ذكر اللهُ في كتابه قصة أصحاب الأخدود مجملةً ، وجاءت سنة النبي صلى الله عليه
وسلم مفصلةً للقصة من حديث صهيب في صحيح مسلم ( كتاب الزهد والرقائق – باب قصة
أصحاب الأخدود والساحر والراهب والغلام ) في سياق طويل كان أبطالها : ساحر ،
وراهب ، وغلام ... انتهت القصة بانتصار الغلام ، وإيمان أهل القرية بما دعا
إليه ، ولكن قبل ذلك سؤال مهم جدا : كيف آمن أهل القرية ؟
انتصر الغلام ، فضحى بنفسه في سبيل الثبات على مبدأه ، ولكن أتباعه قالوا :
آمنا برب الغلام !
تذكرتُ هذه القصة التي فيها من العبر الكثير الكثير ، وهذه أحدها فالمشهد في
الهجمة المنظمة للصحافة المحلية ضد الشيخ د. سعد الشثري يشبه ما حصل في قصة
الغلام ، فرؤساء التحرير شنوا تلك الحملة القذرة وفي حساباتهم التخلص من الشيخ
سعد ولو على أقل تقدير إرهابه بعدم الكلام مرة أخرى ! ، ولكنهم في نفس الوقت لم
يدر في حسبانهم أن تكون ردة الفعل المقابلة قوية على المستوى المحلي !
وأعتقد أن خبر استقالة الشيخ د. سعد وسع من قاعدة شعبيته بخلاف ما سيصوره رؤساء
التحرير في الأيام القادمة - إذا لم يأتِ منع من الحديث عنها في الصحف - أنهم
انتصروا في إقصاء الشيخ سعد الشثري من طريقهم ، وأن أي عضو في هيئة كبار
العلماء يرفع صوته بالإنكار على أجندتنا سيكون مصيره نفس مصير الشيخ سعد الشثري
!
فالهجمة على الشيخ سعد الشثري بمقاييس من قاموا بها ناجحة ، وآتت أكلها ،
وبمقاييس أهل الإيمان في ظاهرها شر ، ولكنه ليس شرا محضا ، بل فيه من الخير
الدنيوي والأخروي الكثير !
ولو استقال الشيخ د. سعد الشثري فإن استقالته تحسب له لا عليه – في ظني - ،
والدين ليس معلقا بالشيخ د. سعد مع احترامنا وتقديرنا وحبنا له ، وهو يعلم ذلك
، قال تعالى في حق نبيه صلى الله عليه وسلم : " وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ
قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ
عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ
شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ " [ آل عمران : 144 ] .
فهذا في حق النبي صلى الله عليه وسلم فكيف بمن دونه ؟
قال القرطبي : " فأعلم الله تعالى في هذه الآية أن الرسل ليست بباقية في قومها
أبدا، وأنه يجب التمسك بما أتت به الرسل وإن فقد الرسول بموت أو قتل " .ا.هـ.
وربما في استقالة الشيخ د. سعد خير كثير له ليتفرغ لنفع الناس أكثر ، وتعليمهم
، ونشر الخير على يديه .
هذه خاطرة أحببتُ تذكير نفسي بها أولا ، وإخواني ثانيا ، فإن أصبت فمن الله ،
وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان .
اللهم أصلح أحوالنا ، ووفقنا لكل خير ، ورد كيد المنافقين والكائدين في نحورهم
، وافضحهم في الدينا والآخرة .