|
الأصل أن الباعث على زيارة الوالدين وعموم الأقارب والأصحاب والجيران هو الإخلاص
لله تعالى والمحبة التي نكنّها لهم والشوق إليهم , وامتثال أمر الله تعالى
ورسوله – صلى الله عليه وسلم – في ذلك , لكن لمّا داخل النفوس ماداخلها من أمور
لاتخفى , ومنها انتظار المبادلة بالمثل , وترقب ردّ الجميل , والمحاسبة على
التقصير , والمجاملات , وخوف العار والمذمّة , والتكلّف في الاستقبال والمأكل
والمشرب , أقول لمّا داخل النفوس ماداخلها من ذلك , أصبحنا لانحسّ بالأمان ,
وإنما نذهب نزور حتى لايغضب علينا وطمعاً في طلب رضاه , ومع الزمن تغيرت
أهدافنا في زيارة بعضنا البعض من كونها للع خالصة إلى ما أشرت إليه سابقاً ,
وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم ( إنما الأعمال بالنيات , وإنما لكل امرئ
مانوى ..) الحديث ففتش عن نيتك هل هي خالصة لوجه الله تعالى ؟ هل الباعث على
هذا المحبة التي نكنّها لهم والشوق إليهم , وامتثال أمر الله تعالى ورسوله –
صلى الله عليه وسلم – ؟ أم انتظار المبادلة بالمثل , وترقب ردّ الجميل ,
والمحاسبة على التقصير , والمجاملات , وخوف العار والمذمّة , وهنا تكمن المشكلة
وتضيع علينا أعمال جليلة وجميلة , لأن النية قد اختلفت وتبدلّت , ولكم أن
تقيسوا أعمالاً أخرى عديدة فتشوا في الباعث عليها ولذا الإخلاص عزيز في هذا
الزمن والله المستعان ,
عزيزي – قارئ أسطري – ألم تعلم أنه لاطعم لزيارة لم تكن لله تعالى خالصة , ألم
تر أنها بذلك أصبحت عبْاً ثقيلاً عليك وعلى أهلك وأولادك تنتظر متى تلقيها عن
كاهلك ؟ لاتتلذذ ولاتجد بها أنساً وإنما هي واجب ثقيل يؤدى في المناسبات
والأعياد كيفما اتفق ؟ ياترى متى نحس باللذة والشوق والمحبة التي تمازج قلوبنا
تجاههم ؟ هل هذا مستحيل أوصعب المنال ؟ بل والله إنه لقريب متى خلصت نياتنا
وتحمّلنا مايصدر من الوالدين وعموم الأقارب والأصحاب والجيران من أمور قد
لانرضاها في البدايات , فلأجل الله ينبغي أن نصبر ولأجل الله ينبغي نقدّم
التنازلات تلو التنازلات , ولأجل الله ينبغي أن نصل وإن قطعوا , ونحسن وإن
أساءوا, ونحلم وإن جهلوا , ولنتذكر قصة الصحابي : إني لي قرابة أصلهم ويقطعوني
.. , وفيه أن النبي – صلى الله عليه وسلم - ثبّته وأوصاه وقال : ( كأنما تسفهم
الملّ ) وهو الرماد الحار ..