الحمد لله وبعد ؛
كما نعلم أن ربط أحداث الحادي عشر من سبتمبر ببعض الآيات القرآنية من العجائب
التي ظهرت في هذا الزمان ، وكنت قد نشرت كلاما للشيخ خالد السبت بخصوص هذا ،
ورابط الموضوع هو :
http://www.saaid.net/Doat/Zugail/102.htm
والرابط الصوتي هو :
http://www.saaid.net/Doat/Zugail/100.htm
والعجيب أن هذا الربط بين الآيات والأحداث لم يرجع فيه إلى أهل الاختصاص من
العلماء وطلبة العلم ، بل اجتهادات العامة الذين لو قيل لأحدهم حال مرضه :
اذهب إلى المهندس لكي يصف لك الدواء . لصاح في وجهك وقال : أتسخر بي ؟! يجب
أن أرجع في مرضي إلى الدكتور لأنه هو المختص بعلاج الأمراض .
ولكن العامة في مثل هذه الأمور لا يرجعون إلى أهل العلم حملة الشريعة . والله
المستعان .
وإتماما لكلام الشيخ الدكتور خالد السبت في الروابط الآنفة ، وجدت كلاما
للشيخ الدكتور مساعد بن سليمان الطيار الأستاذ المساعد بكلية المعلمين
بالرياض يتعلق بمسألة الربط بين الأحداث وبين آيات القرآن لكي تتضح الصورة
أكثر ، وكذلك إقامة الحجة ، وإبراء للذمة . والنقل لكلام الشيخ الدكتور مساعد
الطيار ليس مقتصرا على الربط ، وإنما أضاف الشيخ كلاما بخصوص " الإعجاز
العددي " .
قال الشيخ الدكتور مساعد الطيار في
كتابه " مفهوم التفسير والتأويل والاستنباط والتدبر والمفسر " ( ص 7 – 13
حاشية ) عند قوله : " ومصطلح الإعجاز العلمي " :
لقد كتبت في هذا الموضوع رسالة أرجو
أن ييسر الله أمرها ، وقد كنت أتحاشى الكتابة في هذا الموضوع لما فيه من كثرة
المطروح ، وبعد أن قرأت في بعض هذه الكتب التي تتحدث عن الإعجاز العلمي ، ظهر
لي أن الأمر يحتاج إلى إيضاح لهذا الموضوع ، وضبطٍ لما يُفسَّر به القرآن من
هذه القضايا التي أنتجها البحث التجريبي المعاصر ، وظهر لي أن في تسميته بهذا
الاسم خللاً ، وأنه يصدق عليه أن يكون " دلائل صدق القرآن " ، وليس الإعجاز ،
كما في نسبته إلى " العلمي " خللاً آخر ؛ لأنه يُفهم منه أن التفسيرات غيره
ليست علميه ، مع ملاحظة أن هذه التسمية فيها آثار التغريب الذي يجعل العلوم
الدنيوية توسم بالعلم ، وغيرها من العلوم الأدبية والاجتماعية والشرعية على
وجه الخصوص لا توسم بذلك ، والموضوع ذو شجون ، وإنما أشرت إليه هنا لأخلص إلى
سؤالين طُرحا عليَّ بشأن مسألتين متعلقتين بما يُسمى الإعجاز :
السؤال الأول :
فيما ظهر لبعض الناس من توافق عددي بين ماحصل من الحدث العظيم الذي عاقب الله
به الكفار ف (11 : 9 : 2001) مع آية في سورة التوبة ، فقد ظهر لذلك القارىء
أن الآية العاشرة بعد المائة (110) تشير إلى أحد البرجين الذي تتكون طوابقه
من هذا العدد ، وأن عدد السورة في ترتيب المصحف هي التاسعة تشير إلى الشهر
الميلادي ، وأن الجزء الذي فيه هذه الآية هو الحادي عشر تشير إلى اليوم الذي
وقع فيه هذا الحدث ، فزعم أن هذا من إعجاز القرآن ؛ لأنه ـ بزعمه ـ أشار إلى
هذا الحدث المستفبلي ! .
ولا أدري لِمَ لَم ينظر إلى العدّ بالحساب القمري ، ولا ذكر البرج الثاني
الذي لا يتوافق مع العدد الذي ظهر له ؟! .
وهذا بلا شك موافقة إلى غير مقصودة ، والآية نازلة في مسجد الضرار ، وليس هنا
علاقة بينها وبين ما حدث لا من قريب ولا من بعيد ، ومن قال : إن هذا البرج من
مباني الضرار ، فأين موقع الآخر من الآية ، وإذا كان يعد هذين البرجين من
مباني الضرار ، قياسا عل مسجد الضرار ، فإنه يدخل في الآية كل مباني الضرار
التي يعملون بها ضد العالم ، وضد المسلمين بالذات .
