صيد الفوائد saaid.org
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







من ملفات التحقيق
(دروس إيمانية من قضايا أمنية)

اضغط هنا لتحميل الكتاب على ملف وورد  

سامي بن خالد الحمود

 
الحمد لله الذي أسبل ستره على العاصين ، وغمر بفيض جوده المذنبين .. والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد .
فحياكم الله في هذه الأمسية المباركة مع هذا الموضوع الساخن الذي هو نفسٌ من أنفاس جراحنا ، وجزءٌ من واقع مرير يعيشه فئام من شبابنا وبناتنا ، وتكتوي بناره العديد من أسرنا .
في هذا الموضوع ننتقل بكم إلى عدد من القضايا والحوادث الواقعية .. طالبين الاعتبار والادكار ، ممتثلين قول الله تعالى : (فاعتبروا يا أولي الأبصار) .
ملفات ساخنة ، وقضايا حقيقية ، ليست من نسج الخيال : مكالمة هاتفية تنتهي بالقتل ، عصابة من الأطفال ، يمهل ولا يهمل ، الجار قبل الدار ، طفولة غير بريئة ، سارق في رمضان ، وقضايا أخرى .

وقبل أن أبدأ بالموضوع أود أيها الأحبة أن أنبه إلى أمرين :
الأمر الأول: ما الهدف من طرح هذا الموضوع؟
هدفنا من طرح هذا الموضوع هو إصلاح النفوس والبيوت بالدعوة إلى الفضيلة والتحذير من الرذيلة . وحتى يتحقق هذا الهدف سأقف وإياكم بمشيئة الله تعالى وقفات سريعة بعد كل قصة مع بعض الدروس الشرعية والتربوية ، والتي من شأنها إصلاح الأسرة ، والحفاظ على أمن المجتمع ، نسأل الله أن يديم على بلادنا المباركة أمنها وإيمانها.

الأمر الثاني: ما الطريقة التي سأسير عليها في عرض الموضوع؟
سأعرض بإذن الله كل قضية بأحداثها المتسلسلة ، ابتداءً بلحظة وقوعها ، ومروراً بمحقق القضية وهو يحاول حل اللغز وكشف حقيقة الجريمة ، وانتهاءً بالقبض على المجرمين وتقديمهم للعدالة ، وذكرِ أهم الدروس المستفادة من القصة .
هذه الطريقة التي تعتمد على الإثارة وكشف لغز القضية مؤثرة جداً ، وخاصة لدى الشباب والفتيات .
أقول: ولعل في هذه القصص الحقيقية الهادفة غنية عن القصص والروايات البوليسية التي تمتلأ بها المكتبات، ويتهافت عليها الشباب والفتيات .. دون أدنى هدف أو فائدة ، هذا إن سلمت من المخالفات الشرعية والتربوية .
كما أود التنبيه إلى أنني بإذن الله ، سأعرض عن ذكر بعض الأمور لاعتبارات أمنية وتربوية ، إذ ليس كل ما يقع يحسن ذكره على الملأ .
وسأتجاوز ذكر الأساليب وتفاصيل ارتكاب الجريمة حتى لا يساء فهمها ولاسيما من الناشئة.
وسأعرض أيضاً عن ذكر التفاصيل بالنسبة لقضايا التعدي على الأعراض ، وأكتفي بالإشارة دون صريح العبارة ، والتعريض دون التصريح كما هي طريقة القرآن في ذكر هذه الأمور ، والله المستعان .

القضية الأولى : مكالمة هاتفية تنتهي بالقتل :
في أحد الأيام ورد إلى مركز الشرطة بلاغٌ عاجل من أحد المستشفيات .. شاب مصاب بعيار ناري ، حالته خطيرة جداً .. انتقل المحقق إلى المستشفى ، لكنه وللأسف وصل المستشفى بعد أن فارق الشاب الحياة .
استعان المحقق بالله وبدأ إجراءات التحقيق .. قام أولاً بالتحقق من هوية الشاب ، والتعرف على ذويه .
ثم أثبتت التحريات أن الشاب كان على علاقة بإحدى الفتيات .. أمر المحقق بتكثيف التحري عن الفتاة ، والتي كانت تسكن مع أهلها .
وهنا ، بدأ وجه الحقيقة ينكشف .. أسفرت التحريات الأولية عن وجود بقع من الدم حول منزل الفتاة . وبعد تأكد الشبهة تم استدعاء الفتاة .. وبالتحقيق معها اعترفت بوجود علاقة سيئة بينها وبين القتيل .. واعترفت والدتها أيضاً أنها على علم بعلاقة ابنتها بالشاب .
ما قصة هذا الشاب؟ وكيف وصل إلى هذه الحال؟
اعترفت الفتاة أن البداية كانت من سماعة الهاتف ، وعبر الأسلاك النحاسية .
أيام من الإعجاب والغرام ، والحب والهُيام .. وبعد سيل من الكلمات الزائفة طلب الشاب منها اللقاء ، فقد طال الشوق والعذاب .
لم تجد الفتاة بداً من تلبية طلب الحبيب الموهوم ، فواعدته في أحد الشوارع ، وخرجت معه على سيارته .. ثم وقعت المصيبة .
استفاقت الفتاة على هذا الكابوس المزعج .. ومع هذا لم تنقطع علاقتها بالشاب على أمل أن يكون فتى أحلامها وزوجها المقبل .. إلا أن كل هذه الأماني تلاشت كالسراب .
مضت الفتاة في طريق الغواية ، وارتبطت بعلاقات سيئة مع شباب آخرين .
لم تكن ترضى بهذه الحياة البائسة .. كانت تحلم بعش السعادة الذي تعيش فيه مع زوجها وأولادها ولكن هيهات .. عادت الفتاة إلى الشاب وتوسلت إليه ليتزوجها فكان يتهرب منها .. وبعد أن يئست منه ذهبت إلى أمه واعترفت بالعلاقة التي بينها وبين ابنها ، وتوسلت إليها أن تقنعه بالزوج منها.
تحدثت الأم مع ولدها في الموضوع ، لكنه رفض الزواج من الفتاة .. قال لها : إنه لا يرضى أن تكون زوجته سيئة السلوك ، ولها علاقات غير شريفة !!! .
تقول الفتاة: في أحد الأيام انتهزتُ خروج أهلي من المنزل ، فاتصلت على الشاب وطلبت منه الحضور للمنزل .
حضر الشاب إلى المنزل ، وعرضتُ عليه فكرة الزواج فرفض الفكرة .. ولما رأيتُ امتناعه ذهبت إلى الغرفة وأخرجت مسدساً حصلتُ عليه من شاب آخر ، ثم دخلت على الشاب ، كنت أشعر أنه أحقر إنسان رأيته في حياتي ، رفعت المسدس ، وأطلقتُ عليه النار .
تمكن الشاب من الهرب ، لكنه سقط في الشارع ، فحمله الناس إلى المستشفى حيث فارق الحياة بسبب النزيف الشديد .
وبعد انتهاء التحقيق ، قام المحقق بالتأكد من صحة الاعتراف ، وانطباق جميع الآثار والمخلفات على وقائع الاعتراف ، ثم أحيلت المتهمة إلى القضاء الشرعي لتلقى جزاءها الرادع .

