قبل الدخول في الموضوع لا بد لي من كلمة شكر لموقع " سبق " على التغطية
المتميزة لحادثة مركز الملك فهد الثقافي والتي اتهمت جريدة " الوطن " مجموعة من
المنكرين لمسرحية " الإكليل " ، ووصفتهم بالتشدد ! ، وكذبت على الشيخ محمد
الفراج بإقحام اسمه مع من سمتهم بالمتشددين ! وأخص بالشكر محرر الخبر الأستاذ
تركي العبد الحي .
لقد اتسمت تغطية " سبق " بالمهنية الصحفية ، والبعد عن تصفية الحسابات مع فئة
معينة من المجتمع أو تيار معين ، والتهويل ، والكذب المتعمد الذي ينبغي أن
يبتعد ويتنزه المسلم عنه مصداقا لقوله تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ " [ التوبة : 119 ] .
فقارنوا بين كلام الإمام القرطبي وبين حال صحيفة " الوطن " التي أصبح عدم
المصداقية في أخبارها سمة لا تنفك عنها ولا تخلو منها !!
وبالرغم من الفارق العمري بين صحيفتي " سبق " و " الوطن " لصالح " الوطن " إلا
أنني أنصحها بالاستفادة ممن يصغرونها سنا في العمل الصحفي كصحيفة " سبق " .
بعد هذه المقدمة التي في تقديري مهمة للتمهيد لما بعدها أقفُ عند نقطتين تتعلق
بالحدث وبرئيس تحرير صحيفة " الوطن " :
النقطة الأولى : تعاملت صحيفة " الوطن " مع حادثة مركز الملك فهد الثقافي
بطريقة بعيدة كل البعد عن المهنية الصحفية النزيهة ! لا من حيث المصداقية ، ولا
العبارات ، ولا الحيادية ، وكأن القضية تصفية حسابات مع أناس عبروا عن رأيهم
بطريقة سليمة سلمية ، لا تشويش ولا بلبلة فيها بل كانوا في قمة الأدب ، فهم من
كبار السن المشهود لهم عند العلماء والدعاة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،
والنصيحة بالحسنى لأفراد المجتمع .
ومع الأسف أقحم المحرر المأفون بكل صفاقة اسم الشيخ محمد الفراج في ثنايا الخبر
، بل وذهب إلى أبعد من ذلك بأن ربط اسم الشيخ بأحداث كلية " اليمامة " ! ولكن
الله أراد أن يفضح كذبته الصلعاء الشنعاء العمياء الصماء ، فعامله الله بنقيض
قصده ، فجاء النفي من الشيخ محمد الفراج لها جملة وتفصيلا كما نقلت " سبق " ،
بل نفى أيضا تواجده في أحداث كلية " اليمامة " من قبل ، وأشار أنه سيرفع قضية
على صحيفة " الوطن " لكذبها عليه ، وتشويه سمعته ، والتشهير به.
وهذه ليست الكذبة الأولى ولا الأخيرة من جريدة " الوطن " ، فلديها سوابق كثيرة
في عدم المصداقية ، أو بلغة أصرح " الكذب " على فئة من أفراد المجتمع أو مؤسسة
حكومية معينة ، وهي بتعاملها الظالم الجائر تظن أنها تصل إلى تشويه وإسقاط تلك
الفئة أو المؤسسة في أعين أفراد المجتمع بإيغار الصدور عليها ، ولكن على العكس
إنها تسقط نفسها وسمعتها في النهاية ، وإذا لم يتدارك العقلاء في مجلس إدارتها
هذا السقوط الذريع في المهنية الصحفية والمصداقية ربما يكون مصيرها إلى البوار
.. لا أريد الإطالة في هذه القضية فقد كفانا موقع " سبق " مؤنة تكرار الحديث عن
القضية لمن أراد معرفتها والإلمام بها .
جريدة " الوطن " تجاوزت حدود الأنظمة في البلد بطريقة لا تماثلها صحيفة أخرى
وخاصة تعمد الإساءة لفئة معينة من أبناء الوطن ، وفتح الباب على مصرعيه
للمحررين لافتعال الكذب عليهم ، وتشويه صورتهم من دون محاسبة من رئيس التحرير ،
بل ربما فتح الضوء الأخضر لهم .
ونتمنى من الأمير نايف بن عبد العزيز الحريص على الأمن الفكري في بلادنا أن
يوقف تجاوزات الصحيفة في هذا الأمر وغيره من المخالفات المصادمة للسياسية
الإعلامية للبلاد .
الثانية : لها علاقة بالأولى وهي لقاء رئيس تحرير " الوطن " جمال خاشقجي في
قناة " العربية " ، وقد رأيتُ بعض المقاطع منه في موقع " يو تيوب " ، ولم أصدق
أن المتكلم رئيس تحرير صحيفة سعودية ! وأنه بهذه الثقافة السطحية ! خاصة أن
مقدم البرنامج أحرجه في بعض الأسئلة ! ، بل صحح له المقدم عبارةً قالها عن
الكاتبة د. أميمة الجلاهمة في سياق الثناء عليها حيث قال أنه يُحلف بها ، فصحح
له : لا يحلف إلا بالله ! ، فأخذها على مضض ولملم ذلك الموقف المحرج بابتسامة !
