لم استغرب خروج مقال تركي السديري المتشنج والموتور بعد ضبط هيئة الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر حالة التفلت والاختلاط في كلية " اليمامة " للتغريب
والسفريات ، بل هو من صميم عملها ، وذلك عندما استضافت الكلية جمعا من النساء
البريطانيات ليقدمن عروضا لشبابنا وشاباتنا عن الجامعات البريطانية ! ضاربين
بأنظمة البلد عرض الحائط ، وأجزم لو أن تركي السديري دخن في مطار " هيثرو "
لعوقب ، واحترم قانون بريطانيا ، ولقيل : " الناس هناك يحترمون القوانين
والأنظمة ! " .
أما في بلاد المسلمين ومنها بلادنا فالوضعُ مختلف تماما فلا عبرة بأنظمتها
طالما الخارج عنها من أصحاب الأعين الزرقاء ! بكل أسف .
ولن أخوض في مقال تركي السديري لأن التحامل فيه على الهيئة واضح ، وخروجه بعد
الذي جرى في كلية اليمامة له دلالاته ستأتي في ثنايا المقال ، وسيصفق ويؤيد له
بعض من يريد تصفية حساباته مع جهاز الهيئة ، وصدق الله إذ يقول : " وَانطَلَقَ
الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا
لَشَيْءٌ يُرَادُ " [ ص : 6 ] !
واسمحوا لي بهذه الوقفات مع الحدث في كلية " اليمامة " وصاحب المقال :
الأولى : خروج مقال السديري ذكرني بقول الله تعالى : " أَلَمْ تَر إِلَى
الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ
فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً " [ الحشر : 11 ] ، وقوله تعالى : " فَتَرَى الَّذِينَ
فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن
تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ " [ المائدة : 52 ] فهذه النصرة للنساء البريطانيات على
إخوانه من رجال الهيئة تدل دلالة واضحة على مدى الميل المتأصل في الدفاع عن
الخارجات عن أنظمة البلد ، وقبل ذلك هم إخوانه في الدين الذين ينبغي أن تكون
النصرةُ لهم ، وأيضا هم أبناءُ بلاده ، فيجمعه بهم عدة أمور : أولها الدين ثمَّ
الوطنية ..
الثانية : تناسى السديري أن الهيئةَ جهةٌ رسميةٌ
أوكلها ولي الأمر بالحفاظ على ما يصادم أنظمة البلاد ، وما يخالف عاداتها
وتقاليدها ، فلا أدري لماذا تجلت الحميَّة عند السديري على النساء البريطانيات
، وأعرض عن أولئك الذين كلفهم ولي الأمر ؟
بل وأتساءل أيضاً : هل يعني أن جهاز الهيئة لا اعتبار له عند السديري رغم أنَّ
هذا الجهاز الآمر به ولي الأمر، بل و أين هو من شعارات الوطنية التي يدنن عليها
دائماً في مقالاته ؟!
الثالثة : مواقف النصرة للكفار ليست مستغربة من
السديري ، وها هو السيناريو يتكرر مرة أخرى في مقاله ضد الهيئة نصرة
للبريطانيات .
ومن باب قوله تعالى : " وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ "
[ الذاريات : 55 ] اسمحوا لي بالتذكير بهذا السيناريو رغم أقدميته ، فقد كتبت
الكاتبة الفاضلة الدكتورة أميمة الجلاهمة مقالا بعنوان " الفطيرة اليهودية "
عندما كانت كاتبة في جريدة " الرياض " ، وسبّب مقالها ضجة كبيرة ، وصل إلى حد
اعتراض السفارة الأمريكية عليه ، فما كان من السديري إلا أن أصدر قرارا من مكان
بعيد كان يتعالج فيه بطرد الدكتورة من الجريدة ، واعتذر لليهود في إحدى القنوات
الأجنبية ، وقال : إن المقال نشر في وقت لم يكن متواجدا في البلاد ، وأنه أنهى
عقد الكاتبة ، وأن ما ذكرته الكاتبة حول هذا الموضوع خطأ. هي ليست من موظفي
الجريدة الدائمين .. وما نشرته لا يعكس رأي الصحيفة " ، وأضاف : " الديانة
اليهودية لا يمكن أن تصل إلى هذا المستوى المتدني فهي ديانة سماوية محترمة عرفت
منذ القدم " .
بعد هذا السيناريو لم يعد هناك وجه غرابة في دفاع السديري عن البريطانيات يا
أحبة !
الرابعة : لأول مرة – بحسب إطلاعي – فُتح المجالُ للتعليقات في موقع
الصحيفة على مقال السديري ، فليس من عادة الموقع فتح مجال التعليقات بل التعليق
على مقالاته بالذات مغلق دائما ، ولا يُفتح إلا للحاجة أو الضرورة ! والحاجة
والضرورة تقدر بقدرها ! والمقدر لها ! ، ووُضعت التعليقاتُ بطريقةٍ مؤيدةٍ
لمقالهِ ! مع تبهيرها – من البهارات – ببعض التعليقات المعارضة له لذر الرماد
في العيون ، وللقول بأن الصحيفة عندها حيادية !