ولنا مع هذه القضية وقفات سريعة :
الوقفة الأولى : الإيمان سياج منيع ، وحصن حصين للشباب والفتيات من الولوغ في مستنقعات الرذيلة .
ومتى ضعف الإيمان ، وقلت مراقبة الله تعالى في القلب كانت العواقب وخيمة .

الوقفة الثانية : ليس غريباً أن تكون البداية مكالمة هاتفية والنهاية جريمة قتل ، فخطوات الشيطان تبدأ بالصغائر ، وتنتهي بالفواجع . ولهذا سماها الله تعالى خطوات .
(يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر)
يبدأ الشيطان طريق الفحشاء والمنكر بنظرة أو كلمة ولا يزال يتدرج بالإنسان حتى يوصله إلى المحظور .
كما قيل : نظرة فابتسامة فسلام *** فكلام فموعد فلقاء .
والمشكلة أن بعض الشباب أو الفتيات يقولون : (يا أخي كله غزل بريء .. حب طاهر)
حب طاهر هاه : والله لا يتركك الشيطان حتى يصل بك إلى الهلاك ، لأنك في الواقع تسير وأنت سكران .. نعم سكران بالشهوة والحب المحرم ، فلا تشعر بنفسك إلا وقد وقعت في المحظور.

الوقفة الثالثة : هذه الخدعة ، أعني خدعة الوعد بالزواج عن طريق هذه العلاقات المحرمة ، إلى متى تنطلي على بعض البنات؟
بل أقول : حتى ولو حصل الزواج بالفعل هل يمكن أن يستمر أو يبني أسرة سعيدة ؟.
كم من فتاة اغترت بوعود الزواج الزائفة حتى إذا وقعت في الرذيلة علمت أنه لا أمل في بناء أسرة ، أو حياة سعيدة ، لأن ما بني على باطل فهو باطل .
ولهذا ، من رحمة الله علينا أن سد طريق الرذيلة وذرائع الفتنة كالتبرج والاختلاط والعلاقات غير الشرعية والله أحكم الحاكمين .

الوقفة الرابعة : أين دور الأسرة في الإصلاح والوقاية من الانحراف .. وكيف تعلم أم الشاب وأم الفتاة إنهما على علاقة غير شريفة ولا يحركان ساكناً ، حتى إذا وقعت الكارثة عضا أصابع الندم ولات حين مندم .
وحتى أكون صريحاً : هناك فئة من الأمهات تكون هي أصلاً فاسدة الخلق .. فكيف تنكر أمراً هي أول الواقعين فيه ، نسأل الله العافية .
وهناك فئة أخرى من الأمهات فيها سذاجة وسوء تصرف ، لماذا لا تخبرين الوالد؟ تقول: (أخاف يدري أبوها أو اخوانها وتصير مشكلة) فتعالج هذه المشكلة بمشكلة أكبر منها وهي السكوت القاتل ، أو التستر على الجريمة وترك الفتاة المسكينة تتخبط في طريق الغواية فتَضل بنفسها ، وتُضل غيرها.

الوقفة الخامسة : مع التحقيق ، التحقيق مهمة شاقة وشريفة .. والمحقق الناجح لا ييأس ولو التبست عليه الوقائع .. وإذا استعان بالله وجد واجتهد فإن الله حتماً سيفتح عليه ، ويكشف له عن وجه الحقيقة ، والله المستعان .

القضية الثانية) عصابة من الأطفال :
في أحد مراكز الشرطة وردت بلاغات متعددة عن قضايا سرقة سيارات .
كان أسلوب السرقة في هذه القضايا متشابهاً ، فتم جمعها وإحالتها إلى أحد الإخوة المحققين .
مضت الأيام ، وبعد حوالي أسبوع ، في صباح يوم الخميس ، أحضرت إحدى الدوريات الأمنية ثلاثة أطفال الأول عمره خمس سنوات ، والثاني ثماني سنوات ، والثالث إحدى عشرة سنة .
كان هؤلاء الثلاثة يقودون سيارة نقل (دينّا) مسروقة ، وتم القبض عليهم بعد أن وقع لهم حادث اصطدام على السيارة .
بالتحقيق معهم اعترفوا بأنهم قاموا بسرقة السيارة من أحد الأحياء .
بعد الاعتراف حاول المحقق أن يتحقق من ارتكاب هؤلاء الأطفال للسرقات التي سبق الإبلاغ عنها ، وهنا بدأت المفاجأة من الطفل الصغير ذي الخمسة أعوام .. اعترف هذا الطفل بأنهم قاموا بسرقة عدد من السيارات .
تم محاصرة الطفلين الآخرين بالأسئلة فكانت سلسلةٌ من الاعترافات ، حتى بلغ عدد السيارات التي قام هؤلاء الأطفال بسرقتها وسرقة محتوياتها اثنين وأربعين سيارة .
يقول الأخ المحقق : أخذت هؤلاء الأطفال معي في الدورية وتوجهنا إلى الأماكن التي سرقوا منها السيارات للتحقق من أقوالهم واستدعاء أصحاب السيارات المسروقة .
طبعاً تبين أن أكثرهم لن يبلغ الشرطة لأنه وجد سيارته داخل الحي في نفس اليوم .
بعد انتهاء التحقيق حضر والد الطفل الكبير إلى المحقق .. كان هذا الرجل صالحاً لكن فيه غفلة وثقة مفرطة .
يقول المحقق : عندما أخبرت الرجل بالموضوع ثار علي في المكتب .. (غير معقول ) .. (أنتم ظلمتم ولدي) .. (ولدي أنا مربيه وما سبق شفت عليه شي) .
طبعاً هذا الأمر يتكرر كثيراً في مراكز الشرطة ، كثير من الآباء في غفلة ، ولا يظن الواحد منهم أن ولده الصغير ، هذا الحمل الوديع سيتورط في مثل هذه الجرائم الكبيرة .
انتهى التحقيق في القضية ، وتم إحالة المتهمين الثلاثة للقضاء وصدر بحقهم الحكم الشرعي .

وههنا وقفة :
لعل من أهم الدروس المستفادة من هذه القضية ما تعيشه بعض الأسر من إهمال للناشئة ، وثقة مفرطة ، وهذا الأمر من أعظم أسباب انحراف الأحداث كما وقفت على أحوالهم في دور الملاحظة .
هؤلاء الأطفال الثلاثة في سن الخامسة والثامنة والحادية عشرة ، كيف دخلوا إلى عالم السرقة؟ بل ويتكرر منهم هذا الفعل ليست مرة ولا مرتين ولا ثلاث ، بل اثنين وأربعين مرة؟ .. أين دور الأسرة في عن هؤلاء الأطفال ؟ أين الأب والأم؟
وعندما يقعون في قبضة رجال الأمن ويستيقظ الأب من غفلته ، يلقي باللوم على رجال الأمن ، وينسى أن إهماله وثقته الزائدة كانت أعظم سبب انحراف الأولاد .