ومن غريب ذلك اللقاء أنه أراد أن يستخف بعقل المشاهد في ضرب أمثلة بأسماء بعض
كُتّاب " الوطن " بزعمه أنهم يمثلون التيار الإسلامي فيها ! ، ولا أريد ذكر
أسماء الكتّاب لأن السامع لتلك الأسماء سيضحك من طرفته التي أطلقها ، ولأن واقع
الصحيفة يعرفه كل من اطلع على مستكتبيها ، وكتاباتهم ! فقليلا من احترام
العقليات يا خاشقجي !
وجاء شيئا إدّاً عندما اتهم المجتمع السعودي أنه أكبر مستهلك للمخدرات بسبب
الكبت والانغلاق !! ثم استند إلى الأرقام المهولة – هكذا عبر - التي تذكرها
وزارة الداخلية ، ولم يأتِ برقم واحد من تلك الأرقام التي زعم أنها مهولة ، أو
على أقل تقدير نسبتهم في المجتمع ، وهذه تهمة غريبة جدا للمجتمع السعودي ! ،
وتصوير له أنه لا يبحث إلا عن المخدرات ! وأعجبُ من الجرأة بدون دليل أو مستند
على اتهام المجتمع بهذه التهمة ؟
ثم أتى على مصطلح " ما عمت به البلوى " ليستند إلى البلاوي التي في المجتمع –
هكذا عبر أيضا - ، وقال أنه ليس فقيها عندما نطق بالمصطلح ، فإذا لم تكن فقيها
لماذا تأتي بهذا المصطلح وأنت لا تعرف شروطه وضوابطه ؟ .
وهذا المصطلح يتكأ عليه من يريد تسويغ ما يحدث في المجتمع من انحرافات ، ولو
فُتح الباب لفهم مصطلح " ما عمت به البلوى " كما فهمه خاشقجي وغيره لأصبح الزنا
والربا والخمر وغيرها من الكبائر في بعض البلاد مما عمت به البلوى ، والمسألة
ليست هكذا على إطلاقها بل فصل أهل العلم هذا المصطلح ، ووضعوا له قيودا وشروطا
، ولست في مقام التفصيل الشرعي لهذا المصطلح ولا أريد ضرب الأمثلة عليه لأن
المقام يطول ، وأكتفي بذكر شروط عموم البلوى المسببة للتيسير منقولةً مختصرةً
من كتاب " عموم البلوى . دراسة نظرية تطبيقية " في النقاط التالية :
1 - أن يكون عموم البلوى مُتَحَقَّقاً لا مُتَوَهَّماً.
2 - ألا يعارِض عمومَ البلوى نصٌ شرعي.
3 - أن يكون عموم البلوى من طبيعة الشيء وشأنه وحاله.
4 - ألا يُقصَد التلبُّس بما تعمُّ به البلوى بقصد الترخص.
5 - ألا يكون عموم البلوى – هنا - معصية.
6 - ألا يكون الترخص - في حال عموم البلوى - مقيَّداً بتلك الحال، ويزول
بزواله.
فهذه هي الشروط لتحديد ما عمت به البلوى ، وليس مثلما فهم خاشقجي !
ولم يسلم جهاز الهيئة في اللقاء من الافتراء عليه بطريقة لا يُستغرب ما ينشر
عنه في صحيفة " الوطن " ، فتكلم خاشقجي عن جهاز الهيئة باعتبار أنه يريد فرض
رؤيته على الإعلام !...
يا سبحان الله ! رمتني بدائها وانسلت ! بالله عليكم مَنْ يريد فرض رؤيته على
المجتمع ؟ جريدة " الوطن " أم جهاز الهيئة ؟!
جهاز الهيئة مؤسسة حكومية تدعم من قبل الدولة ، وتقوم على أنظمة ولوائح وليست
مثل بعض الصحف التي تتجاوز بعض بنود النظام الأساسي للحكم ، وباقي الأنظمة ،
والسياسية الإعلامية للبلد بطريقة واضحة يعرفها الجميع ، بل لم تحترم رغبة خادم
الحرمين في قضايا طلبها من الصحف ولكنها ضربت صفحا عن رغباته مع الأسف!
يا خاشقجي أرجو أن تحترمَ عقولنا ، وأن تحترم صحيفتك أنظمة البلد ، وهذا طلب لا
يكلفك شيئا ، ومن حق أبناء البلد أن تراعي فيه مثل هذه الأمور كما كنت تراعي
قوانين البلاد الغربية التي عشت فيها زمنا مع احترامي لك ! وشكرا ...
هذا ما سمح به القلم ...
عبدالله بن محمد زقيل
كاتب وباحث شرعي
zugailamm@gmail.com