ثم ما الحاجة الداعية إلى هذا الربط الغريب العجيب ، ومن ذا الذي يجزم بأن
هذا مراد الله . إن هذا مما يحل في الرأي المذموم ؛ لأنه قول على الله بغير
علم ، ما أكثر مايقع من أصحاب مايسمى بالإعجاز العلمي ، أو التفسير العلمي .
وهل يعتمد صاحب هذا القول على أن هذا الترتيب جاء بالتوفيق ، أم يرى أنه على
ما جاء من مصادفة الترتيب هذه .
فإن كان جاء مصادفة ، فما أكثر المصادفات التي يمكن أن تظهر لك ، فقد تظهر لك
مصادفات متعلقة بالأرقام وأ،ت تقرأ كتاب تاريخ ، أو غيره ، فهل هذه المصادفات
من قبيل الأعجاز ؟! .
وإن كان يزعم أن هذا مراد ، وأنه ليس
من قبيل المصادفة ، فقوله منقوض بأمور :
الأول :
أن ترتيب الأجزاء من عمل المتأخرين ، وليس فيه توقيف من النبي صلى الله عليه
وسلم ، فهو عمل اجتهادي .
الثاني :
أن في ترتيب السور قولين : قيل : إنه اجتهادي ، وقيل : إنه توقيفي ، ولعل من
ظهر له ذها التوافق العجيب لا يعلم بهذا ، وإن علم فهل حرر مسألة التوقيف
والاجتهاد في ترتيب السور ليجعل ما توصل إليه من هذا التوافق صحيحا .
الثالث :
هل يعلم قائل هذا القول علما يسمى " علم عدِّ الآي " وهل يعلم أنه مختلف في
عدد آي السورة على قولين : الجمهور على أنها مائة وثلاثون آية ، وفي العد
الكوفي الذي عليه عدُّ المصحف الذي بين يديك عدد آياتها مائة وتسع وعشرون آية
. وعلى قول الجمهور ينتقض عدد الآية ؛ لأنه يكون عددها على قولهم آية 111 ،
فهل دري بهذا ، وحرر هذه المسألة ؟ .
وكأني بك القريء الكريم تقول : قد أطالت في هذا ، وهو مما لايحتاج إلى إطالة
في بطلانه ، فأقول لك معتذرا : إن عصرك عصر يسود فيه من يأتي بالغرائب ،
ويبرز فيه من يحسن جلبها ن فأحببت أن أرد من يتعرض لكتاب الله بما لا يقبله
عقل العقلاء ؟ ولكي يعلم أن العلم له باب من أراده من غير بابه خرج بما لا
تقبله العقول ، وجاء بما لا ينطلي إلا على قلوب الأغرار ، ولو كانوا يٌعدون
عند الناس من الكبار .
وإني أخبرك بأنك لست بحاجة للإثبات عظمة القرآن وصدقه إلى هذا السبيل ، وهو
ما يسمى بالإعجاز ، إذ أنه ليس هو السبيل الوحيد لإثبات عظمة هذا القرآن ، بل
هو أحد هذه السبل ، واعلم أن العلم وحده قد لا يكفي ما لم يكن له قوة تحميه ،
وإن الله ليزع بالسلطان ما لايزع بالقرآن ، فافهم عني ما قلت ، والله الموفق
إلى سواء السبيل .
السؤال الثاني :
قال السائل سمعت في شريط الإعجاز العلمي للدكتور زغلول النجار حديثه عن ما
يتعلق بقوله تعالى : " وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ " [
حديد : 25] وكان مما قاله في هذا ما نصه : " كنت أٌ لقي هذه المحاضرة في
جامعة ملبورن في أستراليا من أربع سنوات ، فوقف لي أستاذ كيمياء في الجامعة ،
وقال لي : ياسيدي ، هل حاولت أن تقارن بين رقم سورة الحديد في القرآن الكريم
والوزن الذري للحديد ، ورقم الآية في السورة والعدد الذري للحديد ؟ .
قلت له : لا ، موضوع الأرقام موضوع حرج للغاية ، إذا لم يدخله الإنسان بحذر
شديد يدمِّر نفسه .
قال : ارجوك ، حينما تعود إلى بلدك أن تتحقق من هذه القضية ...
أتيت بالمصحف الشريف ، وبالجدول الدوري للعناصر ، وكتاب في الكيمياء غير
العضوية ، فأذهلني أن رقم سورة الحديد سبع وخمسون ، والحديد له ثلاث نظائر (
54 ، 56 ، 57 ) ورقم الآية في السورة ( 25 ) ، والعدد الذري للحديد ( 26 ) ،
فقلت : إن هذا القرب الشديد لا بدَّ أن له تفسيرا ، فألهمني ربي آية قرآنية
مبهرة ، يقول فيها الحق تبارك وتعالى مخاطبا هذا النبي الخاتم صلى الله عليه
وسلم ... " وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ
الْعَظِيمَ " [ الحجر : 87 ] ، فالقرآن بنصه يفصل الفاتحة عن بقية بنصه يفصل
الفاتحة عن بقية القرآن الكريم ، ويعتبر الفاتحة مقدمة للقرآن ، فقلت : إذا
فصلنا الفاتحة عن بقية سور القرآن الكريم يصبح رقم سورة الحديد ( 56 ) ، ولو
بقيت ( 57 ) ، ففيه نظير للحديد ( 57 ) ، لكن أكثر النظائر انتشارا للحديد (
56 ) .
