الحمد لله ربِّ العالمين ، والصلاة والسلام على معلِّم الخير وعلى آله
وصحبه أجمعين وبعد
فالصالحون كغيرهم يحتاجون لتوصيات وتوجيهات تعينهم على مواصلة السير لربهم
، وهذه إشارات كتبتها على عجل أردت من خلالها مراجعة النفس وتكميل النقص
وتصحيح المسار .
وأنا أحوج إليها من القارئ ولكنها من باب التواصي بالحق .
اسأل الله أن ينفع بها .
عزيزٌ على النفس أن ...( ١ )
ترى من كان مسابِقًا لمواطن الطاعات سبّاقًا إلى الخيرات وقد صار في آخر
الصفوف ، فلا يأتي للصلاة إلا دُبُرًا ، وقد كان لا يؤذن المؤذن إلا وهو
على أهبة الاستعداد لها .
وإن بحثت عنه في مجالس الذِكر والإيمان التي كان يزاحم عليها رأيته قد
هجرها ، وضعف عن التحصيل العلمي وزهد فيه ، وكأنّه لم يقرأ له يومًا فضلاً
.
وإن تبيَّنت شأنه مع وِرده اليومي من القرآن ، والذي يروي ظمأ روحه ، وجدته
قد قلاه وعاد لا يقرؤه إلا لِمامًا ... وهكذا هو مع ما كان قد تعوده من
أعمال الخير والبر ، فقد تخلى عن كثير منها وزهد فيها ، وقل صبره عليها
واحتماله لتكاليفها ، وكأنه لا يعلم أن الجنة قد حفت بالمكاره ، وأن الطريق
إليها طويل ويحتاج إلى زاد من الصالحات .
أخي رعاك الله ، إنّ الكسل قد يعتري النفوس ، ولكنه إذا زاد وامتد كان
لزامًا على الناصح لنفسه أن يكون صادقًا معها ، ويبحث في الأسباب حتى
يجتنبها .
وإنّ المرء كلما تقدّم في العمر أوجب له ذلك الزيادة في أعمال البِر ، فقد
دنا رحيله عن دار الغرور ، وقرب سفره إلى دار الإقامة الدائمة ، وهو يرى
أقرانه قد رحلوا فماذا ينتظر بعدهم ؟!
فجدّد الإيمان في قلبك فهو يضعف ولا يموت .
عزيزٌ على النفس أن ...( ٢ )
ترى الأبناء ووالداهم أو أحدهما على قيد الحياة ، وقد جفوهم وقصّروا في
خدمتهم ورعايتهم والإنفاق عليهم ، وعجزوا عن رد الجميل لهم والقيام بما
أوجب الله عليهم من البر بهم .
قد انشغلوا بأسرهم أو بأصحابهم ، أو بمشاغلهم الدنيوية عن أعظم مخلوقين
أُمِروا بحسن صحبتهما في الدنيا .
يا أيها الأبناء ، البر بالآباء دليل وفاء ، وبرهان حسن خلق ، وتجارة مع
الله رابحة ، والتقصير مع الوالدين ليس من هدي أهل الإيمان ولا أخلاق
المتقين .
أيقنوا أنّكم ستجدون بركة البِّر في الدنيا مع مايدّخره الله لكم من عظيم
الثواب في دار الجزاء ، فبادروا قبل فواتهم أو فواتكم .
عزيزٌ على النفس أن ...( ٣ )
ترى فتاة مسلمة وقد تساهلت في حجابها في مجتمع كان الستر عنوانه والحياء
سمته .
ترى أمًّا وابنتها فتجد الفرق ظاهرًا بين اللِباسين ، فلباس تلك ساتر فضفاض
، ولباس الأخرى ليس إلا طرحة تُوضع على نصف الرأس ( مجاملة ) ، والعينان قد
بدتا ( مزَيَّنَتَينِ ) ، وربما كشفت عن سائر وجهها .