القضية الثالثة) يمهل ولا يهمل :
في إحدى المدن .. عاد الناس إلى بيوتهم ، بعد أن انتهى اليوم ، وأظلم الليل .
كان أحد رجال الأمن يسير في ساعة متأخرة من الليل ، فرأى شيئاً غريباً على الطريق .. جسدٌ مقطع ، وأشلاءٌ متناثرة لامرأة تبدو وكأنها تعرضت للدهس .
وعلى الطرف الآخر من نفس الشارع امرأة أخرى ، تمشي وقد بدا عليها الذعر والهلع .
تم إبلاغ الشرطة ، وبدأت إجراءات القضية .. وبالتحقيق المبدئي تم التعرف على هوية المرأتين .. اتضح أنهما خادمتان مقيمتان تعملان في أحد المنازل في المدينة .
باستجواب الخادمة التي بقيت على قيد الحياة أفادت بأنها هي وزميلتَها تعرضتا لبعض التحرشات من أبناء صاحب المنزل ، فقررتا الهرب من المنزل .
وفي أحدى الليالي ، خرجت المرأتان من المنزل .. وبينما هما تمشيان إذ توقفت بجانبهما سيارة ونزل منها شابان وقاما بإركابهما في السيارة .. ثم انطلق الشابان إلى أحد المنازل المهجورة وقاما بالاعتداء عليهما ، مع عدد من الشباب .
وفي مساء اليوم التالي أراد الشباب أن يتخلصوا من المرأتين .. فقام اثنان منهم بإركابهما في السيارة والخروج بهما على أحد الشوارع .. وبعد لحظات ، وفي غفلة من الشابين قامت إحدى الخادمتين بفتح باب السيارة وهي تسير بسرعة ، وألقت بنفسها في الشارع .. وبعد مائة وخمسين متراً قام الشابان بإنزال الخادمة الأخرى ولاذا بالفرار .
مع هذا الموقف المؤلم .. وأمام هذه المعلومات المبهمة .. كان على محقق القضية أن يكشف النقاب عن وجه الحقيقة .
طبعاً .. كان المحقق أحد الضباط الصالحين ، تربطني به علاقة صداقة منذ سنوات طويلة .
يقول لي المحقق: كنت قد انتهيت من التحقيق في إحدى القضايا الكبيرة الشاقة ، اتصل بي مدير الشرطة ووجهني باستلام القضية .
هذه القضية الغامضة بالذات؟ لا حول ولا قوة إلا بالله .. استلمت القضية وعلى الفور توجهت إلى والدتي ، وقبلت رجليها ، وقلت لها : (يا أمي ، ادعي لي) .
انظروا يا إخوان إلى بركة بر الوالدين ، يقول الأخ: والله ما جاء الليل في نفس اليوم إلا والمجرم في السجن ، كيف قبض على المجرم بهذه السرعة؟
كانت البداية بالبحث عن المنزل المهجور الذي أخذت إليه الضحيتان .
كانت الخادمة لا تعرف موقع المنزل ، لكنها قالت: إن المنزل كان بجوار دعاية كبيرة لإحدى الشركات .
قام المحقق بجهد كبير في تحديد المنزل ، دار المدينة دون جدوى ، ثم ألهمه الله فأخذ الخادمة إلى مكان مرتفع يطل على مباني المدينة وشوارعها .. وقفت الخادمة ، وبدأت تتلفت وهي تنظر للمباني ، ثم صرخت: هناك . هذي هي لوحة الدعاية التي بجوار المنزل .
وبسرعة فائقة ، أجريت التحريات عن المنزل المهجور في نفس اليوم .. اتضح أنه يعود لرجل يسكن في المدينة .. كان لهذا الرجل عدد من الأولاد .. من بينهم شاب منحرف السلوك ، يجتمع مع بعض أقرانه في ذلك المنزل .
عندما استدعي صاحب المنزل ، وقيل له: ولدك فلان؟ ، قال: وش سوى حسبي الله عليه.
سبحان الله .. هذا الذي كان يتوقعه الوالد من هذا الولد الفاسد .
توجهت التهمة إلى هذا الشاب .. فتم القبض عليه ، ثم جرى عرضه على الضحية ، فتعرفت عليه على الفور .. وهنا بدأت الحقائق تنكشف كأنها كما يقال خرزاتُ عقدٍ قد انفرط .
اعترف الشاب أنه قام هو وأحد زملائه بإركاب الخادمتين والاعتداء عليهما مع عدد من الشباب .
يقول الشاب: في اليوم التالي أحسست بخطورة الموقف .. فأردت أن أتخلص من هذه الورطة .. اتصلت على أحد زملائي وطلبت منه المساعدة .. فحضر زميلي للمنزل .. وقمنا بإركاب الخادمتين في السيارة لكي نذهب بهما إلى مكان بعيد .
وبينما نحن على الطريق ، فتحت إحدى الخادمتين الباب وألقت بنفسها في الشارع .. اضطرب الموقف .. لم نكن ندري ماذا نفعل .. فقمنا بإنزال الخادمة الأخرى .. وهربنا من المكان .
وبعد اعتراف هذا الشاب ألقي القبض على زملائه الذين شاركوه في هذه الجرائم ، وتم التحقيق معهم وإحالتهم إلى الشرع ليلقوا جزاءهم الرادع .