وينطبق فعله هذا على انتخابات الدول العربية التي يخرج فيها الحزب الحاكم بنسبة
99.9% فائزا بها ، ربما ليظهر أن الجميع موافق لرايه ! ، وهذا - في تصوري -
تقدير خاطىء ، واستراتجية مكشوفة .
أضف إلى ذلك السديري يريد بطريقته شحذ همم الصحف الأخرى للمطالبة بشيء ما ،
وربما لدق طبول الحرب على جهاز الهيئة ، فهو يريد إيصال رسالة للصحف أنه قص
شريط الحرب عليهم ، وأنتم لي تبع بحكم أنني الرئيس لهيئة الصحفيين السعوديين ،
ومن يزغ عن أمره سيذقه من عذاب أليم .
فلننتظر الأيام القادمة وما تدبجه صحفنا عن جهاز الهيئة ، وحادثة كلية "
اليمامة " تحديدا .
الخامسة : في ظل مجزرة " غزّة " وبعد أن وضعت
الحرب أوزارها لم أقرأ مقالا واحدا للسديري عن إخواننا في " غزّة " نصرة
وتصبيرا لهم بينما فزع لما حصل للبريطانيات في كلية " اليمامة " ، فهل دماء أهل
" غزّة " لا تساوي جناح بعوضة عند السديري ، في حين أن دماء اليهود فزع لها ،
وبسببها طرد من أجلها الدكتورة أميمة الجلاهمة ، فهل دماء اليهود أطهر عنده من
دماء إخوانه في " غزّة " ؟! .
السادسة : لا أدري أين أصحاب كلية " اليمامة "
عما يحدث في أملاكهم ؟ أين الناصحون لهم ؟
فهذه التصرفات من الكلية يدل دلالة واضحة أنها تعمل في خط تغريبي للمجتمع ،
أسألُ الله أن يهدي أصحابها ، وأن يبصرهم بمن يعبث فيها ، وأن يتولاها من يحترم
أنظمة ، ويغار عليه.
السابعة : لي صديق أعتزُ بصداقته جدا ، وهو
أكاديمي وكاتب معروف ، أخبرني مرةً بأمر ذُهلتُ عندما سمعته منه ، وقال لي هو
ليس للنشر ، وليعذرني أخي العزيز لأبوح به لأن المقام لا ينبغي السكوت عنه في
ظل الحملة القادمة على الهيئة بسبب ما حصل منهم في كلية " اليمامة " ، ومن باب
القاعدة الأصولية : لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ "
، وكلامه لي هذا أوان كشفه ليعلم القاصي والداني ماذا يخطط المتربعون على عروش
الصحف من بلاد الحرمين مع تفاوت بينهم في تحقيق ما يطمحون ؟ .
قال لي : " أرسلتُ مقالي الأسبوعي ، وكان دفاعا عن جهاز الهيئة ، وإذ باتصال
يأتيه من الجريدة التي يكتب فيها ، ويقول له أن مقاله لن يرى النور ، فقال له :
لماذا ؟ رد عليه بما معناه : نريد التخلص من جهاز الهيئة ، وأنت تريد الدفاع
عنها " .
ألم أقل لكم أيها الأحبة إن هذه الصحف والقائمين عليها - إلا من رحم ربي - لو
وكل لهم أمر الرأي في بلادنا ، والله لا يهمم إلا صورة التحضر السلبي عن طريق
استيراد زبالة أفكار الغرب وجعلها تطبق في بلادنا ، ولا أستبعد أنهم يريدون
صورة مشابهة لبعض الدول المجاورة التي لم يطق بعض أبناء بلادنا العيش بيننا
فهاجروا إليها بحثا عن الحرية المزعومة ، بل وقف عمل جهاز الهيئة من أولوليات
أجندتهم .
ولولا حكمة ولاة الأمر وحنكتهم في إبقاء عمل الهيئة لرأينا العجب العجاب ، وقد
صرح الأمير نايف أن عمل الهيئة باقٍ ما بقيت هذه الدولة ، ولكن من هم على كراسي
الصحافة عندنا طموحهم ورغبتهم إغلاق هذا الجهاز كما قيل لصديقي الأكاديمي ،
وسترون بأنفسكم كيف أن تركي السديري افتتح بمقاله عن الهيئة يريد به تأييدا من
رؤساء التحرير الآخرين والمستكتبين فيها لبدء حملة شعواء على الهيئة ورجال
الهيئة تثمر - لعل وعسى – عن توقيع ولي الأمر أمرا بإغلاق جهاز الهيئة ، وتسريح
رجالها .. وهذا كما يقول العوام : عشم إبليس في الجنة !
وأثمرت حملته اليوم الأربعاء عن ثلاث مقالات ... والبقية تأتي ... والأيام
بيننا .
عبدالله بن محمد زقيل
كاتب وباحث شرعي
zugailamm@gmail.com