الآية رقم (25 ) ، والعدد الذري للحديد ( 26 ) ، ووجدت القرآن الكريم يصف
الفاتحة بأنها سبع من المثاني ، وآياتها ستٌّ ، فالبسملة آية من الفاتحة وآية
من كل سورة قرآنية ذكرت فيها البسملة ما عدا سورة التوبة ، فإذا أضفنا
البسملة في مطلع سورة الحديد يصبح رقم الآية ( 26 ) ، ويعجب الإنسان إلى هذه
اللفتة المبهرة ، من الذي علَّم المصطفى صلى الله عليه وسلم ذلك قبل ألف
واربع مئة سنة ، لم يكن أحد يعلم شيئا عن الأوزان الذرية ، ولا لأعدادها
الذرية ، ولكن هذه معجزة هذا الكتاب الخاتم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه
ولا من خلفه ، وهذه الومضات القرآنية المبهرة تبقى دائما شهادة صدق على أن
القرآن كلام الله ، وأن هذا النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم كان موصولا
بالوحي " ( محاضرة الإعجاز العلمي في القرآن الكرم ، للدكتور زغلول النجار ،
تسجيلات أحد ) .
ولا أرى أنه يخفى غلى العامي قبل المتعلم ذلك التكلف الذي قام به الدكتور
الفاضل لإثبات قضية لا شأن لها في ذاتها ، فضلا عن أن تكون معجزة من معجزات
القرآن ، ولا يخفى على طالب العلم ما وقع له في تفسير الآية ، ولا أدري هل
يعرف الدكتور الفاضل التفسير النبوي لهذه الآية ؟! فالوارد عنه صلى الله عليه
وسلم يجعل السبع المثاني والقرآن العظيم وصفين للفاتحة ، والعطف هنا من باب
عطف الصفات لا عطف الذوات ، فقد روى البخاري وغيره جملة من الأحاديث في هذا
المعنى ، ومنها :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أُمُّ الْقُرْآنِ هِيَ :
السَّبْعُ الْمَثَانِي ، وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ .
رواه البخاري برقم (4704) ، وقال ابن كثير معلقا على هذه الروايات : " فهذا
نص في أن الفاتحة السبع المثاني والقران العظيم " . تفسير القرآن العظيم ،
لابن كثير ، تحقيق : سامي السلامة (547:1) ، وما دام ثبت النص عن النبي صلى
الله عليه وسلم بهذا ، فإن غيره من الأقوال تسقط ، ويكون تفسير الآية ما قاله
صلى الله عليه وسلم .
كما لا يخفى ما وقع منه في جزمه بأن البسملة آية من كل سورة ، بلا تحقيق في
هذه المسائل ، ولا رجوع إلى أهل العلم الذين يُعرفُ كلامهم فيها ، بل اختار
ما يناسب ما يريد أن يذهب إليه ، وهو معرض عن ما لا يناسبه ، بلا تحقيق
علميٍّ ، كما عوده البحث في العلوم التجريبية ، وهل يصح هذا الاختيار بلا
تحقيق ؟!
وكذلك لا يسعفه علم عدِّ الآي فعدد آيات السورة في العدِّ الكوفي والبصري
(29) ، وفي عد الباقين (28) ؛ وبهذا تكون الآية (24) بدلا من أن تكون (25) ،
ولو جعل البسملة آية على هذا القول ، لصارت الآية (25) ولا نتقض ما بناه أيضا
.
وكل هذا التكلف في محاولة ربط مثل هذه القضايا بالقرآن إنما يصدر ممن يأتي
إلى القرآن بمقررات سابقة ويريد أن يطوِّع القرآن لمقرراته ، ضاربا بكل ما
خالفها عُرض الحائط ، ولوكان ما خالف قوله هو العلم الصحيح ، وفي هذه
المحاضرة في الإعجاز العلمي أخطاء أخرى ليس هذا محل عرضها .
( ينظر في ما ذُكر من عد الآي : كتاب البيان في عدّ آي القرآن ، للداني ،
تحقيق : الدكتور غانم قدوري الحمد ) .ا.هـ.
وبعد نقل كلام الشيخ الدكتور مساعد الطيار – جزاه الله خيرا - أعلم أن بعض
القراء للمقال لن يعجبه هذا الرد لأن فكره قد رسخ فيه مسألة الإعجاز العلمي
والعددي ، وأن هذه المسائل من الجبال الرواسي ، ولكني أقول : شيء من التجرد
للحق ، وسبر كلام أهل العلم الذين يجعلون نصوص الكتاب والسنة نصب أعينهم ،
وليس دغدغة العواطف .
رابط الموضوع