وههنا بعض الوقفات :
الوقفة الأولى : مع هذا الشاب الذي تمادى في الغي والباطل .. اجتماعات منكرة .. ورفقة سيئة .. ثم كانت الجريمة البشعة التي حاول الشاب جاهداً أن يخفيها لكن الله تعالى كان بالمرصاد .
أخي الشاب .. يا من يغلق على نفسه أبواب الاستراحاتِ والشققِ المشبوهة .
إن الله تعالى يمهل العاصي ويضع عليه ستره ويسبغ عليه حلمه ، حتى إذا تمادى وطغا فضحه الله في جوف رحله وما ربك بظلام للعبيد .
الوقفة الثانية : حينما نتحدث عن الشهوة ، فإننا نتحدث عن عنصر جامح في نفس الإنسان .. يقوده إلى التهلكة ، ويلحقه بالحيوان الذي تسيره الشهوة ، وتتحكم فيه الغريزة.
أما المؤمن فلا .. المؤمن يجاهد الشهوة حتى ينتصر عليها بإيمانه وخوفه من الله تعالى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى.
الوقفة الثالثة : إن من مكامنِ الخطر ، ومواطنِ الفتنة ، ما تعيشه بعض البيوت من الفوضى في قضية وجود الخادمة في المنزل .. عدمُ التزام بالحجاب .. اختلاطٌ بالرجال ، ولا سيما الشباب .. تركُها في المنزل بمفردها يدخل عليها من هب ودب .
وهذه القضية ما لم يكن فيها حرص وضبط والتزام بالضوابط الشرعية كالتزام الحجاب والبعد عن الخلوة فإن النتائج ستكون وخيمة .
وقد قال معلم البشرية صلى الله عليه وسلم : " ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما " .
الوقفة الرابعة : هذه الجريمة البشعة كانت أثراً من آثار الرفقة السيئة واجتماعات الشباب في بعض الاستراحات أو البيوت .
والله يعلم كم أفسدت رفقة السوء من شاب .. وكم زينت من فاحشة .. وكم أعانت على منكر .. فقل لي من تصاحب أقل لك من أنت .
الوقفة الخامسة : فليبارك الله تعالى في هذا المحقق الذي ساهم في كشف هذه القضية ، وفك الرموز الغامضة في ملابساتها الأولية حتى توصل إلى الجناة .
ويحق لبلادنا المباركة أن تفخر بهذه النماذج المخلصة التي لا تيأس أمام التحديات ، مستعينة بربها ، باذلة أقصى جهدها ، ولكل مجتهد نصيب .

القضية الرابعة) الحمو الموت :
في ظهيرة أحد الأيام ورد بلاغ إلى غرفة العمليات بالدوريات الأمنية مفاده وجودُ حادثةِ قتلِ امرأة وطفلتين في أحد إحياء الرياض .
ينتقل المحقق إلى الموقع على الفور .. يدخل الشقة فإذا بجثة امرأة ملقاة على ممر الشقة الداخلي ، بها آثار لطعنةٍ في مؤخرة الرقبة ، وطعنةٍ أخرى في الأذن . وقد قُطِعت يدها اليسرى وأُخِذ الذهب الذي فيها .
وفي غرفة مجاورة يشاهد المحقق مشهداً مؤلماً لطفلتين قتلتا بنفس الطريقة التي قتلت بها الأم .. الأولى عمرها أربع سنوات والأخرى سنتان .
بدأ المحقق بمعاينة المنزل ، ولم يلاحظ أنه سرق من المنزل أيُّ شيء بالرغم من وجود بعض النقود والذهب في الغرفة الرئيسية .
لاحظ المحقق أيضاً أنه لا يوجد أيُ منفذٍ إلى الشقة إلا الباب الخارجي .. كانت النوافذ محاطة بالحديد ، وبمعاينة باب الشقة اتضح أنه لا يوجد عليه أي آثار تكسير أو عنف .
طبعاً ، هذه القرائن جعلت المحقق يرجح أن الجاني شخص قريب ومعروف لدى الضحايا ، لأنه دخل الشقة بالمفتاح ، أو فُتِح له الباب من الداخل .
في البداية توجهت أصابع الاتهام إلى ثلاثة أشخاص : الزوج ، واثنين من إخوانه كانا يترددان على المنزل باستمرار .
كان اتهام الزوج بسبب أمرين : الأول) أن التحريات أثبتت أنه خرج من عمله في وقت الحادث ، الأمر الثاني) كان هناك احتمال أن يكون الزوج قتل الطفلتين بسبب الشك في زوجته.
تم احتجاز المتهمين الثلاثة .. وبعد التحقيقات والتحريات ثبتت براءة الزوج بعد التأكد من مكان وجوده وقت الحادث حيث كان في مهمة متعلقة بعمله .
ثم أطلق سراح الأخ الأول ، بعد أن تم التأكد من خلال التحريات أنه كان على رأس العمل .
بقي الأخ الثاني ، والذي تركزت حوله الشبهة .
تبين أنه شاب ذو سلوك منحرف ويتعاطى الخمور ، وكان عاطلاً عن العمل ، ولم يستطع إثبات مكان وجوده إثناء الحادث .
ومن خلال التحريات اتضح وجود سوء تفاهم قديم بين القتيلة وهذا الشاب .
وكان هذا الأمر عندما أصيبت القتيلة بالمرض واحتاجت إلى دم ، فتقدم الشاب للتبرع لها ، لكنها رفضت وأخبرت زوجها أنها لا تريد من دمه شيئاً لأنه دم فاسد بسبب إدمانه وشربه المسكرات .
بدأ المحقق باستجواب هذا الشاب ومحاصرته بالأسئلة والقرائن ، وبعد أيام من التحقيق انكشفت الحقيقة ، واعترف الشاب بالجريمة البشعة . كيف حدث ذلك؟
يقول الشاب : كنت أتردد باستمرار على منزل أخي ، وإذا دخلت المنزل في الفترة الصباحية يكون أخي في العمل ، فتحضر لي زوجته الفطور .
في يوم الحادث ، دخلتُ المنزل على زوجة أخي فزين لي الشيطان الفعل القبيح .. راودتها عن نفسها فامتنعت .. بدأت ألاحقها داخل الشقة وهي ترفض بشدة ، اشتد الموقف ، وبدأ العراك ، وفي لحظات شيطانية دخلت المطبخ وأخذت السكين وطعنتها بها حتى ماتت .
في هذه الأثناء ، وبسبب الصياح والإزعاج استيقظت إحدى الطفلتين على هذا المشهد ورأتني وأنا أقتل أمها .. خفت من انكشاف أمري فقتلت الطفلة ، ثم استيقظت الأخرى فألحقتها بأختها ، ثم هربت من المنزل .
وبعد التحقيق ، أحيل الجاني إلى القضاء ، وصدر بحقه الحكم الشرعي القاضي بقتله قصاصاً ، وتم تنفيذ الحكم في إحدى مناطق المملكة .