يافتاة الإسلام ، أيقني أنّ أجمل مافي المرأة حرصها على حجابها الذي أمرها
اللهُ به ، ولا تلفتي لمن يسهّل هذا الأمر ، ولا تجعلي سطوة المجتمع وتغيره
وكثرة المتساهلين حولك أسبابًا للتساهل في لباسك ، فالدنيا قصيرة ، وتوفيق
الله يصحب كل مؤمنة به متبعّة لشرعه .
عزيزٌ على النفس أن ...( ٤ )
ترى إخوة في الله قد تلاعب الشيطان بهم ، فأصبحوا أعداءً متفرقين بعد أن
كانوا إخوة متآلفين ، وبعد أن كانوا يتعاونون على البر والتقوى ، غدوا شذر
مذر ، وتنازعوا وتفرقوا ، ففشلوا وذهبت ريحهم ، وانشغلوا ببعضهم فضعفوا ،
وتُركت ساحة التأثير في المجتمع لغيرهم .
أيها الأخ في الله ، إنّ الخطأ من سمات البشر ، فلا تقف عند كل خطأ لأخيك ،
ولا تتّبع كل وسوسة ، ولا تفتش عن تبعات كل موقف ، فالمرحلة تقتضي العفو
والتسامح ، والغض عن الأخطاء اليسيرة ، والتنازل عن بعض الآراء ؛ لتستمر
سفينة الإصلاح ماخرة بحر الواقع لتحقيق المقاصد الكبرى .
عزيزٌ على النفس أن ...( ٥ )
ترى من كان مستقيمًا على شرع ربه ، حافظًا لبصره ونظره ، وإذا بالتساهل في
النظر قد بدا ظاهرًا عليه ، فعاد لا يتورع عن أن ينظر لامرأة سافرة في
وسيلة تواصل ، أو امرأة في مجتمعه لم تستتر كما أمرها الله ، مع أنّه يعلم
علم يقين أنّ أخطر شيء على الشاب المستقيم هو إطلاق البصر ، فأثره في إفساد
القلب ظاهر ، وعاقبته الوخيمة على من تساهل فيه معلومة ، فاتق الله واحفظ
بصرك فالنظرة مبدأ كل شر .
عزيزٌ على النفس أن ...( ٦ )
ترى من كان ورِعًا في منطقه ، حافظًا لسانه ، خائفًا من تبعات أقواله ،
وإذا به قد أطلق للسانه العنان ليقول ما يشاء ، ويلفظ ما عنَّ له من قول ،
دون خوف أو وجل من تبعاته ، وهو يعلم علم اليقين أنّه رُبَّ كلمة أحبطت
عملاً ، ولفظة حبست في نّار جهنم .
أيها المبارك ، حفظ اللسان من أظهر صور الديانة ، ومن استقام له لسانُه
استقام له قلبُه ، ومن فرّط في لسانه كثرت سقطاته ، ومن كثرت سقطاته كثرت
ذنوبه ، ومن كثرت ذنوبه كانت النار أولى به .
عزيزٌ على النفس أن ...( ٧ )
ترى شابًّا وهو في زهرة العمر وعهد القوة وعصر الإلهام ، ثم هو يضيّع وقته
على التوافه ويصرفه في متابعة صغائر الأمور ، تاركًا مصدر عِزه وفخره من
العلم النافع والعمل الصالح ، متتبعًا وسائل التواصل ويوميات المشاهير ، في
تضييع للعمر وإذهاب لأغلى ما يملك في التفاهات .
أيها الشاب / أيتها الفتاة ،
هذه مرحلة ذهبية ، ستضعف بعدها القوة ، وتنشغل من ورائها النفس ، فاغتنموها
بخير ما بحضرتكم من مجد تصنعونه لأنفسكم ، وخير تدّخرونه لآخرتكم .
