|
|
|
تأملات أم (6) |
|
أم هاني |
**نتابع
أخواتي الكريمات ما مرّ بي من بعض التأملات عسى الله
أن
ينفع بها.
أبدأ
مستعينة بالله سائلته التوفيق والسداد
:-
**من
منا لم يخطئ يوما من الدهر ، ثـــمّ يُتبع ذلك بأسف يقدمه بين يدي
اعتذاره عن هذا الأمر؟
مـــــــن ؟
- فلا
أحد يمكن أن يُعصم من هذا ، ولو
مرة
واحدة في عمره ، لمـــــاذا ؟ لأنه ما من معصوم إلا من عصم الله تعالى.
- هذه
المعلومة كانت عندي راسخة ، كذا كان عندي اعتقاد أن المعتذر المتأسف على ما بدر
منه
آسِفٌ
على الحقيقة ، معتذر عن قناعة شديدة ، فكل من يقول كلمة يعنيها ،
بلسانه عن قلبه
يرويها ، حتى رزقني الله بالأولاد ، وهنا تبدل عندي الاعتقاد
فيما
ظننته قبلُ هو السداد ؛ حينمــــــــــــــا
:
أخطأ
صغيري يوما- و لم يكن
يكفُّ
عن الخطأ على مدار الساعة- فقلت له معاتبة: لِمَ فعلتَ ذلك؟!
ففاجأني
بقوله: إنني السبب ، فما كان مني إلا أني تعجبت من قوله بشدة ! لا لا ليس من
قوله ،
بل من
شديد جرأته على إلقاء المسئولية عليّ ؛ دفعه
لذلك
حب التنصل من تحمل تبعة
خطأه
، وفزعت لهذا أشد الفزع ،
فالخطأ- وبخاصة من الصغار- شيء ليس بمستغرب ،
أما
إلقاء
التبعة على الآخرين فهذا من البهتان والظلم والافتراء!!!
....
وكان
من
أمرنا هذا شأن وأي شأن ،
وخلاصة ما حدث : أني قصصت عليه قصة بدء
الخلق
؛ لأعلمه ألا يلقي تبعة خطئه على غيره ، وأن يعترف بالحق وبذنبه ؛ خشية أن
يشابه
إبليس شر الخلق – و في المقابل حضضته على أن يتشبه
بآدم
-عليه السلام أبي
البشر
و أول الأنبياء و الأنام - في جميل اعترافه بذنبه ، وطلبه السماح من ربِّـه
.
-والحق
أني نلت المراد ، بفضلٍ عليّ من ربّ العباد ، فصار ولدي إلى
التأسف والاعتذار- إذا أخطأ-
سريع
القال ، كنت أظنه يرجو بأسفه الفلاح لسرعته في
طلب
السماح .
وحينها بدأت النازلة والرزأة المعضلة ، ودليل دعواى في تفصيل قصتي
و
شكواي .
فكان
–صغيري - كلما أخطأ يسارع بالاعتذار متأسفا في الحال ، فصار
لقرنائه مضرب الأمثال ،
وداخلني لذلك السرور وكثير من الحبور ، فنال بذلك كثيرا
من
الدعاء ، والعطف والثناء.
و مرت
الأيام وكان على الدوام يقدم الاعتذار عن سيء
الفعال .
و مع
كثرة التكرار لاحظت اعوجاج الحال ، يتأسف بالمقال ، مستريح البال
،
وانتابني القلق من فعله والفرق – فالله المستعان - خرجت من
مصيبة
لفتنة عصيبة
:-
كان
يخطئ فيقول : ( يا أمي
سامحيني -من فضلك- لا توبخيني ) وكأنه مسرور
من
قبيح فعله غير مخذول ، فكأنما
اكتفى
بطلب السماح وتقديم الاعتذار مع استماتة منه على دوام الحال !! يقول بقاله ما
يكذبه
حاله
خلت
ألفاظه من المعنى المراد ، فأصبح كلٌ من قاله وفعله في شتات
.
أصبحت
من أمره في حيرة ، أفكر
:
ماذا
أصنع و ليس باليد من حيلة فاللهم اجعل
لي
بصيرة ؟
فهداني
الله إلى موضع الخلل ، فشرعت في اصلاحه بالعمل
:
-قلت
له يا بني
:
يلزم
للاعتذار تغَيّر في الحال ، فكيف تتأسف ثم تقيم على فعل
القبيح
ذاته
ولا
تتعفف ؟!
الأسف
ليس كلمة اعتذار باللسان ، بل يلزمه قناعة بالجنان
.
فكيف
تكسر
لعبة متعمدا ، وتسرع للتأسف باللسان ، وأنت سعيد القلب والجنان!!!
فالأسف
هو
الندم و شعور في القلب بالألم ، و تمني لو أن ما صدر من قبيح فعلك كان كالعدم
.
والسعي
إلى الاصلاح بكل سبيل ما أمكن
... ..
**
هذا ما كان من
شأن الصغير ، فماذا يا تُرى حال الكبير؟!!
كم من
الكلام
نقول
بالحروف مبناه غير قاصدين - حقيقة - معناه ؟!