وههنا بعض الوقفات :
الوقفة الأولى : أن ضعف الإيمان في القلب هو رأس كل بلية ، وسبب كل جريمة .
ولهذا يقول عليه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة :((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن )) متفق عليه .
ومعنى الحديث أن ارتكاب الكبيرة كالزنا وشرب الخمر لا يصدر من مؤمن كامل الإيمان ، بل هو نتيجةٌ للحظات .. الإيمان فيها ضعيف ، والخوف من الله فيها ضئيل ، والحياء من الله فيها قليل .
الوقفة الثانية : أن من أسباب هذه الجريمة عدمَ الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية التي هي ضمان لأمن الأسر والمجتمعات ، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الخلوة بالمرأة الأجنبية ، وأخبر أنه ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما .
وفي حديث عقبة بن عامر المتفق عليه قال صلى الله عليه وسلم : إياكم والدخولَ على النساء . قيل : يا رسول أفرأيت الحمو؟ (وهو أخو الزوج كما في قصتنا) . قال : الحمو الموت .
بأبي أنت وأمي يا رسول الله .. شبه صلى الله عليه وسلم خطر دخول الحمو بالموت لما يترتب على دخوله من الفتنة وموت الدين ، والرجم إذا وقعت الفاحشة ، وغيرِ ذلك من المفاسد كما نقل هذا ابن حجر في الفتح .
ومما يزيد الفتنة أن الحموَ في العادة لا يُشَك فيه أو يُنكَر عليه ، ويطلع في العادة على ما لا يطلع عليه غيره .
ومع هذا فإن بعض الأسر المسلمة وللأسف تتساهل في هذا الأمر وتخالف هذا الحكم الشرعي الصريح الثابت بالأدلة الشرعية .. فترى قريب الرجل يدخل على الزوجة وهي بمفردها في المنزل ، فتستقبله وتسلم عليه وقد تجلس معه وتقدم له الطعام بحجة أنه من الأسرة وليس بغريب.
ولو سألت هؤلاء المتساهلين هداهم الله ، لذكروا لك شبهاتٍ وأعذاراً واهية .
فتارة يتعلقون بدعوى الثقة ، وأن هذا الأخ أو القريب شخص موثوق .
فنقول : النبي صلى الله عليه وسلم لم يستثن أحداً من هذا الحكم .. وليس معنى هذا أننا لا نثق في الشخص ، بل إننا مع ثقتنا به لا يمكن أن نثق بالشيطان . ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما .
وتارة يحتجون بعادات وتقاليد تلك البلاد أو تلك الأسرة ، وبناء على هذه التقاليد لا يمكن أن تعتذر الزوجة عن استقبال قريب الرجل ، ولو كانت بمفردها في المنزل .
سبحان الله .. نرضي الناس بسخط الله .. نستحيي من الناس ونخشى تعييرهم ، ولا نستحيي من الله ونخشاه .. وصدق الله : (أتخشونهم ، فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين).
وقال سبحانه : (يحلفون بالله لكم ليرضوكم ، والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين) .
وفي حديث عائشة موقوفاً ويروى مرفوعاً : (من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤونة الناس ، ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس) . رواه الترمذي وغيره .
إذن .. متى ما تعارض مراد الله مع مراد الناس وأهواء النفس فقدم مراد الله ، وهو سبحانه يتولاك ويكفيك .
الوقفة الثالثة : أن المجرم مهما حاول أن يخفي جريمته فإنه سرعان ما ينكشف أمره .
فهذا الرجل قتل المرأة ثم قتل الطفلتين ، وسعى جاهداً لإخفاء الجريمة ، لكن الله أبى إلا أن يكشف أمره ، وإن ربك لبالمرصاد .

القضية الخامسة) فتاة تفتري على والدها:
أيها الأحبة .. في عالم الشهوات والعلاقات المحرمة ، تذبل الرحمة ، وتضعف الرابطة بين أفراد الأسرة ، حتى تستحيل في بعض الحالات إلى عداوة وكراهية .
هذه فتاة ارتبطت بأحد الشباب بعلاقة محرمة أفسدت قلبها ، وقلبت كيانها ، وحولتها من فتاة وديعة مطيعة إلى فتاة فاسدة تفتري الكذب على أهلها وتتهمهم بالزور والبهتان .
يحدثني المحقق في هذه القضية : في أحد الأيام تقدمت لمركز الشرطة امرأة ببلاغ تتهم فيه زوجها بأنه عنده أسلحة وأنه يضرب أولاده ، وأنه عياذاً بالله يعتدي على ابنته .
وحتى لا أذهب بكم بعيداً ، أو يذهب بكم تفكيركم إلى أمر شنيع لم يقع ، أجد نفسي مضطراً إلى أن أكشف أوراق القضية في أول مشاهدها . فهذا البلاغ كان بلاغاً كاذباً لم يقع منه شيء .. فوالد الفتاة كان عفيفاً مظلوماً .
استدعيت البنت وكان عمرها ثمانية عشر عاماً ، وباستجوابها أفادت بصحة ما ذكرت أمها.
يقول لي الأخ : استدعينا الأب ، وعندما واجهناه بهذه التهمة الكاذبة أنكرها تماماً ، وكان متأثراً جداً ، ويقول : كيف أفعل هذا؟!! .
أمام هذه القضية الغامضة والأقوال المتعارضة بدأ المحقق يبحث عن أدنى خيط يوصله إلى الحقيقة من خلال تكثيف التحريات واستجواب الأطراف .
أثبت التحريات أن الوالد كان يتعرض لمس من الجن مما ساعد الزوجة والبنت على تلفيق التهمة ضده .
كان من أهم النقاط التي ذكرها الوالد في استجوابه أن البنت سبق أن تقدم للزواج منها أحد الشباب ، وأنه قام برفض طلبه لأنه كان من قبيلة أخرى .
يقول محقق القضية : أمسكنا طرف الخيط ، وبدأنا بالبحث والتحري حول هذا الشاب .
تبين أنه شاب يسكن في نفس المدينة ويعمل في أحد محلات أشرطة الغناء . وبتكثيف المراقبة حول الشاب اكتشفنا وجود علاقة بينه وبين البنت .
تم إحضار الشاب ، ومواجهته بالمعلومات المتوفرة ضده فانكشفت أوراق القضية .
اعترف الشاب بوجود علاقة بينه وبين البنت .. بدأت العلاقة بمعاكستها عند خروجها من المدرسة ، ثم تطورت إلى رسائل غرامية ، يقول : كنت أضع الرسالة تحت حجر كبير بجوار منزل الفتاة ، فتخرج من المنزل وتأخذ الرسالة وتترك لي رسالة في نفس المكان .
وبعد أيام تطورت العلاقة إلى الركوب معه في السيارة ، حتى وقعت المأساة في إحدى الاستراحات .
اتفق الشاب والفتاة على الزواج ، وعندما رفض الوالد هذا الزوج اتفقوا على اتهامه .
يقول لي المحقق : عثرنا مع الشاب على رسائل غرامية كتبتها الفتاة ، كانت تقول في إحدى الرسائل: أنت أحب إلي من ربي ورسولي وأمي وأبي .. يالله ما أحلمك على عبادك .. في وفي رسالة أخرى تقول: اذبح أبوي . مرة تقول: اذبحه بالمسدس ، ومرة تقول: ترى فيه سم يذبح على طول .
تم مواجهة الفتاة بهذه الاعترافات فأنكرت في أول الأمر . لكنها سرعان ما اعترفت عندما أجريت المقابلة بينها وبين الشاب .
اعترفت الفتاة بأنه بعد وقوع المأساة كان المجرم يأخذ لها صوراً في الاستراحة .
وبعد أن أفاقت تلفتت فإذا هي قد فقدت شرفها ، وكان المجرم يطمئنها ويعدها بالزواج .
وعندما رفض أبوها الزواج اتفقت هي والشابُ وأمُها على اتهام الوالد لكي يسجن وتسقط ولايته ، ويقوم أحد الأبناء بتزويج أخته للشاب .
هكذا كانت أحداث هذه القضية ، ولنا معها بعض الوقفات:
الوقفة الأولى : كانت هذه الأحداث المؤسفة نهاية الخطوات الشهوانية الشيطانية التي تجتذب الشباب والفتيات .
إنهم يتلاعبون بالنار دون ضابط أو وقاية .
إنهم يحترقون بنار الشهوة ، ويتقلبون على لهيب الحب .. ويشربون من كأس الهوى .. فلا يفيقون من سكرهم إلا وهم في ظلمات السوء والفحشاء .
كانت البداية بين هذا الشاب وهذه الفتاة معاكساتٍ ورسائلَ غرامية ، ثم تطورت إلى اللقاء والخروج بالسيارة ، حتى وقعت الكارثة .
الوقفة الثانية : إن من أشد عقوبات العلاقات المحرمة أنها تفسد القلب ، وتذهب بالدين ..
لقد رأينا كيف فسد قلب هذه الفتاة ، حتى إنه لم يرع حقاً لأب مسكين يتجرع الغصص ويدافع العبرات وهو يرى ابنته تخونه في عرضه .. ثم تكتب لصاحبها الخائن أن يقتله ويتخلص منه .. ثم تقف أمامه أخيراً في موقف الخزي والعار لتقذفه بأشنع التهم .
لقد رأينا كيف تعلق قلبها بذلك الشاب من دون الله ، حتى صرحت في رسالتها بأنه أحب إليها من الله ، وما أكبرها من كلمة ، وإذا أردت أن تعرف عظم هذه الكلمة فاقرأ قوله تعالى: (ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله ، والذين آمنوا أشد حباً لله).
الوقفة الثالثة : إن من أشنع الأعمال وأقبحها رميَ المسلم البريء بالباطل .
قال صلى الله عليه وسلم : (من رمى مسلماً بشيء يريد شينه به حبسه الله على جسر جهنم حتى يخرج مما قال) أخرجه أبو داود عن معاذ بن أنس وحسنه الألباني .
وإذا كان هذا في حق المسلم ، أيِّ مسلم ، فكيف بظلم القريب؟ فكيف بظلم الوالد؟
وظلمُ ذوي القربى أشد مضاضةً على النفس من وقع الحسام المهند
وأصدق من هذا كلِّه قول الله تعالى : (ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرم به بريئاً فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبينا).ً
الوقفة الرابعة : وا أسفاه على هذه الأم التي رضيت لنفسها أن تتستر على ابنتها وعلى أفعالها السيئة ، ثم تتواطؤ معها في رمي الأب البريء بالتهم الباطلة والأكاذيب الملفقة .
ووا أسفاه على جيل يتربى في أحضان مثل هذه الأم . ولا حول ولا قوة إلا بالله.

