يلتقي الناس في مناسبات جميلة , الأقارب والجيران والأصدقاء , وهذا شئ جميل
والتواصل مطلب شرعي ولاشك , لكنّ الأغنياء منهم قد يغفلون عن جلسائهم من
الفقراء والمحتاجين فيتكلّفون في مناسباتهم الخاصة , ويظهرون بأحسن وأبهى وأجمل
صورة في المأكل والمشرب والملبس , لأنّ الله تعالى قد أنعم ووسّع عليهم , أمّا
أصحاب الحاجة من جلسائهم فلا يدركون ذلك , وقد يضطرون إلى الاستدانة لمواكبة
مجالسيهم من الموسرين , ويحدث هذا مراراً وتكراراً وخصوصاً بين الأقارب ,
فالفقير إذا جاء دوره , واقتربت مناسبته ووليمته علاه الهمّ والغمّ , كيف سيظهر
أمام ضيوفه وخصوصاً الأغنياء منهم بالمظهر اللائق ؟ فضلاً عمّا يدور في عالم
النساء من حيث الملبس ونحوه مما يثقل كاهل الضعيف فتنقلب المناسبة السعيدة إلى
حزن وكآبة , فالأب يقول : ماذا يسعني فعله ؟ والأمّ تقول : البنيّات لهنّ مطالب
وحاجات حتى يظهرن أمام مثيلاتهنّ بما يناسب فتضعف أمام إلحاحهنّ , وتلبّي
اضطراراً , أمّا الضيوف فقد قطفوا ثمرة هذه الترتيبات , وآخر عهدهم بالمناسبة
قولهم ( أطعم الله من أطعمنا ..إلخ ) دون أن يشعروا بالمعاناة , وهنا كلمة لابد
منها للأغنياء : راعوا ظروفهم وأحوالهم , ولاتتكلفوا في كل شئ فيتكلفون مثلكم ,
أنتم تستطيعون , وهم لا يستطيعون , أنتم لاتتأثرون مالياً , وهم قد تأثروا
وغصّوا ...ما المانع , -حتى وإن كنتم موسرين – أن تتواضعوا في كل شئ حتى
لاترهقوهم , بل حتى تشجعوهم على عدم التكلّف فإذا رأوا منكم تواضعاً في المأكل
والمشرب والملبس في المناسبات , فإنّ ذلك يحفّزهم ويشجعهم على استمرارية
التواصل والألفة والمحبة , وكم من غني تواضع لأقربائه وجيرانه وأصحابه ذوي
الحاجة فاقتربوا منه وأحبّوه وأنسوا برؤيته , وبالمقابل كم من غني غفل عن هذه
الفئة فظهر أمامهم بأغلى وأحسن وأبهى وأجمل صورة , فعجز ذوو الحاجة عن مجاراته
ومحاكاته ومسايرته فاعتذروا عنه وتركوه , وخافوا على نسائهم من الاختلاط بنسائه
حتى لايتأثرن فيمارسن الضغط عليهم وظروفهم لاتسمح , وخافوا على أولادهم من
الاختلاط بنظرائهم فآثروا القطيعة , والمشكلة تزداد إذا كان بين الأقارب جدّاً
كالإخوة والأخوات , ولذا سمعت عن أم فقيرة , ولها أولاد في سنّ المراهقة لم تصل
أختها الغنية – وهي ذات أولاد أيضاً - منذ زمن , والسبب : هو التفاوت بينهما في
هذا الجانب , تقول الفقيرة : ماذنب أولادي إذا رأوا أبناء خالتهم عليهم أثر
النعمة والغنى ؟ ينظرون إليهم يريدون مثلهم وأنا لا أستطيع توفير ما يريدون ,
وأختى – هداها الله - ترى فقرنا وحاجتنا ولم تحرّك ساكناً سوى فرحتها بمجيئنا
وإكرامنا بما جرت العادة أن يكرم به كل ضيف , لم تقل يوماً : هذا لابنك , وهذه
لابنتك , هذه هدية لأولادك بمناسبة كذا وكذا , أنا لاأتسوّل لكن يجدر بكل أخت
غنية أن تصل أختها المحتاجة بما يرسم البسمة على محياها خصوصاً إذا كانت ذات
أولاد , ومتطلبات الحياة كثيرة , ذات يوم دعوتها لوليمة عشاء , فآثرت عدم
التكلّف فرفض أولادي إلا التكلّف بما يليق بخالتهم وأولادها , وقالوا :
ستخجليننا إن لم تتكلّفى , لابد أن نظهر بالصورة المشرفة حتى لايظنّوا أننا
...!!!! فوافقت الأم على مضض وتكلّفت كثيراً , ولم تنته من تسديد تكاليف العشاء
إلا بعد ثلاثة أشهر , والله المستعان , إذاً راعوا ظروفهم وأحوالهم
محبك / علي بن صالح الجبر البطيّح
Asb1388@gawab.com
القصيم – البدائع ص . ب ( 988)
جوال / 0504286623
|