الله وأطلع البعض على شيء من سيرته، سواءً مع أهله أو مع جيرانه أو مع أخلص المقربين منه، ممن يتعامل معه على محك الدرهم والدينار، كانت الفاجعة التي استحقت بالفعل أن يصفها الله تعالى بهذا الوصف المشين في قوله تعالى :

(كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)!!

إنه معيار الزيغ في نفس العبد!!
أن يخالف قوله فعله
!! أو تخالف نصائحه تصرفاته!!

فكلما غفل العبد عن تزكية نفسه بصدق وإخلاص - متجرداً لله تعالى - واكتفى بثناء المعجبين عليه من حوله، وما حظي به منهم من ألقاب الوقار والفخار، مثل (الشيخ الكبير، أو الداعية الملهم، أو محدث العصر، أو الداعية المجاهد)!!

كلما تأصل في نفسه
مرض الازدواجية (الخبيث) الذي يزيد من عمق الزيغ في نفسه؛ كونه اطمأنَّ إلى مكانته عند الناس، وأنه أضحى بمثابة الشيخ الموقر!!

وعليه فكل ما يصدر عنه من تصرفات، سيكون بلا شك واقعاً في مساحة
بعيدة كل البعد عن مرصاد المراقبة الذي ضعف في نفسه لا إرادياً نتيجة وقوعه تحت تأثير هذا الشعور الذي أوعز إليه بارتفاع مكانته عند الخلق، وبالتالي ستكون تصرفاته على ما فيها من قصور، مستساغة - على الأقل لدى نفسه – فضلاً عن كونها مستساغة لدى المقربين منه، والذين أعماهم مطلق الحب عن رؤية النقصان!!

ومن
المحزن حقاً، أن أهل الدنيا على وضاعتها، قد وضعوا معايير ثابتة؛ لقبول من يصلح ومن لا يصلح لإدارة أي اختصاص من الاختصاصات!!
وعليه فإن تلك المعايير
أسهمت بلا شك إسهاماً كبيراً في الحصول على ثمار جيدة لجهود العاملين في كل اختصاص!!

ليبقى السؤال :
هل هان دين الله علينا
، للدرجة التي جعلناه فيها مشاعاً لكل (قاصي وداني) من الناس؛ كي يتبوأ باسم الدين لدى العامة أو الخاصة فيهم، المكانة التي تجعله يتزعم أمر الدين؛ دون وجود معايير للحكم على صلاحة أو عدم صلاحه لتلك المكانة؟!

وتزداد
المأساة فظاعة؛ حين نعلم أن الله قد كفانا تحديد ملامح تلك المعايير!! ولم يكلفنا بالبحث المضني، أو التدقيق الممل حتى نصل إلي هذه الملامح أو تلك المعايير!!
وإنما جمعها لنا بكلمات معدودة في قوله تعالى : (
إن أكرمكم عند الله أتقاكم)!!
فمن منعته تقواه من
مخالفة قوله لفعله؛ فقد وافق معيار الصلاح!!
ومن منعته تقواه من
حب الثناء والمدح وآثر ما عند الله من الثواب؛ فصدع بكلمة الحق، ولم يبالِ في الله لومة لائم؛ فقد وافق معيار الصلاح!!
ومن منعته تقواه من
شراء الدنيا بالدين؛ فقد وافق معيار الصلاح!!
ومن منعته تقواه من
الركون إلى الذين ظلموا طمعاً في متاع دنياهم الحقير؛ فقد وافق معيار الصلاح!!
فمن منعته تقواه من
الفتوى بغير علمٍ خوفاً من الله؛ فقد وافق معيار الصلاح!!

لذا فقد قررت
. .  
أن تكون
وجهتي المطلقة هي . . الله . . والله وحده!!
وأن أجعل من
معيار التقوى مرشداً لي في تلك المسيرة، حين أبحر بصحبة الصالحين – من العلماء والدعاة وطلبة العلم - في سفن تقواهم لله، كي أنجو وإياهم من أمواج مضلات الفتن، فمن صلحت بالتقوى سفينته؛ كانت مني صحبته، ومن قصرت به التقوى منهم عن الإبحار، كان لي في معيار التقوى خير نجاة توصلني إلى شاطئ الأمان؛ ببلوغ ساحة الرحيم المنان!!

فبمعيار التقوى
ننجوا . . وبمعيار التقوى ننقاد ونقود . .  وبمعيار التقوى . . يرفع الله منًّا أقواماً ويضع آخرين!!

فعظموا عباد الله
دين الله بهذا المعيار، وليكن كل منَّأ حكم على نفسه، أما من تصدوا فينا للدعوة والعلم، فسوف يعلو شأنهم تلقائياً بحسب مقدار تقواهم لله تعالى، تماماً . . كما أعلى الله قدر ابن تيمية فصار بعلمه وتقواه شيخاً للإسلام!! وكما أعز شأن العز بن عبد السلام؛ فصار بجرأته في الحق سلطاناً للعلماء!!

ألا فإن العلم دين . . فانظروا عمن تأخذوا دينكم؟!

تابعوا . .

 

محبكم
أبو مهند
القمري


 

منوعات الفوائد