القضية السادسة ) الجار قبل الدار :
في أحد المستشفيات ، أُحضِر أحد الأشخاص إلى الإسعاف وهو بحالة خطيرة .. تم إبلاغ مركز الشرطة ، وانتقل أحد الإخوة الضباط للتحقيق في القضية .
يقول الأخ: دخلت على المصاب ، فإذا هو بحالة سيئة ، وعلى وجهه آثار اعتداء وضرب .. حاولت أن آخذ منه أي إفادة ، لكنه كان لا يستطيع الكلام .
في اليوم التالي ، عدت إلى المصاب حيث بدأ يسترد بعض قوته ويتكلم .. اتضح أنه رجل متزوج ، يعيش حالياً بمفرده في المنزل بعد ولادة زوجته وانتقالها إلى أهلها .
وبسؤاله عن الاعتداء الذي تعرض له ، ذكر أن جاره دخل عليه في المنزل ، واعتدى عليه ، وسرق منه شنطة بها مائة ألف ريال .
استدعي الجار ، وتم مواجهته بالتهمة ، فاعترف بأنه قام بضرب المجني عليه ، لكن لماذا؟
يقول الجار : اشتكت لي زوجتي أن شخصاً يتصل عليها باستمرار، ويحاول أن تسترسل معه في الكلام .. فطلبت منها أن تستدرجه حتى نتمكن من معرفته .
في أحد الأيام اتصل الرجل على زوجتي ، فرحبَتْ به ، وقالت له: لماذا لا تأتيني في البيت؟.
بدأ الرجل يكشف بعض أوراقه .. قال: أنا أتصل من مشغل الخياطة الذي في أسفل العمارة!! .. عجيب ، يعني الرجل قريب في نفس الحي .
قالت له الزوجة: إنها لوحدها في البيت، وإنها ستترك له الباب مفتوحاً ليتمكن من الدخول.
وبعد أن وافق الرجل على الحضور للبيت ، اختبأت في غرفة مجاورة ، وتركت باب البيت مفتوحاً .. انتظرت لحظات ، وإذا بالرجل يدخل إلى بيتي . خرجت إليه وإذا بالمفاجأة .. جاري يريد أن يدنس شرفي .. جاري يريد أن يعتدي على أهلي .. لم أتمالك نفسي .. انهلت عليه بالضرب الشديد .. انفلت مني وهرب إلى منزله ، فانطلقت وراءه ودخلت معه المنزل ، وأكملت ضربه حتى سقط ولم يعد يستطيع الحركة .
بعد أن انكشفت الحقيقة ، انتهى التحقيق ، واتخذت الإجراءات المناسبة بحق الطرفين .
وانتقل الثاني مع زوجته من جوار ذلك الجار الخائن إلى حي آخر .
وقفات :
الوقفة الأولى : لعل من أهم الوقفات في هذه القضية قضية الجار الخائن الذي ما رعى حرمة جاره .. ولا شك أن خيانةَ الجار في أهله أسوأُ وأعظمُ إثماً من خيانة غيره .
وإذا كان الزنا كبيرةً ، وفاحشةً ، وساء سبيلاً ، فإنه في حق الجار أشنع جرماً وأعظم إثماً .
روى البخاري ومسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:"يا رسول الله، أي الذنب أكبر عند الله؟ قال: أن تدعو لله نداً وهو خلقك. قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك. قلت: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلةَ جارك .
فأنزل الله عز وجل تصديقها (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً) " .
وعن المقداد بن الأسود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: ما تقولون في الزنا؟ ، قالوا: حَرَّمَه الله ورسوله فهو حرام إلى يوم القيامة. فقال صلى الله عليه وسلم: لأن يزني الرجل بعشرة نسوة أيسرُ عليه من أن يزني بامرأة جاره . رواه أحمد وصححه الألباني في السلسلة .
وإذا كان أهل الجاهلية يعظمون الجوار ، ويرعون حرمة الجار ، فكيف يرضى مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يهتك ستر جاره .
يقول عنترة : وأغض طرفي ما بدت لي جارتي *** حتى يواري جارتي مأواها
وصاحبنا في هذه القصة ، لسان حاله يقول:
وأمد طرفي ما بدت لي جارتي *** أن لا يواري جارتي مأواها
الوقفة الثانية : لقد أحسنت الزوجة التصرف عندما أبلغت الزوج فوراً بالموضوع .
والخطأ الذي يقع من بعض النساء أنها لا تخبر زوجها بمثل هذه الأمور ، إما بسبب الحياء ، أو بسبب كون الزوج سيءَ الخلق ، أو سيءَ الفهم ، أو سيءَ الظن .
فنقول : يا أختي ، إذا كنت حريصة على نفسك وعلى بيتك ، بادري بإبلاغ الزوج ،فإن لم تبلغيه فأبلغي الأهل .. المهم أن لا تكوني وحدك في المواجهة .
بعض الأخوات ، تسوي نفسها هيئة أمر بالمعروف ، تقول: (قليل الحيا ، أنا أوريه وانا بنت أبوي) فتبدأ بالرد على المعاكس أو المتصل ، وهذا الذي يريده الشيطان ، ليتحول الموضوع من الرد والسب إلى الحديث والسوالف .
الوقفة الثالثة : في آخر القصة انتقل الزوج بزوجته وأهله عن جوار هذا الجار السيء .
وهذا التصرف الجيد ، دليل على الغيرة المحمودة على الحرمات ، لا كما يقع من بعض الناس من التساهل في هذا الأمر .
ولهذا ، قص الله علينا في سورة يوسف خبر العزيز الذي كان ضعيف الغيرة، ولعلي أذكركم بالموقف .
ماذا فعل العزيز بعد أن وقف بنفسه على مشهد زوجته وهي تراود يوسف؟
هل عاقبها؟ هل فرق بينها وبين هذا الشاب؟
أبداً ، كان همه فقط أن لا يعلم الناس.. (يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك) .
ولهذا نقول كما تقول العرب : الجار قبل الدار .. و فر من جار السوء فرارك من الأسد .. واعلم أن حرماتِ أهلك وأخلاقَ أبنائك أثمنُ من البيت الذي تسكن فيه . وقد قيل :
أصون عرضي بمالي لا أدنسه *** لا بارك الله بعد العرض بالمال