وألفتني أقـــول
:
يا للعجب
((كلمة جرت على لسان العرب
))! !
كلمة
قرأتها في شروح
أهل
العلم ما نسيتها ، حضرتني في هذا المقام كأنسب تعبير عن مقتضى الكلام
:
(
كلمة جرت على لسان العرب ) فأخذت أجتر لها أمثلة من عميق ذاكرتي و المخيلة
:
*مثل
: تربت يداك
:-
-
لحديث أبي هريرة – رضي
الله
عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم
- :
[
تنكح
المرأة لأربع : لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها ، فاظفر بذات الدين
تربت
يداك
]
صحيح
البخاري / الفتح رقم : 5090
*
ومثل : ثكلتك
أمك يا …….:
-
لحديث عبد الله بن عباس- رضي
الله
عنهما -:
[
صليت خلف شيخ في مكة ، فكبر ثنتين وعشرين تكبيرة ، فقلت لابن
عباس
: إنه أحمق ، فقال
: ثكلتك
أمك
، سنة
أبي القاسم صلى
الله
عليه وسلم
. ]
صحيح
البخاري / الفتح رقم : 788
*
ومثل : حلقى
عقرى :
-
لحديث عائشة – رضي الله عنها – قالت
:-
[
حاضت
صفية
ليلة النفر ، فقالت : ما أراني حابستكم ،
قال
النبي صلى الله
عليه
وسلم : عقرى حلقى
،
أطافت يوم النحر . قيل : نعم ، قال : فانفري
]
صحيح
البخاري / الفتح رقم :1771
*
ومثل : أفلح
وأبيه
إن صدق
:-
-
لحديث طلحة بن عبيدالله التيمي -– قال
: قال
رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم
- :[
أفلح ،
وأبيه ، إن صدق أو دخل الجنة ، وأبيه ، إن صدق
.]
صحيح
مسلم / شرح النووي رقم: 11
**
حضرتني هذه الأمثلة ،
ولكن مهلا
كم بينها وبين أفعلنا من فارق كما بين المغارب
والمشارق؟!!
ومع ذلك
البون
الشاسع
ألفتني استعيرها وفي كثير من المواقف أقولها : [ كلمة جرت على لسان العرب
] فصارت
كلمتي المفضلة لها في حياتي الكثير والكثير من الأمثلة ، أسلي بها نفسي عند
المصاب ،
إذا خالف مقتضى الحال لسان القال من : الأهل و الأحباب والأصحاب فضلا عن
الأغراب
.
وتواترت على ذهني ذكريات ، كثير من الكلمات قيلت مبانيها لم
تُقصد
معانيها ؛
وحضرني قوله تعالى
: [[يا
أيها الذين آمنوا
لم
تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون]]
سورة
الصف
/ الآية : 2 - 3
-
فكلما وعد أحدهم وأخلف أعقب خلفه هذا – لِزاما-
بكثير
من التأسف ، ولكنه لا يلبث إلا قليلا
ويعاود ذات الفعل مكررا ذات التأسف
والتعليل؛ فأسلي نفسي قائلة في عجب
: لا ضير
وعده ( كلمة جرت على
لسان
العرب !)
-وكلماطلبنا
من يقوم لنا بعمل ، يؤكد علينا بعزمة على
أنه
آتٍ- بلا شك- في البكور إلا أنه يأتي - كعادته – عند الزوال هذا إن لم يعتذر
–غالبا
– عن الحضور
.
فأقول
لنفسي مع شديد العجب
: إن
موعده (
كلمة جرت
على لسان العرب
!)
-
وكلما أحبك أحدهم في الله ، أ خذ يقسم
لك
:
إن
قربك ورضاك عنه غاية منتههاه ،
وكلما
لقيك فداك بالنفس والعين ، هذا
بلا
شك بلسان قاله ، والله أعلم بحال قلبه ،
وعند
أول اختبار تجد الحب- المزعوم
-
طــار ، انقلب حاله إلى عداوة ، وقسى القلب وخلا من الحب و النداوة ، وبعد الود
والأشعار يكون أول من يصليك -إن استطاع- بالنار، فكيف تحول الحب و الكلف إلى
دعاء
عليك
بالهلاك والتلف ؟!
وكأنما عاين شاعرنا الحال فوصفه بدقيق المقال
:
وإخوان
حسبتهم دروعا *** فكانوها
ولكن
للأعادي
وخلتهم
سهام صائبات *** فكانوها ولكن في فؤادي
وهنا تجري
الدموع ، ولا ينتهي من النفس العجب حتى
الحب في
الله ( كلمة جرت على لسان العرب
!!!.)
ومع
طول الأمد ما
عاد
للعجب على نفسي سبيل ، قلما أسمع لصغير أو كبير
إلا
حدثت نفسي : يا تُرى هل
يعني
ما يقول؟ ويعي أنه عن كلامه-أما ربه- مسئـــول ؟
أم يا
تُرى سأقول
: ((
كلمة جرت على
لسان العرب)) ؟!
اللهم
إنا نسألك العافية
.
|
|
|
|
|