عزيزٌ على النفس أن ...( ٨ )
ترى من كان معظِّمًا للنصوص مُجِلاًّ لأقوال السلف والعلماء الراسخين
المبنية على الدليل من الكتاب والسُنّة ، وإذا به يتتبع الأقوال الساقطة
والآراء الشاذة تحت ضغط الواقع ، ناسيًا أو متناسيًا أنّ الحق قديم ، وأنّ
أحكام الدين لا تتغير بالأهواء ، فما كان بالأمس حرامًا فهو حرام إلى اليوم
، وما كان ممنوعًا قبل ألف سنة فهو ممنوع إلى يوم القيامة .
أيها المتذبذب ، الأمّة تمرّ بمراحل متنوعة من الضعف والقوة ، وفتن تميّز
الصفوف ، لتظهر خبايا النفوس ومكنونات الصدور ، فكن ذلك الثابت الراسخ الذي
يعلم فضل الثبات ومنزلة الصادقين .
عزيزٌ على النفس أن ...( ٩ )
ترى من كان مسابقًا في ميادين الدعوة ، ومسارعًا لنشر الخير في أفراد
الأمّة ، قد خبا حماسه ، وفتر عزمه ، وضعفت همته ، وقلَّ عطاؤه في هذا
الميدان الشريف ، وكأنّه قد نسي فضل العمل للدين والدعوة إلى ربه ، وكأنّ
المجتمع قد اكتفى من النصح والتوجيه بما مضى ، وهو يعلم علم اليقين أنّ
النّاس الآن أحوج ما يكونون إلى النصح والتوجيه .
يا طالب الأجر العظيم ،
نشر الخير ودعوة النّاس هي سبيل الأنبياء عليهم السلام ، وهي أحسن القول
وخير العمل ، وثوابها لا يدانيه ثواب لمن خلصت نيته .
ولئن قلَّ المعينون لك وتراجعوا ، وكثر المثبطون حولك وتداعوا ، وصار الجهد
عليك أكبر والمسؤولية أثقل وأصبحت الطريق أوعر ، فقد صار الثواب أعظم
والأجر أوفر ، والعمل أفضل ما يكون ، فاستعن بالله ولا تعجز .
وبعد ...( ١٠ )
فأيقن يارعاك الله...
وأيقني حفظك الله...
أنّ المساجد ملأى ، والطريق إلى حلقات العلم مسلوكة ، وحلقات التحفيظ ودور
الحافظات معمورة ، تستقبل المرتقين في الدرجات والمرتقيات ، ومواطن الخير
ومؤسسات الدعوة وجمعيات البر تعج بأصناف المتاجرين مع ربهم ، فهذا مسابق في
تعلم وتعليم ، وذاك سائر في طريق دعوة وتوجيه ، وثمة من يبحث عن محتاجين
فيساعدهم ، ومن يكفل الأيتام ويتفقد الأرامل ، ومن يتعاهد أهل حيه وجيرانه
، ومن يحرص على سلامة صدره لإخوانه ، وهذا لا يترك ورده اليومي من القرآن ،
وهذا بارٌّ بوالديه ، وثمة من هو ثابتٌ على المبادئ حريصٌ على العهد السابق
... في صور ناصعة لأفراد من الأمة مسابقين مبادرين مجاهدين ، فإلى متى
الوقوف والتقهقر ؟!
أولا نعلم - إخواني وأخواتي - أن من جاهد فإنما يجاهد لنفسه ، وأن من عمل
صالحًا فلذاته ، وأن من تكاسل أو تأخر فإنّما على نفسه يجني ، وأن من ترك
طريق الاستقامة فإنّما يظلم ذاته ، ويزهد في جنّة عرضها السموات والأرض .
كلنا - والله - نكسل ونضعف ، وكلنا تعترينا الوساوس ونشعر بضغط الواقع ،
ولكن من نظر للدنيا وأيقن أنّها أيام قليلة تمضي كلمح البصر ثم تدق الساعة
ويحين الرحيل عنها ، ونظر للآخرة وعظيم ثوابها وطول بقائها ، آثر الباقي
على الفاني ، ولزم غرز الصالحين ، وازداد ثباتًا حتى يلقى ربَّ العالمين .