القضية السابعة ) طفولة غير بريئة :
في أحد الأيام دخل رجل إلى أحد مراكز الشرطة يبلّغ عن اختفاء ابنته البالغة من العمر أحد عشر عاماً .. تم تسجيل البلاغ وتدوين كافة المعلومات عن البنت .
وبعد ساعة .. عاد الرجل ومعه ابنته ، وذكر أنها تعرضت للاختطاف .
تم سؤال البنت ، فذكرت أنها عندما كانت في طريق المدرسة قابلها شخص وقام برش وجهها ببخاخ ، وأنها فسقطت ، وأنها لم تدر عن نفسها إلا بعد مدة وهي في الشارع .
طبعاً ، اكتشف المحقق أن هذا الكلام ملفق .. ثم بدأ بالتضييق على الفتاة ، ومحاصرتها بالأسئلة فاعترفت بالقضية كلها .
اعترفت الفتاة أنها كانت على علاقة حب بشاب يسكن بجوارهم .
وفي ذلك اليوم خرجت معه عندما كانت ذاهبة من المدرسة ، وتأخرت في العودة فانكشف أمرها .
بعد التعرف على الشاب ، تم البحث عنه فتبين أنه هارب خوفاً من القبض عليه .
تم التعميم عن الشاب .. وبعد أيام قبض عليه في قضية أخرى ، ثم أحيل إلى محقق القضية .
تم التحقيق مع الشاب .. وأنكر التهمة الموجهة إليه في البداية ، ثم اعترف بالحقيقة .
ذكر الشاب أنه كان على علاقة بهذه الفتاة ، وأنه تقدم لوالدها بطلب الزواج منها ، لكنه رفض تزويجه بها نظراً لقلة دخله .
تم تصديق اعتراف الفتاة والشاب وأحيلت القضية للشرع .
يقول محقق القضية: بعد أيام وردني خطاب من دار الفتيات يفيد بأن الفتاة مع كل أسف حامل .. كان أمامي مهمة شاقة للغاية ، وهي إبلاغ والد الفتاة بهذه الفاجعة .
كان الوالد يظن أن القضية مجرد خروج مع الشاب على سيارته .
استدعيته إلى المركز ، وبدأت أفاتحه بالموضوع .. عندما اكتشف الفاجعة والحمل أغمي عليه وأصيب بصدمة نفسية شديدة وأغمي عليه .. سارعنا إلى تهدئته وتذكيره بالله ، والصبر على هذه المصيبة .
انتهت إجراءات القضية ، وصدر الحكم الشرعي بحق الشاب والفتاة وهو جلد مائة وتغريب سنة .
يقول الأخ المحقق : بعد انتهاء مدة العقوبة ، أعيد لي ملف القضية .. بدأت أقلب أوراق الملف ، فإذا بالمشهد المحزن .. صورة المتهمة الصغيرة وهي تحمل بين يديها لفافة بيضاء تكاد تعجز عن حملها ، وفي داخل اللفافة رضيع بريء ، لسان حاله يقول: ما ذنبي؟ وأين أبي؟ وكيف أتيت إلى هذه الدنيا؟
وقفات :
الوقفة الأولى : هكذا تكون آثار الفاحشة المحرمة على الأسر والمجتمعات .. آباء تسودّ وجوههم من العار والفضيحة .. واختلاط في الأنساب .. وأطفال أبرياء يولدون من سفاح .. إنها الفاحشة التي يغار الله لأجلها .. كما قال صلى الله عليه وسلم : (يا أمة محمد ، ما من أحد أغيرُ من الله أن يزني عبده أو تزني أمته) متفق عليه عن عائشة (ولهذا حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن) متفق عليه عن ابن مسعود .
الوقفة الثانية : نحن نلوم أسرة هذه الفتاة من جهتين:
الجهة الأولى: الغفلة عن البنت وضعف ملاحظة سلوكها ، كيف تخرج البنت مع هذا الشاب عدة مرات ، ولا ينتبه الأهل لهذا الأمر ؟!! .
الجهة الثانية: رفض والد الفتاة تزويجها للشاب بسبب قلة الدخل .. متى كان الدخل هو المقياس لقبول الشاب أو رده؟
نعم .. لقد رأينا بشاعة هذه الجريمة ، حتى إننا ندعو الله بمشاعر صادقة أن يحفظنا وذريتنا من الوقوع في هذه الفواحش .. لكن هذا الشعور لا يكفي ، بل ينبغي أن يترجم إلى سلوك عملي بالحرص على تزويج الشباب والفتيات ، وتيسير أمور الزواج .
الوقفة الثالثة : إن من حكمة الله في تشريع الحدود أنها كفارة وتطهير لمن أقيمت عليه ، وهي مما يحقق الردع والزجر الذي يحصل به حفظ ضرورات المجتمع المسلم .
ومن هذه الحدود حد الزنا كما مر بنا في القضية؟ ما هو حد الزاني؟
نعم .. غير المحصن جلد مائة وتغريب عام .. والمحصن الرجم حتى الموت .
جاء في حديث عبادة بن الصامت عند مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً ، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم".
وهنا فائدة فقهية : فجمهور العلماء على أن حد الثيب ذكراً كان أو أنثى الرجم فقط كما اكتفى النبي صلى الله عليه وسلم برجم ماعز والغامدية ، وأما ذكر جلد الثيب في هذا الحديث منسوخ .
هذا الثيب ، وأما البكر فحده جلد مائة و تغريب عام .

القضية الثامنة ) سارق في رمضان :
في أول يوم من أيام رمضان المبارك حضر أحد الأشخاص إلى مركز الشرطة ، يبلّغ عن سرقة محفظته عند محل بيع السمبوسة مع زحمة الناس قبل أذان المغرب .
يقول لي الأخ المحقق : قمت بتدوين المعلومات وتحديد المحل . وبعد دقائق دخل شخص آخر يبلّغ عن تعرضه للسرقة عند نفس المحل .. ثم دخل شخص ثالث يبلّغ عن تعرضه للسرقة بنفس الطريقة .
بدأ المحقق يبحث عن أدنى خيط يتوصل به إلى الجاني .
كان المحقق يطلب من المبلّغين معلومات مفصّلة ، ويسأل كل واحد منهم : هل تشك في أحد؟ هل لاحظت أمراً غريباً عند المحل؟
كانت إجابات المبلغين بالنفي ، عدا المبلّغ الأخير .
قال : إني لا أود أن أتهم أحداً دون دليل ، لكني رأيت بالقرب من المحل أحد الأشخاص المشهورين بالفساد ، وعندما شاهدني ارتبك واختفى عن الأنظار .
تم جمع المعلومات حول الشخص ، واتضح أنه شخص منحرف مشهور بالنشل والسرقة ، فتوجهت التهمة إليه .
يقول المحقق: انتقلنا إلى منزل المتهم بعد العشاء .. سألنا أهله عن مكانه ، قالوا إنه سافر لمكة .. فتم إبلاغ أهله بضرورة مراجعته مركز الشرطة .
في اليوم التالي حضر المذكور للمركز . اتضح أنه يبلغ من العمر اثنان وثلاثون عاماً ، متزوج ولديه طفل .
- أين كنت؟
- قال: كنت في مكة ، أخذت عمرة ، وشربت من زمزم ورجعت ، وهذه تذكرة السفر .
وقدّم المتهم للمحقق تذكرة سفر إلى مكة عن طريق الباص .
بدأ المحقق يحاصر المتهم بالأسئلة .. فاكتشف أنه كان يكذب .. واتضح أنه قام بشراء تذكرة سفر إلى مكة ، وسافر عن طريق الباص حتى وصل إلى الطائف ، ثم عاد في نفس اليوم ، لكي يبعد التهمة عن نفسه .
انكشفت الحقيقة ، واعترف المتهم بأنه كان ينتهز فرصة ازدحام الناس على السمبوسة ويسرق ما في جيوبهم .
انتهى التحقيق ، وكان المحقق الفاضل يحث المتهم على التوبة والإنابة ، لاسيما وأنه رب أسرة .
أحيلت أوراق المتهم إلى القضاء ، وحكم عليه بالسجن لمدة سنة كاملة .
يقول المحقق: بعد مدة طويلة .. كنت جالساً على مكتبي بمركز الشرطة ، فأحيلت لي أوراق ، تتضمن إطلاق سراح أحد المتهمين بعد انتهاء عقوبة السجن .
وبينما كنت أتصفح الأوراق ، كنت أسمع صوت القيود التي في رجل المتهم وهو يمشي .
وقف المتهم أمامي ، وقال: هل عرفتني؟
نظرت إلى وجهه فإذا هو رجل ملتحي ، وجهه مشرق .
قلت له : من أنت؟
قال: أنا صاحبك (حرامي السمبوسة) .
قلت له: ما الذي غير أحوالك؟
قال: عندما قبض علي بدأت أتفكر في نفسي ، وكنت أستفيد من المشايخ والدعاة الذين كانوا يحضرون لدينا في السجن ، فاستقمت وتبت إلى الله .

وقفات :
الوقفة الأولى : مع هذا السارق الذي يأكل أموال الناس بالحرام .
السرقة خلق ذميم ، بل هي كبيرة من كبائر الذنوب ، وأحد أسباب محق البركة . ودخول النار .
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال :"كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به" رواه أحمد والترمذي وابن حبان من حديث كعب بن عجرة وصححه الألباني في صحيح الجامع .
فأطب مطعمك أيها الحبيب ، وإياك أن تغذّي جسدك بالحرام ، فيكون مآله نارَ جهنم ، وبئس القرار .
الوقفة الثانية : ما أقبح أن يبارز العبد ربه بهذه الجريمة في أشرف الأزمنة، في رمضان المبارك.
أين تعظيم حرمات الله ، وشعائر الله .. (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب).
سبحان الله .. أي قلب هذا؟ .. الصائمون يتعرضون للفحات الرحمن قبل الإفطار .. وهذا الرجل يتعرض لسخط الرحمن ويقيم على كبيرة من كبائر الذنوب .
ووالله ، إن من أشد عقوبات الذنوب أنها تفسد القلب ، فلا يستحي من الله ، ولا يعظم حرمات الله . ولهذا قال أهل العلم : المعاصي بريد الكفر .
الوقفة الثالثة : كان القبض على هذا الشاب وسجنه نعمةً عظيمة في حقه ، وإن كانت في الظاهر مصيبة ، ورب ضارة نافعة .
لقد كانت هذه المصيبة سبباً في توبة هذا الشاب ، وسلوكه طريق الاستقامة ، وهو طريق السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة .. وصدق القائل:
لعلك عتبك محمود عواقبه *** فربما صحت الأجساد بالعلل

وختاماً .. وبعد أن عشنا أحداث هذه القضايا والحوادث ، ووقفنا على بعض الدروس الإيمانية والتربوية والعلمية .. أسأل الله تعالى أن يحفظنا وإياكم بحفظه ، وأن يصلح أبناءنا وبناتنا ، ويثبت مهتدينا ، ويهدي ضالنا . إنه جواد كريم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
سامي الحمود
  • كتب وبحوث
  • محاضرات
  • كلمات قصيرة
  • منبر الجمعة
  • مذكرات ضابط أمن
  • تحقيقات ميدانية
  • مقالات وردود
  • معرض الصور
  • قصائد
  • فتاوى أمنية
  • صوتيات
  • الجانب المظلم
  • الصفحة الرئيسية